ولا ريب أنّ الماهيّة في تحقّقها الخارجي بكلّ من تقاديرها الثلاث مسبوقة بالاستنباطات المعرّاة عنها ، لأنّها ما لم تبلغ حدّا تحقّق معه الماهيّة المأخوذة في مفهوم الاجتهاد كانت معرّاة عن تلك الماهيّة ، وعراها يقضي بعدم صدق الاجتهاد بالمعنى المأخوذ فيه تلك الماهيّة عليها ، فتكون الماهيّة في تحقّقها الخارجي موقوفة على ما ليس باجتهاد ، وإذا تحقّق عنوان الاجتهاد في الخارج بتحقّق ماهيّة الفقه فيه كان فارغا عن توقّف تحقّقها عليه.
وهذا بعد انتقاض عكس التعريف على الوجه الّذي بيّنّاه سابقا من أفضح ما يلزمهم ، حيث إنّ المعروف فيما بين الأوائل والأواخر المصرّح به في كلامهم وكلام غيرهم من أهل التحقيق توقّف الفقه بالمعنى المذكور على الاجتهاد في تحقّقه الخارجي ، فلا يبقى لهم مناص عن أخذ « الفقه » هنا بمعنى الملكة المشار إليها ، ليكون الاستنباطات من أوّلها إلى آخرها متضمّنة للفقه فيصدق عليها عنوان الاجتهاد من أوّل الأمر ، ويكون العلم بالأحكام في جميع مراتبه مسبوقا بالاجتهاد موقوفا عليه.
ثمّ إنّ التفتازاني قال في شرحه : « ظاهر كلام القوم أنّه لا يتصوّر فقيه غير مجتهد ، ولا مجتهد غير فقيه على الإطلاق. نعم لو اشترط في الفقه التهيّؤ للكلّ وجوّز الاجتهاد في مسألة دون مسألة تحقّق مجتهد ليس بفقيه » انتهى.
وهذه الملازمة على فرض ثبوتها مبنيّة على أخذ كلّ من الاجتهاد والفقه باعتبار الملكة ، أو الأوّل باعتبار الفعل والثاني باعتبار الملكة ، دون ما لو اخذا معا باعتبار الفعل ، أو أخذ الأوّل باعتبار الملكة والثاني باعتبار الفعل كما يظهر وجهه بتأمّل.
وهذه أيضا من الشواهد على أنّ الاجتهاد باعتبار الفعل مأخوذ فيه الفقه باعتبار الملكة ، وأنّ الفقه بهذا الاعتبار لابدّ من أخذه في تعريف الاجتهاد باعتبار الفعل ليندفع به كلّ من إشكالي الدور وانتقاض العكس.
وأمّا التقرير الثاني من الدور فيندفع أيضا بملاحظة ما ذكرناه ، وملخّصه : أنّ التوقّف في جانب الاجتهاد توقّف الاجتهاد باعتبار الفعل على الفقه باعتبار الملكة ، فلو توقّف الفقه باعتبار الفعل حينئذ على الاجتهاد بهذا الاعتبار لم يلزم دور كما لا يخفى ، مع أنّه لو سلّم الدور بينهما باعتبار وجودهما الخارجي على تقدير أخذهما معا باعتبار الفعل فهو ممّا لا دخل له بما هو مقصود المقام من معرفة ماهيّة الاجتهاد بمعرفة ماهيّة الفقه الغير المتوقّفة