به صلاح المكلف حسب ما قدمناه.
ولا يعترض هذا الوجه ما تهذى به البراهمة (١) من قولهم : ان العاقل غنى بعقله عن البعثة ، لعلمه به حسن (٢) الحسن وقبح القبيح ، والبعثة لا يجوز أن تتضمن تقبيح حسن ولا تحسين قبيح فهي عبث.
لاتفاقنا وهم [ وإياهم ظ ] على وجوب اللطف في حكمته سبحانه ، وانه لا يختص شيئا معينا ، وانه غير ممتنع أن يكون وجود شجرة في فلاة أو صخرة في جبل لطفا لبعض المكلفين ، وذلك مسقط لشبهتهم لجواز تعلق اللطف بأفعال المكلف كتعلقه بالجماد ووجوب بيانه له.
فتسليم اللطف وأنه لا يختص شيئا معينا وإنكار البعثة مناقضة ظاهرة ، والمنازعة في اللطف وأحكامه جهل بحكمته سبحانه الذي لا يمكن معه كلام في النبوة ولما يرتفع بالنظر في أدلة عدله سبحانه.
على أن قسمتهم يقتضيه المعقول (٣) الى قبيح لا يحسن وحسن لا يقبح فاسدة بالضرورة ، لعلم كل عاقل بانقسام ما يقتضيه إلى أربعة أقسام :
واجب لا يقبح كالصدق والإنصاف ، وقبيح لا يحسن كالظلم والكذب ، ومندوب لا يقبح كالإحسان وحسن الخلق والأمر بالحسن والنهي عن القبيح ، ويجوز أن يجب إذا كان وصلة الى واجب ، ومباح كالأكل والشرب والتصرف في
__________________
(١) قيل : سموا براهمة لانتسابهم إلى إبراهيم عليهمالسلام ، وذلك خطأ ، فإنهم المخصوصون بنفي النبوات أصلا فكيف يقولون بإبراهيم عليهمالسلام ، وقيل لانتسابهم الى رجل يقال له براهم وقد مهد لهم نفى النبوات أصلا. راجع الملل والنحل للشهرستانى.
(٢) لعلمه بحسن الحسن ، كذا في بعض النسخ.
(٣) كذا في بعض النسخ ، ولعل الصحيح هكذا : ما يقتضيه العقول.