زماننا ليس تقليدا له كما بيّنّاه مرارا.
وأمّا الثاني : فلأنّ حال المقلّدين من الأعصار السابقة أيضا غير معلومة ، بل قضيّة فتوى السلف بالمنع من تقليد الموتى على الإطلاق كون طريقة عوامهم ومقلّديهم هو العدول عن تقليد من مات منهم إلى الحيّ كما هو واضح.
وأمّا الثالث : فلأنّا نجد المقلّدين من عوام أهل أعصارنا مختلفين في البقاء والعدول عن موت مجتهديهم على حسب اختلاف المجتهدين في إيجاب العدول وتجويز البقاء أو إيجابه ، بل كلّ من يبقى على تقليده بعد موت مجتهده فإنّما يبقى بتقليد مجتهد حيّ يجوز البقاء أو يوجبه ، فمن أين حصلت السيرة على وجه يصلح للاعتماد عليها؟ كيف ولا بدّ أن تكون كاشفة عن الرضاء أو التقرير ولا تكون كاشفة إلاّ إذا كان بناء الناس في كافّة الأعصار والأمصار على الالتزام بالبقاء أو على نفس البقاء. ومن أين علم ذلك؟ بل ولم يعلم به في طائفة ، ولو علم به في طائفة أيضا لا يجدي نفعا في الكشف ، لاحتمال استناد عدم العدول في هذه الطائفة إلى قلّة مبالاتهم في الدين ، أو إلى جهلهم بحكم المسألة ، أو إلى فتوى مجتهد جوّز البقاء ، أو إلى اعتقاد الموافقة بين الحيّ والميّت في الرأي والفتوى ، أو إلى عدم العلم بالمخالفة ، أو غير ذلك من الاحتمالات المانعة من الكشف ، فتوهّم السيرة هنا والاستناد إليها خطأ واضح وغلط ظاهر.
ومنها : أنّه لو وجب العدول من التقليد بعد موت المجتهد للزم العسر الشديد والحرج العظيم غالبا ، وهو منفيّ في الشريعة ، تمسّك به السيّد في المفاتيح.
وفيه من الضعف ما لا يخفى ، لوضوح منع الملازمة ، فإنّا لا نعقل في العدول عسرا ولا كلفة أصلا فضلا عن كونه شديدا أو عظيما ، بل الّذي ندركه بالوجدان أنّ العدول عن تقليد مجتهد إلى مجتهد آخر بعد درك المسائل وفهمها واستيناسها أسهل وأيسر بمراتب شتّى من ابتداء التقليد ، ويحصل في زمان قليل كيوم ويومين أو أقلّ أو أكثر من دون كلفة ، بخلاف ابتداء التقليد الّذي لا يزال متضمّنا للكلفة والمشقّة ولا يحصل غالبا في زمان قليل ، ولم يقل أحد بتأديته إلى العسر والحرج المنفيّين في الشريعة ، وكما أنّه لا يؤدّي إليهما فكذلك العدول عن الميّت إلى الحيّ لا يؤدّي إليهما ، بل هو أولى بعدم التأدية إليهما لما نبّهنا عليه.
ولأنّ العدول لا يجب إلاّ في موضع المخالفة ولا تتّفق المخالفة إلاّ في أقلّ قليل من