وعن رئيس الطائفة بسنده عن خدّاش عن بعض أصحابه عن أبي عبد الله عليهالسلام قال : قلت لأبي عبد الله عليهالسلام : جعلت فداك أنّ هؤلاء المخالفين علينا يقولون : إذا أطبقت السماء علينا أو أظلمت فلم نعرف السماء كنّا وأنتم سواء في الاجتهاد ، فقال : « ليس كما يقولون ، إذا كان ذلك فليصلّ الأربع وجوه » (١) إلى غير ذلك من الروايات الّتي أوردها في المقام ، وإنّما أطنبنا بإيراد ما أوردناه جميعا هنا مبالغة في إبداء خطأ المخالف وقلّة تدبّره في فهم الأخبار.
ومن أعجب العجاب أنّ الرجل يعدّ نفسه أخباريّا متديّنا بمضامين الآثار وهو لا يفهم الأخبار ، ولا يبلغ نظره بحقيقة المقصود ممّا أورده من الآثار ، حيث إنّه يورد في إبطال الاجتهاد وإفساد طريقة المجتهدين ما لاربط له بغرض المجتهدين ولا ينافي طريقتهم ، وليس ذلك إلاّ من جهة القصور عن قواعد الاجتهاد وضوابط الاصول.
وكيف كان فاستدلاله بالآيات يدفعه : أنّ المجتهد بعد ما أقام الدليل القطعي على التعبّد بظنّه فكلّ ما يقوله من مظنوناته حقّ ثابت من الله سبحانه.
غاية الأمر أنّه في موضع مصادفة الظنّ للواقع يكون هو الحقّ الواقعي وفي غيره يكون هو الحقّ التنزيلي من جهة وجوب إجراء آثار الواقع عليه ما لم ينكشف خلافه ، وإن لزم حينئذ في حكم العقل تضمّنه مصلحة يتدارك بها مصلحة الواقع الفائتة ، والظنّ من حيث هو وإن كان لا يغني من الحقّ في حكم العقل والشرع على ما تقدّم ذكره ، لكنّ الشرع قد يأمر بأخذ المظنون حقّا على معنى ترتيب آثار الواقع عليه كما هو مفروض المقام من موجب القطعي المقام عليه ، وعليه فالمجتهد لا تتبّع إلاّ ماله به علم ناش عن هذا القطعي ، وكون من لم يحكم بما أنزل الله كافرا أو فاسقا أو ظالما مسلّم ولكنّه لا مدخل له بمحلّ البحث ، إمّا لأنّ المراد منه كتمان الحقّ ممّن يعلمه. أو الحكم بالباطل مكان الحقّ المعلوم لدى الحاكم ، وليس فيما يحكم به المجتهد الجامع للشرائط ما يكون من هذا القبيل بعد قيام القطعي على مظنوناته بعنوان أنّها أحكام فعليّة ، وهي الامور الّتي تجب التديّن بها فعلا وترتيب آثار الواقع عليها ما لم ينكشف فساد الظنّ فيها.
وأمّا استدلاله بالروايات ممّا استدللنا على أصالة عدم الحجّية النفسيّة ومن غيرها.
__________________
(١) التهذيب ٢ : ٤٥ ، ح ١٢.