لا يسمّى تفسيرا في العرف ، وعلى فرض تسليمه فليس مستندا إلى الرأي ، بل هو تفسير بمقتضى القواعد المحكمة والضوابط المتقنة الّتي لو لا التعويل عليها لانسدّ باب المخاطبة والمحاورة بالمرّة ، والمفروض أنّ الله سبحانه ليس له في مكالماته طريقة مخترعة اختارها لنفسه مغايرة لطريقة العرف ليوجب عدم الاعتداد بتلك الطريقة ، كما نطق به قوله عزّ من قائل : ( وَما أَرْسَلْنا مِنْ رَسُولٍ إِلاَّ بِلِسانِ قَوْمِهِ )(١) وما ورد : من « أنّه أجلّ من أن يخاطب قوما ويريد منهم خلاف ما يفهمون ».
والاجتهاد الغير المرضي الوارد في رواية المحاسن ـ بقرينة كون السياق في منع العمل بالقياس والرأي ـ مرادا به القياس ، أو النظر في استخراج علّة الحكم بالاستنباطات المعهودة لدى أصحاب القياس ، وعليه يحمل ما في مرسلة خدّاش بناء على ورودها في مورد تعذّر الاجتهاد بمراجعة الأمارات الشرعيّة المقرّرة لاستعلام القبلة عند الاشتباه ، وإلاّ فالمنع من مطلق الاجتهاد في هذا المقام حتّى الشرعي منه ضروريّ البطلان.
ومن هنا حكي عن جماعة من متأخّري أصحابنا أنّهم قالوا هذه الرواية متروكة الظاهر من حيث تضمّنها لسقوط الاجتهاد بالكلّية.
وممّا يرشد إلى صحّة ما قلناه من الحمل ما عن ذريعة السيّد قائلا : « وفي الفقهاء من فرّق بين القياس والاجتهاد ، وجعل القياس ما له أصل يقاس عليه ، وجعل الاجتهاد ما لم يتعيّن له أصل كالاجتهاد في طلب القبلة وفي قيمة المتلفات بالجنايات ومنهم من عدّ القياس من الاجتهاد وجعل الاجتهاد أعمّ منه » (٢).
ومع الغضّ عن ذلك فالمنع عن الاجتهاد في مورد خاصّ من موارد الاشتباه في الموضوعات لا يقضي بالمنع عنه في سائر الموارد من الموضوعات والأحكام ، ومحلّ النزاع مشروعيّة الاجتهاد في نفس الأحكام ، فالرواية أعمّ منه من وجهين وهي قضيّة في واقعة خاصّة ، فلا عموم فيها ولا إطلاق يشمل المقام ، ومع ذلك الفرق بين هذه الواقعة ومحلّ البحث في غاية الوضوح ، من حيث إمكان إدراك الواقع بالاحتياط فيها من دون محذور من العسر والحرج وغيره ، بخلاف محلّ البحث الّذي لا يمكن الاحتياط في كثير من صوره ، واستلزامه العسر والحرج لو وجب في سائرها كما لا يخفى على المتأمّل المنصف هذا.
__________________
(١) ابراهيم : ٤.
(٢) الذريعة إلى أصول الشريعة ٢ : ٦٧٢ مع تفاوت يسير في العبارة.