( ما فَرَّطْنا فِي الْكِتابِ مِنْ شَيْءٍ )(١) وفيه تبيان لكلّ شيء ، إلى آخره » (٢).
وعنه عليهالسلام أيضا في كلام له : « إنّ من أحبّ عباد الله إليه عبدا أعانه الله على نفسه ، فاستشعر الحزن وتجلبب الخوف ؛ فزهر مصباح الهدى في قلبه ، وأعدّ القرى ليومه النازل به ، فقرّب على نفسه البعيد وهوّن الشديد ، نظر فأبصر ، وذكر فاستكثر ، وارتوى من عذب فرات ، سهّلت له موارده فشرب نهلا وسلك سبيلا جددا ، قد خلع سرابيل الشهوات ، وتخلّى من الهموم إلاّ همّا واحدا انفرد به ، فخرج من صفة العمى ومشاركة أهل الهوى ، وصار من مفاتيح أبواب الهدى ومغاليق أبواب الردى ، قد أبصر طريقه وسلك سبيله ، وعرف مناره ، وقطع غماره ، واستمسك من العرى بأوثقها ، ومن الحبال بأمتنها ، فهو من اليقين على مثل ضوء الشمس ، قد نصب نفسه لله سبحانه في أرفع الامور من إصدار كلّ وارد عليه ، وتصيير كلّ فرع إلى أصله ، مصباح ظلمات ، كشّاف عشوات ، مفتاح مبهمات ، دفّاع معضلات ، دليل فلوات ، يقول فيفهم ويسكت فيسلم ، قد أخلص لله فاستخلصه ، فهو من معادن دينه وأوتاد أرضه ، قد ألزم نفسه العدل ، فكان أوّل عدله نفي الهوى عن نفسه ، يصف الحقّ ويعمل به ، لا يدع للخير غاية إلاّ أمّها ولا مظنّة إلاّ قصدها ، قد أمكن الكتاب من زمامه فهو قائده وإمامه ، يحلّ حيث حلّ ثقله ، وينزل حيث كان منزله.
وآخر قد يسمّى عالما وليس به ، فاقتبس جهائل من جهّال وأضاليل من ضلاّل ، ونصب للناس أشراكا من حبائل غرور وقول زور ، قد حمل الكتاب على آرائه وعطف الحقّ على أهوائه ، يؤمن من العظائم ويهوّن كبير الجرائم ، يقول : أقف عند الشبهات وفيها وقع ، ويقول : اعتزل البدع وبينها اضطجع ، فالصورة صورة إنسان والقلب قلب حيوان ، لا يعرف باب الهدى فيتّبعه ، ولا باب العمى فيصدّ عنه ، وذلك ميّت الأحياء ، فأين تذهبون وأنّى تؤفكون ، والأعلام قائمة والآيات واضحة ، والمنار منصوبة ، فأين يتاه بكم! بل كيف تعمهون وبينكم عترة نبيّكم وهم أزمّة الحقّ أعلام الدين وألسنة الصدق ، فأنزلوهم بأحسن منازل القرآن ، وردوهم ورود الهيم العطاش.
أيّها الناس خذوها عن خاتم النبيّين ( أنّه يموت من مات منّا وليس بميّت ، ويبلى من بلى منّا وليس ببال ) فلا تقولوا بما لا تعرفون ، فإنّ أكثر الحقّ فيما تنكرون ، وأعذروا من
__________________
(١) الأنعام : ٣٨.
(٢) الفوائد المدنيّة : ١٩٤.