مستند الشّيعة - ج ١١

أحمد بن محمّد مهدي النّراقي

مستند الشّيعة - ج ١١

المؤلف:

أحمد بن محمّد مهدي النّراقي


المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ مشهد المقدسة
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
المطبعة: ستاره
الطبعة: ١
ISBN: 964-319-015-3
ISBN الدورة:
964-5503-75-2

الصفحات: ٤١٨

ولا يخفى أنّ تحريم الإشارة والدلالة إنّما هو لمن لم ير الصيد ، وأمّا لمن يراه ولا يفيده ذلك شيئا ، وكذا لمن لا يتمكّن من صيده ، فالوجه العدم ، وفاقا لجمع كما قيل (١) ، للأصل ، واختصاص النصوص بما تسبّب للصيد ، مع أنّ الدلالة عرفا تختصّ بما لا يعلمه المدلول بنفسه.

وهاهنا مسائل :

المسألة الأولى : كما يحرم الصيد يحرم فرخه ، وبيضه ، بلا خلاف يعلم كما في الذخيرة (٢) ، بل عن التذكرة (٣) وفي شرح المفاتيح الإجماع عليه ، وتدلّ عليه الروايات المتكثّرة المتضمّنة لثبوت الكفّارة فيه ، كما سيأتي ذكرها.

المسألة الثانية : إذا صاد المحرم صيدا وقتله كان حراما عليه وعلى من مثله في كونه محرما ، إجماعا ، وللروايات الآتية الخالية عن المعارض في حقّه.

وكذا يحرم على كلّ أحد وإن كان محلاّ عند جماعة ، منهم : الشيخ في أكثر كتبه والسرائر والمهذّب والجامع والوسيلة والجواهر والشرائع والنافع والقواعد والإرشاد (٤) وغيرها (٥) ، وادّعى جماعة الشهرة عليه (٦) ،

__________________

(١) انظر الرياض ١ : ٣٧٣.

(٢) الذخيرة : ٥٨٨.

(٣) التذكرة ١ : ٣٢٨‌

(٤) الشيخ في النهاية : ٢٢٠ ، السرائر ١ : ٥٤٦ ، المهذب ١ : ٢٣٠ ، الجامع : ١٨٣ ، الوسيلة : ١٦٥ ، جواهر الفقه : ٤٦ ، الشرائع ١ : ٢٤٩ ، النافع : ٨٤ ، القواعد ١ : ٨١ ، الإرشاد ١ : ٣١٧.

(٥) كالتذكرة ١ : ٣٢٩.

(٦) منهم السبزواري في الذخيرة : ٦٠٠ وصاحب الحدائق ١٥ : ١٤٣ وصاحب الرياض ١ : ٣٧٣.

٣٤١

وعن الجواهر والتذكرة والمنتهى : الإجماع عليه (١).

ولرواية وهب : « إذا ذبح المحرم الصيد لم يأكله الحلال والمحرم ، وهو كالميتة ، وإذا ذبح الصيد في الحرم فهو ميتة حلال ذبحه أم حرام » (٢) ، وإسحاق (٣) ، وهي بمضمون الأولى.

وابن أبي عمير : المحرم يصيب الصيد فيفديه يطعمه أو يطرحه؟

قال : « إذن كان عليه فداء آخر » ، قلت : فما يصنع به؟ قال : « يدفنه » (٤).

المعتضدة جميعا بالشهرة المحقّقة ، والإجماعات المحكيّة ، وأخبار تعارض الصيد والميّتة للمحرم المضطرّ (٥) ، سيّما ما رجّح منها الميّتة على الصيد.

خلافا للمحكيّ عن المقنع والفقيه والإسكافي والمفيد والسيّد والكليني (٦) ، فقالوا بحلّية مذبوح المحرم في غير الحرم للمحلّ ، للأصل ، والصحاح المستفيضة :

كصحيحة الحلبي : « المحرم إذا قتل الصيد فعليه جزاؤه ويتصدّق بالصيد على مسكين » (٧).

والأخرى : عن محرم أصاب صيدا وأهدى إليّ منه ، قال : « لا ، لأنّه‌

__________________

(١) جواهر الفقه : ٤٦ ، التذكرة ١ : ٣٢٩ ، المنتهى ٢ : ٨٠٠.

(٢) التهذيب ٥ : ٣٧٧ ـ ١٣١٥ ، الإستبصار ٢ : ٢١٤ ـ ٧٣٣ ، الوسائل ١٢ : ٤٣٢ أبواب تروك الإحرام ب ١٠ ح ٤.

(٣) التهذيب ٥ : ٣٧٧ ـ ١٣١٦ ، الإستبصار ٢ : ٢١٤ ـ ٧٣٤ ، الوسائل ١٢ : ٤٣٢ أبواب تروك الإحرام ب ١٠ ح ٥.

(٤) الفقيه ٢ : ٢٣٥ ـ ١١٢٠ ، التهذيب ٥ : ٣٧٨ ـ ١٣٢٠ ، الإستبصار ٢ : ٢١٥ ـ ٧٤٠ ، المقنع : ٧٩ ، الوسائل ١٢ : ٤٣٢ أبواب تروك الإحرام ب ١٠ ح ٣.

(٥) الوسائل ١٣ : ٨٤ أبواب كفارات الصيد ب ٤٣.

(٦) المقنع : ٧٩ ، الفقيه ٢ : ٢٣٥ ، المفيد في المقنعة : ٤٣٨ ، السيد في جمل العلم والعمل ( رسائل الشريف المرتضى ٣ ) : ٧٢ ، الكليني في الكافي ٤ : ٣٨٢.

(٧) التهذيب ٥ : ٣٧٢ ـ ١٢٩٧ ، الوسائل ١٣ : ٩٣ أبواب كفّارات الصيد وتوابعها ب ٤٨ ح ١.

٣٤٢

صيد في الحرم » (١) ، فإنّ مقتضى مفهوم التعليل : جواز أكل المحلّ لو صاده المحرم في غير الحرم.

وابن عمّار : وإذا أصاب الرجل الصيد في الحرم وهو محرم فإنّه ينبغي له أن يدفنه ولا يأكله أحد ، وإذا أصابه في الحلّ فإنّ الحلال يأكله وعليه هو الفداء (٢).

والأخرى : عن رجل أصاب صيدا وهو محرم أيأكل منه الحلال؟

فقال : « لا بأس ، إنّما الفداء على المحرم » (٣).

وابن حازم : رجل أصاب من صيد أصابه محرم وهو حلال ، قال : « فليأكل منه الحلال ، فليس عليه شي‌ء ، إنّما الفداء على المحرم » (٤).

والأخرى : رجل أصاب صيدا وهو محرم ، آكل منه وأنا حلال؟ قال : « أنا كنت فاعلا » ، قلت له : فرجل أصاب مالا حراما ، فقال : « ليس هذا مثل هذا يرحمك الله ، إنّ ذلك عليه » (٥).

وحريز : عن رجل أصاب صيدا وهو محرم ، أيأكل منه الحلال؟ فقال : « لا بأس ، إنّما الفداء على المحرم » (٦).

المؤيّدة بالأصل ، والأكثرية ، والأشهرية رواية ، والأصحّية سندا ،

__________________

(١) التهذيب ٥ : ٣٧٥ ـ ١٣٠٨ ، الوسائل ١٢ : ٤٢٢ أبواب تروك الإحرام ب ٤ ح ١.

(٢) الكافي ٤ : ٣٨٢ ـ ٦ ، التهذيب ٥ : ٣٧٨ ـ ١٣١٨ ، الوسائل ١٢ : ٤٢٠ أبواب تروك الإحرام ب ٣ ح ٢ ، بتفاوت يسير.

(٣) التهذيب ٥ : ٣٧٥ ـ ١٣٠٧ ، الإستبصار ٢ : ٢١٥ ـ ٧٣٨ ، الوسائل ١٢ : ٤٢١ أبواب تروك الإحرام ب ٣ ح ٥.

(٤) الكافي ٤ : ٣٨٢ ـ ٧ ، الوسائل ١٢ : ٤٢٠ أبواب تروك الإحرام ب ٣ ح ١.

(٥) التهذيب ٥ : ٣٧٥ ـ ١٣٠٥ ، الوسائل ١٢ : ٤٢١ أبواب تروك الإحرام ب ٣ ح ٣.

(٦) التهذيب ٥ : ٣٧٥ ـ ١٣٠٦ ، الإستبصار ٢ : ٢١٥ ـ ٧٣٧ ، الوسائل ١٢ : ٤٢١ أبواب تروك الإحرام ب ٣ ح ٤ ، بتفاوت يسير.

٣٤٣

وأخبار ترجيح الصيد على الميّتة للمضطرّ عند التعارض (١) ، ولو لا حلّيته في الجملة لم يكن كذلك.

وحمل تلك الأخبار على ما إذا كان به رمق خلاف الظاهر جدّا ، بل لا يحتمله بعضها البتّة كالأولى والثالثة ، وكذلك جعل الباء في الأولى سببية والصيد مصدرا.

وللمحكيّ عن الشيخين أيضا مفصّلا بين مقتول المحرم ومذبوحه ، فحكما بالحلّية للمحلّ في الأول والحرمة له في الثاني (٢) ، وإليه مال في المدارك (٣) وبعض من تأخّر عنه (٤) ، استنادا في الأول إلى الأخبار الأخيرة ، وفي الثاني إلى الأولى.

وهو الأقرب ، لأعمّية الأخبار الأخيرة عن الأولى مطلقا بالنسبة إلى الذبح وغيره ، فيجب تخصيصها بها ، عملا بقاعدة تخصيص العامّ المطلق بالخاصّ المطلق.

المسألة الثالثة : الصيد المحرّم يشمل كلّ حيوان ممتنع بالأصالة ، سواء كان ممّا يؤكل أو لا ، وفاقا للشرائع والتذكرة (٥) ، بل جملة من كتب الفاضل (٦) وجمع من المتأخّرين (٧) ، وعن الراوندي : أنّه مذهبنا (٨) ، معربا‌

__________________

(١) الوسائل ١٣ : ٨٤ أبواب كفارات الصيد ب ٤٣.

(٢) حكاه عنهما في المدارك ٧ : ٣٠٨ ، وانظر المقنعة : ٤٣٨ ، والتهذيب ٥ : ٣٧٥ ـ ٣٧٨ ، والإستبصار ٢ : ٢١٥.

(٣) المدارك ٧ : ٣٠٨.

(٤) كصاحب الحدائق ١٥ : ١٤٥.

(٥) الشرائع ١ : ٢٨٣ ، التذكرة ١ : ٣٢٨.

(٦) كالمنتهى ٢ : ٨٠٠.

(٧) كما في المسالك ١ : ١٣٢.

(٨) فقه القرآن ١ : ٣٠٦.

٣٤٤

عن دعوى الإجماع.

لشمول الصيد المنهيّ عنه كتابا وسنّة له لغة وعرفا ، فيشمله إطلاقهما.

مضافا إلى عموم صحيحة ابن عمّار المتقدّمة (١) المتضمّنة للفظ : « الدواب كلّها » ، والنهي فيها وفي الآتية عن قتل ما لم يرده من الحيوانات المحرّمة المذكورة فيها ، وما دلّ على حرمة قتل الوحش والطير مطلقا في الحرم ، والنهي عن قتل غير الإبل والبقر والغنم والدجاج في الحرم ، وحرمة ذبح كلّ ما أدخل الحرم حيّا ، ووجوب تخلية سبيل الصقر في الحرم كما يأتي في باب مسائل الحرم.

بضميمة الإجماع على اتّحاد حكم الحرم والإحرام في تحريم الصيد ، بل دلالة صحيحة (٢) حريز (٣) عليه كما يأتي في الباب المذكور.

والتقييد بالأصالة لإخراج ما توحّش من الإنسي وإدخال ما استأنس من الوحشي ، إذ بذلك لا يخرج الحيوان عن مسمّاه الأصلي ، ولا يختلف بذلك إطلاق الصيد وعدمه ، بل لا خلاف في جواز قتل الإنسي المتوحّش وعدم جواز قتل الوحشيّ المستأنس.

مضافا إلى إطلاق صحيحة حريز : « المحرم يذبح البقر والغنم والإبل ، وكلّ ما لم يصفّ من الطير ، وما أحلّ للحلال أن يذبحه في الحرم ، وهو محرم في الحلّ والحرم » (٤).

__________________

(١) الكافي ٤ : ٣٦٣ ـ ٢ ، التهذيب ٥ : ٣٦٥ ـ ١٢٧٣ ، العلل : ٤٥٨ ـ ٢ ، الوسائل ١٢ : ٥٤٥ أبواب تروك الإحرام ب ٨١ ح ٢ ، ٣ ، ٤.

(٢) في « س » و « ق » : صحيحتي.

(٣) الكافي ٤ : ٣٦٣ ـ ١ ، التهذيب ٥ : ٣٦٥ ـ ١٢٧٢ ، الإستبصار ٢ : ٢٠٨ ـ ٧١١ ، الوسائل ١٢ : ٥٤٤ أبواب تروك الإحرام ب ٨١ ح ١.

(٤) الكافي ٤ : ٣٦٥ ـ ١ ، الوسائل ١٢ : ٥٤٩ أبواب تروك الإحرام ب ٨٢ ح ٣.

٣٤٥

ورواية ابن سنان : المحرم ينحر بعيره ويذبح شاته؟ قال : « نعم » (١).

وما يأتي من جواز ذبح الإبل والبقر والغنم والدجاجة في الحرم كما يأتي.

نعم ، تستثنى منه الأفعى والعقرب والفأرة ، وفاقا للمحقّق (٢) وجماعة (٣) ، لصحيحة ابن عمّار المتقدّمة ، وصحيحة الحسين بن أبي العلاء : « يقتل المحرم الأسود الغدر والأفعى والعقرب والفأرة » إلى أن قال : « اقتل كلّ شي‌ء منهنّ يريدك » (٤).

ورواية محمّد بن الفضيل : عن المحرم وما يقتل من الدواب؟ فقال : « يقتل الأسود والأفعى والفأرة والعقرب وكلّ حيّة ، وإن أرادك السبع فاقتله ، وإن لم يردك فلا تقتله ، والكلب العقور إن أرادك فاقتله ، ولا بأس للمحرم أن يرمي الحدأة » (٥).

وصحيحة الحلبي : « يقتل في الحرم والإحرام الأفعى والأسود الغدر ، وكلّ حيّة سوء ، والعقرب والفأرة وهي الفويسقة ، ويرجم الغراب والحدأة رجما » (٦).

بل كلّما خيف منه فيجوز قتله إذا أراده إجماعا كما قيل (٧) ، لذيل صحيحة ابن عمّار ، وابن أبي العلاء ، ورواية الفضيل المتقدّمة.

__________________

(١) الكافي ٤ : ٣٦٥ ـ ٢ ، الوسائل ١٢ : ٥٤٩ أبواب تروك الإحرام ب ٨٢ ح ٤.

(٢) الشرائع ١ : ٢٨٤.

(٣) منهم الصدوق في المقنع : ٧٧ ، وصاحبي المدارك ٨ : ٣١٦ ، والحدائق ١٥ : ١٥٨.

(٤) التهذيب ٥ : ٣٦٦ ـ ١٢٧٤ ، الوسائل ١٢ : ٥٤٦ أبواب تروك الإحرام ب ٨١ ح ٥.

(٥) الفقيه ٢ : ٢٣٢ ـ ١١٠٩ ، الوسائل ١٢ : ٥٤٧ أبواب تروك الإحرام ب ٨١ ح ١٠.

(٦) الكافي ٤ : ٣٦٣ ـ ٣ ، الوسائل ١٢ : ٥٤٦ أبواب تروك الإحرام ب ٨١ ح ٦.

(٧) الحدائق ١٥ : ١٣٨.

٣٤٦

ولصحيحة حريز : « كلّما خاف المحرم على نفسه من السباع والحيّات وغيرها فليقتله ، وإن لم يردك فلا ترده » (١).

وفي رواية العرزمي : « يقتل المحرم كلّما خشيه على نفسه » (٢).

وفي صحيحة أخرى لابن عمّار : « كلّ شي‌ء أرادك فاقتله » (٣).

وهل يجوز قتل الحيّة مطلقا ، لبعض ما مرّ من الروايات المطلقة ، كما هو الأشهر ، بل عن الغنية والمبسوط : الإجماع عليه (٤)؟

أو يختصّ بصورة الخوف ، كما عن السرائر (٥)؟

الظاهر : الثاني ، لصحيحة ابن عمّار المتقدّمة ، التي هي أخصّ مطلقا ممّا مرّ.

وفي رواية غياث بن إبراهيم : « يقتل المحرم الزنبور والنسر والأسود والذئب ، وما خاف أن يعدو عليه » ، وقال : « الكلب العقور هو الذئب » (٦).

والظاهر أنّ تجويز قتل الزنبور وما بعده أيضا لأجل الخوف لا مطلقا ، وإن احتمل الإطلاق في الزنبور لهذه الرواية التي هي أخصّ ممّا دلّ على المنع ، ولذا تردّد في الشرائع (٧) ، بل وجوّز قتله في المبسوط (٨).

__________________

(١) الكافي ٤ : ٣٦٣ ـ ١ ، الوسائل ١٢ : ٥٤٤ أبواب تروك الإحرام ب ٨١ ح ١.

(٢) الكافي ٤ : ٣٦٤ ـ ١٠ ، الوسائل ١٢ : ٥٤٦ أبواب تروك الإحرام ب ٨١ ح ٧.

(٣) الكافي ٤ : ٣٦٤ ـ ٥ ، الوسائل ١٢ : ٥٤٧ أبواب تروك الإحرام ب ٨١ ح ٩.

(٤) الغنية ( الجوامع الفقهية ) : ٥٧٥ ، المبسوط ١ : ٣٣٨.

(٥) السرائر ١ : ٥٦٧.

(٦) الكافي ٤ : ٣٦٣ ـ ٤ ، الوسائل ١٢ : ٥٤٦ أبواب تروك الإحرام ب ٨١ ح ٨.

(٧) الشرائع ١ : ٢٨٤.

(٨) المبسوط ١ : ٣٣٩.

٣٤٧

وتدلّ عليه أيضا صحيحة ابن عمّار : « لا بأس بقتل النحل والبقّ في الحرم » (١) ، بضميمة الصحيحتين الآتيتين في بحث أحكام الحرم ، المصرّحتين : بأنّه يجوز للمحرم ذبح كلّ ما يجوز ذبحه للمحلّ في الحرم.

ومنه يثبت استثناء النملة أيضا ، للتصريح به في صحيحة أخرى له (٢) ، حيث فيها موضع النحل : والنمل.

وأمّا غيره فلا ، أمّا النسر فلظاهر الإجماع المركّب.

وأمّا الأسود فلما مرّ وإن احتمل الإطلاق فيه أيضا ، لأنّ الأسود نوع خاصّ من الحيّات ، والدليل الخاصّ بالإرادة في الحيّة إنّما هو في مطلق الحيّة.

وأمّا الذئب ـ المفسّر بالكلب العقور ـ فلمفهوم رواية ابن الفضيل المتقدّمة (٣).

ثم إنّه قد خالف هنا جماعة في الصيد المحرّم أكله ، بل في المفاتيح حكي عن الأكثر (٤) ، فقيّدوا الصيد المحرّم بالمحلّل من الممتنع ، فجوّزوا صيد كلّ ما لا يؤكل ، إمّا مطلقا ، كطائفة (٥) ، أو باستثناء الأسد والثعلب والأرنب والضب واليربوع والقنفذ والزنبور والعظاية ، فحرّموا صيدها أيضا ، كجماعة (٦) ،

__________________

(١) الفقيه ٢ : ١٧٢ ـ ٧٦١ ، التهذيب ٥ : ٣٦٦ ـ ١٢٧٦ ، الوسائل ١٢ : ٥٥٠ أبواب تروك الإحرام ب ٨٤ ح ١ ، وفي الجميع : النمل ، بدل : النحل.

(٢) الفقيه ٢ : ١٧٢ ـ ٧٦١ ، التهذيب ٥ : ٣٦٦ ـ ١٢٧٧ ، الوسائل ١٢ : ٥٥١ أبواب تروك الإحرام ب ٨٤ ح ٢.

(٣) الفقيه ٢ : ٢٣٢ ـ ١١٠٩ ، الوسائل ١٢ : ٥٤٧ أبواب تروك الإحرام ب ٨١ ح ١٠.

(٤) المفاتيح ١ : ٣١٩.

(٥) منهم الطوسي في المبسوط ١ : ٣٣٨ ، المحقّق في النافع : ١٠١.

(٦) منهم الشهيد الثاني في المسالك ١ : ١٣٣.

٣٤٨

استنادا إلى عدم وجوب كفّارة في غير المأكول سوى الثمانية.

وردّ (١) : بمنع التلازم بين عدم لزوم الكفّارة وعدم التحريم ، لأنّها ليست من لوازم الحرمة ، كما يشهد عليه سقوط الكفّارة عمّن عاد في الصيد متعمّدا.

وأجيب (٢) : بأنّه يمكن استنباط التلازم بين الحرمة ولزوم الكفّارة من سياق قوله سبحانه ( وَمَنْ قَتَلَهُ مِنْكُمْ مُتَعَمِّداً فَجَزاءٌ مِثْلُ ما قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ ) (٣) ، ومن صحيحتي الحلبي (٤) وابن حازم (٥) المتقدّمتين ، فإنّ مفادهما ثبوت الفداء في كلّ ما تعلّق به النهي ، فلا بدّ من أحد التخصيصين : إمّا تخصيص الصيد بالمحلّل ، أو الفداء ببعض ما يحرم صيده ، فلا يعلم عموم حرمة الصيد.

أقول : يمكن أن يقال : إنّ غاية ذلك اختصاص حرمة الصيد بما فيه الفداء ، ولكن لا يفيد ذلك فيما نهي فيه عن قتل الدواب والسباع ونحوها.

والحاصل : أنّ هاهنا أمرين ، أحدهما : النهي عن الصيد ، والآخر : عن قتل الدواب ، وما ثبت فيه التلازم هو الأول دون الثاني ، والمثبت للتعميم حقيقة هو الثاني.

وقد تلخّص ممّا ذكر أنّ الأصل : حرمة قتل الدواب كلّها حال الإحرام ، وخرج منها الإبل والبقر والغنم والدجاج ، وكل ما خيف منه مع‌

__________________

(١) كما في المدارك ٨ : ٣١٣.

(٢) كما في الرياض ١ : ٤٤٥.

(٣) المائدة : ٩٥.

(٤) الكافي ٤ : ٣٨١ ـ ١ ، الوسائل ١٢ : ٤١٥ أبواب تروك الإحرام ب ١ ح ١.

(٥) الكافي ٤ : ٣٨١ ـ ٢ ، التهذيب ٥ : ٣١٥ ـ ١٠٨٦ ، الإستبصار ٢ : ١٨٧ ـ ٦٢٩ ، الوسائل ١٢ : ٤١٦ أبواب تروك الإحرام ب ١ ح ٣.

٣٤٩

الإرادة ، والزنبور والنمل والأفعى والعقرب والفأرة وهوام الجسد والغراب يرمى ، والسائر باق تحت الأصل من الوحوش والطيور والحشرات.

المسألة الرابعة : ما مرّ من تحريم الصيد إنّما هو في الصيد البرّي ، وأمّا البحري فلا يحرم ، بالإجماعين (١) ، والكتاب (٢) ، والسنّة المستفيضة (٣).

والمراد بالبحر يعمّ النهر أيضا كما قيل (٤) ، بل لا خلاف كما عن التبيان ، قال : لأنّ العرب تسمّي النهر بحرا (٥) ، ومنه قوله تعالى ( ظَهَرَ الْفَسادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ ) (٦).

والأغلب في البحر هو الذي يكون ماؤه مالحا ، لكن إذا أطلق دخل فيه الأنهار بلا خلاف.

المسألة الخامسة : التفرقة بين صيد البرّ والبحر إنّما هي بالتعيّش ، فما يعيش في البرّ فمن البرّي وإن كان أصله من البحر ، وما يعيش في البحر فمن البحر ، لصدق الاسم ، وصحيحة محمد : مرّ أبو جعفر عليه‌السلام على ناس وهم يأكلون جرادا ، فقال : « سبحان الله وأنتم محرمون » ، فقالوا : وإنّما هو من البحر ، فقال : « فارمسوه في الماء إذن » (٧).

وصحيحة ابن عمّار : « كلّ شي‌ء يكون أصله في البحر ويكون في البرّ‌

__________________

(١) انظر الرياض ١ : ٤٤٦.

(٢) المائدة : ٩٦.

(٣) الوسائل ١٢ : ٤٢٥ أبواب تروك الإحرام ب ٦.

(٤) انظر الرياض ١ : ٤٤٦.

(٥) التبيان ٤ : ٢٨.

(٦) الروم : ٤١.

(٧) الكافي ٤ : ٣٩٣ ـ ٦ ، الفقيه ٢ : ٢٣٥ ـ ١١١٩ ، التهذيب ٥ : ٣٦٣ ـ ١٢٦٣ ، الوسائل ١٢ : ٤٢٨ أبواب تروك الإحرام ب ٧ ح ١ ، بتفاوت.

٣٥٠

[ والبحر ] فلا ينبغي للمحرم أن يقتله ، فإن قتله فعليه الجزاء » (١).

وأمّا ما يعيش في البرّ والبحر معا فالفصل المميّز فيه إنّما هو اعتبار البيض والفرخ ، فما يبيض ويفرخ في الماء فهو بحريّ وإن كان يعيش في البرّ ، وما يبيض ويفرخ في البر فهو برّي وإن كان يعيش في الماء ، باتّفاق الأصحاب.

وقد صرّح بذلك في صحيحة حريز ، وفيها : « وفصل ما بينهما كلّ طير يكون في الآجام ويبيض في البرّ ويفرخ في البرّ فهو من صيد البرّ ، وما كان من صيد البرّ يكون في البرّ ويبيض في البحر ويفرخ في البحر فهو من صيد البحر » (٢).

وفي حكم البيض والإفراخ التوالد.

المسألة السادسة : الجراد في معنى الصيد البرّي ، اتّفاقا محقّقا ومحكيّا (٣) ، له ، وللمستفيضة ، كصحيحة محمّد المتقدّمة ، وابن عمّار : « ليس للمحرم أن يأكل جرادا ولا يقتله » (٤) ، وغير ذلك (٥).

المسألة السابعة : يجوز رمي الغراب بأقسامه والحدأة في الحرم وغيره ، مع الإحرام أو لا معه ، وعن ظهر البعير وغيره ، للروايات السابقة (٦).

__________________

(١) الكافي ٤ : ٣٩٣ ـ ٢ ، التهذيب ٥ : ٤٦٨ ـ ١٦٣٦ ، الوسائل ١٢ : ٤٢٦ أبواب تروك الإحرام ب ٦ ح ٢ ، وما بين المعقوفين أضفناه من المصادر.

(٢) الكافي ٤ : ٣٩٢ ـ ١ ، الفقيه ٢ : ٢٣٦ ـ ١١٢٦ ، التهذيب ٥ : ٣٦٥ ـ ١٢٧٠ ، الوسائل ١٢ : ٤٢٦ أبواب تروك الإحرام ب ٦ ح ٣ ، بتفاوت.

(٣) كما في التذكرة ١ : ٣٣٠ ، الذخيرة : ٥٨٩.

(٤) التهذيب ٥ : ٣٦٣ ـ ١٢٦٤ ، الوسائل ١٢ : ٤٢٩ أبواب تروك الإحرام ب ٧ ح ٤.

(٥) الوسائل ١٢ : ٤٢٨ أبواب تروك الإحرام ب ٧.

(٦) في ص : ٣٤٦ ، وانظر الوسائل ١٢ : ٥٤٤ أبواب تروك الإحرام ب ٨١.

٣٥١

وتخصيص الحكم في صحيحة ابن عمّار (١) بالرمي عن ظهر البعير لا يفيد الاختصاص بعد إطلاق سائر الروايات ، إذ لا منافاة بينهما ، فوجب الجمع.

ولا يجوز قتلهما ، لما مرّ ، إلاّ أن يفضي الرمي إليه.

المسألة الثامنة : قيل بجواز قتل البرغوث والبقّة (٢) ، للأصل ، ورواية زرارة : عن المحرم يقتل البقّة والبرغوث إذا أراداه؟ قال : « نعم » (٣).

وعن جماعة ـ منهم : الشيخ في التهذيب والفاضل في جملة من كتبه ـ تحريم قتلهما (٤) ، لصحيحة ابن عمّار المتقدّمة ، وقوّاه في المدارك (٥).

ولو قلنا بالجواز إذا أراداه ـ كما هو مورد الرواية ـ والمنع بدونه كان حسنا ، إلاّ أنّ هاهنا أخبارا أخر تدلّ على الجواز ، ويأتي تحقيقه في بحث هوام الجسد إن شاء الله.

المسألة التاسعة : يجوز للمحرم أكل الصيد مع اضطراره إليه ، حيث يحلّ أكل الميّتة بقدر ما يمسك الرمق إذا لم يوجد غيره إجماعا ، فيأكل ويفدي بما يأتي ، أمّا جواز الأكل فللاضطرار المجوّز له كتابا وسنّة وإجماعا ، وأمّا الفداء فلإطلاقاته.

وتدلّ عليهما أيضا صحيحة زرارة وبكير : في رجل اضطرّ إلى صيد وميتة وهو محرم ، قال : « يأكل الصيد ويفدي » (٦).

__________________

(١) الكافي ٤ : ٣٦٣ ـ ٢ ، التهذيب ٥ : ٣٦٥ ـ ١٢٧٣ ، العلل : ٤٥٨ ـ ٢ ، الوسائل ١٢ : ٥٤٥ أبواب تروك الإحرام ب ٨١ ح ٢ ، ٣ ، ٤.

(٢) الحدائق ١٥ : ١٩٥.

(٣) الكافي ٤ : ٣٦٤ ـ ٦ ، الوسائل ١٢ : ٥٤٢ أبواب تروك الإحرام ب ٧٩ ح ٣.

(٤) التهذيب ٥ : ٣٦٦ ، الفاضل في المنتهى ٢ : ٨٠٠ ، التذكرة ١ : ٣٤٠.

(٥) المدارك ٨ : ٣١٨.

(٦) الكافي ٤ : ٣٨٣ ـ ٣ ، الوسائل ١٣ : ٨٥ أبواب كفارات الصيد ب ٤٣ ح ٣.

٣٥٢

والحلبي : عن المحرم يضطرّ فيجد الميّتة والصيد أيّهما يأكل؟ قال : « يأكل من الصيد ، ليس هو بالخيار ، أما يحبّ أن يأكل من ماله؟! » قلت : بلى ، قال : « إنّما عليه الفداء ، فليأكل وليفده » (١).

ويستفاد منهما وممّا في معناهما من المعتبرة ـ كموثّقة يونس (٢) ورواية منصور (٣) ومرسلة الفقيه (٤) ـ وجوب تقديم أكل الصيد على الميّتة إذا وجدت معه ، كما قاله المفيد والسيّد والديلمي (٥) ، وجماعة (٦) ، ونسبه في النافع والتنقيح إلى أشهر الروايتين (٧) ، وعن الإنتصار : الإجماع عليه (٨).

وقال الحلّي : بل يأكل الميّتة (٩) ، لصحيحة عبد الغفّار الجازي : عن المحرم إذا اضطرّ إلى ميتة فوجدها ووجد صيدا ، فقال : « يأكل الميّتة ويترك الصيد » (١٠).

وبمعناها رواية إسحاق ، وفيها : « فليأكل الميّتة التي أحلّ الله له » (١١).

__________________

(١) الكافي ٤ : ٣٨٣ ـ ١ ، التهذيب ٥ : ٣٦٨ ـ ١٢٨٣ ، الإستبصار ٢ : ٢٠٩ ـ ٧١٤ ، الوسائل ١٣ : ٨٤ أبواب كفارات الصيد ب ٤٣ ح ١ ، بتفاوت.

(٢) الكافي ٤ : ٣٨٣ ـ ٢ ، التهذيب ٥ : ٣٦٨ ـ ١٢٨٥ ، الإستبصار ٢ : ٢١٠ ـ ٧١٦ ، الوسائل ١٣ : ٨٥ أبواب كفارات الصيد ب ٤٣ ح ٢.

(٣) علل الشرائع : ٤٤٥ ـ ٣ ، الوسائل ١٣ : ٨٦ أبواب كفارات الصيد ب ٤٣ ح ٧.

(٤) الفقيه ٢ : ٢٣٥ ـ ١١٢١ ، الوسائل ١٣ : ٨٥ أبواب كفارات الصيد وتوابعها ب ٤٣ ح ٤.

(٥) المفيد في المقنعة : ٤٣٨ ، السيد في الإنتصار : ١٠٠ ، الديلمي في المراسم : ١٢١.

(٦) كصاحب المدارك ٨ : ٤٠٠ ، السبزواري في الذخيرة : ٦١٥.

(٧) النافع : ١٠٥ ، التنقيح ١ : ٥٥٢.

(٨) الإنتصار : ١٠٠.

(٩) السرائر ١ : ٥٦٨.

(١٠) التهذيب ٥ : ٣٦٩ ـ ١٢٨٦ ، الإستبصار ٢ : ٢١٠ ـ ٧١٧ ، الوسائل ١٣ : ٨٧ أبواب كفارات الصيد ب ٤٣ ح ١٢.

(١١) التهذيب ٥ : ٣٦٨ ـ ١٢٨٤ ، الإستبصار ٢ : ٢٠٩ ـ ٧١٥ ، الوسائل ١٣ : ٨٧ أبواب كفارات الصيد ب ٤٣ ح ١١.

٣٥٣

وجمع الصدوق بينهما بالتخيير مع رجحان الصيد (١) ، استنادا إلى ما صرّح بكون الصيد أحبّ (٢).

وتردّه صحيحة الحلبي المتقدّمة ، فيتعيّن العمل بإحدى الروايتين ، والأولى أرجح ، لموافقتها لاستصحاب حلّية الصيد وحرمة الميّتة ، ومخالفتها لما عليه أكثر العامّة ، سيّما رؤساؤهم وأصحاب أبي حنيفة (٣).

وجمع آخر بوجوه أخر خالية عن الشاهد.

ولو لم يتمكّن من الفداء حينئذ ، يقضيه إذا رجع من ماله ، كما صرّح به في موثّقة يونس.

ولو لم يتمكّن منه حين الرجوع أيضا يرجع إلى بدله من الصوم ونحوه إن كان له بدل ، لصدق الفداء عليه ، كما يأتي في بحث الكفّارات.

ولو لم يكن له بدل أو كان وعجز عنه أيضا يأكل الميّتة ، وفاقا للمبسوط والتهذيب والمهذّب والشرائع والقواعد (٤) وغيرها (٥) ، لاختصاص أخبار تقديم الصيد بما إذا تمكّن من الفداء ، للأمر به ، فتبقى أخبار تقديم الميّتة في هذا المورد خالية عن المعارض ، فيجب العمل بها البتّة.

وفي المسألة أقوال أخر وفروع أخر لا ينبغي لمن له أمر آخر أهمّ الاشتغال بذكرها ، فإنّ المسألة مجرّد فرض يندر الاحتياج إليها جدّا ، ونحوها أكثر مسائل الصيد ، ولذا ارتكبنا فيه نحوا من الاقتصار.

__________________

(١) الفقيه ٢ : ٢٣٥.

(٢) الفقيه ٢ : ٢٣٥ ـ ١١٢١ ، الوسائل ١٣ : ٨٥ أبواب كفارات الصيد ب ٤٣ ح ٤.

(٣) المغني والشرح الكبير ٣ : ٢٩٦ ، انظر الأم للشافعي ٢ : ٢٥٣.

(٤) المبسوط ١ : ٣٤٩ ، التهذيب ٥ : ٣٦٨ ، المهذّب ١ : ٢٣٠ ، الشرائع ١ : ٢٩٣ ، القواعد ١ : ٩٦.

(٥) كالرياض ١ : ٤٦٢.

٣٥٤

الثاني من المحرّمات على الرجال والنساء : النساء والرجال جماعا ، ولمسا بشهوة ، وتقبيلا كذلك لا بدونها ، وعقدا لنفسه ولغيره ، بلا خلاف في شي‌ء منها كما قيل (١) ، بل بالإجماع المحكيّ في التحرير في الأول (٢) ، وفي ظاهر المدارك وشرح الهندي للقواعد فيه وفي الأخير (٣) ، وفي الخلاف والغنية والمنتهى والتذكرة ـ كما حكي ـ في الأخير (٤) ، [ وفي ] (٥) المفاتيح وشرحه في الجميع (٦).

ويدلّ على الأول : نفي الرفث في الكتاب الكريم في الحجّ ـ وفسّره في صحيحتي ابن عمّار (٧) وعليّ بن جعفر (٨) بالجماع ـ والنصوص المستفيضة (٩) القريبة من المتواترة من الصحاح وغيرها الآتية جملة منها في بحث الكفّارات.

وعلى الثاني : صحيحة محمّد : عن رجل محرم حمل امرأته وهو محرم فأمنى أو أمذى ، قال : « إن كان حملها أو مسّها بشي‌ء من الشهوة فأمنى أو لم يمن أمذى أو لم يمذ فعليه دم شاة يهريقه ، فإن حملها أو مسّها‌

__________________

(١) الحدائق ١٥ : ٣٣٩.

(٢) التحرير ١ : ١١٢.

(٣) المدارك ٧ : ٣١٠ ، كشف اللثام ١ : ٣٢٢.

(٤) الخلاف ٢ : ٣١٧ ، الغنية ( الجوامع الفقهية ) : ٥٧٧ ، المنتهى ٢ : ٨٠٨ ، التذكرة ١ : ٣٤٢.

(٥) ليست في النسخ ، أضفناها لاستقامة العبارة.

(٦) المفاتيح ١ : ٣٢٧.

(٧) الكافي ٤ : ٣٣٧ ـ ٣ ، التهذيب ٥ : ٢٩٦ ـ ١٠٠٣ ، الوسائل ١٢ : ٤٦٣ أبواب تروك الإحرام ب ٣٢ ح ١.

(٨) قرب الإسناد : ٢٣٤ ـ ٩١٥ ، الوسائل ١٣ : ١١٥ أبواب كفّارات الاستمتاع ب ٣ ح ١٦.

(٩) الوسائل ١٢ : ٤٦٣ أبواب تروك الإحرام ب ٣٢.

٣٥٥

بغير شهوة أمنى أو أمذى فليس عليه شي‌ء » (١).

ورواية الأعرج : عن رجل ينزل المرأة من المحمل فيضمّها إليه وهو محرم ، قال : « لا بأس إلاّ أن يتعمّد » (٢).

والحلبي : المحرم يضع يده على امرأته ، قال : « لا بأس » قلت : فإنّه أراد أن ينزلها من المحمل فلمّا ضمّها إليه أدركته الشهوة ، قال : « ليس عليه شي‌ء ، إلاّ أن يكون طلب ذلك » (٣).

وعلى الثالث : رواية عليّ بن أبي حمزة : عن رجل قبّل امرأته وهو محرم ، قال : « عليه بدنة وإن لم ينزل » (٤).

ورواية الحسين بن حمّاد : عن المحرم يقبّل أمّه؟ قال : « لا بأس ، هذا قبلة رحمة ، إنّما تكره قبلة الشهوة » (٥) ، والمراد بالكراهة هنا : الحرمة ، لأنّ التفصيل قاطع للشركة.

ورواية العلاء : عن رجل وامرأة تمتّعا جميعا فقصّرت امرأته ولم يقصّر فقبّلها ، قال : « يهريق دما ، وإن كانا لم يقصّرا جميعا فعلى كلّ واحد منهما أن يهريق دما » (٦).

__________________

(١) الفقيه ٢ : ٢١٤ ـ ٩٧٢ ، التهذيب ٥ : ٣٢٦ ـ ١١١٩ ، المقنع : ٧٦ ، الوسائل ١٣ : ١٣٧ أبواب كفّارات الاستمتاع ب ١٧ ح ٦.

(٢) الفقيه ٢ : ٢٣١ ـ ١١٠١ ، الوسائل ١٢ : ٤٣٦ أبواب تروك الإحرام ب ١٣ ح ٢.

(٣) التهذيب ٥ : ٣٢٦ ـ ١١١٨ ، الوسائل ١٣ : ١٣٧ أبواب كفارات الاستمتاع ب ١٧ ح ٥.

(٤) الكافي ٤ : ٣٧٦ ـ ٣ ، التهذيب ٥ : ٣٢٧ ـ ١١٢٣ ، الوسائل ١٣ : ١٣٩ أبواب كفارات الاستمتاع ب ١٨ ح ٤.

(٥) الكافي ٤ : ٣٧٧ ـ ٩ ، التهذيب ٥ : ٣٢٨ ـ ١١٢٧ ، الوسائل ١٣ : ١٣٩ أبواب كفارات الاستمتاع ب ١٨ ح ٥.

(٦) التهذيب ٥ : ٤٧٣ ـ ١٦٦٦ ، الوسائل ١٣ : ١٤٠ أبواب كفّارات الاستمتاع ب ١٨ ح ٦.

٣٥٦

وعلى الثاني والثالث : صحيحة الحلبي : عن المحرم يضع يده من غير شهوة على امرأته ، قال : « نعم ، يصلح عليها خمارها ، ويصلح عليها ثوبها ومحملها » ، قلت : أفيمسّها وهي محرمة؟ قال : « نعم » ، قلت : المحرم يضع يده بشهوة ، قال : « يهريق دم شاة » ، قلت : فإن قبّل؟ قال : « هذا أشدّ ، ينحر بدنة » (١).

ورواية مسمع : « إنّ حال المحرم ضيّقة ، فمن قبّل امرأته على غير شهوة وهو محرم فعليه دم شاة ، ومن قبّل امرأته على شهوة فأمنى فعليه جزور ويستغفر ربّه ، ومن مسّ امرأته بيده وهو محرم على شهوة فعليه دم شاة ، ومن نظر إلى امرأته نظر شهوة فأمنى فعليه جزور ، ومن مسّ امرأته أو لازمها من غير شهوة فلا شي‌ء عليه » (٢).

ودلالة تلك الروايات على الحرمة لأجل إيجاب الكفّارة ، للإجماع ظاهرا على استلزام وجوب الكفّارة لعدم الجواز في هذا المقام ، مضافا إلى إثبات البأس ـ الذي هو العذاب ـ في الضمّ مع العمد في رواية الأعرج المتقدّمة.

وحمل البأس على الكراهة ـ لإطلاق الضمّ الشامل لما كان بشهوة ولغيره ـ مردود بأولويّة التخصيص عن المجاز ، مع أنّ الظاهر عدم الكراهة في الضمّ بدون الشهوة أيضا.

وأكثر هذه الروايات وإن كانت مختصّة بالرجل إلاّ أنّه يتعدّى الحكم إلى‌

__________________

(١) الكافي ٤ : ٣٧٥ ـ ٢ ، الوسائل ١٣ : ١٣٦ ، ١٣٨ أبواب كفّارات الاستمتاع ب ١٧ و ١٨ ح ٢ و ١.

(٢) الكافي ٤ : ٣٧٦ ـ ٤ ، التهذيب ٥ : ٣٢٦ ـ ١١٢١ بتفاوت يسير ، الإستبصار ٢ : ١٩١ ـ ٦٤١ ، الوسائل ١٢ : ٤٣٤ أبواب تروك الإحرام ب ١٢ ح ٣.

٣٥٧

المرأة بالإجماع المركّب ، مضافا إلى التصريح بحكم المرأة في رواية العلاء أيضا في التقبيل الموجب للتعدّي إلى غيره بالإجماع المركّب أيضا.

وإطلاق نادر من تلك الروايات في المسّ الشامل لما كان بشهوة ولغيره مقيّد بتقييد البواقي والتصريح بجواز الثاني ، وكذا إطلاق طائفة منها في التقبيل ، بل تصريح صحيحة الحلبي بتقييد رواية الحسين بن حمّاد.

إلاّ أنّه يمكن أن يقال : إنّ الثابت في الصحيحة الكفّارة ، والمنفيّ في الرواية الحرمة.

إلاّ أن يقال بشمول المسّ ـ المجوّز منه ما كان بغير شهوة ـ للتقبيل أيضا ، ولكنّه خلاف الظاهر.

إلاّ أنّ الظاهر عدم الفصل بين الكفّارة ، وعدم الجواز هنا ، فتتعارض الرواية مع الصحيحة ، فتحمل الأخيرة على الاستحباب ، كما في الذخيرة (١).

وأمّا الإطلاق في المسّ والتقبيل ـ كما حكي عن جمل العلم والعمل والسرائر والكافي (٢) ويحتمله كلام جماعة (٣) أيضا ـ فغير موجّه.

وتدلّ على الأخير مرسلة الحسن بن عليّ : « المحرم لا ينكح ولا ينكح ولا يخطب ولا يشهد النكاح ، فإن نكح فنكاحه باطل » (٤) ، وقريبة منها مرسلة ابن فضّال.

وصحيحة ابن عمّار : « المحرم لا يتزوّج ولا يزوّج ، فإن فعل فنكاحه‌

__________________

(١) الذخيرة : ٥٩٠.

(٢) جمل العلم والعمل : ٢١٢ ، السرائر ١ : ٥٤٢ ، الكافي في الفقه : ٢٠٢.

(٣) منهم المفيد في المقنعة : ٤٣٤ ، الصدوق في المقنع : ٧٦ ، الفيض في المفاتيح ١ : ٣٢٧.

(٤) الكافي ٤ : ٣٧٢ ـ ١ وفي التهذيب ٥ : ٣٣٠ ـ ١١٣٦ بتفاوت يسير ، الوسائل ١٢ : ٤٣٨ أبواب تروك الإحرام ب ١٤ ح ٧.

٣٥٨

باطل » (١).

وصحيحة ابن سنان : « ليس للمحرم أن يتزوّج ولا يزوّج ، فإن تزوّج أو زوّج محلاّ فتزويجه باطل » (٢). إلى غير ذلك (٣).

وظاهر الأخير نفي الجواز ، كما يشهد به إبطال النكاح أيضا ، ولأجله يحمل الأولان على الحرمة أيضا.

مسائل :

المسألة الأولى : صرّح جماعة ـ بل الأكثر ـ بتحريم النظر بشهوة أيضا (٤) ، بل قيل : إنّه لعلّه لا خلاف فيه (٥) ، وفي المفاتيح وشرحه : الإجماع عليه (٦).

وقد يستدلّ عليه برواية مسمع المتقدّمة ، وصحيحة ابن عمّار : عن محرم نظر إلى امرأته فأمنى أو أمذى وهو محرم ، قال : « لا شي‌ء عليه ، ولكن ليغتسل ويستغفر ربّه ، وإن حملها من غير شهوة فأمنى أو أمذى فلا شي‌ء عليه ، وإن حملها أو مسّها بشهوة فأمنى أو أمذى فعليه دم » ، وقال : في المحرم ينظر إلى امرأته أو ينزّلها بشهوة حتى ينزل ، قال : « عليه بدنة » (٧).

__________________

(١) الكافي ٤ : ٣٧٢ ـ ٤ ، التهذيب ٥ : ٣٣٠ ـ ١١٣٥ ، الوسائل ١٢ : ٤٣٨ أبواب تروك الإحرام ب ١٤ ح ٩.

(٢) الفقيه ٢ : ٢٣٠ ـ ١٠٩٦ ، التهذيب ٥ : ٣٢٨ ـ ١١٢٨ ، الإستبصار ٢ : ١٩٣ ـ ٦٤٧ ، الوسائل ١٢ : ٤٣٦ أبواب تروك الإحرام ب ١٤ ح ١ ، ٢.

(٣) الوسائل ١٢ : ٤٣٦ أبواب تروك الإحرام ب ١٤.

(٤) كما في الحدائق ١٥ : ٣٤٤ ، والرياض ١ : ٤٧٠.

(٥) انظر الحدائق ١٥ : ٣٤٤.

(٦) المفاتيح ١ : ٣٢٧.

(٧) الكافي ٤ : ٣٧٥ ـ ١ وفي التهذيب ٥ : ٣٢٥ ـ ١١١٧ والإستبصار ٢ : ١٩١ ـ ٦٤٢ : صدر الحديث فقط ، الوسائل ١٣ : ١٣٥ أبواب كفّارات الاستمتاع ب ١٧ ح ١.

٣٥٩

والأخرى : في محرم نظر إلى غير أهله فأمنى ، قال : « عليه دم » ، قال : « لأنّه نظر إلى غير ما يحلّ له ، وإن لم يكن أنزل فليتق الله ولا يعد وليس عليه شي‌ء » (١).

وصحيحة زرارة : عن رجل محرم نظر إلى غير أهله فأنزل ، قال : عليه جزور أو بقرة ، فإن لم يجد فشاة » (٢).

وموثّقة أبي بصير : عن رجل نظر إلى ساق امرأة فأمنى ، فقال : « إن كان موسرا فعليه بدنة ، وإن كان بين ذلك فبقرة ، وإن كان فقيرا فشاة ، أما إنّي لم أجعل ذلك عليه من أجل الماء ولكن من أجل أنّه نظر إلى ما لا يحلّ له » (٣).

وقريبة منها روايته (٤) ، وفيها : « أو إلى فرجها » بعد قوله : « ساق امرأة ».

ولا يخفى أنّ الأوليين مخصوصتان بصورة النظر مع الإمناء ، فلعلّ الكفّارة لأجله ، أو لأجله مع النظر لا للنظر خاصّة ، بل هو الظاهر من الأولى.

والثالثة مخصوصة بالنظر إلى غير المحرم ، فلعلّها لأجله ، بل تعليلها‌

__________________

(١) الكافي ٤ : ٣٧٧ ـ ٨ ، الوسائل ١٣ : ١٣٥ أبواب كفّارات الاستمتاع ب ١٦ ح ٥ ، بتفاوت يسير.

(٢) التهذيب ٥ : ٣٢٥ ـ ١١١٦ ، الوسائل ١٣ : ١٣٣ أبواب كفّارات الاستمتاع ب ١٦ ح ١.

(٣) الكافي ٤ : ٣٧٧ ـ ٧ ، وفي الفقيه ٢ : ٢١٣ ـ ٩٧١ بتفاوت يسير ، التهذيب ٥ : ٣٢٥ ـ ١١١٥ ، المقنع : ٧٦ ، العلل : ٤٥٨ ـ ١ ، المحاسن : ٣١٩ ـ ١٥ ، الوسائل ١٣ : ١٣٣ أبواب كفّارات الاستمتاع ب ١٦ ب ٢.

(٤) كما في الوسائل ١٣ : ١٣٤ أبواب كفّارات الاستمتاع ب ١٦ ح ٣.

٣٦٠