ويمكن على تقدير رجوع القيدين إلى الاستنباط أيضا دفع الاعتراض بمنع كون القوّة القريبة مرادا بها هنا ما يرادف الملكة ليتوجّه المحذور المذكور ، بل المراد بها بقرينة مقابلتها الفعل ما يرادف الشأن ، فإنّ الاستنباط قد يكون فعليّا وقد يكون شأنيّا ، والملكة المقتدر بها عليه أعمّ منهما ، ولذا ترى أنّ الفاقد لها كما أنّه لا يتأتّى منه فعل الاستنباط كذلك ليس من شأنه أن يتأتّى منه ذلك.
ثمّ إنّه قد يشكل الفرق بين الاجتهاد باعتبار الملكة والفقه بهذا الاعتبار من حيث إنّه عبارة عن ملكة يقتدر بها على العلم بالأحكام الشرعيّة الفرعيّة عن الأدلّة ، بل ربّما يظهر ممّا في المجمع توهّم المرادفة بينهما ولذا قال في تعريف المجتهد : « أنّه العالم بالأحكام الشرعيّة الفرعيّة عن أدلّتها التفصيليّة بالقوّة القريبة من الفعل » وهذا كما ترى في غاية البعد عن اصطلاحهم وخلاف ما يظهر من مطاوي كلماتهم.
ويمكن دفع الإشكال بالفرق بينهما من وجوه :
أحدها : أنّ المعتبر في « الفقه » كون الملكة حاصلة بالقياس إلى جميع الأحكام بقرينة الجمع المعرّف باللام ، وفي « الاجتهاد » كونها حاصلة بالقياس إلى ما يعمّ البعض أيضا بقرينة المفرد المعرّف بلام الجنس ، ويظهر الثمرة في صدق المجتهد على من له ملكة البعض فقط كالمتجزّي دون الفقيه ، فالمتجزّي حينئذ مجتهد غير فقيه.
وثانيها : أنّ المعتبر في « الفقه » إضافة الملكة إلى العلم الظاهر في الاعتقاد الجازم المطابق للواقع ، وفي « الاجتهاد » إضافتها إلى مطلق الاعتقاد الشامل للظنّ أيضا ، بقرينة أخذ الاستنباط في مفهومه المتناول للاستنباط الظنّي أيضا ، وقضيّة ذلك كون الاجتهاد أعمّ موردا من الفقه كما في سابقه.
وثالثها : كون المأخوذ في مفهوم « الفقه » الأحكام الفعليّة الّتي هي أعمّ من الواقعيّة والظاهريّة على ما تقدّم تحقيقه في حدّ الفقه ، والمأخوذ في مفهوم « الاجتهاد » الحكم المعرّى عن وصف الفعليّة ، نظرا إلى أنّ مقام الاجتهاد ما يحرز به ما هو موضوع الحكم الفعلي وهو المستنبطات الّتي ما لم تندرج في دليل حجّيّة ما حصل بالاستنباط من الظنّ أو العلم بمؤدّيات الأدلّة المعهودة المتعارفة لا تصير أحكاما فعليّة.
ورابعها : أنّ المأخوذ في « الفقه » ملكة يقتدر بها على العلم بالنتيجة الحاصلة عن مقدّمتين قطعيّنين ، يحرز صغراهما بالاجتهاد ولذا اخذ فيه الاستنباط الّذي معناه الاستخراج الّذي