لا حجّة لكم عليه وأنا هو ، ألم أعمل فيكم بالثقل الأكبر وأترك فيكم الثقل الأصغر ، وركزت فيكم راية الإيمان ، ووقّفتكم على حدود الحلال والحرام ، وألبستكم العافية من عدلي ، وفرشت لكم المعروف من قولي وفعلي ، وأرايتكم كرائم الأخلاق من نفسي ، فلا تستعملوا الرأي فيما لا يدرك قعره البصر ولا يتغلغل الله الفكر » (١).
وعنه عليهالسلام أيضا أنّه قال : « إنّ من أبغض الخلائق إلى الله عزّ وجلّ رجلان : رجل وكلّه الله إلى نفسه ، فهو جائر عن قصد السبيل مشعوف بكلام بدعة ، قد بهج بالصوم والصلاة (٢) فهو فتنة لمن افتتن به ، ضالّ عن هدى من كان قبله ، مضلّ لمن اقتدى به في حياته وبعد موته ، حمّال خطايا غيره رهن بخطيئته.
ورجل قمش جهلا موضع في جهّال الناس ، غاريا غباش الفتنة ، قد سمّاه أشباه الناس عالما ولم يعن فيه يوما سالما ، بكّر فاستكثر من جمع ما قلّ منه خير ممّا كثر ، حتّى إذا ارتوى من آجن واكتنز من غير طائل ، جلس بين الناس قاضيا ، ضامنا لتخليص ما التبس على غيره ، وإن خالف قاضيا سبقه لم يأمن أن ينقض حكمه من يأتي بعده كفعله بمن كان ، وإن نزلت به إحدى المبهمات المعضلات هيّأ لها حشوا [ رثّا ] من رأيه ثمّ قطع به ، فهو من لبس الشبهات مثل غزل العنكبوت لا يدري أصاب أم أخطأ ، لا يحسب العلم في شيء ممّا أنكره ، ولا يرى أنّ [ من ] وراء ما بلغ فيه مذهبا ، إن قاس شيئا بشيء لم يكذب نظره ، وإن أظلم عليه أمر اكتتم به لما يعلم من جهل نفسه ، لكيلا يقال له لا يعلم ، ثمّ جسر فقضى ، فهو مفتاح عشوات ركّاب شبهات ، خبّاط (٣) جهالات ، لا يعتذر ممّا لا يعلم فيسلم ، ولا يعضّ في العلم بضرس قاطع فيغتم ، يذري الروايات ذرو الريح الهشيم ، تبكي منه المواريث وتصرخ منه الدماء يستحلّ بقضائه الفرج الحرام ، ويحرم بقضائه الفرج الحلال ، لاملئ بإصدار ما عليه ورود ، ولا هو أهل لما منه ، فرط من ادّعائه علم الحقّ » (٤).
وعنه عليهالسلام في خطبة له : « وما كلّ ذي قلب بلبيب ، ولا كلّ ذي سمع بسميع ، ولا كلّ ناظر ببصير ، فياعجبا ومالي لا أعجب من خطأ هذه الفرق على اختلاف حججها في دينها ،
__________________
(١) نهج البلاغة : ١١٨ ، الخطبة ٨٧. الفوائد المدنيّة : ١٩٧.
(٢) وفي النسخ المتداولة المطبوعة : ودعاء ضلالة بدل : قد بهج بالصوم والصلاة.
(٣) وفي المصدر : خباتّ والصواب ما أثبتناه.
(٤) نهج البلاغة : ٥٩ ، الخطبة : ١٧ مع اختلاف في بعض العبارات.