ومنها : ما مرّ سابقاً من قوّة احتمال ورود هذه الفقرة ذيل رواية الشفعة التي لا تناسب النهي أصلاً لأنّها جعلت كبرى كلّية للحكم الوضعي المذكور في صدر الرواية فيكون ظاهرها كون الفاعل هو المكلّفين.
ومنها : ورود قيد « في الإسلام » في بعض الطرق بعد قوله : « لا ضرر ولا ضرار » لأنّها تصير حينئذٍ نظير قول الرجل لخادمه : « ليس في بيتي الكذب والخيانة » لِيُعلِمه بأبلغ البيان أنّ هذه الامور ممّا لا ينبغي له ارتكابه في بيته أبداً ، ومن ارتكبها كان خارجاً عن أهل البيت ، ولا يخفى أنّ الفاعل حينئذٍ هو الخادم ، وفي ما نحن فيه هو المكلّف.
فظهر أنّ الفاعل للضرر هو الناس بعضهم ببعض لا الله سبحانه.
لا إشكال في أنّه إذا ضممنا نتيجة الأمر الأوّل ( وهى كون « لا » نافية ) إلى نتيجة الأمر الثاني ( وهى كون الفاعل هو الناس ) صار معنى الحديث هكذا : ليس في الخارج ( أو في الإسلام بناءً على بعض الطرق ) اضرار المكلّفين بعضهم ببعض ، أي لا يمضيه الله تبارك وتعالى ولا يجيزه ، فيكون نهياً بلسان في النفي ، أي النفي كناية عن النهي وعن عدم الإمضاء ، وهذا ممّا نعرفه بالرجوع إلى إرتكازاتنا العرفيّة العقلائيّة وممّا نعهده بين التراكيب المتداولة في اللغة العربيّة وفي غيرها من الألسنة ، نظير ما مرّ آنفاً من قول الرجل لخادمه : « ليس في بيتي الكذب والخيانة » كنايةً عن أنّ مثل هذه الامور ممّا لا ينبغي له ارتكابه في بيته أبداً ، ونظير ما تداول في يومنا هذا من قولك : « ليس في مكتبنا أو في قاموسنا كذا وكذا ».
والنتيجة حينئذٍ شمول هذه القاعدة أوّلاً للأحكام التكليفيّة والوضعيّة معاً ، وثانياً حكومتها على سائر الأدلّة كما هو كذلك في بعض الأقوال الاخر ، وإن كان الفرق بينه وبينها عدم شمول هذا القول للأحكام الضررية في العبادات كالوضوء الضرري والحجّ الضرري والصوم الضرري وفي التوصّليات كتطهير المسجد إذا كان التطهير منشأً للضرر ، بالجملة عدم شموله لتمام الموارد التي ليس الضرر فيها من ناحية أحكام الشرع ، وبهذا يظهر أنّه يمكن أن يعدّ هذا قولاً سادساً في معنى القاعدة.