الغيبة أو في زمان الحضور مع عدم تمكّنهم من الوصول إليه أو عدم تمكّنه من التصرّف على ما هو حقّه.
فإنّ قضيّة ذلك أن يجعل في حقّهم من الطرق الغير العلميّة ما يكون بدلا عن الطرق العلمي قائما مقامه لينفعهم في مواضع تعذّر العلم ، فلو أخطأوا حينئذ بعدم إصابة الواقع لم يكن مستندا إلى الله تعالى بل إلى الأسباب الخارجة مع لزومه استدراك ما يتدارك به مصلحة الواقع.
فأمرهم بمتابعة ما لا يكاد يسلم عن عدم مصادفة الواقع ليس إضلالا لهم ليكون قبيحا منافيا لحكمة الشارع الحكيم ، ولذلك اختصّ اعتبار العصمة بالإمام دون غيره من المجتهدين والرواة الّذين هم وسائط بينه وبين الرعيّة النائين عنه الغير المتمكّنين من الوصول إليه ، والّذي يفصح عن هذا الفرق مجعوليّة الأحكام المعمولة عند التقيّة المتّفق عليها عند أصحابنا المدلول عليها بالأخبار المتواترة ، فإنّ هذه الأحكام كلّها أبدال من الأحكام الواقعيّة جعلت للعاجزين عن الأخذ بالأحكام الواقعيّة لحصول الإطاعة والانقياد بها.
وممّا يؤيّد ذلك أيضا وقوع التعبّد في الشريعة بالقواعد العامّة المقرّرة لاستكشاف الأحكام في الموضوعات المشتبهة كأصالة طهارة الماء ، وأصالة صحّة فعل المسلم ، وقبول أخبار ذي اليد ، والبيّنة ، وسوق المسلمين ونحوها ، مع عدم إفادة شيء من ذلك القطع بالواقع ولا دوام مصادفته له كما لا يخفى.
ولو لا ذلك من باب الاكتفاء به في مقام الانقياد والطاعة كان محذور الإضلال وتفويت مصلحة الواقع المنافي للحكمة قائما.
ومنها : أنّ المسلك الّذي مداركه غير منضبطة ـ مع كثرة ما يقع فيها من وجوه التعارض واضطراب الأنفس ورجوع كثير من فحول العلماء عمّا أفتوا به أوّلا ـ لا يصلح لأن يجعله الشارع الحكيم مناطا لأحكامه ، ومن المعلوم أنّ اعتبار ظنّ المجتهد المتعلّق بنفس أحكامه تعالى مستلزم لهذه المحذورات (١).
وفيه ـ بعض النقض بالأخبار الغير العلميّة لوفور جميع هذه المذكورات فيها ، لما فيها من طروّ الاختلالات من وجوه شتّى ـ : أنّ الظنّ بمعنى اطمينان النفس وسكونها أمر
__________________
(١) الفوائد المدنيّة : ١٨٠.