في المسائل الاجتهاديّة ، لا لأنّه في نفسه حجّة بل لقيام القاطع عليه من العقل والشرع ، بل الظنّ في كلامهم هنا ليس على إطلاقه وإن وصف في كلام غير واحد بالإطلاق قبالا للظنّ الخاصّ ، بل المراد به الظنون المطلقة المجهولة الحال من جهة الأدلّة الخاصّة من الحجّية وعدمها.
وما عرفته عن بعض الأعلام فهو أيضا ليس قولا بأصالة الظنّ لا عن قاطع كما نصّ به في طيّ العبارة المتقدّمة ، ويمكن كون مراده بما ادّعاه من الأصل ما يكون أصلا ثانويّا كما يستفاد من مواضع اخر من كتابه وإن كان هنا بعيدا ، ولعلّ الأخباريّة غفلوا عن مقصود المجتهدين من أصحابنا فساقوا عليهم بما ساقوا ، واعترضوا عليهم بما تقف عليها من التجشّمات الواهية والتكلّفات الفاسدة.
ومن جملة ذلك ما في كلام الأمين الاسترآبادي في فوائده المدنيّة (١) من احتجاجه في إبطال مقالة المجتهدين بالعمومات الناهية الكتابيّة كقوله تعالى : ( أَلَمْ يُؤْخَذْ عَلَيْهِمْ مِيثاقُ الْكِتابِ أَنْ لا يَقُولُوا عَلَى اللهِ إِلاَّ الْحَقَ )(٢) وقوله تعالى : ( إِنَّ الظَّنَّ لا يُغْنِي مِنَ الْحَقِّ شَيْئاً )(٣) وقوله تعالى : ( وَلا تَقْفُ ما لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ )(٤) وقوله تعالى : ( إِنْ هُمْ إِلاَّ يَظُنُّونَ )(٥) و ( إِنْ هُمْ إِلاَّ يَخْرُصُونَ )(٦) وقوله تعالى : ( وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِما أَنْزَلَ اللهُ فَأُولئِكَ هُمُ الْكافِرُونَ )(٧) إلى غير ذلك من الآيات.
ومن جملته أيضا احتجاجه بما ورد عن الأئمّة الهدى عليهمالسلام من الخطب والوصايا والأخبار الّتي منها أكثر ما تقدّم ومنها غيرها.
فعن نهج البلاغة (٨) في ذمّ القضاة : « ترد على أحدهم القضيّة في حكم من الأحكام فيحكم فيها برأيه ، ثمّ ترد تلك القضيّة بعينها على غيره فيحكم فيها بخلاف قوله ، ثمّ تجتمع القضاة بذلك عند إمامهم الّذي استقضاهم فيصوّب آراءهم جميعا ، وإلههم واحد ونبيّهم واحد وكتابهم واحد ، أفأمرهم الله بالاختلاف فأطاعوه؟ أم نهاهم عنه فعصوه؟ أم أنزل الله سبحانه دينا ناقصا فاستعان بهم على إتمامه؟ أم كانوا شركاء له فلهم أن يقولوا وعليه أن يرضى؟ أم أنزل الله سبحانه دينا تامّا فقصّر الرسول صلىاللهعليهوآلهوسلم عن تبليغه وأدائه؟ والله سبحانه يقول :
__________________
(١) الفوائد المدنيّة : ١٨٥. (٢) الأعراف : ١٦٩.
(٣) النجم : ٢٨. (٤) الإسراء : ٣٦.
(٥) الجاثية : ٢٤.
(٦) الأنعام : ١١٦.
(٧) المائدة : ٤٤.
(٨) نهج البلاغة : ٦١ ، الكلام ٩٨.