مستند الشّيعة - ج ١١

أحمد بن محمّد مهدي النّراقي

مستند الشّيعة - ج ١١

المؤلف:

أحمد بن محمّد مهدي النّراقي


المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ مشهد المقدسة
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
المطبعة: ستاره
الطبعة: ١
ISBN: 964-319-015-3
ISBN الدورة:
964-5503-75-2

الصفحات: ٤١٨

وفي رواية أحمد بن محمّد بن أبي نصر : عن العمرة واجبة هي؟

قال : « نعم » ، قلت : فمن تمتّع يجزئ عنه؟ قال : « نعم » (١).

وفي رواية أبي بصير : « فإذا أدّى المتعة فقد أدّى العمرة المفروضة » (٢).

المسألة الرابعة : قد تجب العمرة بنذر أو عهد أو يمين ، وبالاستئجار ، وبالإفساد ـ أي إذا أفسد عمرة يجب عليه فعلها ثانيا وإن كانت مندوبة ، كالحجّ على ما قطع به الأصحاب ـ وبفوات الحجّ ، فإنّه يجب التحلّل منه بعمرة مفردة ، كما يأتي في مسائل فوات الحجّ.

وقالوا : تجب أيضا لمن دخل مكّة ـ بل الحرم ـ عدا من يستثنى ، كما يأتي في آخر كتاب الحجّ في بحث خصائص الحرم.

والمراد بالوجوب في ذلك القسم : الوجوب الشرطي دون الشرعي ، فإنّ الإثم والمؤاخذة مترتّب على الدخول بغير إحرام ، والمطلوب هو عدم الدخول بدون الإحرام ، دون الإحرام والدخول ، ولا إثم على تركها لو دخل بدونه ، وهو له كالطهارة لصلاة النافلة ، إلاّ إذا وجب الدخول ، فإنّه يجب الإحرام حينئذ أيضا ، لوجوب مقدّمة الواجب شرعا.

وأيضا المراد بالوجوب : الوجوب التخييري دون المعيّن ، لتخيّر الداخل بين إحرامه بالحجّ وبالعمرة.

المسألة الخامسة : ما عدا ما ذكر مندوب ، ولا خلاف في استحبابها تمتّعا كلّما يستحبّ حجّ التمتّع ، وإفرادا لغير المتمتّع.

ووقع الخلاف في المدّة التي تستحبّ فيها العمرة المفردة بعد عمرة‌

__________________

(١) الكافي ٤ : ٥٣٣ ـ ٢ ، التهذيب ٥ : ٤٣٤ ـ ١٥٠٦ ، الإستبصار ٢ : ٣٢٥ ـ ١١٥٣ ، الوسائل ١٤ : ٣٠٥ أبواب العمرة ب ٥ ح ٣.

(٢) الفقيه ٢ : ٢٧٤ ـ ١٣٣٩ ، الوسائل ١٤ : ٣٠٦ أبواب العمرة ب ٥ ح ٦.

١٦١

أخرى ، أي في الزمان الذي يصحّ فيه تتابع العمرتين المفردتين.

فمنهم من لم يقدّر بينهما حدّا ، بل جوّز الاعتمار في كلّ يوم مرّة فصاعدا ، حكي ذلك عن السيّد والحلّي والديلمي (١) وكثير من المتأخّرين (٢) ، وعن الناصريات : نسبته إلى أصحابنا مؤذنا بدعوى الإجماع عليه (٣) ، لإطلاقات الأمر بالاعتمار (٤) ، فلا يتقيّد بوقت دون وقت.

ومنهم من قال : إنّ أقلّ ما يكون بينهما عشرة أيّام ، وهو منقول عن الإسكافي والشيخ في أحد قوليه والمهذّب والجامع والإصباح والتحرير والتذكرة والمنتهى والإرشاد (٥).

لرواية عليّ بن أبي حمزة ، وفيها : قال : « ولكلّ شهر عمرة » ، فقلت : يكون أقلّ؟ فقال : « يكون لكلّ عشرة أيّام عمرة » (٦).

ومنهم من قال : إنّ أقلّه شهر ، وهو القول الآخر للشيخ وابن حمزة والحلبي وابن زهرة والنافع والمختلف (٧) ، وإن احتمل كلام الأخيرين‌

__________________

(١) السيّد في الناصريات : ٢٠٨ ، الحلي في السرائر ١ : ٥٤١ ، الديلمي في المراسم : ١٠٤.

(٢) منهم الفاضل المقداد في التنقيح ١ : ٥٢٦ ، والشهيد في اللمعة ( الروضة ٢ ) : ٣٧٥.

(٣) الناصريات : ٢٠٨.

(٤) الوسائل ١٤ : ٢٩٥ أبواب العمرة ب ١.

(٥) نقله عن الإسكافي في المختلف : ٣١٩ ، الشيخ في المبسوط ١ : ٣٠٩. المهذّب ١ : ٢١١ ، الجامع للشرائع : ١٧٩ ، التحرير ١ : ١٢٩ ، التذكرة ١ : ٤٠١ ، المنتهى ٢ : ٨٧٧ ، الإرشاد ١ : ٣٣٨.

(٦) الكافي ٤ : ٥٣٤ ـ ٣ ، الفقيه ٢ : ٢٧٨ ـ ١٣٦٣ ، التهذيب ٥ : ٤٣٤ ـ ١٥٠٨ ، الإستبصار ٢ : ٣٢٦ ـ ١١٥٨ ، الوسائل ١٤ : ٣٠٨ أبواب العمرة ب ٦ ح ٣.

(٧) الشيخ في المبسوط ١ : ٣٠٤ ، ابن حمزة في الوسيلة : ١٥٧ ، الحلبي في الكافي في الفقه ١ : ٢٢١ ، ابن زهرة في الغنية ( الجوامع الفقهية ) : ٥٨٣ ، النافع : ٩٩ ، المختلف : ٣٢٠.

١٦٢

للتوقّف وللتردّد بين الشهر والسنة.

لصحيحتي الحلبي (١) وابن عمّار (٢) ، وموثّقتي يونس (٣) وإسحاق (٤) ، ورواية عليّ بن أبي حمزة ، المتضمّنة لقوله عليه‌السلام : « لكلّ شهر عمرة » كما في بعضها ، أو : « في كلّ شهر عمرة » كما في بعض آخر.

وعن العماني : أنّه لا يكون في السنة إلاّ عمرة واحدة ، فأقلّ ما يكون بينهما السنة (٥).

لصحيحتي الحلبي وزرارة : « لا يكون عمرتان في سنة » (٦) كما في إحداهما ، « والعمرة في كلّ سنة » (٧) كما في الأخرى.

أقول : لا ينبغي الريب في ضعف القول الأخير وإن صحّت روايتاه ، لشذوذهما ، كما صرّح به غير واحد (٨) ، مضافا إلى ضعف دلالة الأخيرة على المنع عن الزائد ، واحتمالهما التقيّة ، لموافقتهما لبعض العامّة كما قيل (٩) ،

__________________

(١) التهذيب ٥ : ٤٣٥ ـ ١٥١١ ، الإستبصار ٢ : ٣٢٦ ـ ١١٥٦ ، الوسائل ١٤ : ٣٠٩ أبواب العمرة ب ٦ ح ٦.

(٢) التهذيب ٥ : ٤٣٥ ـ ١٥٠٩ ، الإستبصار ٢ : ٣٢٦ ـ ١١٥٤ ، الوسائل ١٤ : ٣٠٨ أبواب العمرة ب ٦ ح ٤.

(٣) الكافي ٤ : ٥٣٤ ـ ١ ، التهذيب ٥ : ٤٣٤ ـ ١٥٠٧ الوسائل ١٤ : ٣٠٧ أبواب العمرة ب ٦ ح ٢.

(٤) الفقيه ٢ : ٢٧٨ ـ ١٣٦٢ ، الوسائل ١٤ : ٣٠٩ أبواب العمرة ب ٦ ح ٨.

(٥) نقله عن العماني في المختلف : ٣١٩ ، التنقيح ١ : ٥٢٦ ، الحدائق ١٦ : ٣١٩.

(٦) التهذيب ٥ : ٤٣٥ ـ ١٥١٢ ، الإستبصار ٢ : ٣٢٦ ـ ١١٥٧ ، الوسائل ١٤ : ٣٠٩ أبواب العمرة ب ٦ ح ٦.

(٧) التهذيب ٥ : ٤٣٥ ـ ١٥١١ ، الإستبصار ٢ : ٣٢٦ ـ ١١٥٦ ، الوسائل ١٤ : ٣٠٩ أبواب العمرة ب ٦ ح ٧.

(٨) انظر : الرياض ١ : ٤٣٥.

(٩) انظر : الوافي ١٢ : ٤٧٧.

١٦٣

وعمومهما بالنسبة إلى المتمتّع بها والمفرد ، واختصاص معارضتهما بالأخيرة قطعا.

ومن بعض ما ذكر يظهر جواب أدلّة القول الثالث أيضا ، فإنّها غير دالّة على المنع عن الزائد ، بل غايتها الدلالة على جواز الاعتمار في كلّ شهر وأنّ لكلّ شهر عمرة ، وهو لا يدلّ على النهي عن الزيادة ـ كما اعترف به من المتأخّرين جماعة (١) ـ بل يؤكّد عدم الدلالة رواية عليّ بن أبي حمزة المتقدّمة ، فلا معارض لذيل هذه الرواية المجوّزة لها في كلّ عشرة ، وضعف سندها غير ضائر بعد وجودها في الكتب المعتبرة ، فلا وجه لردّها بالمرّة ، وهو دليل القول الثاني ، ولكن في دلالتها على ما هو مرادهم ـ من المنع من الزائد أيضا ـ ما مرّ من المنع ، وسبيلها سبيل الأخبار السابقة ، واقتضاء سوق السؤال له ممنوع غايته.

فلم يبق إلاّ دليل القول الأول ، وهو في غاية الجودة والمتانة.

والإيراد عليه : بأنّ الإطلاقات بالنسبة إلى تحديد المدّة بينهما مجملة غير واضحة الدلالة ، وإنّما هي مسوقة لبيان الفضيلة.

مردود بكفاية الفضيلة ، لحسنها في كلّ مرّة ، ولا يحتاج إلى تحديد المدّة ، مع أنّ المقام مقام الاستحباب المتحمّل للمسامحة ، فتكفي فيه فتوى الأجلّة وظاهر الإجماع المحكيّ (٢) ، والله العالم.

__________________

(١) كصاحبي المدارك ٨ : ٤٦٦ ، والرياض ١ : ٤٣٥.

(٢) حكاه في الرياض ١ : ٤٣٦.

١٦٤

المقصد الثاني

في بيان المواقيت وأحكامها

وهي جمع الميقات ، والمراد منها : الأمكنة المعيّنة شرعا للإحرام.

بيانه : إنّ الإحرام ـ الذي هو أول أفعال الحجّ والعمرة ـ يجب إيقاعه في موضع معيّن ، وقد قرّر الشارع لكلّ طائفة موضعا خاصّا يجب عليه إحرامه منه ، وباعتبار تعدّد تلك الطوائف تكثّرت المواقيت ، فمنهم من جعلها خمسة ، ومنهم من قال : إنّها ستّة ، ومنهم من حصرها في سبعة ، ومنهم في عشرة.

وليست تلك الاختلافات باعتبار الاختلاف في جواز الإحرام من الجميع وعدمه ، لأنّ الجميع ممّا جوّزوا بل أوجبوا إحرام أهله منه ، بل لكلّ نكتة في تعيين العدد بحسب نظره ، كما أنّ من ذكر الخمسة نظر إلى ذكرها بخصوصها في بعض الأحاديث (١) ، أو إلى أنّها ممّا خصّها رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم

__________________

(١) الكافي ٤ : ٣١٩ ـ ٢ ، الفقيه ٢ : ١٩٨ ـ ٩٠٣ ، التهذيب ٥ : ٥٥ ـ ١٦٧ ، الوسائل ١١ : ٣٠٨ أبواب المواقيت ب ١ ح ٣.

١٦٥

بذلك الحكم (١) ، وبذلك عرف ، ولا حكم له غير ذلك ، وكما أنّ من لم يذكر الفخّ لأنّه ليس ميقاتا لحجّ واجب أو عمرة واجبة ، وهكذا.

وبالجملة مجموع المواقيت التي يتحقّق فيها الإحرام عشرة :

الأول : العقيق.

وهو ميقات العراقيين والنجديين ومن والاهم ، وهو في اللغة : كلّ واد عقّه السيل ، أي شقّه فأنهره ووسّعه (٢) ، وسمّيت به أربعة أودية في بلاد العرب ، أحدها الميقات ، وهو : واد يندفق سيله في غوري تهامة ، كما حكي عن تهذيب اللغة (٣) ، وله طرفان ووسط.

فأوّله : المسلح ، بفتح الميم وكسرها ، كما في السرائر (٤) ، ثم بالمهملتين ، كما عن فخر المحقّقين والتنقيح (٥) ، أي الموضع العالي ، أو مكان أخذ السلاح ولبس لامة الحرب ، ويناسبه تسميته ببريد البعث أيضا كما يأتي.

أو بالخاء المعجمة ، كما حكاه الشهيد الثاني عن بعض الفقهاء (٦) ، أي موضع النزع ، سمّي به لأنّه تنزع فيه الثياب للإحرام ، ومقتضى ذلك تأخير التسمية عن وضعه ميقاتا.

وأوسطه : غمرة ـ بالمعجمة ، ثم الميم الساكنة ، وقيل : المكسورة ، ثم‌

__________________

(١) انظر الوسائل ١١ : ٣٠٧ أبواب المواقيت ب ١.

(٢) الصحاح ٤ : ١٥٢٧.

(٣) حكاه عنه في لسان العرب ١٠ : ٢٥٥ ، وهو في تهذيب اللغة ١ : ٥٩.

(٤) السرائر ١ : ٥٢٨.

(٥) حكاه عن فخر المحققين في كشف اللثام ١ : ٣٠٤ ، التنقيح ١ : ٤٤٦.

(٦) المسالك ١ : ١٠٣.

١٦٦

المهملة ـ : منهلة من مناهل طريق مكّة ، وهي : فصل ما بين نجد وتهامة ، كما عن الأزهري (١) والقاموس (٢) ، سمّيت بها لزحمة الناس فيها.

وآخره : ذات عرق ، بالمهملة المكسورة ، ثم المهملة الساكنة ، وهو : الجبل الصغير ، سمّيت بها لأنّه كان بها عرق من الماء ، أي قليل ، وقيل : إنّها كانت قرية فخربت (٣).

ثم كون العقيق ميقاتا لمن ذكر ممّا لا خلاف فيه ، بل نقل عليه الإجماع مستفيضا (٤) ، وتدلّ عليه الأخبار المستفيضة :

كصحيحة ابن عمّار : « من تمام الحجّ والعمرة أن تحرم من المواقيت التي وقّتها رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، لا تجاوزها إلاّ وأنت محرم ، فإنّه وقّت لأهل العراق ـ ولم يكن يومئذ عراق ـ بطن العقيق من قبل أهل العراق ، ووقّت لأهل اليمن يلملم ، ووقّت لأهل الطائف قرن المنازل ، ووقت لأهل المغرب الجحفة ، وهي مهيعة ، ووقّت لأهل المدينة ذا الحليفة ، ومن كان منزله خلف هذه المواقيت ممّا يلي مكّة فوقته منزله » (٥).

وصحيحة الحلبي : « الإحرام من مواقيت خمسة ، وقّتها رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، لا ينبغي لحاج ولا لمعتمر أن يحرم قبلها ولا بعدها ، وقّت لأهل المدينة ذا الحليفة ، وهو مسجد الشجرة يصلّى فيه ويفرض الحجّ ، ووقّت لأهل الشام الجحفة ، ووقّت لأهل نجد العقيق ، ووقّت لأهل الطائف‌

__________________

(١) نقله عنه في لسان العرب ٥ : ٣٣ ، وهو في تهذيب اللغة ٨ : ١٢٩.

(٢) القاموس ٢ : ١٠٨.

(٣) المنتهى ٢ : ٦٧١.

(٤) كما في التذكرة ١ : ٣٢٠ ، وكشف اللثام ١ : ٣٠٤ ، والرياض ١ : ٣٥٨.

(٥) الكافي ٤ : ٣١٨ ـ ١ ، التهذيب ٥ : ٥٤ ـ ١٦٦ و ٢٨٣ ـ ٩٦٤ ، العلل : ٤٣٤ ـ ٢ ، الوسائل ١١ : ٣٠٧ أبواب المواقيت ب ١ ح ٢.

١٦٧

قرن المنازل ، ووقّت لأهل اليمن يلملم ، ولا ينبغي لأحد أن يرغب عن مواقيت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم » (١).

وقريبة منها الأخرى لعبيد الله بن عليّ الحلبي ، وفيها ـ بعد قوله : ويفرض الحجّ ـ : « فإذا خرج من المسجد وسار واستوت به البيداء حين يحاذي الميل الأول أحرم » (٢).

والخزّاز : حدّثني عن العقيق أوقت وقّته رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أو شي‌ء صنعه الناس؟ فقال : « إنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وقّت لأهل المدينة ذا الحليفة ، ووقّت لأهل المغرب الجحفة ، وهي عندنا مكتوبة مهيعة ، ووقّت لأهل اليمن يلملم ، ووقّت لأهل الطائف قرن المنازل ، ووقّت لأهل نجد العقيق وما أنجدت » (٣).

أقول : الإنجاد : الدخول في أرض نجد ، أي وقّته لمن دخل أرض نجد.

ورفاعة : « وقّت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم العقيق لأهل نجد ، وقال : هو وقت لما أنجدت الأرض وأنتم منهم ، ووقّت لأهل الشام الجحفة ، ويقال لها : المهيعة » (٤).

أقول : « وأنتم منهم » ، أي ممّن دخل أرض نجد.

__________________

(١) الكافي ٤ : ٣١٩ ـ ٢ ، التهذيب ٥ : ٥٥ ـ ١٦٧ ، الوسائل ١١ : ٣٠٨ أبواب المواقيت ب ١ ح ٣.

(٢) الفقيه ٢ : ١٩٨ ـ ٩٠٣ ، الوسائل ١١ : ٣٠٨ أبواب المواقيت ب ١ ح ٤ وفيه : يجازي ، بدل : يحاذي.

(٣) الكافي ٤ : ٣١٩ ـ ٣ ، التهذيب ٥ : ٥٥ ـ ١٦٨ ، الوسائل ١١ : ٣٠٧ أبواب المواقيت ب ١ ح ١.

(٤) الفقيه ٢ : ١٩٨ ـ ٩٠٤ ، الوسائل ١١ : ٣١٠ أبواب المواقيت ب ١ ح ١٠.

١٦٨

وعليّ : عن إحرام أهل الكوفة وخراسان وما يليهم وأهل الشام ومصر ، من أين هو؟ قال : « أمّا أهل الكوفة وخراسان وما يليهم فمن العقيق ، وأهل المدينة من ذي الحليفة والجحفة ، وأهل الشام ومصر من الجحفة ، وأهل اليمن من يلملم ، وأهل السند من البصرة » [ يعني ] : ميقات أهل البصرة (١).

وعمر بن يزيد : « وقّت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لأهل المشرق العقيق نحوا من بريدين ما بين بريد البعث إلى غمرة ، ووقّت لأهل المدينة ذا الحليفة ، ولأهل نجد قرن المنازل ، ولأهل الشام الجحفة ، ولأهل اليمن يلملم » (٢).

قال في الوافي : البعث ـ بالموحّدة ثم المهملة ثم المثلّثة ـ : أول العقيق ، وهو بمعنى الجيش ، كأنّه بعث الجيش من هناك ، ولم نجده في اللغة اسما لموضع ، كذلك ضبطه من يعتمد عليه من أصحابنا ، فما يوجد في بعض النسخ على غير ذلك لعلّه مصحّف (٣).

ومرسلة الفقيه : « وقّت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لأهل العراق العقيق ، وأوله المسلخ ، ووسطه غمرة ، وآخره ذات عرق ، وأوله أفضل » (٤) ، ونحوها الرضوي (٥).

وأمّا ما في صحيحة عمر بن يزيد المذكورة ـ من أنّ الميقات لأهل‌

__________________

(١) التهذيب ٥ : ٥٥ ـ ١٦٩ ، الوسائل ١١ : ٣٠٩ أبواب المواقيت ب ١ ح ٥ ، بدل ما بين المعقوفين في النسخ : أي ، وما أثبتناه من المصدر.

(٢) التهذيب ٥ : ٥٦ ـ ١٧٠ ، الوسائل ١١ : ٣٠٩ أبواب المواقيت ب ١ ح ٦ وفيه : نحوا من بريد.

(٣) الوافي ١٢ : ٤٨٣.

(٤) الفقيه ٢ : ١٩٩ ـ ٩٠٧ ، الوسائل ١١ : ٣١٣ أبواب المواقيت ب ٢ ح ٩.

(٥) فقه الرضا « ع » : ٢١٦ ، مستدرك الوسائل ٨ : ١٠٤ أبواب المواقيت ب ٣ ح ١.

١٦٩

نجد قرن المنازل ـ فقد فسّره بعضهم بأهل الموضع المرتفع ، وأريد الطائف (١) ، وقيل : لعلّ لنجد طريقين ، لكلّ طريق ميقات (٢).

وأمّا أنّ حدّ العقيق من المسلخ إلى ذات عرق فتدلّ عليه المرسلة والرضويّ المتقدّمين.

ورواية أبي بصير : « حدّ العقيق أوله المسلخ وآخره ذات عرق » (٣).

وتدلّ على مبدئه أيضا رواية أخرى عن أبي بصير : « حدّ العقيق ما بين المسلخ إلى عقبة غمرة » (٤).

والظاهر عدم خلاف في ذلك التحديد وكون ما ذكره عقيقا وأنّه ليس غيره بعقيق يحرم منه.

نعم ، في صحيحة ابن عمّار : « أول العقيق بريد البعث ، وهو دون المسلخ بستّة أميال ممّا يلي العراق ، وبينه وبين غمرة أربعة وعشرون ميلا ، بريدان » (٥).

ومقتضاها تقديم مبدأ العقيق على المسلخ بستّة أميال ، ولكنّها شاذّة ، بل فيها : أنّها خلاف ما اتّفقت عليه كلمة الأصحاب والأخبار.

ويمكن الجمع بأنّ المراد في الصحيحة مطلق العقيق ، وفي باقي الأخبار الميقات من العقيق.

وقيل : إنّ هذه الستّة أميال وإن كانت من العقيق ولكنّها خارجة عن‌

__________________

(١) انظر مجمع الفائدة ٦ : ١٨١.

(٢) انظر الحدائق ١٤ : ٤٣٩.

(٣) التهذيب ٥ : ٥٦ ـ ١٧١ ، الوسائل ١١ : ٣١٣ أبواب المواقيت ب ٢ ح ٧.

(٤) الكافي ٤ : ٣٢٠ ـ ٥ ، الوسائل ١١ : ٣١٢ أبواب المواقيت ب ٢ ح ٥.

(٥) الكافي ٤ : ٣٢١ ـ ١٠ ، التهذيب ٥ : ٥٧ ـ ١٧٥ ، الوسائل ١١ : ٣١٢ أبواب المواقيت ب ٢ ح ٢.

١٧٠

بطنه الذي هو الميقات ، كما نصّ عليه في صحيحة ابن عمّار الأولى (١).

وكيف كان ، فلا يجوز تقديم الإحرام على المسلخ ، وكأنّه لا خلاف فيه ، بل الظاهر أنّه إجماعي ، وادّعى بعضهم الاتّفاق عليه أيضا (٢) ، وتدلّ عليه الأخبار الثلاثة المذكورة ، ولا تضرّ معارضة الصحيحة ، إذ غايتها حصول الإجمال المقتضي لاستصحاب الاشتغال إلى أن تعلم البراءة الغير المعلوم إلاّ بالتأخير إلى المسلخ.

ولا تأخيره عن ذات عرق ، وهو أيضا إجماعيّ نصّا وفتوى.

وهل يجوز التأخير إلى ذات عرق ، كما هو المشهور ، بل قيل : كاد أن يكون إجماعا (٣) ، بل نسبه جماعة إلى الأصحاب وإلى المعروف بينهم مشعرين بدعوى الإجماع عليه ، بل عن الخلاف والناصريّات والغنية الإجماع عليه (٤)؟

أو لا يجوز التأخير عن الغمرة إلاّ لمرض أو تقيّة ، كما عن الشيخ في النهاية ووالد الصدوق ، بل عن الصدوق في المقنع والهداية ، وتبعهما الشهيد في الدروس (٥) ، ومال إليه بعض متأخري المتأخّرين (٦)؟

دليل المشهور : المرسلة ، والرضوي ، وإحدى روايتي أبي بصير‌

__________________

(١) المتقدمة في ص : ١٦٧.

(٢) كصاحب الرياض ١ : ٣٥٨.

(٣) الرياض ١ : ٣٥٨.

(٤) الخلاف ٢ : ٢٨٣ ، الناصريات ( الجوامع الفقهية ) : ٢٠٨ ، الغنية ( الجوامع الفقهية ) : ٥٧٤.

(٥) النهاية : ٢١٠ ، حكاه عن والد الصدوق في المختلف : ٢٦٢ ، المقنع : ٦٩ ، الهداية : ٥٥ ، الدروس ١ : ٣٤٠.

(٦) كالفاضل الهندي في كشف اللثام ١ : ٣٠٥.

١٧١

المتقدّمة ، المؤيّدة برواية مسمع : « إذا كان منزل الرجل دون ذات عرق من مكّة فليحرم من منزله » (١) ، المنجبرة بما مرّ ذكره.

وحجّة النافين : صحيحة عمر بن يزيد ، والرواية الأخرى لأبي بصير ، وصحيحة ابن عمّار الأخيرة الراجحة على ما تقدّم بصحّة السند وموافقة أصل الاشتغال ومخالفة العامّة.

كما تدلّ عليه الصحيحة المرويّة في الإحتجاج عن صاحب الأمر عليه‌السلام : عن الرجل يكون مع بعض هؤلاء ويكون متّصلا بهم ، يحجّ ويأخذ عن الجادّة ولا يحرم هؤلاء من المسلخ؟ فكتب إليه في الجواب : « يحرم من ميقاته ، ثم يلبس الثياب ويلبّي في نفسه ، فإذا بلغ إلى ميقاتهم أظهره » (٢).

وأجيب عنها (٣) : بعدم تكافئها ـ ولو كانت صحيحة ـ للمرسلة وأخويها ، لشهرة المرسلة وشذوذ الصحيحة.

مضافا إلى عدم دلالة الصحيحة الثانية على خروج ذات العرق بل شي‌ء بالكلّية ، وتضمّنها ما لم يقل به أحد من أنّ أول العقيق ما دون المسلخ. ودلالة الأخريين على خروج الغمرة أيضا ، لخروج الغاية عن المغيّا ، بل دلالة الرواية على خروج المسلخ أيضا لمثل ذلك ، وهما باطلان اتّفاقا.

ومنه يظهر وجه مرجوحيّة لرواية أبي بصير الثانية ، لموافقتها من هذه الجهة للعامّة ، ووجه راجحيّة للمرسلة وأخويها ، لمخالفتها العامّة من تلك الجهة ، ومن جهة التصريح : بأنّ العقيق من المواقيت المنصوصة عن‌

__________________

(١) التهذيب ٥ : ٥٩ ـ ١٨٥ ، الوسائل ١١ : ٣٣٤ أبواب المواقيت ب ١٧ ح ٣.

(٢) الإحتجاج : ٤٨٤ ، الوسائل ١١ : ٣١٣ أبواب المواقيت ب ٢ ح ١٠.

(٣) كما في الرياض ١ : ٣٥٨.

١٧٢

رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وهو أيضا ممّا لا يقول به العامّة.

وعلى هذا ، فتعيّن الجمع بحمل الصحيحتين والرواية على أنّ المراد : أنّ ذات عرق وإن كانت من العقيق ، إلاّ أنّها لمّا كانت ميقات العامّة وكان الفضل فيما تقدّم عليها فالتأخير إليها وترك الفضل إنّما يكون لعلّة وعذر أو تقيّة ، كما يشير إليه كلام الحلّي في السرائر (١) ، بل يحتمله كلام المخالفين في المسألة أيضا ، ولعلّه لذلك لم يجعلهم الفاضل والشهيد مخالفين صريحا ، بل نسباهما بالإشعار والظهور (٢).

أقول : كلّما ذكر وإن كان كذلك ، إلاّ أنّ الشذوذ المخرج عن الحجّية غير ثابت بعد فتوى مثل الصدوقين والشيخ والشهيد ، بل الكليني أيضا (٣) ، حيث اقتصر في التحديد على رواية أبي بصير الثانية وصحيحة ابن عمّار ، فيبقى دليلا الطرفين متكافئين ، فيجب الرجوع إلى أصل الاشتغال ، ولذا لم يجترئ أكثر المتأخّرين المرجّحين لأدلّة المشهور على الفتوى به ، وجعلوا الأخير أحوط ، وهو كذلك لو لم يكن أظهر ، مع أنّه الأظهر أيضا ، لما مرّ ، فتدبّر.

ثم إنّهم ذكروا أنّ المسلخ أفضل من الغمرة ، وهي من ذات عرق على دخولها في العقيق ، وهو كذلك ، لفتوى الأصحاب الكافية في مقام التسامح.

مضافا في الأول إلى المرسلة ، والرضوي ، وموثّقة يونس : الإحرام من أيّ العقيق أفضل أن أحرم؟ فقال : « من أوله فهو أفضل » (٤).

__________________

(١) السرائر ١ : ٥٢٨.

(٢) الفاضل في المنتهى ٢ : ٦٦٦ ، الشهيد في الدروس ١ : ٣٤٠.

(٣) الصدوق في المقنع : ٦٩ ، نقله عن والد الصدوق في المختلف : ٢٦٢ ، الشيخ في المبسوط ١ : ٣١٢ ، الشهيد في الدروس ١ : ٣٤٠ ، الكليني في الكافي ٤ : ٣٢١.

(٤) الكافي ٤ : ٣٢٠ ـ ٧ ، الوسائل ١١ : ٣١٤ أبواب المواقيت ب ٣ ح ٢.

١٧٣

وموثّقة إسحاق : عن الإحرام من غمرة ، قال : « ليس به بأس أن يحرم منها ، وكان بريد العقيق أحبّ إليّ » (١).

أقول : أي البريد الذي في أوله.

وفي الثاني إلى مرسلة الكافي : « إذا خرجت من المسلخ فأحرم عند أول بريد يستقبلك » (٢).

وأول بريد بعد المسلخ هو بريد غمرة ، كما يستفاد من الأخبار.

وقد يقال : إنّ أفضل مواضع العقيق : بركة الشريف ، وهي : بركة مربّعة في يمين من يذهب من العراق إلى مكّة ، في حواليها أشجار الشوك الكثيرة.

ولا دليل على تلك الأفضليّة ، واحتمل بعضهم أن يكون ذلك مبنيّا على أفضليّة أول كلّ من المسلخ والغمرة وذات العرق وكونها في أول المسلخ ، ولكن لم يظهر لي ذلك بعد الفحص.

والثاني : مسجد الشجرة.

وهو ميقات أهل المدينة ، كما صرّح به في المقنعة والناصريّات وجمل العلم والعمل والنافع والشرائع والإرشاد والقواعد والكافي والإشارة والغنية والسرائر والمعتبر والمنتهى والتحرير والمهذّب والمبسوط والخلاف والنهاية ، بل جميع كتب الشيخ ، والصدوق والقاضي والديلمي والتذكرة (٣) ،

__________________

(١) الكافي ٤ : ٣٢٥ ـ ٩ ، التهذيب ٥ : ٥٦ ـ ١٧٢ ، الوسائل ١١ : ٣١٤ أبواب المواقيت ب ٣ ح ٣ بتفاوت يسير.

(٢) الكافي ٤ : ٣٢١ ـ ١٠ ، الوسائل ١١ : ٣١٢ أبواب المواقيت ب ٢ ح ٣.

(٣) المقنعة : ٣٩٤ ، الناصريات ( الجوامع الفقهية ) : ٢٠٨ ، جمل العلم والعمل رسائل الشريف المرتضى ٣ ) : ٦٤ ، النافع : ٨٠ ، الشرائع ١ : ٢٤١ ، الإرشاد ١ : ٣١٥ ، القواعد ١ : ٧٩ ، الكافي في الفقه : ٢٠٢ ، إشارة السبق : ١٢٥ ، الغنية ( الجوامع الفقهية ) : ٥٧٤ ، السرائر ١ : ٥٢٨ ، المعتبر ٢ : ٨٠٢ ، المنتهى ٢ : ٦٦٦ ، التحرير ١ : ٩٤ ، المهذّب ١ : ٢١٣ ، المبسوط ١ : ٣١٢ ، لم نعثر عليه في الخلاف ، النهاية : ٢١٠ ، الإقتصاد : ٣٠٠ ، الصدوق في المقنع : ٦٨ ، القاضي في شرح جمل العلم والعمل : ٢١٣ ، الديلمي في المراسم : ١٠٧ ، التذكرة ١ : ٣٢٠.

١٧٤

بالنصوص المعتبرة المتواترة :

كصحيحة ابن عمّار ، وفيها : « فخرج رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في أربع بقين من ذي القعدة ، فلمّا انتهى إلى ذي الحليفة فزالت الشمس اغتسل ، ثم خرج حتى أتى المسجد الذي هو عند الشجرة فصلّى فيه الظهر ، ثم عزم على الحجّ مفردا ، وخرج حتى انتهى إلى البيداء عند الميل الأول ، فصفّ الناس له سماطين ، فلبّى بالحجّ مفردا » الحديث (١).

وابن سنان الواردة في حجّ رسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أيضا ، وفيها : « فلمّا نزل الشجرة أمر الناس بنتف الإبط وحلق العانة والغسل والتجرّد في إزار ورداء » الحديث (٢).

وابن وهب : سألت أبا عبد الله عليه‌السلام ـ ونحن بالمدينة ـ عن التهيّؤ للإحرام ، فقال : « أطل بالمدينة وتجهّز بكلّ ما تريد واغتسل ، وإن شئت استمتعت بقميصك حتى تأتي مسجد الشجرة » (٣).

ومرسلة الكافي : « يحرم من الشجرة ثم يأخذ من أيّ طريق شاء » (٤).

ورواية رباح ، وفيها : « فلو كان كما يقولون لم يتمتّع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم

__________________

(١) الكافي ٤ : ٢٤٥ ـ ٤ ، التهذيب ٥ : ٤٥٤ ـ ١٥٨٨ ، الوسائل ١١ : ٢١٣ أبواب أقسام الحج ب ٢ ح ٤ ، بتفاوت يسير.

(٢) الكافي ٤ : ٢٤٩ ـ ٧ ، الوسائل ١١ : ٢٢٣ أبواب أقسام الحج ب ٢ ح ١٥.

(٣) التهذيب ٥ : ٦٢ ـ ١٩٦ ، الوسائل ١٢ : ٣٢٤ أبواب الإحرام ب ٧ ح ١ ، ورواها في الفقيه ٢ : ٢٠٠ ـ ٩١٥.

(٤) الكافي ٤ : ٣٢١ ـ ٩ ، الوسائل ١١ : ٣١٨ أبواب المواقيت ب ٧ ح ٢.

١٧٥

بثيابه إلى الشجرة » (١) ، ونحوها رواية أبي بصير (٢).

ومرسلة النضر : رجل دخل مسجد الشجرة فصلّى وأحرم ، ثم خرج من المسجد فبدا له قبل أن يلبّي أن ينقض ذلك بمواقعة النساء ، أله ذلك؟ فكتب : « نعم » [ أو ] : « لا بأس به » (٣) ، وقريبة منها مرسلة جميل (٤) ، ورواية عليّ بن عبد العزيز (٥) ، وصحيحتا ابن عمّار (٦) والبجلي (٧).

وصحيحة الحلبي : « إذا صلّيت في مسجد الشجرة فقل وأنت قاعد في دبر الصلاة قبل أن تقوم ما يقول المحرم ، ثم قم فامش حتى تبلغ الميل وتستوي بك البيداء ، فإذا استوت بك فلبّه » (٨).

وصحيحة عمر بن يزيد : « إذا أحرمت من مسجد الشجرة فإن كنت ماشيا لبّيت من مكانك إلى المسجد » الحديث (٩).

والمرويّ في قرب الإسناد : « ولأهل المدينة ومن يليها الشجرة » (١٠).

__________________

(١) التهذيب ٥ : ٥٩ ـ ١٨٧ ، الوسائل ١١ : ٣٣٤ أبواب المواقيت ب ١٧ ح ٥.

(٢) الفقيه ٢ : ١٩٩ ـ ٩٠٩ ، الوسائل ١١ : ٢٣٢ أبواب المواقيت ب ١١ ح ٢.

(٣) الكافي ٤ : ٣٣١ ـ ٩ ، الفقيه ٢ : ٢٠٨ ـ ٩٥٠ ، الوسائل ١٢ : ٣٣٧ أبواب الإحرام ب ١٤ ح ١٢ ، بدل ما بين المعقوفين في النسخ : و، وما أثبتناه من المصادر.

(٤) التهذيب ٥ : ٨٢ ـ ٢٧٣ ، الوسائل ١٢ : ٣٣٥ أبواب الإحرام ب ١٤ ح ٥.

(٥) الكافي ٤ : ٣٣٠ ـ ٦ ، الفقيه ٢ : ٢٠٨ ـ ٩٤٧ ، التهذيب ٥ : ٨٣ ـ ٢٧٦ ، الوسائل ١٢ : ٣٣٥ أبواب الإحرام ب ١٤ ح ٦.

(٦) التهذيب ٥ : ٨٢ ـ ٢٧٢ ، الإستبصار ٢ : ١٨٨ ـ ٦٣١ ، الوسائل ١٢ : ٣٣٣ أبواب الإحرام ب ١٤ ح ١.

(٧) الفقيه ٢ : ٢٠٨ ـ ٩٤٨ ، التهذيب ٥ : ٨٢ ـ ٢٧٥ ، الإستبصار ٢ : ١٨٨ ـ ٦٣٣ ، الوسائل ١٢ : ٣٣٣ أبواب الإحرام ب ١٤ ح ٣.

(٨) الكافي ٤ : ٣٣٣ ـ ١١ ، الفقيه ٢ : ٢٠٧ ـ ٩٤٣ ، الوسائل ١٢ : ٣٧٣ أبواب الإحرام ب ٣٥ ح ٣.

(٩) التهذيب ٥ : ٩٢ ـ ٣٠١ ، الوسائل ١٢ : ٣٨٣ أبواب الإحرام ب ٤٠ ح ٣.

(١٠) قرب الإسناد : ٢٤٤ ـ ٩٧٠ ، الوسائل ١١ : ٣١٠ أبواب المواقيت ب ١ ح ٩.

١٧٦

وفي العلل : لأيّ علّة أحرم رسول الله من مسجد الشجرة ولم يحرم من موضع دونه؟ فقال : « لأنّه لما أسري به إلى السماء » الحديث (١).

ولا تنافي تلك الأخبار المستفيضة من الصحاح وغيرها المتقدّمة أكثرها الجاعلة لميقات أهل المدينة ذا الحليفة (٢) ، لأنّه مسجد الشجرة كما صرّح به في الإشارة (٣) ، ومن تأخّر ذكره عنه من الكتب المتقدّمة (٤).

وتدلّ عليه صحيحتا الحلبيّين السابقتين (٥) ، والمرويّ في قرب الإسناد : « ووقّت لأهل المدينة ذا الحليفة ، وهي الشجرة » (٦).

وصحيحة ابن عمّار ، وفيها : « ومسجد ذي الحليفة الذي كان خارجا من السقائف عن صحن المسجد ، ثم اليوم ليس شي‌ء من السقائف منه » (٧).

وبذلك يجمع بين الأخبار ، وكذلك بين فتاوى من أطلق المسجد ـ كالكتب المتقدّمة على الإشارة (٨) ـ أو ذا الحليفة ، كما عن الدروس واللمعة والوسيلة والمحقّق الثاني (٩).

__________________

(١) العلل : ٤٣٣ ـ ١ ، الوسائل ١١ : ٣١١ أبواب المواقيت ب ١ ح ١٣.

(٢) كما في الوسائل ١١ : ٣٠٧ أبواب المواقيت ب ١.

(٣) الإشارة : ١٢٥.

(٤) في ص : ١٧٤.

(٥) الأولى في : الكافي ٤ : ٣١٩ ـ ٢ ، التهذيب ٥ : ٥٥ ـ ١٦٧ ، الوسائل ١١ : ٣٠٨ أبواب المواقيت ب ١ ح ٣.

الثانية في : الفقيه ٢ : ١٩٨ ـ ٩٠٣ ، الوسائل ١١ : ٣٠٨ أبواب المواقيت ب ١ ح ٤.

(٦) قرب الإسناد ١٦٤ ـ ٥٩٩ ، الوسائل ١١ : ٣٠٩ أبواب المواقيت ب ١ ح ٧.

(٧) الكافي ٤ : ٣٣٤ ـ ١٤ ، الوسائل ١١ : ٣١٥ أبواب المواقيت ب ٤ ح ١.

(٨) انظر ص : ١٧٤.

(٩) الدروس ١ : ٣٤٠ ، اللمعة ( الروضة ٢ ) : ٢٢٤ ، الوسيلة : ١٦٠ ، المحقق الثاني في جامع المقاصد ٣ : ١٥٨.

١٧٧

إلاّ أنّ بعض هؤلاء صرّح بأفضليّة المسجد وأحوطيّته (١) ، وظاهرها عدم تعيّن المسجد ، وصرّح الأخير بأنّ جواز الإحرام من الموضع كلّه ممّا لا يكاد يدفع (٢).

ويدفعه ما سبق ذكره من تصريح الصحيحين وغيرهما : بأنّ ذا الحليفة هو مسجد الشجرة ، والأمر في طائفة من الأخبار المتقدّمة بالإحرام منها ، وأنّها التي وقّتها رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، المؤيّدة بعمل الأكثر ، بل الإجماع المحكيّ عن الناصريّات والغنية (٣) ، وبروايات غير ما ذكر أيضا ، كصحيحة ابن سنان : « من أقام بالمدينة ـ وهو يريد الحجّ ـ شهرا أو نحوه ، ثم بدا له أن يخرج في غير طريق المدينة ، فإذا كان حذاء الشجرة والبيداء مسيرة ستّة أميال فليحرم منها » (٤) ، وقريبة منها صحيحته الأخرى (٥).

وكذا لا تنافي ما ذكرناه صحيحة عبيد الله الحلبي المتقدّمة ، حيث قال : « فإذا خرج من المسجد وسار واستوت به البيداء حين يحاذي الميل الأول أحرم » (٦).

حيث إنّ ظاهرها جواز الإحرام من خارج المسجد ، كما فهمه صاحب الذخيرة (٧) ، لأنّ هذا إنّما هو إذا أريد من الإحرام معناه الحقيقي ،

__________________

(١) كما في الدروس ١ : ٣٤٠.

(٢) جامع المقاصد ٣ : ١٥٨.

(٣) الناصريات ( الجوامع الفقهية ) : ٢٠٨ ، الغنية ( الجوامع الفقهية ) : ٥٧٤.

(٤) الفقيه ٢ : ٢٠٠ ـ ٩١٣ ، الوسائل ١١ : ٣١٨ أبواب المواقيت ب ٧ ح ٣.

(٥) الكافي ٤ : ٣٢١ ـ ٩ ، التهذيب ٥ : ٥٧ ـ ١٧٨ ، الوسائل ١١ : ٣١٧ أبواب المواقيت ب ٧ ح ١.

(٦) الفقيه ٢ : ١٩٨ ـ ٩٠٣ ، الوسائل ١١ : ٣٠٨ أبواب المواقيت ب ١ ح ٤.

(٧) الذخيرة : ٥٧٦.

١٧٨

وليس كذلك قطعا ، لمنافاته لصدرها.

بل المراد : التلبية ، كما تدلّ عليه صحيحة ابن وهب : عن التهيّؤ للإحرام ، فقال : « في مسجد الشجرة ، فقد صلّى فيه رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وقد ترى ناسا يحرمون فلا تفعل حتى تنتهي إلى البيداء جنب الميل ، فتحرمون كما أنتم في محاملكم ، تقول : لبّيك اللهمّ لبّيك » (١) إلى آخره ، حيث جعل الإحرام هو التلبية.

وصحيحة ابن سنان : هل يجوز للمتمتّع بالعمرة إلى الحجّ أن يظهر التلبية في مسجد الشجرة؟ فقال : « نعم ، إنّما لبّى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم على البيداء ، لأنّ الناس لم يكونوا يعرفون التلبية فأحبّ أن يعلّمهم كيفيّة التلبية » (٢).

وفي صحيحته الأخرى : « إن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لم يكن يلبّي حتى يأتي البيداء » (٣).

وفي صحيحة ابن حازم : « إذا صلّيت عند الشجرة فلا تلبّي حتى تأتي البيداء » (٤).

ودلّت عليه صحيحة ابن عمّار ومرسلة النضر وصحيحة [ الحلبي ] (٥)

__________________

(١) التهذيب ٥ : ٨٤ ـ ٢٧٧ ، الإستبصار ٢ : ١٦٩ ـ ٥٩٩ ، الوسائل ١٢ : ٣٧٠ أبواب الإحرام ب ٣٤ ح ٣.

(٢) الكافي ٤ : ٣٣٤ ـ ١٢ ، التهذيب ٥ : ٨٤ ـ ٢٨٠ ، الإستبصار ٢ : ١٧٠ ـ ٥٦٢ ، الوسائل ١٢ : ٣٧٢ أبواب الإحرام ب ٣٥ ح ٢ ، بتفاوت يسير.

(٣) التهذيب ٥ : ٨٤ ـ ٢٧٩ ، الإستبصار ٢ : ١٧٠ ـ ٥٦١ ، الوسائل ١٢ : ٣٧٠ أبواب الإحرام ب ٣٤ ح ٥.

(٤) التهذيب ٥ : ٨٤ ـ ٢٧٨ ، الإستبصار ٢ : ١٧٠ ـ ٥٦٠ ، الوسائل ١٢ : ٣٧٠ أبواب الإحرام ب ٣٤ ح ٤.

(٥) في النسخ : البجلي ، والظاهر ما أثبتناه.

١٧٩

المتقدّمة (١) أيضا.

هذا ، ثم إنّه يجوز إحرام أهل المدينة أيضا من الجحفة ـ بالجيم المضمومة ثم المهملة الساكنة ثم الفاء المفتوحة فتاء ـ على سبع مراحل من المدينة وثلاث من مكّة ، كما عن بعض أهل اللغة ، وعنه : أنّ بينها وبين البحر نحو ستّة أميال ، وعن غيره : ميلان ، قيل : ولا تناقض ، لاختلاف البحر باختلاف الأزمنة (٢).

وقيل : كانت مدينة فخربت ، سمّيت بها لإجحاف السيل بها ، أي ذهابه بها (٣).

وسمّيت مهيعة ، بفتح الميم وسكون الهاء وفتح الياء المثنّاة التحتانيّة ، ومعناها : المكان الواسع.

وفي القاموس : كانت قرية جامعة على اثنين وثمانين ميلا من مكّة تسمّى مهيعة ، فنزل بها بنو عبيد وهم إخوة عاد ، وكان أخرجهم العماليق من يثرب ، فجاءهم سيل فاجتحفهم فسمّيت جحفة (٤).

وعن المصباح المنير : منزل بين مكّة والمدينة قريب من رابغ بين بدر وخليص (٥).

وجواز إحرامهم منها ممّا لا خلاف فيه ، كما صرّح به جماعة (٦) ، بل‌

__________________

(١) جميعا في ص : ١٧٦.

(٢) انظر كشف اللثام ١ : ٣٠٥.

(٣) انظر الذخيرة : ٥٧٦ ، الحدائق ١٤ : ٤٣٥.

(٤) القاموس المحيط ٣ : ١٢٥.

(٥) المصباح المنير : ٩١.

(٦) منهم السبزواري في الذخيرة : ٥٧٦ ، وصاحبي الحدائق ١٤ : ٤٤٤ ، والرياض ١ : ٣٥٩.

١٨٠