فيدفعه : أنّ المجتهد ـ على ما عرفت ـ في كلّ من موارد شكّه الّذي يرجع فيه إلى الاصول العامّة القطعيّة ، وظنّه المعلوم بكون متعلّقه هو حكم الله الفعلي في حقّه مقيم على العلم وهو الحجّة الواضحة ، فليس ذلك من متابعة الظنّ في شيء ، وإلاّ لم يحتج إلى تجشّم إقامة القطعي وهو منزّه عن الإفتاء بالرأي ، بل هو يفتي بالشرع على التقدير المذكور ، كما أنّه ليس متديّنا بما لا يعلم ، بل هو متديّن بما يعلم أنّه لا دين له من الشرع سواه ، وهو قائل بما يعلم وكافّ عمّا لا يعلم في جميع أحواله ، وليس من أخذ بهواه أو رأيه ، بل هو آخذ بما له أصل وهو المظنون الّذي أصله القاطع ، وليس ممّن يستقلّ بهواه ويستبدّ برأيه ويعتمد على مقائيسه معرضا عن أهل العصمة ومتولّيا عن حجج الله الواضحة وأعلامه الظاهرة ، ليندرج في مورد الخطب والوصيّة المتقدّمين مع كثير من الروايات ، كيف وهو ينادي بأعلى صوته بمحظوريّة كلّ واحد من هذه الامور في الشريعة ، وكلماته في الكتب الاستدلاليّة من الفقه واصوله مشحونة بدعوى الإجماع والضرورة من المذهب في ذلك ، وكثيرا مّا تراه في المسائل الخلافيّة يزيّف خلاف ما رجّحه بكونه قياسا أو استحسانا ليس من مذهبنا.
وبالجملة العاقل المنصف بملاحظة سوق المذكورات ومتونها يجزم أنّه لم يقصد منها إلاّ ذمّ المعاندين للأئمّة ، المتابعين لأهل البدع والضلالة ، الآخذين في دين الله ورسوله بعقولهم القاصرة وأهوائهم الفاسدة وآرائهم الكاسدة مع قيام الحجّة ووضوح البيّنة ، وردعهم عن الضلالة والباطل إلى الهداية والحقّ الواضح البيّن الّذي هو موضوع لطاعة الله وطاعة رسوله دون غيره ، وليس في شيء منها ما ينافي طريقة المجتهدين ، بعد قيام الحجّة القاطعة بانحصار طريق طاعة الله وطاعة رسوله وطاعة أوصيائه الأئمّة المعصومين فيها ، من حيث انقطاعهم عن إمام زمانهم وتعذّر الوصول إلى حضرته والمسألة عنه بالنسبة إليهم ، والمفروض أنّ التكليف بما فوق الوسع والطاقة غير معقول ، وورود الحكم في كلّ واقعة وبقائه إلى يوم القيامة مع فرض اشتراط التكليف به ووجوب امتثاله بالعلم المتعذّر حصوله لا ينفي طريقيّة الظنّ إليه ، ولا وجوب الأخذ بالمظنون على أنّه ذلك الحكم من الشارع ، المريد للطاعة والانقياد مطلقا حتّى في تلك الحالة ، وليس في استنادهم إلى القرآن حيثما يستندون إليه ما يكون من باب التفسير بالرأي الّذي هو عبارة عن كشف المشكلات وإيضاح المبهمات والمشابهات بلا مستند معتبر ينتهي إلى من لا يدركها إلاّ هو ، ضرورة أنّ الأخذ بموجب الدلالات الواضحة والمداليل العرفيّة الّتي يساعد عليها القواعد المعمولة في العرف والعادة