المطلق ـ عزّ شأنه ـ يأبى حكمته عن أن يبني شريعته على ما يؤدّي إلى الخطأ » انتهى ملخّصا (١).
وفيه ـ بعد منع انحصار دليل جواز البناء على الاجتهاد بل وجوبه في الإجماع كما ستعرفه ـ : أنّ الثابت في المقام بطريق الجزم والإيقان إنّما هو فوق الإجماع وهو الضرورة كما ستعرفه أيضا ، ومع الانحصار في الإجماع فهو أيضا معلوم مفيد للعلم ، وحجّيته على ما يقول به أصحابنا ليست من مخترعات العامّة فإنكارها على هذا التقدير يفضي إلى إنكار حجّية رأي المعصوم ومعتقده.
وانحصار طريق أخذ هذا العلم ـ إن اريد به العلم بأحكام الله تعالى ـ في السماع عنهم ولو بالواسطة في حقّ المتمكّنين من الوصول إليهم لا يقضي بكونه كذلك في حقّ من لا سبيل له إلى هذا الطريق أصلا ، مع أنّ الأخذ من الطرق الاستنباطيّة الّتي منها الظنّ المعلوم كونه طريقا أخذ منهم بالواسطة ، ولا خصوصيّة للسماع في العلم بالأحكام المقرّرة في الشرع.
ولزوم الاختلاف في الآراء منقوض بما أوجبتموه من استنباط الأحكام عن الأخبار ، لكثرة متعارضاتها وقلّة ما يسلم منها عن المعارض ، مع ما فيها من سائر وجوه الاختلالات من جهة السند والمتن والدلالة ، بل أكثر الاختلافات الحاصلة فيما بين الفقهاء إنّما نشأت من هذه الجهة ، بل المبالغة في إعمال النظر لاستفادة المطلب منها وعن غيرها من الآيات أدخل في رفع الاختلاف أو قلّته ، لأدائه إلى حصول التوفيق بين متعارضاتها أو ترجيح بعضها على بعض كما لا يخفى.
مع أنّ الاختلاف قد يكون من مقتضى المصلحة الإلهيّة كما ورد في الأخبار ، مع أنّ فائدة بعث الرسل وإنزال الكتب إنّما هو إرشادهم إلى مصالح الأشياء ومفاسدها وحملهم على الطاعة والانقياد ، وحصولها لا ينافي الاختلاف الناشئ عن الاستناد إلى طريق مرخّص فيه غير لازم المصادفة للواقع إذا كان ترخيصه مسبوقا بملاحظة مصلحة في نفسه مردّدة بين مصلحة الواقع وما يتدارك به تلك المصلحة على تقدير فواتها بعدم اتّفاق المصادفة ، والشريعة مبنيّة على ما يؤدّي إلى إدراك مصلحة الواقع أو بدله المجعول للعاجز عن إدراك الواقع ، وهو ما يتدارك به ما فات من مصلحة الواقع ، والخطأ إنّما ينافي حكمته تعالى على
__________________
(١) الفوائد المدنيّة : (١٨١ ـ ١٨٣).