فالثاني باعتبار أنّه عالم بالأحكام الفعليّة والأوّل باعتبار أنّه محصّل لصغرى القياس المنتج لكونه فقيها ويصدق مع هذين العنوانين عناوين ثلاث اخر « المفتي » و « القاضي » و « الحاكم ».
فالأوّل باعتبار أنّه مخبر عن حكم الله بحسب رأيه ومؤدّى اجتهاده.
والقاضي باعتبار أنّه ملزم لأحد المتخاصمين في شبهة حكميّة أو موضوعيّة بالحقّ المتنازع فيه.
والثالث باعتبار عموم ولايته على الأيتام والغيّب والمجانين وأموالهم شرعا.
ثمّ إنّه قد عرفت عن الزبدة تعريف الاجتهاد باعتبار الملكة « بأنّه ملكة يقتدر بها على استنباط الحكم الشرعي الفرعي من الأصل فعلا أو قوّة قريبة » ويظهر منه حصر إطلاقه بحسب الاصطلاح في هذا المعنى ، مع أنّه قد ظهر ممّا سبق أنّه لم يتعرّض لذكره أحد من المصنّفين ممّن قبله من أهل الخلاف وغيرهم.
نعم إطلاق المجتهد على صاحب هذه الملكة شائع في هذه الأعصار وما قاربها ، وكأنّه أخذ التعريف المذكور من ذلك والظاهر أنّه اصطلاح آخر مخصوص بأصحابنا.
وكيف كان فعن الفاضل الجواد : أنّه يخرج بقيد « الملكة » المستنبط لبعض الأحكام من أدلّتها بالفعل من غير أن يصير ذلك ملكة له بل كان حالا ، فإنّه ليس اجتهادا ، وكذا من حفظ جملة من الأحكام تلقينا وعرف مع ذلك أدلّتها ، لعدم حصول الملكة معه ، و « اللام » في « الحكم » للجنس فيدخل المتجزّي ، والتقييد بـ « الشرعي » لإخراج العقلي ، وب « الفرعي » الأصلي كالاعتقادات وب « من الأصل » الضروري كالصلاة والزكاة.
ثمّ قال : وبالقوّة القريبة يدخل من له تلك الملكة من غير أن يستنبط بالفعل بل يحتاج إلى زمان ، إمّا لتعارض الأدلّة أو لعدم استحضار الدليل أو الاحتياج إلى التفات أو نحو ذلك ، وحيث إنّ الاجتهاد هو الملكة فالمجتهد من له تلك الملكة والمجتهد فيه هو الحكم المستنبط من الأصل.
أقول : لا يخفى ما في قوله : « يخرج بقيد الملكة » من المسامحة الواضحة ، لأنّ الجنس وما هو بمنزلته ليس قيدا والخروج فرع الدخول ، والمراد به دخول شيء في الجنس ، فما لم يذكر الجنس لا دخول فلا خروج ، ولعلّه أراد بالخروج عدم دخول ما ذكر في الجنس لانتفاء الملكة.
ثمّ ظاهر قوله : « بالقوّة القريبة يدخل ... » إلى آخره ، أنّه لو لا هذا القيد لم يدخل ما ذكر ،