وبما عرفت جميعا يظهر لك ضعف دعوى عدم تسمية ذلك استفراغا للوسع في تحصيل الحكم الشرعي ، هذا بالقياس إلى المنطقي إذا حمل الحكم الشرعي في التعريف على الحكم الواقعي الثابت في حقّ المشافهين وغيرهم من المتمكّنين من العلم الواقعي.
وأمّا لو حمل على الحكم الفعلي أو على مصطلح الاصولي ـ وهو خطاب الله المتعلّق بأفعال المكلّفين ـ اتّجه منع تسمية استفراغه استفراغا للوسع في طلب الحكم الشرعي بهذا المعنى ، لعدم كون مطلوبه حكما فعليّا في حقّه ولا خطابا متعلّقا بفعله ، من حيث إنّه لم يكلّف بطلب هذا الحكم ، ولو طلبه ليس له بناء العمل عليه.
لكن يرد على ما ذكر في الإيراد ـ من أنّه خارج بجنس التعريف ـ : منع ذلك ، لاستناد خروجه على هذا البيان إلى قيد « الحكم الشرعي » غير أنّ أصل الإيراد وهو الاستغناء عن قيد « الفقيه » وعدم الحاجة إليه باق على حاله.
إلاّ أن يقال ـ على تقدير أخذ الحكم بالمعنى الاصولي ـ : إنّ التعلّق بفعل المكلّفين أو فعل جنس المكلّف لا يقتضي التعلّق بفعل هذا الشخص بالخصوص ، فالقضيّة في حقّه صادقة إذا جعل التعلّق عبارة عنه في الجملة ولو بالقياس إلى غيره كالمشافه ومن بحكمه.
وهاهنا اعتراض آخر ينشأ من قيد « الفقيه » وهو استلزامه الدور المستحيل ، فإنّ قضيّة أخذ « الفقيه » من أجزاء الحدّ توقّف معرفة الاجتهاد على معرفة الفقه ، والمفروض أنّه لا فقه إلاّ بالاجتهاد لتأخّر رتبة الفقاهة عنه.
وقد يقرّر الدور بوجه آخر وهو : أن أخذ « الفقيه » في حدّ الاجتهاد يعطي توقّف حصول الاجتهاد على تحقّق الفقاهة ، ضرورة كونه الاستفراغ الحاصل من الفقيه.
ومن البيّن توقّف حصول الفقاهة على الاجتهاد ، فيلزم الدور في تحقّق الاجتهاد في الخارج لا في التصوّر.
ويدفعه في تقريره الأوّل : أنّ المتوقّف على الاجتهاد إنّما هو الفقه بمعنى العلم الفعلي بالأحكام ، لا العلم بمعنى الملكة المقتدر بها على العلم الفعلي.
ومن الواجب حمل « الفقيه » على من له هذه الملكة إمّا لكون مبدأ اشتقاقه اسما لها على التحقيق في ألفاظ العلوم ، أو لتوقّف حفظ حدّ الفقه عن إشكال انتفاض عكسه بخروج أكثر الفقهاء على تقدير إرادة الجميع من الأحكام عليه.