مستند الشّيعة - ج ١١

أحمد بن محمّد مهدي النّراقي

مستند الشّيعة - ج ١١

المؤلف:

أحمد بن محمّد مهدي النّراقي


المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ مشهد المقدسة
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
المطبعة: ستاره
الطبعة: ١
ISBN: 964-319-015-3
ISBN الدورة:
964-5503-75-2

الصفحات: ٤١٨

مردود بأنّه لعلّ كان مقتضى المقام الإجمال في الجواب ، ومع احتمال ذلك لا يثبت التعميم في حكاية الحال الخالية عن الإطلاق والعموم.

وعن الفاضل في بعض كتبه (١) وولده في الإيضاح (٢) : توقّف انعقاد النذر على القول بكون المشي أفضل من الركوب ، وإلاّ فلا ينعقد ، لاشتراط رجحان المنذور.

وفيه : ـ مع مخالفته للإطلاقات ـ أنّه لا يعتبر في المنذور كونه أرجح من جميع ما عداه ، بل المعتبر رجحانه في نفسه ، ولا ريب في ثبوته وإن كان مرجوحا بالإضافة إلى غيره.

فروع :

أ : اختلف الأصحاب في مبدأ المشي ومنتهاه :

أمّا الأول ، فقيل : إنّه بلد الناذر (٣).

وقيل : وقت الشروع في أفعال الحج (٤).

والأصحّ فيه : الرجوع إلى قصد الناذر إن تعيّن ، وإلاّ فإلى عرفه حين النذر إن كان معلوما مضبوطا ، وهو في أمثال بلادنا بلد الناذر أو النذر.

ومع اضطراب عرفه بالنسبة إليهما يكتفي بالأقرب منهما إلى الميقات ، للأصل ، وإلاّ فإلى مقتضى اللفظ لغة ، وهو في لفظة أحجّ ماشيا [ أول الأفعال ] (٥) الذي هو الإحرام.

__________________

(١) كالقواعد ٢ : ١٤٢.

(٢) الإيضاح ٤ : ٦٦.

(٣) كما في القواعد ٢ : ١٤٢ ، الدروس ١ : ٣١٩ ، الحدائق ١٤ : ٢٢٥.

(٤) كما في المدارك ٧ : ١٠٣.

(٥) في « س » ، « ق » : أوان الأفعال ، وفي « ح » : أول أفعال ، والأولى ما أثبتناه.

١٠١

وأمّا الثاني ، فقيل : رمي الجمار (١).

وقيل : طواف النساء (٢).

وروي في قرب الإسناد للحميري : أنّه إذا أفاض من عرفات (٣).

والمعوّل فيه أيضا : قصد الناذر مع اليقين ، وإلاّ فعرفه مع معلوميّته ، وإلاّ فمقتضى اللغة ، وهو فيما ذكر آخر أفعال الحجّ الواجبة ، وهو رمي الجمار ، كما استفاضت به الروايات أيضا ، كصحيحتي جميل (٤) وابن همام (٥) ، ورواية ابن أبي حمزة (٦). والأولى القطع بطواف النساء ، وأمّا رواية الحميري فشاذّة ، أو على بعض المحامل محمولة.

ب : من نذر الحجّ ماشيا ـ بحيث يجب عليه المشي في الطريق أيضا ـ لا تجوز له المسافرة من طريق البحر ، لعدم صدق المشي على العابر بالسفن ، ولو لم يكن طريق غيره يحتمل سقوط النذر.

وأمّا ما في رواية السكوني : « فليقم في المعبر قائما حتى يجوز » (٧) فهي واردة في مثل : الفرات والدجلة من الشطوط ، والأنهار العظيمة التي تحتاج إلى المعبر ، دون البحر والسفينة ، لأنّ المتبادر من المعبر : الأول.

وأمّا في أمثال تلك المعابر ، فلو قطع النظر عن الرواية يجوز بالمعبر‌

__________________

(١) كما في المدارك ٧ : ١٠٣.

(٢) كما في التحرير ٢ : ١٠٧ ، والدروس ١ : ٣١٩.

(٣) قرب الإسناد : ١٦١ ـ ٥٨٨ ، الوسائل ١١ : ٩٠ أبواب وجوب الحجّ ب ٣٥ ح ٦.

(٤) التهذيب ٥ : ٤٧٨ ـ ١٦٩٢ ، الوسائل ١١ : ٩٠ أبواب وجوب الحج ب ٣٥ ح ٢.

(٥) الكافي ٤ : ٤٥٧ ـ ٧ ، الوسائل ١١ : ٩٠ أبواب وجوب الحج ب ٣٥ ح ٣.

(٦) الكافي ٤ : ٤٥٦ ـ ٦ ، الوسائل ١١ : ٩٠ أبواب وجوب الحج ب ٣٥ ح ٤.

(٧) الكافي ٧ : ٤٥٥ ـ ٦ ، الفقيه ٣ : ٢٣٥ ـ ١١١٣ ، التهذيب ٥ : ٤٧٨ ـ ١٦٩٣ ، الإستبصار ٤ : ٥٠ ـ ١٧١ ، الوسائل ١١ : ٩٢ أبواب وجوب الحج ب ٣٧ ح ١.

١٠٢

مطلقا قائما أو جالسا ، لأنّ هذا القدر لا يضرّ عرفا في صدق المشي إلى مكّة ، ولكن لدلالة الرواية على وجوب القيام فيه يحكم به ، ولا يضرّ ضعفها.

ج : لو ركب ناذر المشي بعض الطريق وحجّ لم يكن آتيا بالمنذور ، فيعيده ماشيا إن كان النذر مطلقا.

والقول ـ بأنّه يعيده ماشيا في موضع الركوب خاصّة ـ ضعيف جدّا.

وكذا القول بالأول إن كان الركوب بعد التلبّس بالحجّ ، والثاني إن كان قبله كما في المدارك (١).

وإن كان مقيّدا بسنة معيّنة فيكفّر لخلف النذر ، ويقضي الحجّ إن قلنا بوجوب قضاء المنذور من العبادات إذا ترك ، ويأتي بيانه في بابه.

وأمّا قضاء الحجّ لفساده الموجب للقضاء فإنّما يصحّ إذا ركب في أفعال الحجّ ، لكون الأمر بالحجّ ماشيا نهيا عن ضدّه الموجب لفساده ، وأمّا إذا ركب قبلها فلا وجه لفساد نفس الحجّ ، إلاّ إذا قصد به المنذور ، فتأمّل.

د : لو عجز الناذر للحجّ ماشيا عن المشي كلاّ أو بعضا مع المكنة أولا أو توقّعها ، ففيه أقوال :

الأول : توقّع المكنة مع الإطلاق وعدم اليأس منها ، والسقوط مع التقييد بزمان معيّن وحصول العجز فيه أو اليأس مع الإطلاق ، اختاره الحلّي والفاضل في الإرشاد (٢) والمحقّق الثاني في حاشية الشرائع ، لوجوب تحصيل الواجب بقدر الإمكان في الأول ، والعجز المستتبع للسقوط في الثاني.

__________________

(١) المدارك ٧ : ١٠٥.

(٢) الحلّي في السرائر : ٣٥٧ ، الإرشاد ١ : ٣١٢.

١٠٣

والثاني : الركوب وسياق البدنة مطلقا ، ذهب إليه الشيخ (١) وجماعة من الأصحاب (٢) ، لصحيحتي الحلبي (٣) والمحاربي (٤).

والثالث : الركوب بلا وجوب السياق ، وهو المحكيّ عن المفيد والإسكافي والمحقّق (٥) ، لصحيحة رفاعة : رجل نذر أن يمشي إلى بيت الله ، قال : « فليمش » ، قلت : فإنّه تعب ، قال : « إذا تعب ركب » (٦) ، فإنّ السكوت عن سياق الهدي في مقام البيان يقتضي عدم وجوبه.

ورواية عنبسة : نذرت في ابن لي إن عافاه الله أن أحجّ ماشيا ، فمشيت حتى بلغت العقبة ، فاشتكيت فركبت ، ثم وجدت راحة فمشيت ، فسألت أبا عبد الله عليه‌السلام ، فقال : « إنّي أحبّ إن كنت موسرا أن تذبح بقرة » ، فقلت : معي نفقة ولو شئت أن أذبح لفعلت وعليّ دين ، فقال : « إنّي أحبّ إن كنت موسرا أن تذبح بقرة » ، فقلت : شي‌ء واجب أفعله؟ فقال : « لا ، من جعل الله شيئا واجبا فبلغ جهده فليس عليه شي‌ء » (٧).

__________________

(١) النهاية : ٢٠٥.

(٢) منهم ابن حمزة في الوسيلة : ١٥٦ ، والشهيد في اللمعة ( الروضة ٢ ) : ١٨٣.

(٣) التهذيب ٥ : ١٣ ـ ٣٦ ، الإستبصار ٢ : ١٤٩ ـ ٤٨٩ ، الوسائل ١١ : ٨٦ أبواب وجوب الحجّ وشرائطه ب ٣٤ ح ٣.

(٤) التهذيب ٥ : ٤٠٣ ـ ١٤٠٣ ، الإستبصار ٢ : ١٤٩ ـ ٤٩٠ ، الوسائل ١١ : ٨٦ أبواب وجوب الحجّ وشرائطه ب ٣٤ ح ٢.

(٥) المفيد في المقنعة : ٤٤١ ، حكاه عن الإسكافي في المختلف : ٦٥٩ ، المحقق في المعتبر ٢ : ٣٣١ ، والشرائع ١ : ٢٣١.

(٦) التهذيب ٥ : ٤٠٣ ـ ١٤٠٢ ، الإستبصار ٢ : ١٥٠ ـ ٤٩٢ ، الوسائل ١١ : ٨٦ أبواب وجوب الحجّ وشرائطه ٣٤ ح ١.

(٧) التهذيب ٨ : ٣١٣ ـ ١١٦٣ ، الإستبصار ٤ : ٤٩ ـ ١٧٠ ، الوسائل ٢٣ : ٣٠٨ أبواب النذر والعهد ب ٨ ح ٥ ، بتفاوت يسير.

١٠٤

والرابع : توقّع المكنة مع الإطلاق والركوب مع التعيين أو اليأس ، حكي عن المختلف (١) ، واختاره في التنقيح والروضة والمسالك (٢).

وقد يجعل قول الأخيرين غير الأولين ، باعتبار عدم تعرّض الأولين لليأس وتعرّض الأخيرين. والظاهر : الاتّحاد ، إذ لا يكون اليأس داخلا في توقّع المكنة قطعا ، أمّا الأول فظاهر ، وأمّا الثاني فلأنّ العجز عن الصفة لا يوجب سقوط الموصوف.

والخامس : توقّع المكنة مع الإطلاق ، والركوب والإتمام إن حصل العجز بعد التلبّس بالإحرام مطلقا ، والسقوط إن حصل قبله ، حكي عن بعض المتأخّرين (٣).

أقول : لو لا النصوص المذكورة لكان المصير إلى القول الأول متعيّنا ، بضميمة ما مرّ سابقا من إبطال الاستدلال بعدم إيجاب العجز عن الصفة سقوط الموصوف ، ولكن مع تلك النصوص (٤) ـ الآمرة بالركوب عند العجز على الإطلاق سواء كان نذرا مطلقا أو معينا إمّا مع سياق الهدي أو بدونه الموافقة لعمل جمع من الأعيان ـ فلا محيص عن القول بمقتضاها.

مضافا بالنسبة إلى النذر المطلق [ إلى ] (٥) أنّ الأمر بتوقّع المكنة بعد طريان العجز ربّما يؤدّي إلى العسر والحرج المنفيّين ، سيّما وأن يكون بعد التلبّس بالإحرام ، سيّما مع الأمر بإكمال الحجّ والعمرة حينئذ.

ومخافة الخروج عن المجمع عليه في صورة الإطلاق ، حيث إنّ‌

__________________

(١) المختلف : ٣٢٣ و ٦٥٩.

(٢) التنقيح ١ : ٤٢٤ ، الروضة ٢ : ١٨٢ ، المسالك ٢ : ٢٠٧.

(٣) كصاحب المدارك ٧ : ١٠٨ ، وفيه : مع وجوب الإكمال سياق البدنة.

(٤) الوسائل ١١ : ٨٦ أبواب وجوب الحجّ وشرائطه ب ٣٤.

(٥) أضفناها لاقتضاء السياق.

١٠٥

المستفاد من كلام فخر المحققين (١) وغيره (٢) : أنّ الخلاف إنّما هو في المعيّن ، وأمّا المطلق فلا خلاف فيه في وجوب توقّع المكنة.

فليس في موقعها ، إذ ظاهر جمع من الأصحاب ـ منهم : المحقّق في الشرائع والنافع (٣) ـ تحقّق الخلاف في الصورتين ، فالأخذ بمقتضى النصوص ـ وهو الركوب عند العجز مع أحد الأمرين من السياق وعدمه ـ هو الأقوى ، والأصول المقتضية للقول الأول بها تندفع.

وقد يورد على النصوص بعدم صراحتها في مفروض المسألة ـ وهو نذر الحجّ ماشيا ـ بأن يكون أحدهما مشروطا بالآخر ، لأنّ مورد صحيحتي الحلبي ورفاعة نذر المشي إلى بيت الله ، وهو لا يستلزم نذر الحجّ ، فلعلّ إيجابه إنّما هو لإيجابه عليه مضيّقا سابقا بالاستطاعة ونحوها. ومورد الآخرين وإن كان المفروض ، إلاّ أنّه يحتمل أن يكون المراد نذر المشي خاصّة منضمّا إلى الحجّ الواجب مضيّقا سابقا ، وحينئذ فيخرجان عن المورد أيضا إلاّ من جهة الإطلاق أو العموم. وفي رفع اليد عن الأصول وتخصيصها بمجرّدهما إشكال ، بل يمكن العكس ، بصرفهما إلى نذر المشي خاصّة في سنة الوجوب مضيّقا.

وفيه : ـ مضافا إلى ظهور إرادة نذر الحجّ ماشيا من نذر المشي إلى بيت الله ـ أنّ إطلاق الخبرين الآخرين ـ اللذين أحدهما الصحيح (٤) ، والآخر أيضا حجة على الصحيح (٥) ـ أو عمومهما كاف في دفع الأصل.

__________________

(١) إيضاح الفوائد ١ : ٢٧٦.

(٢) كصاحب الحدائق ١٤ : ٢٣٥.

(٣) الشرائع ١ : ٢٣١ ، النافع : ٧٦.

(٤) وهو صحيح الحذاء ، المتقدم في ص : ١٠٠.

(٥) المروي عن نوادر ابن عيسى ، المتقدم في ص : ١٠٠.

١٠٦

سلّمنا أنّ الأصل ـ لكونه مؤسّسا أيضا من العموم أو الإطلاق ـ يعارض ذلك ، ومقتضاه الرجوع إلى أصالة عدم وجوب توقّع المكنة أيضا ، وهو المطلوب.

والقول : بأنّ صرف النصوص إلى الأصول أولى ، لكونها مقطوعا بها ، بخلاف النصوص ، فإنّها آحاد.

باطل ، لأنّ الآحاد بعد حجّيتها تكون قطعيّة ، مع أنّ مأخذ تلك الأصول أيضا لا يخرج عن الآحاد.

بقي الكلام في أنّه هل يجب سياق الهدي ، كما هو القول الثاني ومقتضى الصحيحين الأولين (١)؟

أو يستحبّ ، كما هو القول الثالث ومقتضى الرواية (٢) المعتضدة بظاهر الصحيحة (٣)؟

ولو لا الرواية لكان المصير إلى الوجوب معيّنا ، ولكن معها لا يبقى ظهور للصحيحين في الوجوب ، لتصريحها بعدمه والاستحباب ، فتكون قرينة على إرادته منهما أيضا.

والقول بضعف الرواية مع وجودها في الأصول المعتبرة عندي ضعيف.

فإذن الأصحّ هو : القول الثالث ، وعليه الفتوى.

__________________

(١) المتقدمين في ص : ١٠١ ـ ١٠٤.

(٢) المتقدمة في ص : ١٠٤.

(٣) المتقدمة في ص : ١٠٤.

١٠٧

الفصل الثاني

في الواجب بالنيابة والإجارة

وهي ثابتة في الحجّ في الجملة ، بالإجماع ، بل الضرورة ، والأخبار المتواترة (١) الواردة في أحكام النيابة والإجارة.

وفيه مسائل :

المسألة الأولى : يشترط في النائب أمور :

منها : العقل ، فلا تصحّ نيابة المجنون والطفل الغير المميّز بالإجماع المحقّق والمحكي (٢) ، له ، ولارتفاع تحقّق القصد منهما.

ومنها : البلوغ ، فلا تصحّ نيابة غير البالغ ولو كان مميّزا على المشهور ، كما صرّح به جماعة (٣) ، وجعله في المدارك المعروف من مذهب الأصحاب (٤).

واستدلّ له بالأصل ، لكون كفاية حجّ الغير عن آخر مخالفة له قطعا ، فيقتصر فيها على موضع اليقين.

وبخروج عباداته عن الشرعيّة الموجبة للثواب وإنّما هي تمرينيّة ، فلا تجزئ عمّن تجب عليه أو تندب ، لأنّ التمرينيّة ليست بواجبة ولا مندوبة.

وبأنّه ليس بمكلّف فلا تصحّ عبادته ، لأنّها موافقة المكلّف به ، والحجّ‌

__________________

(١) الوسائل ١١ : ٧ أبواب وجوب الحجّ وشرائطه ب ١.

(٢) حكاه في كشف اللثام ١ : ٢٩٦.

(٣) كالفاضل الهندي في كشف اللثام ١ : ٢٩٦ ، وصاحب الذخيرة : ٥٦٨.

(٤) المدارك ٧ : ١١٢.

١٠٨

بالنيابة أيضا عبادة.

وبأنّ علمه بعدم المؤاخذة بأفعاله موجب لعدم الركون إلى إخباره ، واحتمال أن يفعل بعض المناسك لا على الوجه المأمور به.

وفي الكلّ نظر : أمّا الأول ، فللزوم الخروج عن الأصل بالدليل ولو كان إطلاقا أو عموما. وأكثر أخبار المقام وإن تضمّن لفظ : « الرجل » أو : « الصرورة الذي لا مال له » (١) المراد منه البالغ ، إذ غيره لا يحتاج إلى القيد ، أو الأمر بمثل : « فليقض عنه وليّه » (٢) المخصوص بالمكلّفين ، أو مثل : « ويقضي عنه » (٣) الغير المتعرّض (٤) للقاضي ولو من جهة الإطلاق. ولكن من الأخبار ما يشمل غير المميّز بالإطلاق ، كرواية عامر بن عمير الصحيح عمّن أجمعت العصابة على تصحيح ما يصحّ عنه : بلغني أنّك قلت : « لو أنّ رجلا مات ولم يحجّ حجّة الإسلام فحجّ عنه بعض أهله أجزأ ذلك عنه » قال : « نعم » (٥).

وصحيحة ابن عمّار : « حجّ الصرورة يجزئ عنه وعمّن حجّ عنه » (٦).

__________________

(١) الكافي ٤ : ٣٠٦ ـ ٣ ، التهذيب ٥ : ١٥ ـ ٤٢ ، الوسائل ١١ : ٧١ أبواب وجوب الحج وشرائطه ب ٢٨ ح ١.

(٢) الكافي ٤ : ٢٧٦ ـ ١٠ ، الفقيه ٢ : ٢٦٩ ـ ١٣١٣ ، الوسائل ١١ : ٦٨ أبواب وجوب الحج وشرائطه ب ٢٦ ح ١.

(٣) الكافي ٤ : ٢٧٦ ـ ١١ ، الفقيه ٢ : ٢٦٩ ـ ١٣١٤ ، الوسائل ١١ : ٦٨ أبواب وجوب الحج وشرائطه ب ٢٦ ح ٢.

(٤) في « ق » و « ج » : المنصوص ..

(٥) الكافي ٤ : ٢٧٧ ـ ١٣ ، التهذيب ٥ : ٤٠٤ ـ ١٤٠٧ ، الوسائل ١١ : ٧٧ أبواب وجوب الحج وشرائطه ب ٣١ ح ٢.

(٦) التهذيب ٥ : ٤١١ ـ ١٤٣٢ ، الإستبصار ٢ : ٣٢٠ ـ ١١٣٦ ، الوسائل ١١ : ٥٥ أبواب وجوب الحجّ وشرائطه ب ٢١ ح ٢.

١٠٩

ورواية محمّد : « لا بأس أن يحجّ الصرورة عن الصرورة » (١).

وأمّا الثّاني ، فلمنع خروج عبادات الصبيّ عن الشرعيّة بإطلاقها ، وإنّما هي خارجة عن الواجبة على نفسها.

سلّمنا التمرينيّة ، لكنّه مخصوصة بأوامر الله سبحانه لا ما يستأجر للغير ، ولا نسلّم ما رتّبه على تمرينيّة عباداته من عدم إجزائه عمّن تجب عليه أو تندب ، ولا يلزم من عدم وجوبها أو ندبها على نفسه عدم إجزائها عمّن تجب عليه أو تندب.

فإن قيل : إذا لم تكن واجبة ولا مندوبة فلا تكون مأمورا بها ، فلا تكون صحيحة ، لأنّ الصحّة موافقة الأمر.

قلنا : لا نسلّم أنّ الصحّة فيما يستأجر للغير موافقته للمأمور به للأجير ، بل هي الموافقة للمأمور به لمن استؤجر له.

ومن ذلك يعلم ما في الثالث أيضا.

وأمّا الرابع ، فلعدم إيجاب العلم بعدم المؤاخذة لعدم الركون بأفعاله ، إذ قد يكون الشخص في نفسه ثقة لا يرضى بالخيانة.

سلّمنا ، ولكن عدم المؤاخذة عنه إنّما هو في حال الصغر ، ولكنّه يعلم بكونه مؤاخذا بعد البلوغ بغرامة ما يتلفه في حال الصغر عن حقّ الغير ، وذلك منه.

ومن ذلك يعلم ضعف جميع تلك الأدلّة.

ولذا ذهب جمع من المتأخّرين إلى جواز نيابة المميّز ، كالمحقّق‌

__________________

(١) التهذيب ٥ : ٤١١ ـ ١٤٢٩ ، الإستبصار ٢ : ٣٢٠ ـ ١١٣٣ ، الوسائل ١١ : ١٧٣ أبواب النيابة في الحجّ ب ٦ ح ١.

١١٠

الأردبيلي والمدارك والمفاتيح وشرحه (١) ، ومال إليه في الذخيرة (٢).

إلاّ أنّ في الفقيه عن بشير النبّال : قال : قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام : إنّ والدتي توفّيت ولم تحجّ ، قال : « يحجّ عنها رجل أو امرأة » ، قلت : أيّهم أحبّ إليك؟ قال : « رجل أحبّ إليّ » (٣).

وفي المستفيضة المتقدّمة ـ الواردة فيما لم يطق الحجّ ببدنه ـ : « فليجهّز رجلا » (٤) ، ولا شكّ أنّ الرجل لا يصدق على غير البالغ.

ولكنّ الاستدلال بالأول يتمّ عند من يقول بإفادة الجملة الخبريّة للوجوب ، وبالثاني عند من يوجب على من لم يطق تجهيز الغير ، وقد عرفت أنّ الأظهر عدمه ، فلا يتمّان عندنا.

نعم ، يمكن الاستدلال على عدم الجواز برواية عمّار الواردة في استئجار الصلاة والصوم المتقدّمة في كتاب الصلاة (٥) ، إمّا من جهة الإجماع المركّب وعدم الفصل بينهما وبين الحجّ ، أو من جهة اشتمال أفعال الحجّ على الصلاة أيضا ، المؤيّدين بقوله عليه‌السلام : « الطواف بالبيت صلاة » (٦).

ومن ذلك يظهر أنّ الأظهر : عدم صحّة إجارة غير المكلّف.

ومنها : الإسلام ، فلا تصحّ نيابة الكافر.

لا لما استدلّوا به من عدم تأتّي نيّة القربة منه ، لمنعه أولا ، فإنّه يمكن تأتّيها من جهة زعمه اشتغال ذمّته بفعل الغير ، وعدم اشتراط القربة في‌

__________________

(١) الأردبيلي في مجمع الفائدة والبرهان ٦ : ١٢٨ ، المدارك ٧ : ١١٢ ، المفاتيح ١ : ٣٠٢.

(٢) الذخيرة : ٥٦٨.

(٣) الفقيه ٢ : ٢٧٠ ـ ١٣١٩ ، الوسائل ١١ : ١٧٨ أبواب النيابة في الحج ب ٨ ح ٨.

(٤) الوسائل ١١ : ٦٣ أبواب وجوب الحجّ وشرائطه ب ٢٤.

(٥) راجع ج ٧ ص ٣٢٨.

(٦) سنن الدارمي ٢ : ٤٤.

١١١

عمل الأجير ثانيا.

بل للإجماع ، ولكون الكافر نجسا لا يجوز له دخول مسجد الحرام المتوقّف بعض أعمال الحجّ عليه ، ولروايتي مصادف :

إحداهما : أتحجّ المرأة عن الرجل؟ قال : « نعم ، إذا كانت فقيهة مسلمة وكانت قد حجّت » (١) ، وقريبة منها الأخرى (٢).

ولا يضرّ في الاشتراط شرط كونها قد حجّت مع أنّه غير شرط ، لأنّه قرينة على أنّ المراد المرأة المستطيعة.

ومنها : الإيمان ، اشترطه بعضهم (٣) ، لعدم صحّة عبادة المخالف.

وفيه : أنّه لو سلّم فإنّما هو في عبادات نفسه ، وأمّا ما ينوب فيه لغيره فلا دليل على عدم صحّته ، التي هي الموافقة لتكليف المنوب عنه ، والأخبار الواردة في عدم صحّة عباداته ظاهرة في عبادات نفسه ، ولذا ذهب جمع إلى الصحة (٤) ، بل هو ظاهر الأكثر.

ويمكن الاستدلال على عدم الصحّة برواية عمّار المشار إليها في نيابة المميّز ، المتقدّمة في بحث الصلاة بالتقريب المتقدّم في المميز (٥).

وعلى هذا ، فالأظهر : عدم الصحّة.

__________________

(١) التهذيب ٥ : ٤١٣ ـ ١٤٣٦ ، الإستبصار ٢ : ٣٢٢ ـ ١١٤٢ ، الوسائل ١١ : ١٧٧ أبواب النيابة في الحجّ ب ٨ ح ٧.

(٢) الكافي ٤ : ٣٠٦ ـ ١ ، الوسائل ١١ : ١٧٧ أبواب النيابة في الحجّ ب ٨ ح ٤.

(٣) كصاحب المدارك ٧ : ١٠٨ ، والكاشاني في المفاتيح ١ : ٣٠٢ ، وصاحب الحدائق ١٤ : ٢٤٠.

(٤) كالمحقق في المعتبر ٢ : ٧٦٦ ، والعلاّمة في المنتهى ٢ : ٨٦٣ ، والتذكرة ١ : ٣٠٩ ، والشهيد في الدروس ١ : ٣١٩.

(٥) في ص : راجع ج ٧ : ٣٤٤.

١١٢

ومنها : العدالة ، وقد اعتبرها المتأخّرون في الحجّ الواجب ، كما في المدارك والذخيرة والمفاتيح (١) ، أو في الحجّ مطلقا ، كما في بعض شروح المفاتيح ، وهو ظاهر المفيد في باب مختصر المسائل والجوابات من كتاب الأركان ، حيث قال : إذا لم يكن للإنسان مانع عن الحجّ وكان ظاهر العدالة فله أن يحجّ عن غيره.

واستند المتأخّرون إلى أنّ الإتيان بالحجّ الصحيح إنّما يعلم بإخباره (٢) ، والفاسق لا تعويل على إخباره ، لآية التثبّت (٣). واكتفى بعضهم بكونه ممّن يظنّ صدقه ويحصل الوثوق بإخباره ، واستحسنه جماعة (٤).

ولا يخفى أنّه يرد على مستندهم : أنّ المطلوب إن كان هو العلم فلا يحصل من خبر العادل أيضا ، وإن كان الظنّ فهو قد يحصل بخبر الفاسق.

إلاّ أن يقال : إنّ المطلوب كونه مقبول الخبر ، والفاسق ليس كذلك ، للآية.

ويرد عليه حينئذ أولا : أنّ مقتضى الآية قبول خبر الفاسق مع التثبّت ، فقد يعلم من حاله أنّه لا يكذب ، أو أنّه يأتي بما استؤجر له ، أو تدلّ قرائن على أحدهما ، فلا تكون العدالة شرطا.

وثانيا : أنّا نمنع أصل المطلوب ـ وهو كونه مقبول القول ـ فإنّ المأمور به هو الاستنابة مطلقا ، كما في الأخبار ، وأمّا أنّه يجب أن يستفسر عنه أنّه هل أتى بما استنيب له أم لا ، وأنّه يجب أن يكون مقبول القول في ذلك ،

__________________

(١) المدارك ٧ : ١٠٩ ، الذخيرة : ٨٦٧ ، المفاتيح ١ : ٣٠٢.

(٢) منهم صاحب المدارك ٧ : ١٠٩ ، والفيض في المفاتيح ١ : ٣٠٢.

(٣) الحجرات : ٦.

(٤) كما في المدارك ٧ : ١٠٩ ، والذخيرة : ٥٦٧ ، والمفاتيح ١ : ٣٠٢.

١١٣

فلا دليل عليه ، والأصل ينفيه ، بل المصرّح به في المستفيضة : أنّ بالاستنابة تبرأ ذمّة المنوب عنه ، أتى النائب بالأفعال أم لا ، كان في حجّه نقص أم لا (١).

ففي مرسلة ابن أبي عمير ـ التي هي في حكم الصحاح ـ : في رجل أخذ من رجل مالا ولم يحجّ عنه ومات ولم يخلّف شيئا ، قال : « إن كان حجّ الأجير أخذت حجّته ودفعت إلى صاحب المال ، وإن لم يكن حجّ كتب لصاحب المال ثواب الحجّ » (٢).

وفي مرسلة الفقيه : الرجل يأخذ الحجّة من الرجل فيموت فلا يترك شيئا ، فقال : « أجزأت عن الميّت ، وإن كانت له عند الله حجّة أثبتت لصاحبه » (٣).

وفي موثّقة إسحاق الصحيحة عمّن أجمعت العصابة على تصحيح ما يصحّ عنه : في الرجل يحجّ عن آخر فاجترح في حجّه شيئا يلزمه فيه الحجّ من قابل أو كفّارة؟ قال : « هي للأول تامّة ، وعلى هذا ما اجترح » (٤).

وفي أخرى كذلك أيضا : فإن ابتلي بشي‌ء يفسد عليه حجّه حتى يصير عليه الحجّ من قابل ، أيجزئ عن الأول؟ قال : « نعم » ، قلت : لأنّ الأجير ضامن للحجّ؟ قال : « نعم » (٥).

__________________

(١) كما في الوسائل ١١ : ١٨٥ و ١٩٤ أبواب النيابة في الحجّ ب ١٥ و ٢٣.

(٢) الكافي ٤ : ٣١١ ـ ٣ ، الوسائل ١١ : ١٩٤ أبواب النيابة في الحج ب ٢٣ ح ١.

(٣) الفقيه ٢ : ٢٦١ ـ ١٢٦٩ ، الوسائل ١١ : ١٩٤ أبواب النيابة في الحج ب ٢٣ ح ٢.

(٤) الكافي ٤ : ٥٤٤ ـ ٢٣ ، التهذيب ٥ : ٤٦١ ـ ١٦٠٦ ، الوسائل ١١ : ١٨٥ أبواب النيابة في الحجّ ب ١٥ ح ٢.

(٥) الكافي ٤ : ٣٠٦ ـ ٤ ، التهذيب ٥ : ٤١٧ ـ ١٤٥٠ ، الوسائل ١١ : ١٨٥ أبواب النيابة في الحجّ ب ١٥ ح ١.

١١٤

وصحيحة الحسين : في رجل أعطاه رجل مالا يحجّ عنه فحجّ عن نفسه ، فقال : « هي عن صاحب المال » (١).

ومكاتبة أبي علي بن مطهّر : إنّي دفعت إلى ستّة أنفس مائة دينار وخمسين دينارا ليحجّوا بها ، فرجعوا ولم يشخص بعضهم ، وأتاني بعض وذكر أنّه قد أنفق بعض الدنانير وبقيت بقيّة وأنّه يردّ عليّ ما بقي ، وإنّي قد رمت مطالبة من لم يأتني بما دفعت إليه ، فكتب عليه‌السلام : « لا تعرض لمن لم يأتك ولا تأخذ ممّن أتاك شيئا ممّا يأتيك به ، والأجر قد وقع على الله » (٢).

وهذه الأخبار ناطقة بأنّه يثبت الحجّ للمنوب عنه بعد الاستنابة مطلقا ، فأيّ حاجة إلى كون الأجير مقبول القول أو لا حتى تشترط عدالته؟! والأصل عدم اشتراطها ، ولا كونه مظنون الصدق ، وهو الأظهر.

نعم ، لو كان المستنيب وصيّا أو وكيلا ودلّت القرائن على إرادة الموصي أو الموكّل لاستنابة العدل أو الثقة ـ كما هو الظاهر في الأكثر ـ تجب استنابته ، كما مرّ في كتاب الصلاة.

ومنها : أن يكون فقيها حال الحجّ ـ أي عارفا بما يلزم عليه من أفعال الحجّ ـ اجتهادا أو تقليدا ، لروايتي مصادف [ المتقدّمتين ] (٣) ، ولتوقّف الإتيان بها عليه.

وهل يشترط علم المستنيب بفقاهته ، أو عدم علمه بعدمها ، أو لا يشترط شي‌ء منهما؟

__________________

(١) التهذيب ٥ : ٤٦١ ـ ١٦٠٥ ، الوسائل ١١ : ١٩٣ أبواب النيابة في الحجّ ب ٢٢ ح ١ ، بتفاوت يسير.

(٢) الفقيه ٢ : ٢٦٠ ـ ١٢٦٦ ، الوسائل ١١ : ١٨٠ أبواب النيابة في الحج ب ١٠ ح ٤.

(٣) في النسخ : المتقدّمة ، والأنسب ما أثبتناه. وقد تقدمتا في ص ١١٢.

١١٥

مقتضى الروايتين : الأول ، فهو المعمول وإن لم نقل به في استئجار الصلاة ، لأنّ الصلاة واجبة على كلّ أحد ، ومقتضى معاملة العلماء ـ بل الحجج عليهم‌السلام ـ مع الناس اكتفاؤهم في حقّهم في تكاليفهم بعدم العلم بالعدم ، وبناؤهم معهم على كونهم عالمين بأحكامهم ، وإن أمكن الخدش في الصلاة أيضا ، فتأمّل.

واللازم معرفته هو العلم بما يجب عليه الإتيان به من أعمال الحجّ ، دون ما يمكن أن يحتاج إليه من مسائل الشكّ ، والسهو ، وقدر الكفّارات ، والأحكام المفروضة احتياجه إليها.

وكذا اللازم هو المعرفة حال كلّ فعل ، فلو لم يعلم الجميع مفصّلا أولا ولكن كان معه أصل يرجع إليه عند كلّ عمل كان كافيا ، ولو كان بتعليم مرشد عادل يحجّ معه.

وأمّا ما احتمله الشهيد في الدروس (١) ـ من كفاية العلم الإجمالي بذلك ـ فلا أفهم حقيقته ، فإنّه إن أراد حال الإجازة أو قبل الأعمال فلا يشترط العلم مطلقا ، لا التفصيلي ولا الإجمالي ، وإن كان حال الفعل فلا معنى لكفاية الإجمالي.

ومنها : كونه قادرا على السير والإتيان بمناسك الحج ، والوجه ظاهر.

ومنها : موت المنوب عنه أو عجزه ، كما مرّ. نعم ، يجوز التبرّع بحجّ التطوّع لغيرهما كما يأتي.

ومنها : خلوّ ذمّته من حجّ واجب عليه في عام النيابة بالأصالة أو بالاستئجار أو بالإفساد أو بغير ذلك ، فلو وجب عليه حجّ في ذلك العام لم يجز‌

__________________

(١) الدروس ١ : ٣٢٠.

١١٦

له أن ينوب عن غيره بالإجماع ، للنهي عن الضدّ الموجب للفساد ، وللأخبار المستفيضة من الصحاح وغيرها :

كصحيحة سعد : عن الرجل الصرورة يحجّ عن الميّت؟ قال : « نعم ، إذا لم يجد الصرورة ما يحجّ به عن نفسه ، فإنّ كان له ما يحجّ به عن نفسه فليس يجزئ عنه حتى يحجّ من ماله » الحديث (١) ، وغيرها من الأخبار (٢).

ومن شغلت ذمّته بواجب موسّع أو مقيّد بالعام القابل ـ كما لو نذر أو استؤجر لأن يحجّ في القابل ـ جازت له النيابة قبل عام الوجوب ، من غير خلاف يعرف.

وكذا من استقرّ في ذمّته الحجّ في عام وعجز عن أدائه فيه ولو مشيا ـ كالمستقرّ من حجّ الإسلام ـ تجوز له الاستنابة إذا تمكّن من الركوب حينئذ بمال الإجارة ، بشرط ضيق الوقت بحيث لا يحتمل تجدّد الاستطاعة ، لأنّ العجز يمنع عن الوجوب.

وخالف فيه بعضهم (٣) ، ولا وجه له.

ولو صار نائبا في عام وتجدّدت بعد النيابة له الاستطاعة في ذلك العام تصحّ النيابة ويحجّ للنيابة ، لأنّ المانع الشرعي كالعقلي ، ويحجّ لنفسه في العام القابل بشرط بقاء الاستطاعة.

وكذا تجوز النيابة لو لم يكن مستطيعا وعلم حصول الاستطاعة قبل المسافرة ، لعدم الوجوب قبل الحصول ، فتجوز له النيابة ، وبعدها لا يحصل‌

__________________

(١) الكافي ٤ : ٣٠٥ ـ ٢ ، التهذيب ٥ : ٤١٠ ـ ١٤٢٧ ، الإستبصار ٢ : ٣١٩ ـ ١١٣١ ، الوسائل ١١ : ١٧٢ أبواب النيابة في الحجّ ب ٥ ح ١.

(٢) الوسائل ١١ : ١٧٢ أبواب النيابة في الحجّ ب ٥.

(٣) وهو الحلّي في السرائر ١ : ٦٢٦.

١١٧

تمام الاستطاعة للمانع الشرعي.

ويتفرّع عليه : أنّه لو أوصى أحد بولده نيابة الحجّ بنفسه لوالده أول عام وفاته ، ولم يكن للولد مال بنفسه ، ولكن يستطيع بالميراث بعد فوت أبيه ، يجوز له قبول الوصيّة ، وبعده لا يكون مستطيعا في العام الأول.

ولو كان له مال قبل فوت أبيه يجوز له قبول الوصيّة مقيّدا بحجّة لنفسه قبل فوت أبيه ، فلو لم يحجّ قبله لا يجوز له الحجّ نيابة.

ولو ظنّ تمكّنه من الحجّ لنفسه قبل وفاة أبيه ، فقبل الوصيّة ، فلم يتمكّن أو مات أبوه في ذلك العام ، بطلت الوصيّة وعاد المال إلى الورثة.

ومنها : إذن المولى إن كان النائب عبدا ، فلا يصحّ بدون إذنه ، ووجهه واضح ، ومعه يصحّ بإجماعنا ، للإطلاقات.

المسألة الثانية : لا تصحّ النيابة عن الكافر ، للإجماع ، وهو الحجّة فيه.

دون ما قيل من أنّه يستحقّ في الآخرة العقاب دون الثواب ، وهو من لوازم صحّة الفعل (١).

ولا قوله سبحانه ( ما كانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ ) (٢).

ولا قوله ( وَأَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسانِ إِلاّ ما سَعى ) (٣).

لمنع كون ثواب الآخرة من لوازم صحّة الفعل ، لجواز ترتّب الأجر الدنيوي كما ورد في كثير من الأفعال ، أو تخفيف عقاب الآخرة.

__________________

(١) الحدائق ١٤ : ٢٣٩.

(٢) التوبة : ١١٣.

(٣) النجم : ٣٩.

١١٨

وعدم استحقاق الكافر لهما ممنوع ، كما ورد في بعض الموثقات : عن الرجل يحجّ فيجعل حجّته أو عمرته أو بعض أفعاله لبعض أهله ـ إلى أن قال ـ قال : وإن كان ناصبا ينفعه ذلك؟ قال : « نعم ، يخفّف عنه » (١).

ولمنع كون نيابة الحجّ استغفارا.

ولكون الاستنابة أيضا سعيا من المنوب عنه.

ولا تصحّ أيضا عن المسلم الناصب إلاّ أن يكون أبا للنائب ، لمكاتبة ابن مهزيار (٢) وصحيحة ابن عبد ربّه (٣).

وأمّا غير الناصب من المخالفين فتصحّ عنه على الأظهر ، وفاقا لجماعة (٤) ، للأصل والإطلاقات ، إلاّ إذا استناب لفعل لا يجوز عندنا.

ومنعه جماعة (٥) مطلقا ، لعدم انتفاعه بشي‌ء من الأعمال ، واستحقاقه العقاب الدائم ، وكونه كافرا.

ويرد على الأول : أن المسلّم عدم انتفاعه الأخروي ، فلعلّه يؤجر به في الدنيا.

ومنه يظهر ما يرد على الثاني أيضا.

وعلى الثالث : بمنع كونه كافرا. سلّمنا ، ولكنّ المستند في عدم‌

__________________

(١) الكافي ٤ : ٣١٥ ـ ٤ وفيه : بعض طوافه ، بدل : بعض أفعاله ، الوسائل ١١ : ١٩٧ أبواب النيابة في الحج ب ٢٥ ح ٥.

(٢) الكافي ٤ : ٣٠٩ ـ ٢ ، الوسائل ١١ : ١٩٢ أبواب النيابة في الحجّ ب ٢٠ ح ٢.

(٣) الكافي ٤ : ٣٠٩ ـ ١ ، الفقيه ٢ : ٢٦٢ ـ ١٢٧٣ ، التهذيب ٥ : ٤١٤ ـ ١٤٤١ ، الوسائل ١١ : ١٩٢ أبواب النيابة في الحجّ ب ٢٠ ح ١.

(٤) منهم القاضي في المهذب ١ : ٢٦٩ ، والحلّي في السرائر ١ : ٦٣٢.

(٥) كالشيخ في النهاية : ٢٨٠ ، والعلاّمة في القواعد ١ : ٧٧ ، والكاشاني في المفاتيح ١ : ٣٠٣.

١١٩

الصحّة عنه الإجماع المنتفي في ذلك الصنف.

المسألة الثالثة : قالوا : لا بدّ من نيّة النيابة وتعيين المنوب عنه ، وفي الذخيرة : أنّ هذا الحكم مقطوع به في كلامهم (١) ، ونسبه بعض شرّاح المفاتيح إلى المشهور المنبئ عن الخلاف ، واستدلّ له بقوله عليه‌السلام : « إنّما الأعمال بالنيّات ، وأنّ لكلّ امرئ ما نوى » (٢).

وفيه : إنّما هو في الأعمال التي تتحمّل الاشتراك ويمكن وقوعه على وجوه عديدة ، فلا بدّ فيه من قصد المميّز ، وأمّا ما لا يمكن وقوعه إلاّ على وجه واحد فلا يحتاج إلى مميّز ، كما مرّ مستوفى في بحيث النيّة من الوضوء والصلاة.

فعلى هذا يتّجه القول بعدم لزوم قصد النيابة ، لوقوع الفعل للمنوب عنه قهرا ولو قصد غيره.

وتدلّ عليه صحيحة أبي حمزة والحسين : في رجل أعطى رجلا مالا يحجّ عنه فحجّ عن نفسه ، فقال : « هي عن صاحب المال » (٣) ، ونحوها مرفوعة محمّد (٤).

نعم ، إذا كان وقت النيابة موسّعا أو كان الحجّ للغير تبرّعا يجوز التخلّف ، فوقوعه عن النيابة يتوقّف على قصدها ، وعلى هذا وردت‌

__________________

(١) الذخيرة : ٥٦٧.

(٢) التهذيب ٤ : ١٨٦ ـ ٥١٩ ، الوسائل ١ : ٤٨ أبواب مقدمة العبادات ب ٥ ح ٧ ، بتفاوت يسير.

(٣) التهذيب ٥ : ٤٦١ ـ ١٦٠٥ ، الوسائل ١١ : ١٩٣ أبواب النيابة في الحجّ ب ٢٢ ح ١.

(٤) الكافي ٤ : ٣١١ ـ ٢ ، الفقيه ٢ : ٢٦٢ ـ ١٣٧٦ ، الوسائل ١١ : ١٩٤ أبواب النيابة في الحجّ ب ٢٢ ح ٢.

١٢٠