دون بعض لزم الترجيح بغير مرجّح ، بل ربّما قيل بأداء بذل تمام الوسع إلى صرف تمام الوقت في تحصيل مسألة واحدة.
ولا ريب أنّ هذه الامور المعتضدة بمحكي الإجماع تنهض مخرجة عن الأصل مسقطة لاعتبار الظنّ الأقوى.
ومع الغضّ عن ذلك فأقصى ما يقتضيه الأصل المذكور كون الأقوائيّة في الظنّ شرطا للاعتبار ، ولا يلزم من كون شيء شرطا للاعتبار اعتباره في ماهيّة الاجتهاد إلاّ على توهّم كون التعريف للصحيح منه ، وهو ضعيف جدّا لمنع اعتبار الصحّة في مفهوم الاجتهاد اصطلاحا على ما سنقرّره.
وأمّا قيد « الفقيه » فهو احتراز عن غيره كالمنطقي الصرف إذا استفرغ وسعه في طلب شيء من الأحكام بطريق الاستدلال ، والمقلّد إذا استفرغ وسعه في طلب فتوى المفتي الّتي هي في حقّه حكم شرعي.
واعترض عليه : باستغناء خروج من ذكر عن هذا القيد إمّا لأنّ استفراغ الوسع لا يتأتّى من غير الفقيه إذا لم يكن له قوّة ردّ الفروع إلى الاصول كما هو المفروض ، أو لأنّ مثل هذا الاستفراغ لا يسمّى استفراغا للوسع في تحصيل الحكم الشرعي ، فهو مخرج بجنس التعريف ولا حاجة إلى اعتبار قيد آخر.
ويدفعه : منع عدم تأتّي استفراغ الوسع عمّن ذكر خصوصا المقلّد المستفرغ وسعه في طلب الفتوى ، فإنّ إمكان ذلك وتحقّقه في الخارج معلوم بحكم الضرورة ، سواء قلنا بكفاية الظنّ بالفتوى في حقّه ، أو قلنا بلزوم العلم بها ، إذ على التقدير الثاني كونه لا يستفرغ وسعه إلاّ في طلب العلم بالفتوى لا ينافي إمكان تأتّي ذلك منه ، والمعتبر في الحدود أخذ الماهيّة الكلّية صادقة على ما أمكن تحقّقه في الخارج من الأفراد وإن لم يتحقّق بعد فعلا ، بل وعلى تسليم الامتناع ولو بحسب العادة فهو لا يمنع اندراجه تحت الماهيّة الصادقة عليه على فرض وجوده ، حيث إنّ فرض الممتنع ليس من الممتنع ، وكما أنّه لا يشترط في أفراد الكلّي فعليّة الوجود فكذا لا يشترط فيها إمكان الوجود على ما قرّر في محلّه ، وهذا بعينه جار في المنطقي أيضا على فرض الامتناع ، وإلاّ فعدم الامتناع في حقّه أيضا ضروري ، لجواز توصّله بمقتضى قواعده المنطقيّة إلى إثبات حكم شرعي ، خصوصا إذا استند فيه إلى القياس المعبّر عنه عنده بالتمثيل.