والعجب ممّن يدّعي العلم ويبادر إلى تخطئة قاطبة أهل العلم الّذين هم ورثة الأنبياء وحفظة الشريعة الغرّاء وكفلة أيتام أهل العباء ، بحيث لولاهم لانهدم الدين المبين وانعدم آثار شرع خاتم النبيّين كيف يخبط في نظره ويخطئ في فهمه فيحمل الرواية هنا على ما يقطع الجاهل بسقوطه عن المقام وبعده عنه كما بين الأرض والسماء فضلا عن العالم ، فيقول : هي محمولة على ظاهرها ، ومعناها سقوط الاجتهاد في نفس أحكام الله تعالى بالكلّية ، ومع ذلك يدّعي انفتاح باب العلم وأنّه في أخذه بالأخبار المرويّة عن أهل العصمة يعمل به دون الظنّ وغيره من الاصول المقرّرة.
والّذي صنعه في الرواية كما ترى دون الظنّ بل الوهم أيضا فضلا عن كونه علما.
ثمّ إنّ له في منع الاجتهاد وإبطال طريقة أصحابنا المجتهدين رضوان الله عليهم شكوك اخر أوردها في المقام مضافة إلى ما عرفته من الوجهين ، ويعجبني التعرّض لنقلها هنا لما في الاطّلاع عليها وعلى ما يفسدها من زيادة وضوح لبطلان هذه الطريقة وحقّيّة طريقة المجتهدين.
منها : أنّ كلّ من قال بجواز التمسّك بالاستنباطات الظنّية في نفس أحكامه تعالى من محقّقي العامّة وجمع من متأخّري الخاصّة اعترف بانحصار دليله في الإجماع بحيث لولاه لم يكن جائزا ، للأدلّة المانعة من الآيات والرواية.
ومن المعلوم أنّ كون ثبوت إجماع الامّة في هذا الموضع مفيدا للقطع محلّ المنع ، وسنده. أوّلا : ما ورد في كلام الصادقين عليهمالسلام من أنّ حجّيّة الإجماع من مخترعات العامّة.
وثانيا : أنّه قد تواتر الأخبار عن الأئمّة الأطهار عليهمالسلام بانحصار طريق أخذ هذا العلم في السماع عنهم عليهمالسلام بواسطة أو بدونها (١).
وثالثا : أنّه قد تواترت الأخبار أيضا بأنّه لا يجوز تحصيل الحكم الشرعي النظري بالكسب والنظر ، لأنّه يؤدّي إلى اختلاف الآراء في الاصول والفروع الفقهيّة كالمناكح والمواريث والديات والقصاص ـ كما هو المشاهد ـ فتنتفي فائدة بعث الرسل وإنزال الكتب على ما هو المشهور بين علماء الإسلام من أنّ فائدتهما رفع الاختلاف ليتمّ نظام المعاش.
ورابعا : كلّ ما يؤدّي إلى الاختلاف يؤدّي إلى الخطأ لامتناع اجتماع النقيضين ، والحكيم
__________________
(١) الوسائل ١٨ : ٤١ الباب ٧ من أبواب صفات القاضي.