مستند الشّيعة - ج ١١

أحمد بن محمّد مهدي النّراقي

مستند الشّيعة - ج ١١

المؤلف:

أحمد بن محمّد مهدي النّراقي


المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ مشهد المقدسة
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
المطبعة: ستاره
الطبعة: ١
ISBN: 964-319-015-3
ISBN الدورة:
964-5503-75-2

الصفحات: ٤١٨

وإن لم يهلّ » (١).

والمشار إليه في قوله : « ذلك » كلّ المناسك على الظاهر ، أو الحجّ بجميع أجزائه جملة كما ذكره في المدارك (٢).

أو المراد من النيّة : العزم المتقدّم على الإحرام كما ذكره الشيخ (٣) ، وليس المراد منه نيّة الإحرام ، لأنّ نيّته من الجاهل به والناسي له غير متعقّل.

واختصاص الصحيحين بإحرام الحجّ غير ضائر ، لأنّ الظاهر عدم الفاصل ، وكذا اختصاصها بالجاهل ، لأنّ الظاهر شمول معناه الحقيقي اللغوي للناسي أيضا كما صرّح به بعضهم (٤) ، وللتصريح بالناسي أيضا في المرسلة ، وضعفها ـ لو كان ـ بما ذكر وبصحّتها عن جميل منجبر.

خلافا للمحكيّ عن الحلّي ، فأوجب القضاء (٥) ، لوجوه ضعيفة ، أقواها : عدم الإتيان بالمأمور به على وجهه ، وهو حسن لو لا الروايتان ، وأمّا معهما فلا.

ودعوى الإجمال في قوله : « إذا كان قد نوى ذلك » وبه تخرج الروايتان عن الحجّية ، لتخصيصها بالمجمل.

ففيها : ـ مع أنّ الصحيحة تكون مخصّصة بالمنفصل ، وهو لا يخرج عن الحجّيّة على التحقيق ـ أنّه لا إجمال كما عرفت.

__________________

(١) الكافي ٤ : ٣٢٥ ـ ٨ ، التهذيب ٥ : ٦١ ـ ١٩٢ ، الوسائل ١١ : ٣٣٨ أبواب المواقيت ب ٢٠ ح ١ ، بدل ما بين المعقوفين في « ح » و « ق » : أو طاف وسعى ، قال : يجزئه عنه ، وما أثبتناه من المصادر.

(٢) المدارك ٧ : ٢٣٧.

(٣) في المبسوط ١ : ٣١٤.

(٤) في كشف اللثام ١ : ٣١٠.

(٥) السرائر ١ : ٥٢٩ و ٥٣٠.

٢٠١

المسألة الحادية عشرة : المكّي إذا بعد عن مكّة‌ ثم حجّ على ميقات من المواقيت الخمسة الآفاقيّة أحرم منها وجوبا ، بغير خلاف يعرف كما صرّح به غير واحد (١) ، إذ لا يجوز لقاصد مكّة مجاوزة الميقات بغير إحرام ، وقد صار هذا ميقاتا له باعتبار وروده عليه وإن كان ميقاته في الأصل غير ذلك ، وتدلّ عليه النصوص الكثيرة (٢) أيضا.

__________________

(١) كصاحب المدارك ٧ : ٢٠٥ السبزواري في الذخيرة : ٥٥٥ ، صاحب الحدائق ١٤ : ٤٠٦.

(٢) الوسائل ١١ : ٢٦٢ أبواب أقسام الحجّ ب ٧.

٢٠٢

المقصد الثالث

في بيان أقسام الحجّ والعمرة‌ بحسب الكيفيّة ، وكيفيّة كلّ منهما إجمالا.

٢٠٣
٢٠٤

فنقول : أمّا كيفيّة الحجّ فهي :

أن يحرم في موضعه ويتلبّس بما يلزم الإحرام ويتعلّق به ، من لبس ثوبيه والتلبية أو ما يقوم مقامها ، والاجتناب عن محرّماته.

ثم يخرج بعده إلى عرفات ويقف بها في وقته.

ثم يفيض منها إلى المشعر ويمكث عنده إلى الوقت المقرّر.

ثم يأتي منى يوم العيد ويرمي الجمرة العقبة بسبع حصيات.

ثم يذبح هديه فيها إن كان معه بالسياق أو كان متمتّعا.

ثم يحلق رأسه أو يقصّر فيها.

ثم يمضي إلى مكّة فيطوف للحجّ ، ثم يصلّي ركعتيه في محلّهما.

ثم يسعى بين الصفا والمروة.

ثم يعود إلى البيت فيطوف للنساء ويصلّي ركعتيه.

ثم يرجع إلى منى للمبيت بها ليالي التشريق ورمي الجمرات الثلاث في كلّ يوم منها ، وبها تمّ الحجّ.

وأمّا العمرة فهي : أن يحرم ويتلبّس بما يلزمه ويتعلّق به.

ثم يأتي البيت ويطوف به ، ثمّ يصلّي ركعتيه في محلّهما.

ثم يسعى بين الصفا والمروة.

ثم يقصّر أو يحلق في بعض أفراد العمرة.

وكذا يطوف طواف النساء ويصلّي ركعتيه في بعضها كما يأتي ،

٢٠٥

وبذلك تتمّ العمرة.

كلّ ذلك فيهما بالإجماع ، بل الضرورة في أكثرها.

وتدلّ عليه متفرّقات الأخبار الواردة في أبواب الحجّ ، وأخبار حجّ الأنبياء وحجّ نبيّنا صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، كروايتي أبي إبراهيم (١) وعبد الرحمن بن كثير الهاشمي (٢) الواردتين في حجّ أبينا آدم عليه‌السلام ، وصحيحتي ابني عمّار (٣) وسنان (٤) الواردتين في حجّ نبيّنا صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وعمرته.

ثم الحجّ على ثلاثة أقسام : تمتّع ، وقران ، وإفراد ، بالإجماع المحقّق ، والمحكيّ مستفيضا في كلام جماعة (٥) ، والمستفيضة من النصوص.

منها : صحيحة ابن عمّار على الأصحّ : « الحجّ ثلاثة أصناف : حجّ مفرد ، وقران ، وتمتع بالعمرة إلى الحجّ ، وبها أمر رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، والفضل فيها ، ولا نأمر الناس إلاّ بها » (٦).

ورواية الصيقل : « الحجّ عندنا على ثلاثة أوجه : حاجّ متمتّع ، وحاجّ مقرن سائق الهدي ، وحاجّ مفرد للحجّ » (٧).

__________________

(١) الكافي ٤ : ١٩٠ ـ ١ ، الوسائل ١١ : ٢٢٦ أبواب أقسام الحجّ ب ٢ ح ٢٠.

(٢) الكافي ٤ : ١٩١ ـ ٢ ، الوسائل ١١ : ٢٢٧ أبواب أقسام الحجّ ب ٢ ح ٢١.

(٣) الكافي ٤ : ٢٤٥ ـ ٤ ، التهذيب ٥ : ٤٥٤ ـ ١٥٨٨ ، مستطرفات السرائر : ٢٣ ـ ٤ ، الوسائل ١١ : ٢١٣ أبواب أقسام الحجّ ب ٢ ح ٤.

(٤) الكافي ٤ : ٢٤٩ ـ ٧ ، الوسائل ١١ : ٢٢٣ أبواب أقسام الحجّ ب ٢ ح ١٥.

(٥) منهم العلاّمة في التذكرة ١ : ٣١٧ ، صاحب المدارك ٧ : ١٥٥ ، الفيض في المفاتيح ١ : ٣٠٤ ، صاحب الحدائق ١٤ : ٣١١.

(٦) الكافي ٤ : ٢٩١ ـ ١ ، التهذيب ٥ : ٢٤ ـ ٧٢ ، الإستبصار ٢ : ١٥٣ ـ ٥٠٤ ، الوسائل ١١ : ٢١١ أبواب أقسام الحجّ ب ١ ح ١.

(٧) الكافي ٤ : ٢٩١ ـ ٢ ، الفقيه ٢ : ٢٠٣ ـ ٩٢٦ ، التهذيب ٥ : ٢٤ ـ ٧٣ ، الإستبصار ٢ : ١٥٣ ـ ٥٠٥ ، الوسائل ١١ : ٢١١ أبواب أقسام الحجّ ب ١ ح ٢.

٢٠٦

أمّا حجّ التمتّع : فهو ما تقدّمت العمرة عليه وارتبطت به ، فيعتمر أولا ثم يحلّ منها ، ثم يحجّ.

فصورته : أن يحرم من الميقات بالعمرة المتمتّع بها.

ثم يمضي إلى مكّة ويطوف سبعا بالبيت ، ثم يصلّي ركعتيه.

ثم يسعى بين الصفا والمروة.

ثم يقصّر. وحينئذ قد أحلّ من كلّ شي‌ء أحرم منه.

ثم ينشئ إحراما آخر للحجّ من مكّة.

ثم يأتي عرفات فيقف بها.

ثم يفيض إلى المشعر ويقف به إلى وقته.

ثم إلى منى فيحلق ويهدي ويرمي العقبة.

ثم يأتي بمكّة فيطوف ويصلّي ركعتيه.

ثم يسعى.

ثم يطوف طواف النساء ويصلّي ركعتيه.

ثم يعود إلى منى فيبيت بها ليالي التشريق ويرمي في أيّامها الجمار الثلاث.

وتسمّى هذه العمرة بالعمرة المتمتّع بها إلى الحجّ ، وهذا الحجّ حجّ التمتّع ، لأنّ معنى التمتّع : الانتفاع والتلذّذ ، وهذا الحاجّ يتحلّل بين عمرته وحجّه ، فيجوز له الانتفاع والتلذّذ بما كان قد حرّمه الإحرام مع ارتباط عمرته بحجّه ، حتى إنّهما كالشي‌ء الواحد شرعا ، فإذا حصل بينهما ذلك فكأنّه حصل في الحجّ.

وصورة حجّ الإفراد : أن يحرم بالحجّ من حيث يصحّ له.

٢٠٧

ثم يمضي إلى عرفات فيقف بها.

ثم يأتي بمناسك حجّه كما مرّ في التمتّع.

وعليه في بعض أفراده أن يأتي بعمرة مفردة عن الحجّ بعده ، وبعد الإحلال منه في أيّ وقت شاء يأتي بها من أدنى الحلّ.

وسمّي إفرادا لانفصاله عن العمرة وعدم ارتباطه بها.

وصورة القران كالإفراد ، إلاّ أنّه يضيف إلى إحرامه سياق الهدي ، ولذلك سمّي بالقران.

والعمرة على قسمين : المتمتّع بها كما مرّ ، والمفردة ، وصورتها : أن يحرم من ميقاتها ، ثم يطوف ، ثم يصلّي ، ثم يسعى ، ثم يحلق أو يقصّر ، ثم يطوف طواف النساء ، ثم يصلّي ركعتيه.

ويدلّ على ذلك كلّه الإجماع القطعي ، بل الضرورة ، والأخبار الواردة في الموارد المتكثّرة.

فمن الأخبار المبيّنة للتمتّع : صحيحة زرارة ، وفيها : قلت : وكيف يتمتّع؟ قال : « يأتي الوقت فيلبّي بالحجّ ، وإذا أتى مكّة طاف وسعى وأحلّ من كلّ شي‌ء وهو محتبس ، وليس له أن يخرج من مكّة حتى يحجّ » (١).

ومنها : الأخبار (٢) الواردة في إحرام رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم مع الناس بالحجّ ، ثم أمرهم بعد الفراغ عن السعي بجعله عمرة والإحلال ، ثم الإحرام بالحجّ والإتيان بمناسكه ، وقوله لهم : « لو استقبلت من أمري ما استدبرت لفعلت ما فعل الناس ».

__________________

(١) التهذيب ٥ : ٣١ ـ ٩٣ ، الوسائل ١١ : ٢٥٤ أبواب أقسام الحجّ ب ٥ ح ١ ، بتفاوت يسير.

(٢) الوسائل ١١ : ٢١٢ أبواب أقسام الحجّ ب ٢.

٢٠٨

والتصريح بأنّ ذلك حجّ التمتّع ، كما في صحيحة الخزّاز : أيّ أنواع الحجّ أفضل؟ فقال : « التمتّع ، وكيف يكون شي‌ء أفضل منه ورسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يقول : لو استقبلت من أمري ما استدبرت لفعلت ما فعل الناس؟! » (١).

ومنها صحيحة ابن عمّار : « على المتمتّع بالعمرة إلى الحجّ ثلاثة أطواف بالبيت وسعيان بين الصفا والمروة ، فعليه إذا قدم مكّة طواف بالبيت وركعتان عند مقام إبراهيم وسعي بين الصفا والمروة ، ثم يقصّر وقد أحلّ ، هذا للعمرة ، وعليه للحجّ طوافان وسعي بين الصفا والمروة ، ويصلّي عند كلّ طواف بالبيت ركعتين عند مقام إبراهيم » (٢).

ورواية أبي بصير : « المتمتّع عليه ثلاثة أطواف بالبيت ، وطوافان بين الصفا والمروة ، وقطع التلبية من متعته إذا نظر إلى بيوت مكّة ، ويحرم بالحجّ يوم التروية ، ويقطع التلبية يوم عرفة حين تزول الشمس » (٣).

وصحيحة ابن حازم : « على المتمتّع بالعمرة إلى الحجّ ثلاثة أطواف بالبيت ، ويصلّي لكلّ طواف ركعتين ، وسعيان بين الصفا والمروة » (٤).

وصحيحة زرارة : قلت : وما المتعة؟ فقال : « يهلّ بالحجّ في أشهر‌

__________________

(١) الكافي ٤ : ٢٩١ ـ ٣ ، الفقيه ٢ : ٢٠٤ ـ ٩٣٥ ، التهذيب ٥ : ٢٩ ـ ٨٩ ، الإستبصار ٢ : ١٥٤ ـ ٥٠٧ ، الوسائل ١١ : ٢٥٠ أبواب أقسام الحجّ ب ٤ ح ١٦ ، بتفاوت.

(٢) الكافي ٤ : ٢٩٥ ـ ١ ، التهذيب ٥ : ٣٥ ـ ١٠٤ ، الوسائل ١١ : ٢٢٠ أبواب أقسام الحجّ ب ٢ ح ٨.

(٣) الكافي ٤ : ٢٩٥ ـ ٢ ، التهذيب ٥ : ٣٥ ـ ١٠٥ ، الوسائل ١١ : ٢٢١ أبواب أقسام الحجّ ب ٢ ح ١١.

(٤) الكافي ٤ : ٢٩٥ ـ ٣ ، التهذيب ٥ : ٣٦ ـ ١٠٦ ، الوسائل ١١ : ٢٢٠ أبواب أقسام الحجّ ب ٢ ح ٩.

٢٠٩

الحجّ ، فإذا طاف بالبيت وصلّى الركعتين وسعى بين الصفا والمروة قصّر وأحلّ ، فإذا كان يوم التروية أهلّ بالحجّ ونسك المناسك وعليه الهدي » الحديث (١).

وصحيحة أخرى لابن عمّار في القارن : « لا يكون قران إلاّ بسياق الهدي ، وعليه طواف بالبيت ، وركعتان عند مقام إبراهيم ، وسعي بين الصفا والمروة ، وطواف بعد الحجّ ، وهو طواف النساء ، وأمّا المتمتّع بالعمرة إلى الحجّ فعليه ثلاثة أطواف بالبيت ، وسعيان بين الصفا والمروة » إلى أن قال : « فعلى المتمتّع إذا قدم مكّة طواف بالبيت ، وركعتان عند مقام إبراهيم ، وسعي بين الصفا والمروة ، ثم يقصّر وقد أحلّ ، هذا للعمرة ، وعليه للحج طوافان ، وسعي بين الصفا والمروة ، ويصلّي عند كلّ طواف بالبيت ركعتين عند مقام إبراهيم ، وأمّا المفرد للحجّ فعليه طواف بالبيت وركعتان عند مقام إبراهيم ، وسعي بين الصفا والمروة ، وطواف الزيارة ، وهو طواف النساء » (٢).

وصحيحة الحلبي : « إنّما نسك الذي يقرن بين الصفا والمروة مثل نسك المفرد ليس بأفضل منه إلاّ بسياق الهدي ، وعليه طواف بالبيت ، وصلاة ركعتين خلف المقام ، وسعي واحد بين الصفا والمروة ، وطواف بالبيت بعد الحجّ » الحديث (٣).

وأخرى لابن حازم : « لا يكون القارن قارنا إلاّ بسياق الهدي ، وعليه طوافان بالبيت ، وسعي بين الصفا والمروة » (٤).

__________________

(١) التهذيب ٥ : ٣٦ ـ ١٠٧ ، الوسائل ١١ : ٢٥٥ أبواب أقسام الحجّ ب ٥ ح ٣.

(٢) التهذيب ٥ : ٤١ ـ ١٢٢ ، الوسائل ١١ : ٢١٢ أبواب أقسام الحجّ ب ٢ ح ١ و ٢.

(٣) التهذيب ٥ : ٤٢ ـ ١٢٤ ، الوسائل ١١ : ٢١٨ أبواب أقسام الحجّ ب ٢ ح ٦.

(٤) الكافي ٤ : ٢٩٥ ـ ١ ، التهذيب ٥ : ٤٢ ـ ١٢٣ ، الوسائل ١١ : ٢٢٠ أبواب أقسام الحجّ ب ٢ ح ١٠ ، بتفاوت يسير.

٢١٠

وصحيحة الفضيل : « القارن الذي يسوق الهدي عليه طوافان بالبيت ، وسعي واحد بين الصفا والمروة » (١).

وأخرى لابن عمّار : « المفرد للحجّ عليه طواف بالبيت وركعتان عند مقام إبراهيم ، وسعي بين الصفا والمروة ، وطواف الزيارة وهو طواف النساء ، وليس عليه هدي ولا أضحية » (٢).

ورواية أبي بصير : « العمرة المبتولة : يطوف بالبيت وبالصفا والمروة ثم يحلّ ، فإن شاء أن يرتحل من ساعته ارتحل » (٣). والمراد بالعمرة المبتولة : المفردة.

إلى غير ذلك من الأخبار المتكثّرة الواردة في الموارد المختلفة.

وقد اختلف بعض روايات الباب في بعض أحكام القارن والمفرد ، وكذا وقع الخلاف في بعض مواردهما كما يأتي بيانه ، وتحقيق الحال فيه في بيان أحكام هذه الأقسام وعند ذكر الأفعال ، والله هو الموفّق للصواب في جميع الأحوال.

__________________

(١) التهذيب ٥ : ٤٣ ـ ١٢٥ ، الوسائل ١١ : ٢١٣ أبواب أقسام الحجّ ب ٢ ح ٣.

(٢) الكافي ٤ : ٢٩٨ ـ ١ ، التهذيب ٥ : ٤٤ ـ ١٣١ ، الوسائل ١١ : ٢٢١ أبواب أقسام الحجّ ب ٢ ح ١٣.

(٣) الكافي ٤ : ٥٣٧ ـ ٥ ، الوسائل ١٣ : ٤٤٣ أبواب الطواف ب ٨٢ ح ٤.

٢١١
٢١٢

المقصد الرابع‌

في تفصيل أحكام كلّ من هذه الأقسام وشرائطه وأفعاله

وفيه بابان‌ :

٢١٣
٢١٤

الباب الأول

في شرائط حجّ التمتّع وأحكامه وتفصيل أفعاله‌

وفيه مبحثان :

المبحث الأول

في شرائط حجّ التمتّع ـ من حيث هو تمتّع ـ وأحكامه‌

وفيه مسائل :

المسألة الأولى : يشترط في وجوب حجّ التمتّع البعد عن مكّة ، فإنّ حجّ التمتّع فرض من لم يكن من حاضري مكّة وكان نائيا عنها ، بإجماعنا المحقّق ، والمحكيّ في الإنتصار والخلاف والغنية والمنتهى والتذكرة والمعتبر (١) ، وغيرها (٢) ، وهو الحجّة فيه.

مضافا إلى قوله سبحانه ( فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ ) إلى قوله ( ذلِكَ لِمَنْ لَمْ يَكُنْ أَهْلُهُ حاضِرِي الْمَسْجِدِ الْحَرامِ ) (٣).

والظاهر عود الإشارة إلى جميع ما تقدّم ، وعن بعض فضلاء العربية أنّ معناه : ذلك التمتّع (٤) ، واستجوده ، بعضهم لما نصّ عليه أهل العربية من‌

__________________

(١) الإنتصار : ٩٣ ، الخلاف ٢ : ٢٧٢ ، الغنية ( الجوامع الفقهية ) : ٥٧٣ ، المنتهى ٢ : ٦٥٩ ، التذكرة ١ : ٣١٤ ، المعتبر ٢ : ٧٨٣.

(٢) كالمدارك ٧ : ١٥٨ ، ومفاتيح الشرائع ١ : ٣٠٥.

(٣) البقرة : ١٩٦.

(٤) حكاه في المعتبر ٢ : ٧٨٥.

٢١٥

أنّ « ذلك » للبعيد (١) ، مع أنّه قد صرّح بذلك المعنى في المستفيضة من الأخبار : كرواية الأعرج : « ليس لأهل سرف ولا لأهل مرّ ولا لأهل مكّة متعة ، يقول الله عزّ وجلّ ( ذلِكَ لِمَنْ لَمْ يَكُنْ أَهْلُهُ حاضِرِي الْمَسْجِدِ الْحَرامِ ) » (٢).

وصحيحة عليّ : لأهل مكّة أن يتمتّعوا بالعمرة إلى الحجّ؟ فقال : « لا يصلح أن يتمتّعوا ، لقول الله عزّ وجل ( ذلِكَ لِمَنْ لَمْ يَكُنْ أَهْلُهُ حاضِرِي الْمَسْجِدِ الْحَرامِ ) » (٣).

وصحيحة زرارة : قول الله عزّ وجلّ في كتابه ( ذلِكَ لِمَنْ لَمْ يَكُنْ أَهْلُهُ حاضِرِي الْمَسْجِدِ الْحَرامِ ) قال : « يعني أهل مكّة ليس لهم متعة ، كلّ من كان أهله دون ثمانية وأربعين ميلا ذات عرق وعسفان كما يدور حول مكّة فهو ممّن يدخل في هذه الآية ، وكلّ من كان وراء ذلك فعليه المتعة » (٤).

وإلى الأخبار المستفيضة الآمرة بالتمتّع مطلقا : فمنها : صحيحة صفوان الواردة في حجّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وفيها : « إنّ هذا جبرئيل يأمرني أن آمر من لم يسق منكم هديا أن يحلّ ، ولو استقبلت‌

__________________

(١) المدارك ٧ : ١٥٩.

(٢) الكافي ٤ : ٢٩٩ ـ ١ ، التهذيب ٥ : ٤٩٢ ـ ١٧٦٥ ، الوسائل ١١ : ٢٦٠ أبواب أقسام الحجّ ب ٦ ح ٦. وسرف : وهو موضع على ستّة أميال من مكة ، وقيل : سبعة وتسعة واثني عشر ـ معجم البلدان ٣ : ٢١٢. ومرّ : ـ ويقال مرّ ظهران ـ موضع على مرحلة من مكة ـ معجم البلدان ٥ : ١٠٤.

(٣) التهذيب ٥ : ٣٢ ـ ٩٧ ، الإستبصار ٢ : ١٥٧ ـ ٥١٥ ، قرب الإسناد : ٢٤٤ ـ ٩٦٧ ، الوسائل ١١ : ٢٥٩ أبواب أقسام الحجّ ب ٦ ح ٢.

(٤) التهذيب ٥ : ٣٣ ـ ٩٨ ، الإستبصار ٢ : ١٥٧ ـ ٥١٦ ، الوسائل ١١ : ٢٥٩ أبواب أقسام الحجّ ب ٦ ح ٣.

٢١٦

من أمري ما استدبرت لصنعت مثل ما أمرتكم ، ولكنّي سقت الهدي ولا ينبغي لسائق الهدي أن يحلّ حتى يبلغ الهدي محلّه » إلى أن قيل له : « فهذا الذي أمرتنا به لعامنا هذا أو لما يستقبل؟ فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : بل هو للأبد إلى يوم القيامة ، ثم شبك أصابعه وقال : دخلت العمرة في الحجّ هكذا إلى يوم القيامة » الحديث (١).

وبمضمونها صحيحة الحلبي ، وفيها : « وأحرم الناس كلّهم بالحجّ لا ينوون عمرة ولا يدرون ما المتعة حتى إذا قدم رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم مكّة طاف بالبيت وطاف الناس » إلى أن قال : « فلمّا قضى طوافه عند المروة قام خطيبا فأمرهم أن يحلّوا ويجعلوها عمرة ، وهو شي‌ء أمر الله عزّ وجلّ به ، فأحلّ الناس » إلى أن قيل له : « أرأيت هذا الذي أمرتنا به لعامنا هذا أم لكلّ عام؟ فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : لا ، بل للأبد » (٢).

ومنها : صحيحة الحلبي : « دخلت العمرة في الحجّ إلى يوم القيامة ، لأنّ الله تعالى يقول ( فَمَنْ تَمَتَّعَ ) » الآية « فليس لأحد إلاّ أن يتمتّع ، لأنّ الله أنزل ذلك في كتابه وجرت به السنّة من رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم » (٣).

وأخرى : عن الحجّ ، فقال : « تمتّع » الحديث (٤).

__________________

(١) الكافي ٤ : ٢٤٥ ـ ٤ ، التهذيب ٥ : ٤٥٤ ـ ١٥٨٨ ، الوسائل ١١ : ٢١٣ أبواب أقسام الحجّ ب ٢ ح ٤ ، بتفاوت يسير.

(٢) الكافي ٤ : ٢٤٨ ـ ٦ ، العلل : ٤١٢ ـ ١ ، الوسائل ١١ : ٢٢٢ أبواب أقسام الحجّ ب ٢ ح ١٤.

(٣) التهذيب ٥ : ٢٥ ـ ٧٥ ، الإستبصار ٢ : ١٥٠ ـ ٤٩٣ ، الوسائل ١١ : ٢٤٠ أبواب أقسام الحجّ ب ٣ ح ٢.

(٤) التهذيب ٥ : ٢٦ ـ ٧٦ ، الإستبصار ٢ : ١٥٠ ـ ٤٩٤ ، الوسائل ١١ : ٢٤٠ أبواب أقسام الحجّ ب ٣ ح ٣.

٢١٧

ومنها : صحيحة ابن عمّار : « من حجّ فليتمتّع ، إنّا لا نعدل بكتاب الله وسنّة نبيّه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم » (١).

وأخرى : « لا نعلم لله حجّا غير المتعة ، إنّا إذا لقينا ربّنا قلنا : ربّنا عملنا بكتابك وسنّة نبيّك » (٢).

ومنها : رواية محمّد بن الفضل الهاشمي : إنّا نريد الحجّ وبعضنا صرورة ، فقال : « عليكم بالتمتّع ، فإنّا لا نتّقي في التمتّع بالعمرة إلى الحجّ سلطانا ، واجتناب المسكر ، والمسح على الخفّين » (٣) ، إلى غير ذلك من الأخبار المتجاوزة حدّ الإحصاء.

وجه الدلالة : أنّها دلّت على وجوب التمتّع مطلقا ، خرج منه غير النائي بالإجماع وما مرّ من الأخبار وما يأتي ، فبقي النائي ، مع أنّ مورد أكثر تلك الأخبار والمخاطب بها الناءون عن مكّة.

فرع : حدّ البعد الموجب للتمتّع ثمانية وأربعون ميلا من كلّ جانب ، وفاقا للمحكيّ عن عليّ بن إبراهيم في تفسيره والصدوقين والشيخ في التهذيب والنهاية والنافع والمعتبر والمختلف والتذكرة والمنتهى والتحرير والمسالك والدروس واللمعة والروضة والمدارك والذخيرة (٤) ، وغيرهم من‌

__________________

(١) الكافي ٤ : ٢٩١ ـ ٦ ، التهذيب ٥ : ٢٧ ـ ٨٢ ، الإستبصار ٢ : ١٥٢ ـ ٥٠٠ ، الوسائل ١١ : ٢٤٣ أبواب أقسام الحجّ ب ٣ ح ١٤.

(٢) الكافي ٤ : ٢٩١ ـ ٤ ، التهذيب ٥ : ٢٧ ـ ٨١ ، الإستبصار ٢ : ١٥٢ ـ ٤٩٩ ، الوسائل ١١ : ٢٤٣ أبواب أقسام الحجّ ب ٣ ح ١٣.

(٣) الكافي ٤ : ٢٩٣ ـ ١٤ ، الفقيه ٢ : ٢٠٥ ـ ٩٣٦ ، التهذيب ٥ : ٢٦ ـ ٧٧ ، الإستبصار ٢ : ١٥١ ـ ٤٩٥ ، الوسائل ١١ : ٢٤١ أبواب أقسام الحجّ ب ٣ ح ٥ ، بتفاوت.

(٤) تفسير القمي ١ : ٦٩ ، الصدوق في الفقيه ٢ : ٢٠٣ ، وحكاه عن والده في المختلف : ٢٦٠ ، التهذيب ٥ : ٣٢ ، النهاية : ٢٠٦ ، النافع : ٧٨ ، المعتبر ٢ : ٧٨٤ ، المختلف : ٢٦٠ ، التذكرة ١ : ٣١٨ ، المنتهى ٢ : ٦٦١ ، التحرير ١ : ٩٣ ، المسالك ١ : ١٠١ ، الدروس ١ : ٣٣٠ ، اللمعة والروضة ٢ : ٢٠٤ ، المدارك ٧ : ١٦٠ ، الذخيرة : ٥٥٠.

٢١٨

المتأخّرين (١) ، بل عند أكثر الأصحاب كما في الأخيرين ، وفي شرح المفاتيح : أنّه المشهور ، وفي المعتبر : أنّ القول الآخر شاذّ نادر (٢).

للمعتبرة من الأخبار ، كصحيحة زرارة المتقدّمة (٣) ، وروايته ، وفيها : « ذلك أهل مكّة ليس لهم متعة ولا عمرة » قال : قلت : فما حدّ ذلك؟ قال : « ثمانية وأربعون ميلا من جميع نواحي مكّة دون عسفان وذات عرق » (٤).

وتدلّ عليه أيضا رواية الأعرج السابقة (٥) ، ومثلها صحيحة الحلبي وسليمان بن خالد وأبي بصير (٦) ، ورواية أبي بصير : قلت : لأهل مكّة متعة؟ قال : « لا ، ولا لأهل البستان ، ولا لأهل ذات عرق ، ولا لأهل عسفان » (٧).

وجه الدلالة : أنّها تدلّ على انتفاء المتعة عن أهالي تلك المنازل التي بينها وبين مكّة أزيد من اثني عشر ميلا ، فيبطل بها ذلك القول ، فيتعيّن به‌

__________________

(١) كابن فهد في المهذب ٢ : ١٤٥.

(٢) المعتبر ٢ : ٧٨٥.

(٣) التهذيب ٥ : ٣٣ ـ ٩٨ ، الإستبصار ٢ : ١٥٧ ـ ٥١٦ ، الوسائل ١١ : ٢٥٩ أبواب أقسام الحجّ ب ٦ ح ٣.

(٤) التهذيب ٥ : ٤٩٢ ـ ١٧٦٦ ، الوسائل ١١ : ٢٦٠ أبواب أقسام الحجّ ب ٦ ح ٧.

(٥) الكافي ٤ : ٢٩٩ ـ ١ ، التهذيب ٥ : ٤٩٢ ـ ١٧٦٥ ، الوسائل ١١ : ٢٦٠ أبواب أقسام الحجّ ب ٦ ح ٦.

(٦) التهذيب ٥ : ٣٢ ـ ٩٦ ، الإستبصار ٢ : ١٥٧ ـ ٥١٤ ، الوسائل ١١ : ٢٥٨ أبواب أقسام الحجّ ب ٦ ح ١.

(٧) الكافي ٤ : ٢٩٩ ـ ٢ ، الوسائل ١١ : ٢٦٢ أبواب أقسام الحجّ ب ٦ ح ١٢.

٢١٩

القول المختار ، للإجماع المركّب.

بل تدلّ عليه أيضا صحيحة الحلبي : في حاضري المسجد الحرام ، قال : « ما دون المواقيت إلى مكّة فهو حاضري المسجد الحرام ، وليس لهم متعة » (١).

وكذا صحيحة حمّاد بن عثمان : في حاضري المسجد الحرام ، قال : « ما دون الأوقات إلى مكّة » (٢) بالتقريب المذكور.

ولا يضرّ كون بعض المواقيت على مسافة أكثر من ثمانية وأربعين ، لأنّ التعارض يكون حينئذ مع أخبار ثمانية وأربعين بالعموم والخصوص المطلقين ، اللاّزم تقديم الدالّ على الخاص ، كما هو القاعدة المجمع عليها.

خلافا للسرائر والشرائع والإرشاد والمحكيّ عن الإقتصاد والمبسوط والتبيان ومجمع البيان وفقه القرآن وروض الجنان والجمل والعقود والغنية والكافي والوسيلة والجامع والإصباح والإشارة والقواعد (٣) ، فاثني عشر ميلا.

ولعلّه لظهور الآية في أنّ غير حاضري المسجد فرضه التمتّع ، بل قد أشرنا إلى تواتر الأخبار بفرضيّة التمتّع مطلقا ، خرج ما دون اثني عشر ميلا‌

__________________

(١) التهذيب ٥ : ٣٣ ـ ٩٩ ، الإستبصار ٢ : ١٥٨ ـ ٥١٧ ، الوسائل ١١ : ٢٦٠ أبواب أقسام الحجّ ب ٦ ح ٤.

(٢) التهذيب ٥ : ٤٧٦ ـ ١٦٨٣ ، الوسائل ١١ : ٢٦٠ أبواب أقسام الحجّ ب ٦ ح ٥.

(٣) السرائر ١ : ٥١٩ ، الشرائع ١ : ٢٣٧ ، الإرشاد ١ : ٣٠٩ ، الإقتصاد : ٢٩٨ ، المبسوط ١ : ٣٠٦ ، التبيان ٢ : ١٦١ ، مجمع البيان ١ : ٢٩١. فقه القرآن ١ : ٢٦٦ ، ونسبه إلى روض الجنان في كشف اللثام ١ : ٢٧٧ ، الجمل والعقود ( الرسائل العشر ) : ٢٢٤ ، الغنية ( الجوامع الفقهية ) : ٥٧٣ ، الكافي في الفقه : ١٩١ ، الوسيلة : ١٥٧ ، الجامع : ١٧٧ ، إصباح الشيعة للكيدري البيهقي : ١٤٩ ، الإشارة : ١٢٤ ، القواعد ١ : ٧٢.

٢٢٠