ومن المعلوم أنّ ذلك كلّه لأن يعرفهم الراجع إلى كتبهم ويجتهد في أحوالهم على حسب مقدوره ، فيميّز الموثوق الجائز أخذ الرواية عنه عن غيره ، وإلاّ لزم اللغويّة فيعلم الافتقار.
لكن ينبغي أن يعلم أنّ العبرة في هذا الشرط حسبما يستفاد من الوجوه المذكورة إنّما هي بمجرّد المعرفة الموجبة للوثوق بأيّ طريق حصلت ولو لغير مراجعة الكتب المؤلّفة في هذه الصناعة ، بل لغير جهة وثاقة الراوي أو الواسطة.
وبالجملة المعتبر تحصيل ما يوجب الوثوق بصدق الرواية وصدورها ، سواء كان ذلك لأجل وثاقة الراوي بل وصحّة السند أو غيرهما ، حصل ذلك الأمر بمراجعة كتب الرجال أو غيرها من الأسباب الّتي تعرف بعضها وإن كان الغالب هو الأوّل.
وما ذكرناه هو المصرّح به في كلام بعض الأعلام ، بل المعهود من سيرة فقهائنا العظام ، لشيوع ما نشاهدهم أنّهم كثيرا مّا يعتمدون على خبر اعتمد عليه الحلّي وأضرابه المانعون للتعبّد بخبر الواحد العاري عن قرائن الصدق وإن جهل رجاله أو ضعف سنده ، ومنه ما في كلام غير واحد من الاعتماد على رواية صحّحها العلاّمة أو غيره وفي طريقها رجل مجهول لم يذكر في الرجال بمدح ولا قدح بناء على أنّه يفيد توثيقا له أو وثوقا بها ، كما اتّفق ذلك في محمّد بن عليّ ماجيلويه المجهول حيث إنّ العلاّمة صرّح بصحّة طريق الصدوق إلى إسماعيل بن رياح وهو فيه (١).
ونحوهما أيضا ما اتّفق للمصنّف ـ على ما حكي ـ في محمّد بن إسماعيل النيسابوري من اعتماده على روايته مع أنّ المعروف من مذهبه في العمل بأخبار الآحاد اشتراطه بتزكية عدلين وعدم اكتفائه بتزكية عدل واحد ، ومن هنا جاء الفرق بين مذهبه ومذهب المشهور في صحيح الحديث وجرت عادته بإعلام الصحيح عند المشهور. بـ « صحر » والصحيح عنده بـ « ص » عن الهاء مجرّدا (٢).
وعن تلامذته أنّهم لتوهّم المنافاة بين مذهبه وما ذكر في النيسابوري الّذي لم يوثّقه إلاّ عدل واحد والّذي وثّقه عدلان هو ابن بزيع فأخذوا بالاعتراض عليه وسألوه عن ذلك ، فجاوبهم : بأنّي موثّق له.
وهذا منه كما ترى ليس إلاّ من جهة أنّه حصل عنده من الخارج قرائن قضت بوثاقة
__________________
(١) خلاصة الأقوال : ٤٣٨ ، الفائدة الثامنة من الخاتمة.
(٢) وهذا سهو منه ١ لأنّ الرمز إلى الصحيح عنده هو « صحى ». راجع المنتقى ١ : ٢٢.