في تحصيل الظنّ *
__________________
على معرفة الاجتهاد ، فلا يفسد به التعريف.
* قد عرفت أنّ أكثر التعاريف كان مشتملا على قيد « الظنّ » وفائدته على ما صرّح به كلّ من تصدّى ببيان فوائد أجزاء التعاريف المتقدّمة من العامّة والخاصّة الاحتراز عن استفراغ الفقيه وسعه لتحصيل العلم ، وعلّله العضدي بقوله : « إذ لا اجتهاد في القطعيّات » غير أنّه غير واحد من أفاضل متأخّرينا أورد عليه بفساده لو اريد به ما يعمّ القطعيّات النظريّة ، إذ معرفة النظريّات أيضا تسمّى فقها وتحصيلها من أدلّتها يسمّى اجتهادا ، فلا يحسن إخراجه ، ولعلّه لأجل ذا عدل في الوافية (١) وغيرها في التعريف إلى ما لم يؤخذ فيه الظنّ.
وقد يضاف إلى هذا الفرض الغير الخارج عن الاجتهاد ما لو انتهى استفراغ الوسع إلى دليل تعبّدي غير منوط اعتباره بالظنّ ، وما لو انتهى إلى التوقّف في خصوص المسألة المستلزم للأخذ بالاصول العامّة العمليّة ، فإنّ كلّ ذلك من المعرّف مع انتفاء الظنّ فيه ، كما في صورة انتهائه إلى القطع بالحكم.
لكن يندفع الكلّ بمنع استلزام القيد خروج هذه الصور ، نظرا إلى أنّ الظرفيّة في قولهم : « في تحصيل الظنّ » يؤدّي هنا مؤدّى « لام » الغاية ، بل هي الواقعة في جملة من التعاريف مكان الظرفيّة.
ولا ريب أنّ فعل شيء لغاية معيّنة لا يستلزم حصول تلك الغاية في الخارج دائما متى ما كان جائز الحصول في نظر الفاعل ، بل قد يصادف حصولها وقد يصادف حصول غيرها ، وقد يصادف عدم حصول شيء ، غير أنّ قضيّة كون الفعل لأجل تلك الغاية صادقة على جميع التقادير.
ومن الواضح أنّ قطعيّات الفقه ليست امورا محدودة مضبوطة بحيث يعرفها المستنبط قبل دخوله في الاستنباط ليكون في دخوله في استنباط حكم المسألة طالبا لتحصيل القطع به من أوّل الأمر ، بل هو لعلمه الضروري بانسداد باب العلم بالأحكام الشرعيّة غالبا وعدم انفتاحه إلاّ في نادر منها لا يدخل في شيء من المسائل إلاّ وهو من أوّل الأمر طالب للظنّ بالحكم الشرعي ، فاستفراغ الوسع لتحصيل الظنّ صادق في حقّه في الجميع.
__________________
(١) الوافية : ٢٤٣ حيث قال : « وعندي أنّ الأولى في تعريفه : أنّه صرف العالم بالمدارك وأحكامها نظره في ترجيح الأحكام الشرعيّة الفرعيّة ».