أنّ خطابه تعالى ليس بخطاب مواجهة.
قوله في الحاشية المشار إليها : فالصحيح في تقريب عدم اختصاص الخطاب بالحاضرين مجلس التخاطب ، هو أنّ أدوات الخطاب حسبما ندركه من مفاهيمها عند استعمالاتها غير موضوعة للخطاب الحقيقي وإنّما وضعت للخطاب الانشائي وإظهار توجيه الكلام نحو مدخولها بداع من الدواعي ، فلا مانع من شمولها للغائب بل المعدوم بعد فرضه منزلة الموجود كما هو لازم كون القضية حقيقية ... الخ (١).
لا يخفى أنّ الغائب وكذلك المعدوم إن نزّلناه منزلة الحاضر الملتفت صحّ خطابه الحقيقي فضلا عن مجرّد الخطاب الانشائي المدّعى كونه من مجرّد إظهار توجيه الكلام نحوه. وإن لم نتصرّف هذا التصرّف ولم ننزّل ذلك الغائب أو المعدوم منزلة الحاضر الملتفت ، لم يصحّ لنا إظهار توجيه الكلام نحوه فضلا عن خطابه الحقيقي ، فإنّ خطاب المعدوم بل الغائب ولو بنحو الخطاب الايقاعي مع بقاء المعدوم والغائب على ما هو عليه من الغيبة أو الانعدام غير معقول.
وإن شئت فقل : إنّ الخطاب ليس له درجتان إيقاعي وحقيقي ، بل ليس هو إلاّ حقيقة واحدة ، وأنّ العناية والتنزيل لا يكون إلاّ في المخاطب كما هو الشأن في جميع الحروف فإنّه لا يتصوّر فيها الاستعارة وإنّما يكون ذلك في المعاني الاسمية ، ونحن وإن قدّمنا في توجيه كون المسألة عقلية وكونها لفظية أنّه بعد الفراغ من إمكان توجيه الخطاب مع المعدوم بتنزيله منزلة الموجود الحاضر يقع الكلام في أنّ مفاد كاف الخطاب هل هو الحاضر الحقيقي أو هو الحاضر ولو تنزيلا ، إلاّ أنّ ذلك من مجرّد التوجيه للنزاع اللفظي بعد الفراغ عن إصلاح المسألة
__________________
(١) أجود التقريرات ٢ ( الهامش ) : ٣٦٨.