ومن ادّعى سماعا بغير الباب الّذي فتحه فهو مشرك ، وذلك الباب المأمون على سرّ الله المكنون ».
وما عنه عليهالسلام : « ما أحد أحبّ إلىّ منكم ، إنّ الناس سلكوا سبلا شتّى منهم من أخذ بهواه ، ومنهم من أخذ برأيه ، وأنّكم أخذتم بأمر له أصل ».
وما عنه أيضا : « أنّ الناس أخذوا هكذا هكذا ، فطائفة أخذوا بأهوائهم ، وطائفة قالوا بآرائهم ، وطائفة قالوا
بالرواية ، وإنّ الله هداكم بحبّه وحبّ من ينفعكم حبّه عنده » إلى غير ذلك من الأخبار الّتي يأتي كثيرا منها أيضا فيما بعد ذلك إن شاء الله.
ولا يذهب عليك أنّ ذمّ الطائفة القائلة بالرواية لا ينافي القول بحجّية خبر الواحد ، لأنّ المراد من القول بالرواية الركون إلى كلّ رواية من كلّ راو من دون اعتبار السند ولا مراعاة الصدق والصدور ولا جهة الصدور ولا الدلالة مثلا.
وبالجملة الأخذ بالرواية من دون مراعاة الشروط المحرزة للسند والصدور وجهة الصدور والدلالة ونحوها ممّا يكون محلاّ للشبهة المانعة عن الركون والاعتماد.
وملخّص الكلام : أنّ قضيّة ما ذكر كلّه أنّ الأصل الأصيل الأوّلي في الظنّ عدم الحجّيّة ما لم ينهض دليل علمي على الأخذ به ، وهذا الأصل ممّا لا ينكره أحد من علمائنا الأعلام من المتقدّمين والمتأخّرين إلاّ من شذّ منهم وندر ، كما يستفاد ذلك من بعض الأعلام في غير موضع من كتابه.
ومن جملة ذلك ما ذكره في بحث الاجتهاد عند منع نهوض آيات تحريم العمل بالظنّ دليلا عليه من قوله : « فالحاصل أنّ الآيات إن سلّمنا وجوب العمل على عمومها مع إخراج الظنّ المعلوم الحجّية فيجب العمل على هذا الدليل مع إخراج الظنّ المعلوم عدم حجّيته ، فارتفع بهذا الدليل القطعي العقلي الظهور الّذي ادّعيت من الآية.
فصار المحصّل : أنّ كلّ ظنّ لم يثبت بطلانه فهو حجّة ، وبطل القول بأنّ الأصل حرمة كلّ ظنّ إلاّ ما ثبت حجّيته » انتهى.
وربّما يحكى القول بجواز العمل به في الأحكام وموضوعاتها مطلقا ، فإن أراد القائل به كونه من مقتضيات نفس الظنّ من دون اعتبار قيام حجّة عليه فقد خبط خبطا عظيما ، وخرج ما أقمناه من الأدلّة القطعيّة حجّة عليه ، ولم نقف في أصحابنا على من يقول بتلك المقالة ، وإنّما يقولون بعدم جواز العمل به مطلقا إلاّ ظنّ المجتهد المستجمع لشرائط الفتوى