تقدير عدم التدارك لا مطلقا.
ومنها : أنّ خلاصة ما استدل به الإماميّة على وجوب عصمة الإمام من « أنّه لولاها لزم كون الله سبحانه آمرا لعباده باتّباع الخطأ وهذا قبيح » جارية في وجوب اتّباع المجتهد ، وهذا هو النقض الّذي أورده الفخر الرازي على الإماميّة (١) ، غير أنّه لا يرد على الأخباريّة منهم لأنّهم لا يجوّزون الاعتماد في أحكامه تعالى على الظنّ (٢).
وفيه : مع النقض بالظنّ في الموضوعات والعمل بالأخبار الّذي لا يكاد يسلم عن الخطأ أيضا كما عرفت ، أنّ الخطأ ـ وهو الوقوع في مخالفة الواقع ـ قد ينشأ عن فقد حالة في النفس مانعة منه وهي العصمة ، وقد ينشأ عن أسباب خارجة حصلت من باب الطوارئ وهي وجوه الاختلال الطارئة للأدلّة ، والمنفي عن الإمام عليهالسلام ما يكون من قبيل القسم الأوّل ، إذ لو كان جائزا لكان وقوعه في الحقيقة مسندا إلى الله تعالى ، فيكون أمره تعالى للعباد باتّباع الإمام الغير المعصوم إيقاعا لهم في الخطأ ، لأنّ نصبه إماما يجوز في حقّه الخطأ مؤدّاه وجوب متابعته في جميع ما يقول به حتّى مواضع خطائه ، وهو إيقاع لهم في الخطأ في هذه المواضع وأنّه قبيح ، إمّا لأنّه نقض للغرض من حيث إنّ الغرض من نصب الإمام حفظ شرعه وإرشاد عباده إلى الأحكام المأخوذة في هذا الشرع على ما ينبغي وكما هو حقّه ، أو لمنافاته الحكمة من حيث إنّ حكمة الحكيم اقتضت هداية العباد وإرشادهم إلى مصالح امورهم ومفاسدها ، والإيقاع في الخطأ إضلال لهم فيكون قبيحا ، وأيّا ما كان فيجب عليه إعطاؤه الإمام الّذي ينصبه ما يؤدّي إلى حسم مادّة هذا النحو من الخطأ.
بخلاف ما يتّفق في التعبّد بالظنّ أو الطرق الظنّية الّتي من شأنها التأدية إليه ، فإنّه لا يسند إليه تعالى حيثما وقع ، وإنّما يسند إلى أسبابه الخارجيّة ، ولا قبح في ترخيصه في الأخذ بهما بعد ملاحظة قبح التكليف بما فوق الطاقة وقبح الإلجاء الّذي يؤول إليه منعه من طروّ تلك الأسباب لو وجب عليه ، كما يرشد إليه أخذهم عدم البلوغ حدّ الإلجاء في مفهوم اللطف الّذي يوجبونه عليه تعالى ، ولا يلزم منه تفويت مصلحة الواقع إذا اعتبر فيهما وجود ما يتدارك به المصلحة الفائتة كما عرفت.
ومن هنا تعرف ـ كما أشرنا إليه ـ أنّ هذا الخطأ بالإضافة إلى الواقع يعدّ خطأ وأمّا
__________________
(١) انظر التفسير الكبير ٢٠ : (٢٠٨ ـ ٢٠٩).
(٢) الفوائد المدنيّة : ١٨٦.