منسوخ لرفضه ، ولو علم المسلمون إذ سمعوه منه أنّه منسوخ لرفضوه.
وآخر رابع لم يكذب على رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم مبغض للكذب خوفا من الله وتعظيما لرسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم ، لم ينس بل حفظ ما سمع على وجهه فجاء به كما سمع ، لم يزد فيه ولم ينقص منه ، وعلم الناسخ والمنسوخ ، فعمل بالناسخ ورفض المنسوخ ، فإنّ أمر النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم مثل القرآن ناسخ ومنسوخ ، وخاصّ وعامّ ، ومحكم ومتشابه ، قد كان يكون من رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم الكلام له وجهان : كلام عامّ وكلام خاصّ مثل القرآن ، وقال الله عزّ وجلّ في كتابه ( وَما آتاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَما نَهاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا )(١) فيشتبه على من لم يعرف ولم يدر ما عنى الله به ورسوله صلىاللهعليهوآلهوسلم ، وليس كلّ أصحاب رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم كان يسأله عن الشيء فيفهم ، وكان منهم من يسأله ولا يستفهمه حتّى أن كانوا ليحبّون أن يجيء الأعرابي والطارئ فيسأل رسول الله حتّى يسمعوا.
وقد كنت أدخل على رسول الله كلّ يوم دخلة وكلّ ليلة دخلة فيخلّيني فيها ، أدور معه حيث دار ، قد علم أصحاب رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم أنّه لم يصنع ذلك بأحد من الناس غيري ، فربّما كان في بيتي [ يأتيني رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم أكثر ذلك في بيتى ] وكنت إذا دخلت عليه ببعض منازله أخلاني وأقام عنّي نساءه ، فلا يبقى عنده غيري ، وإذا أتاني للخلوة معي في منزلي لم تقم عنّي فاطمة ولا أحد من بنيّ ، وكنت إذا سألته أجابني ، وإذا سكتّ عنه وفنيت مسائلي ابتدأني ، فما نزلت على رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم آية من القرآن إلاّ أقرأنيها وأملا عليّ فكتبتها بخطّي ، وعلّمني تأويلها وتفسيرها ، ناسخها ومنسوخها ، ومحكمها ومتشابهها ، وخاصّها وعامّها ، ودعا الله أن يعطيني فهمها [ وحفظها ] ، فما نسيت آية من كتاب الله ولا علما أملاه عليّ وكتبته منذ دعا الله لي بما دعا ، ولا ترك شيئا علّمه الله من حلال ولا حرام ولا أمر ولا نهي كان أو يكون ولا كتاب منزل على أحد قبله من طاعة أو معصية إلاّ علّمنيه وحفظته ، فلم أنس حرفا واحدا ، ثمّ وضع يده على صدري ودعا الله لي أن يملأ قلبي [ علما و ] فهما وحكما ونورا ، فقلت يا نبيّ الله : بأبي أنت وامّي منذ دعوت الله لي بما دعوت لم أنس شيئا ، ولم يفتني شيء لم أكتبه أفتتخوّف عليّ النسيان والجهل فيما بعد؟ فقال : لا لست أتخوّف عليك النسيان والجهل » (٢).
__________________
(١) الحشر : ٧.
(٢) الكافي ١ : ٦٢ ، ح ١.