ولعلّه لتوهّم ظهور الاستنباط أو الاقتدار فيما هو بالفعل وعدم شمولهما لما هو بالقوّة كما توهّمه غيره ، ويدفع (١) الاطلاق ومنع الظهور ولا سيّما قوله : « يقتدر » ضرورة أنّ الاقتدار على شيء لا يستلزم فعليّة حصوله ، فالقيدان وإن صحّ مؤدّاهما زائدان مستغنى عنهما فيكونان لتوضيح انقسام ذي الملكة إلى قسميه.
نعم لو قيل في التعريف : « ملكة يستنبط بها الحكم الشرعي » كان دعوى الظهور في الفعل غير بعيدة ، وفي كلام بعض الفضلاء : أنّ التقييد بقوله : « أو قوّة قريبة » مفسد للحدّ ، لأنّ الاستنباط بالقوّة القريبة معناه القوّة القريبة للاستنباط ، وهي معنى الملكة فيرجع الحدّ إلى أنّ الاجتهاد ملكة الملكة ، وفساده واضح.
وقد يوجّه القيد بتخيّل دفع هذا الإشكال بكون قوله : « أو قوّة قريبة » عطفا على الملكة ، على أن يكون المعنى : أنّ الاجتهاد إمّا ملكة الاستنباط الفعلي أي الحاصل ، أو قوّة قريبة من الاستنباط الفعلي.
ويرد عليه ـ مع عدم مساعدة ظاهر عبارة الحدّ عليه ـ : أنّ القوّة القريبة من الاستنباط الفعلي إن اريد بها ما يعمّ القوّة القريبة من ملكة الاستنباط الفعلي فسد طرد الحدّ بالقياس إلى من له القوّة القريبة من الاجتهاد دون الاستنباط كالعالم بالفتوى مثلا ، وإن اريد بها ما لا يعمّ ذلك فسد أصل الحدّ لاشتماله على التكرار ، نظرا إلى أنّ القوّة القريبة من الاستنباط الفعلي على هذا التقدير عبارة اخرى من ملكة الاستنباط الفعلي.
فالوجه في دفع الإشكال أن يقال : إنّ قيدي الفعل والقوّة القريبة راجعان إلى الاقتدار لا إلى الاستنباط كما فهمه الفاضل ، وحينئذ فلا اعتراض إذ الاقتدار على الاستنباط المسبّب عن الملكة ينقسم إليه بالفعل وإليه بالقوّة القريبة من الفعل ، نظرا إلى عدم كون الملكة بالقياس إليه علّة تامّة بل هي من باب المقتضي ، فقد يصادف وجود جميع شروط الاقتضاء الّتي منها استحضار الدليل والالتفات إليه وفقد جميع الموانع الّتي منها تعارض الأدلّة ، وقضيّة ذلك حصول الاقتدار على الاستنباط فعلا ، فإن صادف فقد بعض الشروط أو وجود بعض الموانع لزم منه عدم الاقتدار على الاستنباط بالفعل ، بل إنّما هو حاصل بالقوّة القريبة من الفعل كما هو واضح.
__________________
(١) كذا في الأصل ، والصواب : « ويدفعه ... » الخ.