القريبة من التواتر ، بل المتواترة معنى في الحقيقة حسبما تقدّم إلى شطر منها الإشارة ، أو من جهة عموم ما دلّ على حجّية ظنّ المجتهد حال انسداد باب العلم المستند إلى الكتاب والسنّة وما يرجع إليها حسبما سبق تفصيله مستوفى ، وأيّا ما كان فلا مناص من معرفة أحوال الرواة.
أمّا على الأوّل : فلما عرفت من أنّ القدر المعلوم من الأدلّة الخاصّة انحصار الحجّة بعد الكتاب في السنّة المعلومة أو الموثوق بها ، والأوّل في غاية الندرة ، والوثوق في الثاني لا يتأتّى إلاّ بعد معرفة أحوال الرواة الّتي لها مدخل في حصول الوثوق والاطمئنان بالصدق والصدور ممّا يتعرّض لها علماء الرجال وغيرها ممّا يستحصل بممارسة كتب الاستدلال.
وأمّا على الثاني : فلما قرّرناه آنفا من أنّ الظنّ بالحكم ولا سيّما الاطمئناني منه لابدّ وأن يكون عن سبب بينه وبين المظنون ملازمة ، وملزوم حكم الله ـ بحكم الاصول الكلاميّة والأدلّة القطعيّة مع ملاحظة ما سبق في دفع شبه الأخباريّة ـ منحصر في كلامه تعالى وسنّة امنائه من النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم وأوصيائه ، وهذه الملازمة بنفسها وإن كانت قطعيّة لقطعيّة أدلّتها ، غير أنّها لا تكفي في قطعيّة الحكم إلاّ مع القطع بملزومها.
وقد تقرّر سابقا أنّ القطع في الغالب مسدود بابه ، فظنّيّة الحكم على ما هو الغالب إنّما تنشأ من ظنّية الملزوم إذا كان من قبيل السنّة كما هو الغالب ، ولا ريب أنّ الظنّ بالنسبة إليها ممّا لا يتأتّى عادة إلاّ بمعرفة أحوال نقلتها ولو ظنّا ، ولو اعتبرنا في الحكم كونه مظنونا في مرتبة الوثوق والاطمئنان ـ كما هو الأقوى ـ كان الوثوق به منوطا بالوثوق بملزوم الحكم ، فمن جهته يتأكّد الحاجة إلى المعرفة المذكورة ، وآكد منها الحاجة إليها أيضا في مقام علاج التعارض الحاصل فيما بين الأخبار على ما هو الغالب ، لكون العمدة من طريقه البناء على التخيير أو الطرح أو الوقف والرجوع إلى الأصل فهو فرع التعادل ، أو على الترجيح فهو فرع وجود المرجّح في أحد الجانبين سليما عن المعارض الموجود في الجانب الآخر ، ولاريب أنّ التعادل ووجود المرجّح لا يظهران إلاّ بمراجعة الرجال ، سواء قلنا بقصر الحكم في الترجيح على ما ورد من المرجّحات في النصوص ، أو بتعميمه بالقياس إلى كلّ ما أوجب الوثوق بأحد المتعارضين كما هو الأظهر.
أمّا على الأوّل : فواضح.
وأمّا على الثاني : فأوضح ، إذ بالمعرفة المذكورة يحصل من الوثوق والاطمئنان