ما لا يحصل بدونه ومع عدمه يبقى متحيّرا في جلّ المسائل.
وقد يستدلّ على ذلك أيضا بوجوه اخر :
أحدها : الأصل ، الّذي يقرّر : بأنّ العمل بأخبار الآحاد لازم ـ ولو لكونها من أسباب الظنّ بل أقواها ـ للأدلّة المقامة عليه في محلّه.
والمفروض أنّ جواز العمل بها واستنباط الحكم منها بعد مراجعة الرجال وتعيين المعتبر من الأخبار بذلك في الجملة ممّا لا خلاف فيه ، بل الإجماع من الجميع واقع عليه حتّى من الأخباريّة ، لكون خلافهم في لزوم هذه المراجعة لا جوازها ، وأمّا جواز العمل بها بدون المراجعة فمحلّ إشكال وموضع خلاف ، ومقتضى الأصل عدم الجواز بمعنى عدم الاعتبار لوضوح أنّه على خلاف الأصل.
وثانيها : أنّ الآحاد لا تفيد مطلقا أو غالبا إلاّ الظنّ ، وقد وقع النهي عن العمل به في الكتاب والسنّة بل عليه بناء العقلاء وسيرة العلماء ، والثابت في الخروج عن عموم النهي بالنسبة إلى الآحاد إنّما هو بعد الرجوع إلى الرجال في الجملة وأمّا قبله فلا.
ودعوى قطعيّة الصدور والاعتبار معا أو الأخير فقط يأتي ما فيها من الفساد.
وثالثها : أنّ مصير عامّة المجتهدين إلى الافتقار إلى علم الرجال ولو في الجملة مع ملاحظة ما يزيّف طريقة الأخباريّين ويضعّف مقالة المفصّلين إن لم يفد القطع بذلك فلا أقلّ من إفادته الظنّ ، ومع التنزّل فلا أقلّ من إفادته الشكّ والترديد ، ولا ريب أنّ الإقدام على العمل في هذه الحالة من غير مراجعة الرجال قبيح مذموم عقلا ونقلا.
وهذه الوجوه الثلاث كما ترى إنّما تستقيم في إثبات أصل الافتقار ولو لمقام الاعتبار ، وأمّا بالقياس إلى توقّف الاجتهاد بالمعنى الملحوظ في شروط الوجود كما هو محلّ البحث فلا ، لما سبق الإشارة إليه.
ورابعها : أنّ من المعلوم الوارد على طبقه أخبار مستفيضة وجود أخبار كاذبة وأحاديث موضوعة فيما بين رواياتنا الموجودة بأيدينا ، وإخراجها عمّا بينها حسبما يدّعيه الأخباريّة غير معلوم ، وادّعاؤه من دون قاطع يوجب القطع به غير مسموع ، فالعمل بالجميع من غير تميّز الكاذب عن الصادق والموضوع عن الصادر بالقدر المقدور قبيح ، بل منهيّ عنه بتلك الأخبار المشار إليها بقوله عليهالسلام : « فاتّقوا الله ولا تقبلوا علينا ما خالف قول ربّنا وسنّة نبيّنا » وقوله عليهالسلام في آخر : « فلا تقبلوا علينا ما خالف القرآن » وإلى هذا المعنى يرجع ما في بعض