تلك الأخبار من قوله عليهالسلام : « فيسقط صدقنا بكذبه » بناء على أنّ معناه سقوطه عن درجة الاعتبار بسبب ما طرأه من الاشتباه بما وضعه الكذّاب ، بل هذه الرواية بنفسها دالّة على عدم جواز العمل إلاّ بعد التمييز الّذي لا يتأتّى إلاّ بمراجعة الرجال.
ومن هنا أورد المحقّق في المعتبر ـ على ما حكي ـ على الحشويّة القائلة بجواز العمل بكلّ خبر ، بقوله : « أفرط الحشويّة في العمل بخبر الواحد حتّى انقادوا لكلّ خبر ، وما فطنوا إلى ما تحته من التناقض ، فإنّ من جملة الأخبار قول النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم : ستكثر بعدي القالة عليّ » (١) يعني أنّ العمل بما مرّ من الأخبار مع غيرها مطلقا موجبا للتناقض ، لوضوح أنّ العمل بغيرها إنّما يتمّ مع الإعراض عن هذه الأخبار وإلاّ فهي ناهية عن العمل.
وخامسها : الأخبار العلاجيّة المشتملة على الرجوع عند التعارض إلى الأعدل والأورع والأفقه ، وهذه الصفات لا يعلم ثبوتها في الرواة إلاّ بملاحظة الرجال لفقد المعاشرة معهم وانتفاء الشهادة اللفظيّة عليها فيهم ، فانحصر في الكتبيّة الموجودة في كتب الرجال وإن لم نقل بكونها من باب الشهادة الشرعيّة.
وكون الترجيح بالشهرة وموافقة القرآن ونحوهما ممّا لا مدخل للرجال فيه لا يغني عن الترجيح بما ذكر من الامور المذكورة ، وإلاّ لما أمر بالجميع كيف وهي أحد أسباب الترجيح.
وسادسها : أنّ سيرة العلماء قديما وحديثا على تدوين كتب الرجال وتنقيحها وتحصيلها بالاشتراء والاستكتاب ، وعلى مطالعتها والرجوع إليها في معرفة أحوال الرواة والعمل بها في الاعتداد برجال والطعن في آخرين والتوقّف في طائفة ثالثة ، حتّى أنّ كثيرا منهم كانت له مهارة في هذا العلم كالصدوق والمفيد والطوسي وغيرهم من مشائخ الحديث ، بل ربّما أمكن أن يقال : اهتمام المتقدّمين فيه كان أزيد من المتأخّرين ، وأيّ عاقل يرضى بكون ذلك كلّه لغوا مكروها أو حراما؟ فليس إلاّ للافتقار إليه.
وسابعها : إنّ سيرة الرواة والمحدّثين إلى زمن تأليف الكتب الأربعة بل إلى تأليف الثلاثة المتأخّرة الوافي والوسائل والبحار على الالتزام بذكر جميع رجال جميع الأسانيد ، حتّى أنّ أحدا لو أسقطهم أو بعضهم في مقام أشار إليهم في مقام آخر ـ ما في الفقيه والتهذيبين ـ مع التصريح بأنّه للتحرّز عن لزوم الإرسال والقطع والرفع المنافية للاعتبار.
__________________
(١) المعتبر ١ : ٢٩.