ومنها : أنّ الظنّ المعتبر عندهم ظنّ صاحب الملكة المخصوصة المأخوذة في معنى الفقيه والمجتهد ، مع أنّ المعتبر عندهم من بذل الوسع في تحصيل الظنّ المعتبر قدر مخصوص منه ، وغير خفيّ على اللبيب أنّ الملكة المذكورة والقدر المشار إليه من بذل الوسع أمران خفيّان غير منضبطين ، وقد اعترفوا بأنّ مثل ذلك لا يصلح مناطا لأحكامه تعالى (١).
وفيه : أنّ الملكة المخصوصة عند أهل الخبرة بها لا خفاء فيها أصلا ، وخفاؤها في نظر العوامّ وغيرهم ممّن لم يبلغ رتبة الاجتهاد غير قادح ، حيث لا اعتداد في هذا المقام بنظر العوامّ وغيرهم ممّن لا خبرة له في هذا الفنّ ، وأمّا بذل الوسع فليس له حدّ مضبوط عندهم ولا قدر مخصوص لديهم ، بل معياره حصول الظنّ بمعنى الاطمينان أو اليأس من الظنّ ليحرز به موضوع الاصول العمليّة ، فلا مانع من إناطة استنباط أحكامه تعالى بشيء من الأمرين ، مضافا إلى ما يورد عليه أيضا من جريان ذلك على طريقة الأخباريّين أيضا ، إذ لابدّ عند المحقّقين منهم في الرجوع إلى الأدلّة الشرعيّة من الاقتدار على فهم الأخبار والجمع بينها والتمكّن من ردّ الفروع إلى الاصول ونحو ذلك أيضا من الامور النفسيّة الغير الظاهرة ، فلو كان صالحا للمنع لجرى في كلّ من الطريقين.
ومنها : أنّ الظنّ من باب الشبهات وقد ثبت وجوب التوقّف عند الشبهات المتعلّقة بنفس الأحكام.
أمّا الاولى : فلما في نهج البلاغة في خطبة له عليهالسلام « وإنّما سمّيت الشبهة شبهة لأنّها تشبه الحقّ » (٢).
وأمّا الثانية : فللروايات الصريحة في وجوب التوقّف (٣).
وفيه : منع المقدّمتين معا ، أمّا منع الاولى : فلأنّ الظنّ بعد ما أخذ الشارع متعلّقه حكما فعليّا للظانّ الغير المتمكّن من العلم ليس من الباطل الشبيه بالحقّ ، بل هو في محلّ الفرض عين الحقّ كما عرفت مرارا.
وأمّا منع الثانية : فلأنّ التوقّف عند الشبهات في أحكامها الخاصّة لا يقضي بالتوقّف في حكمها العامّ المجعول شرعا للجاهل المتحيّر ، فنحن أيضا نتوقّف عند الظنّ بشيء إذا لاحظناه من حيث هو ، ونأخذ بمتعلّقه إذا لاحظنا القطعيّ القائم بكونه الحكم المجعول
__________________
(١) الفوائد المدنيّة : ١٩١.
(٢) نهج البلاغه : ٨١ ، الخطبة ٣٨.
(٣) الفوائد المدنيّة : ١٩٢.