ويظهر من المحقّق التفتازاني جواز الحمل عليها كما جزم به بعض الفضلاء (١) بناء على أوّل الوجهين ، ولعلّه إلى ذلك يرجع ما عن شيخنا البهائي من « أنّ المراد من الفقيه من مارس فنّ الفقه وإن لم يكن مجتهدا ، احترازا عن الأجنبي كالمنطقي الصرف » وإطلاق « الفقيه » عليه كثير وإن كان إطلاقه على المجتهد أكثر ، نظرا إلى أنّ الملكة بهذا المعنى إنّما تحصل بالممارسة وإن اعتبر معها امور اخر كما تقدّم الإشارة إليه في حدّ الفقه.
وعليه فما اعترض عليه بعض الأعلام من أنّ من قرأ الكتب وزاول رؤوس المسائل أو بعض الكتب الاستدلاليّة أيضا ولكن لم يحصل له بعد قوّة ردّ الفرع إلى الأصل لا يسمّى استفراغ وسعه اجتهادا ، في غير محلّه.
وبما ذكرناه يندفع أيضا ما أورد على عكس الحدّ من أنّ « الفقيه » لا يصدق إلاّ مع العلم بجميع الأحكام أو القدر المعتدّ به الّذي يحصل به الغرض المطلوب من وضع الفنّ ، فخرج استفراغ وسع من لم يبلغ العلم بالجميع أو القدر المعتدّ به ، وعلى فرض صدقه على من علم مسألة أو مسألتين أو أزيد يخرج من استفرغ في طلب ذلك وهو في كلّ من الفروض من أفراد المعرّف ، فإنّ كلّ ذلك مبنيّ على حمل « الفقه » على العلم بالأحكام فعلا.
ويمكن دفع الدور أيضا على هذا التقدير وإن انتقض معه العكس بإبداء اختلاف الجهة ، إذ المتوقّف في جانب الاجتهاد معرفة ماهيّة الاجتهاد ووجودها الذهني لتوقّفه على معرفة الفقه ، والمتوقّف في جانب الفقه وجوده في الخارج دون معرفته ، لتوقّفه على تحقّق الاجتهاد فعلا مع كونه معلوما بنفسه ولو بالنظر الغير المأخوذ فيه الاجتهاد فلا دور ، لجواز توقّف شيء على غيره في الوجود الذهني مع توقّف ذلك الغير عليه في الوجود الخارجي ، كما في العلّة والمعلول في الاستدلالات الإنّيّة.
هذا بناء على الإغماض عمّا يساعد عليه النظر جريا على ما اعتمد عليه غير واحد من الأجلاّء في دفع الدور ، وإلاّ فمقتضى ما بنوا عليه من أخذ « الفقه » هنا بمعنى العلم الفعلي عدم توقّفه في الوجود الخارجي أيضا على الاجتهاد بالمعنى المأخوذ فيه « الفقه » بهذا المعنى ، لأنّه بماهيّته عبارة عندهم إمّا عن العلم بجميع الأحكام ، أو عن العلم بالبعض المعتدّ به ، أو عن العلم بالبعض المطلق الغير المنافي للعلم بالجميع ليشمل التجزّي ولو في مسألة.
__________________
(١) الفصول : ٣٨٧.