مستند الشّيعة - ج ١١

أحمد بن محمّد مهدي النّراقي

مستند الشّيعة - ج ١١

المؤلف:

أحمد بن محمّد مهدي النّراقي


المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ مشهد المقدسة
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
المطبعة: ستاره
الطبعة: ١
ISBN: 964-319-015-3
ISBN الدورة:
964-5503-75-2

الصفحات: ٤١٨

رمضان ثم حضر له الموسم ، أيحجّ مفردا للحجّ أو يتمتّع ، أيهما أفضل؟ فكتب إليه : « التمتّع أفضل » (١).

ورواية عبد الملك : عن التمتّع ، فقال : « تمتّع » ، قال : فقضى أنّه أفرد الحجّ ذلك العام أو بعده ، فقلت : أصلحك الله ، سألتك فأمرتني بالتمتّع وأراك قد أفردت الحجّ العام ، فقال : « أما والله الفضل لفي الذي أمرتك به ، ولكنّي ضعيف فشقّ عليّ طوافان بين الصفا والمروة ، فلذلك أفردت الحجّ العام » (٢).

وصحيحة ابن سنان : إنّي قرنت العام وسقت الهدي ، قال : « ولم فعلت ذلك؟ التمتّع والله أفضل ، لا تعودن » (٣).

وصحيحة ابن عمّار : إنّي اعتمرت في رجب وأنا أريد الحجّ ، أسوق الهدي أو أفرد الحجّ أو أتمتّع؟ فقال : « في كلّ فضل وكلّ حسن » ، فقلت : أيّ ذلك أفضل؟ فقال : « تمتّع ، هو والله أفضل » (٤) ، إلى غير ذلك من الأخبار التي لا تحصى كثرة.

المسألة الثامنة : يجب في التمتّع ـ من حيث هو تمتّع زائدا على ما يشترط في غيره ـ أمور :

__________________

(١) الكافي ٤ : ٢٩٢ ـ ٨ ، الفقيه ٢ : ٢٠٤ ـ ٩٣٢ ، الوسائل ١١ : ٢٤٧ أبواب أقسام الحجّ ب ٤ ح ٤ ، وفيه : علي بن جعفر.

(٢) الكافي ٤ : ٢٩٢ ـ ١٢ ، التهذيب ٥ : ٢٨ ـ ٨٤ ، الإستبصار ٢ : ١٥٣ ـ ٥٠٢ ، الوسائل ١١ : ٢٤٩ أبواب أقسام الحجّ ب ٤ ح ١٠.

(٣) التهذيب ٥ : ٢٩ ـ ٩٠ ، الإستبصار ٢ : ١٥٤ ـ ٥٠٨ ، الوسائل ١١ : ٢٥١ أبواب أقسام الحجّ ب ٤ ح ١٧.

(٤) الكافي ٤ : ٢٩٣ ـ ١٥ ، التهذيب ٥ : ٣١ ـ ٩٤ ، الإستبصار ٢ : ١٥٦ ـ ٥١٢ ، الوسائل ١١ : ٢٥١ أبواب أقسام الحجّ ب ٤ ح ١٨ ، في التهذيب والوسائل بتفاوت يسير.

٢٤١

الأول : النيّة ، والظاهر أنّه ليس مرادهم منها هنا الخلوص والقربة ، أو نيّة كلّ من الحجّ والعمرة أو كلّ من أفعالهما المتفرّقة ، أو نيّة الإحرام خاصّة ، أو نيّة المجموع جملة ، كما فسّره بكلّ طائفة ، لعدم ظهور خصوصية ذكر شي‌ء منها في هذا المقام ، مع أنّ بعضها ممّا يذكر مفصّلا في مواضعها ، وبعضها ممّا لا دليل له على الوجوب والشرطية.

بل المراد : نيّة خصوص التمتّع ، لتتميّز عن القسمين الآخرين ، أو عن العمرة المفردة ، كما أوجبها في المختلف (١) وغيره (٢).

وتدلّ عليها الأخبار المستفيضة :

كصحيحة أحمد : كيف أصنع إذا أردت أن أتمتّع؟ فقال : « لبّ بالحجّ وانو المتعة ، فإذا دخلت مكّة طفت بالبيت » الحديث (٣).

وصحيحة أبان : بأيّ شي‌ء أهلّ؟ فقال : « لا تسمّ حجّا ولا عمرة ، وأضمر في نفسك المتعة ، فإن أدركت متمتّعا وإلاّ كنت حاجّا » (٤).

وصحيحة البزنطي : عن رجل متمتّع كيف يصنع؟ قال : « ينوي المتعة ويحرم بالحجّ » (٥).

وموثقة إسحاق بن عمّار : إنّ أصحابنا يختلفون في وجهين من‌

__________________

(١) المختلف : ٢٦٤.

(٢) كما في كشف اللثام ١ : ٣١٣.

(٣) التهذيب ٥ : ٨٦ ـ ٢٨٥ ، الإستبصار ٢ : ١٧٢ ـ ٥٦٧ ، الوسائل ١٢ : ٣٥٢ أبواب الإحرام ب ٢٢ ح ٤.

(٤) التهذيب ٥ : ٨٦ ـ ٢٨٦ ، الإستبصار ٢ : ١٧٢ ـ ٥٦٨ ، الوسائل ١٢ : ٣٤٩ أبواب الإحرام ب ٢١ ح ٤.

(٥) التهذيب ٥ : ٨٠ ـ ٢٦٤ ، وفي الإستبصار ٢ : ١٦٨ ـ ٥٤٤ ، والوسائل ١٢ : ٣٥١ أبواب الإحرام ب ٢٢ ح ١ : ينوي العمرة ..

٢٤٢

الحجّ ، يقول بعضهم : أحرم بالحجّ مفردا ، وبعضهم يقول : أحرم وانو المتعة بالعمرة إلى الحجّ ، أيّ هذين أحبّ إليك؟ قال : « انو المتعة » (١).

وتدلّ عليه أيضا الأخبار (٢) المتضمّنة لمثل قولك : اللهمّ إنّي أريد أن أتمتّع بالعمرة إلى الحجّ ، أو الاكتفاء بإضمار ذلك.

ولا ينافي ذلك جواز تجديد النيّة إلى وقت التحلّل إن فات أولا ، كما لا يضرّ في اشتراط الصوم بالنيّة جواز تجديدها إلى الزوال إن فات أول الوقت.

وكذا لا تنافيه قضية إهلال عليّ عليه‌السلام بما أهلّ به النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، لأنّها قضية في واقعة لا عموم لها ، فيمكن أن يكون عالما بكيفية إهلاله أو لم يكن عالما بحكم الواقعة ، حيث إنّه كان نزل في غيبته.

الثاني : أن يكون مجموع عمرته وحجّه في أشهر الحجّ ، بخلاف القسمين الآخرين ، فإنّ عمرتهما لا يشترط أن تكون فيها وإن اشترط كون أصل الحجّ فيهما فيها أيضا.

ثم ما ذكرنا من اشتراط كون المجموع في أشهر الحجّ ممّا وقع عليه الإجماع ، ونقله عليه في كلماتهم متكرّر ، قال في السرائر : الإجماع حاصل منعقد على أنّه لا ينعقد إحرام حجّ ولا عمرة متمتع بها إلى الحجّ إلاّ في أشهر الحجّ (٣) ، وهو الدليل عليه.

مضافا إلى صحيحة زرارة الثانية (٤) المتقدّمة في بيان كيفية أقسام‌

__________________

(١) الكافي ٤ : ٣٣٣ ـ ٥ ، التهذيب ٥ : ٨٠ ـ ٢٦٥ ، الإستبصار ٢ : ١٦٨ ـ ٥٥٥ ، الوسائل ١٢ : ٣٤٨ أبواب الإحرام ب ٢١ ح ١ ، بتفاوت يسير.

(٢) قرب الإسناد : ١٢٣ ـ ٤٣٣ ، الوسائل ١٢ : ٣٥٥ أبواب الإحرام ب ٢٣ ح ٣.

(٣) السرائر ١ : ٥٢٦.

(٤) الكافي ٤ : ٢٨٩ ـ ١ ، التهذيب ٥ : ٥١ ـ ١٥٥ ، الإستبصار ٢ : ١٦١ ـ ٥٢٧ ، الوسائل ١١ : ٢٧٢ أبواب أقسام الحجّ ب ١١ ح ٥.

٢٤٣

الحجّ ، ولا يضرّ وقوعه بالجملة الخبرية ، لأنّها جواب عن سؤال الماهية.

وموثّقة سماعة : « من حجّ معتمرا في شوّال ومن نيّته أن يعتمر ويرجع إلى بلاده فلا بأس بذلك ، وإن أقام هو إلى الحجّ فهو متمتّع ، لأنّ أشهر الحجّ : شوّال وذو القعدة وذو الحجّة ، من اعتمر فيهنّ وأقام إلى الحجّ فهي متعة ، ومن رجع إلى بلاده ولم يقم إلى الحجّ فهي عمرة ، وإن اعتمر في شهر رمضان أو قبله فأقام إلى الحجّ فليس بمتمتّع ، وإنّما هو مجاور أفرد العمرة ، فإن هو أحبّ أن يتمتّع في أشهر الحجّ بالعمرة إلى الحجّ فليخرج منها حتى يجاوز ذات عرق أو يجاوز عسفان فيدخل متمتّعا بعمرة إلى الحج » الحديث (١).

وصحيحة عمر بن يزيد : « لا تكون متعة إلاّ في أشهر الحجّ » (٢).

وعلى هذا ، فلو أحرم بالعمرة المتمتّع بها في غير أشهر الحجّ لم يجز له التمتّع بها.

ثم أشهر الحجّ هي : شوّال وذو القعدة وذو الحجّة ، كما عليه الإسكافي والصدوق والشيخ في النهاية (٣) ، بل الأكثر كما قيل ، وعليه كافة المتأخرين (٤) ، وبه استفاضت الروايات (٥).

وقال السيّد والعماني والديلمي : هي الأولان مع عشرة من ذي الحجّة (٦).

__________________

(١) الفقيه ٢ : ٢٧٤ ـ ١٣٣٥ ، الوسائل ١١ : ٢٧٠ أبواب أقسام الحجّ ب ١٠ ح ٢.

(٢) التهذيب ٥ : ٤٣٥ ـ ١٥١٣ ، الوسائل ١٤ : ٣١٢ أبواب العمرة ب ٧ ح ٥ ، بتفاوت يسير.

(٣) حكاه عن الإسكافي في المختلف : ٢٦٠ ، الصدوق في الفقيه ٢ : ٢٧٨ ، النهاية : ٢٠٧.

(٤) انظر الرياض ١ : ٣٥٠.

(٥) الوسائل ١١ : ٢٧١ أبواب أقسام الحجّ ب ١١.

(٦) السيّد في الإنتصار : ٩١ ، حكاه عن العماني في المختلف : ٢٦٠ ، الديلمي في المراسم : ١٠٤.

٢٤٤

وقال الشيخ في الجمل والإقتصاد والقاضي في المهذّب : مع تسعة منه (١).

وعن الحلبي : مع ثمان منه (٢).

وعن الخلاف والمبسوط : مع تسعة منه وليلة يوم النحر إلى طلوع فجره (٣).

وعن الحلّي : إلى طلوع شمسه (٤).

ولا فائدة في هذا النزاع ، بل في الحقيقة هو لفظي ، للاتّفاق على خروج وقت بعض الأفعال بمضي العشرة ، وبقاء وقت البعض إلى ما بعدها أيضا.

وكذا لا تنافي بين الأخبار المستفيضة المصرّحة بأنّها الثلاثة كملا (٥) والنادر المتضمّن للأولين والعشر (٦) ، إذ ليس المراد في الأولى أنّه يصحّ وقوع جميع الأفعال في كلّ وقت من الثلاثة ، ولا أنّه يجب إيقاعها في المجموع من حيث المجموع. ولا المراد في الثاني : أنّ الأولين مع العشر هي الأشهر.

بل معنى الأولى : أنّ أفعالها يجب أن تكون في تلك الثلاثة ، ويصحّ إطلاق شهر عمل على ما يكون العمل في جزء منه ، كما يقال يوم صلاة الجمعة : يوم الجمعة. ومعنى الثاني : أنّه بانقضاء العشر وعدم التلبّس‌

__________________

(١) الجمل والعقود ( الرسائل العشر ) : ٢٢٦ ، الإقتصاد : ٣٠٠ ، المهذّب ١ : ٢١٣.

(٢) الحلبي في الكافي في الفقه : ٢٠١.

(٣) الخلاف ٢ : ٢٥٨ ، المبسوط ١ : ٣٠٨.

(٤) السرائر ١ : ٥٢٤.

(٥) الوسائل ١١ : ٢٧١ أبواب أقسام الحجّ ب ١١.

(٦) الكافي ٤ : ٢٩٠ ـ ٣ ، الوسائل ١١ : ٢٧٣ أبواب أقسام الحجّ ب ١١ ح ٦.

٢٤٥

ينقضي الوقت.

الثالث : أن يأتي بالحجّ وعمرته في سنة واحدة ، بلا خلاف يعلم كما في الذخيرة (١) ، ومطلقا كما في المدارك والمفاتيح (٢) وشرحه ، بل بالاتفاق كما عن التذكرة (٣).

واحتجّوا له بالأخبار الدالّة على دخول العمرة في الحجّ إلى يوم القيامة ، والناصّة على ارتباط عمرة التمتّع بحجّه ، والمصرّحة بأنّه لا يجوز للمتمتّع الخروج من مكّة حتى يقضي تمتّعه (٤).

وبأنّ المتبادر من أخبار التمتّع إيقاع نسكيه في عام واحد ، سيّما أخبار عدم جواز خروجه من مكّة حتى يقضي حجّه ، سيّما مع ملاحظة ندرة بقاء إحرام العمرة إلى السنة المستقبلة.

وبأنّ العبادات توقيفيّة تتوقّف صحّتها على دلالة ، وهي في المقام مفقودة.

ولا يخفى ما في جميع تلك الأدلّة من قصور الدلالة وعدم التمامية ، لعدم دلالة غير الأخيرين منها على اعتبار كونهما في سنة أصلا ، ولذا جعلها بعض مشايخنا معاضدة لا حجّة مستقلّة (٥).

وعدم نهوض الأخيرين ، أمّا التبادر فلمنعه ، وأمّا التوقيفيّة فلحصول التوقيف بإطلاق الأدلّة.

ولذا احتمل الشهيد الإجزاء لو بقي على إحرامه بالعمرة من غير إتمام‌

__________________

(١) الذخيرة : ٥٧٢.

(٢) المدارك ٧ : ١٦٨ ، المفاتيح ١ : ٣٣٩.

(٣) التذكرة ١ : ٣٧٩.

(٤) انظر الوسائل ١١ : ٢٤٦ أبواب أقسام الحجّ ب ٤.

(٥) كما في الرياض ١ : ٣٥١.

٢٤٦

الأفعال إلى القابل (١) ، وتبعه بعض مشايخنا المعاصرين ، فقال بعد ما قال : فما ذكره الشهيد من الإجزاء محتمل ـ إلى أن قال ـ : وكيف كان فلا ريب في أنّ الإتيان بهما في سنة واحدة أحوط (٢).

أقول : الأدلّة المذكورة وإن كانت قاصرة عن إثبات المطلوب إلاّ أنّه تدلّ عليه الأخبار المتكثّرة المصرّحة بانتفاء المتعة أو ذهابها بزوال شمس يوم التروية أو عرفة أو غروبها أو ليلة عرفة ، والآمرة بجعلها حينئذ حجّة مفردة ، المتقدّمة أكثرها في المسألة الثانية.

ولو لم يعتبر في المتعة اتّحاد سنة النسكين لم يصحّ ذلك النفي والحكم بالذهاب والأمر بالعدول على الإطلاق ، بل مطلقا.

والتقييد بمن أراد الحجّ في سنة العمرة أو من لم يتمكّن من البقاء إلى عام آخر تقييد بلا دليل ، مع أنّ في جواز التقييد بالإرادة من أصله نظر.

ويظهر من ذلك صحّة القول المشهور وتماميته ، وعدم تأتّي الاحتمال المذكور ، ووجوب كون الحجّ مع عمرته في عام واحد.

الرابع : أن يحرم بحجّه من بطن مكّة ، فهو الميقات له ، بلا خلاف كما قيل (٣) ، بل بإجماع العلماء ، كما في المدارك والمفاتيح (٤) وشرحه وغيرها (٥) ، للأخبار المستفيضة ، منها : رواية إبراهيم بن ميمون ، وفيها : « فإنّك متمتّع في أشهر الحجّ ، وأحرم يوم التروية من المسجد الحرام » (٦).

__________________

(١) الدروس ١ : ٣٣٩.

(٢) انظر رياض المسائل ١ : ٣٥١.

(٣) انظر الذخيرة : ٥٧٢.

(٤) المدارك ٧ : ١٦٩ ، المفاتيح ١ : ٣٣٩.

(٥) كالرياض ١ : ٣٥١.

(٦) التهذيب ٥ : ٤٤٦ ـ ١٥٥٤ ، الوسائل ١١ : ٢٦٦ أبواب أقسام الحجّ ب ٩ ح ٤ ، بتفاوت يسير.

٢٤٧

وصحيحة ابن عمّار : « إذا كان يوم التروية فاغتسل والبس ثوبك وادخل المسجد حافيا وعليك السكينة والوقار ، ثم صلّ ركعتين عند مقام إبراهيم أو في الحجر ، ثم اقعد حتى تزول الشمس فصلّ المكتوبة ، ثم قل في دبر صلاتك كما قلت حين أحرمت من الشجرة ، وأحرم بالحجّ ثم امض وعليك السكينة والوقار ، فإذا انتهيت إلى الروحاء (١) دون الردم (٢) فلبّ ، فإذا انتهيت إلى الردم وأشرفت على الأبطح (٣) فارفع صوتك بالتلبية حتى تأتي منى » (٤).

وموثقة أبي بصير : « إذا أردت أن تحرم يوم التروية فاصنع كما صنعت حين تحرم ، خذ من شاربك ومن أظفارك وأطل عانتك إن كان لك شعر وانتف إبطيك واغتسل والبس ثوبيك ، ثم ائت المسجد الحرام فصلّ فيه ستّ ركعات قبل أن تحرم » إلى أن قال : « ثمّ تلبّي من المسجد الحرام كما لبّيت حين أحرمت ، تقول : لبّيك بحجّة تمامها وبلاغها عليك ، فإن قدرت أن يكون رواحك إلى منى زوال الشمس وإلاّ فمتى تيسّر لك من يوم التروية » (٥).

__________________

(١) في الكافي والوسائل : الرفضاء ، وفي التهذيب : الرقطاء ، ولم نعثر عليهما في معجم البلدان وغيره. قال في المعجم ٣ : ٧٦ : لمّا رجع تبّع من قتال أهل المدينة يريد مكّة نزل بالروحاء فأقام بها وأراح فسمّاها الروحاء.

(٢) الردم : وهي ردم بني جمح بمكّة ، وسمّي كذلك بما ردم منهم يوم التقوا بني محارب واقتتلوا قتالا شديدا ـ معجم البلدان ٣ : ٤٠.

(٣) الأبطح : يضاف إلى مكّة وإلى منى ، لأنّ المسافة بينه وبينهما واحدة ، وربّما كان إلى منى أقرب ، ونقل بعضهم أنّه إنّما سمّي أبطح لأنّ آدم عليه‌السلام بطّح فيه ـ معجم البلدان ١ : ٧٤.

(٤) الكافي ٤ : ٤٥٤ ـ ١ ، التهذيب ٥ : ١٦٧ ـ ٥٥٧ ، الوسائل ١٢ : ٤٠٨ أبواب الإحرام ب ٥٢ ح ١ ، بتفاوت يسير.

(٥) التهذيب ٥ : ١٦٨ ـ ٥٥٩ ، الإستبصار ٢ : ٢٥١ ـ ٨٨١ ، الوسائل ١٢ : ٤٠٩ أبواب الإحرام ب ٥٢ ح ٢.

٢٤٨

ورواية عمر بن يزيد : « إذا كان يوم التروية فاصنع كما صنعت بالشجرة ، ثم صلّ ركعتين خلف المقام ، ثم أهلّ بالحجّ ، فإن كنت ماشيا فلبّ عند المقام ، وإن كنت راكبا فإذا نهض بك بعيرك ، وصلّ الظهر إن قدرت بمنى ، واعلم أنّه واسع لك أن تحرم في دبر فريضة أو دبر نافلة أو ليل أو نهار » (١).

وصحيحة الحلبي : عن الرجل يتمتّع بالعمرة إلى الحجّ يريد الخروج إلى الطائف ، قال : « يهلّ بالحجّ من مكّة ، وما أحبّ له أن يخرج منها إلاّ محرما ، ولا يجاوز الطائف إنّها قريبة من مكّة » (٢).

والأخرى ، وفيها : « فإذا أقاموا [ شهرا ] فإنّ لهم أن يتمتّعوا » ، قلت : من أين؟ قال : « يخرجون من الحرم » ، قلت : من أين يهلّون بالحجّ؟ فقال : « من مكّة نحوا ممّا يقول الناس » (٣).

وصحيحة حمّاد ، وفيها : فإن مكث [ الشهر ]؟ قال : « يتمتّع » ، قلت : من أين؟ قال : « يخرج من الحرم » ، قلت : من أين يهلّ بالحجّ؟ قال : « من مكّة نحوا ممّا يقول الناس » (٤).

وهذه الأخبار وإن كانت قاصرة عن إفادة الوجوب والتعيين الذي هو المطلوب ، إمّا لكونها متضمّنة للجملة الخبرية ، أو لما لا يجب قطعا من‌

__________________

(١) التهذيب ٥ : ١٦٩ ـ ٥٦١ ، الإستبصار ٢ : ٢٥٢ ـ ٨٨٦ ، الوسائل ١٢ : ٣٩٧ أبواب الإحرام ب ٤٦ ح ٢ ، وأورد ذيله في ص ٣٣٨ أبواب الإحرام ب ١٥ ح ٢.

(٢) الكافي ٤ : ٤٤٣ ـ ٣ ، التهذيب ٥ : ١٦٤ ـ ٥٤٧ ، الوسائل ١١ : ٣٠٣ أبواب أقسام الحجّ ب ٢٢ ح ٧.

(٣) التهذيب ٥ : ٣٥ ـ ١٠٣ ، الوسائل ١١ : ٢٦٦ أبواب أقسام الحجّ ب ٩ ح ٣ ، بدل ما بين المعقوفين في النسخ : أشهرا ، وما أثبتناه من المصدر.

(٤) الكافي ٤ : ٣٠٠ ـ ٤ ، الوسائل ١١ : ٢٦٨ أبواب أقسام الحجّ ب ٩ ح ٧ ، بتفاوت يسير ، وبدل ما بين المعقوفين في النسخ : أشهرا ، وما أثبتناه من المصدر.

٢٤٩

الإحرام من المسجد ، أو في يوم التروية ، وأيضا كانت غير الأخيرة منها مخصوصة بالمسجد الحرام أو موضع خاصّ منه والمطلوب أعمّ منه.

إلاّ أنّ الأوّل يتمّ بضميمة أصل الاشتغال ، حيث إنّه لا إطلاق يدلّ على جواز الإحرام من أيّ موضع كان ، فيجب الاقتصار فيه على المتيقّن ، مع أنّ الإجماع قرينة على إرادة الوجوب من الجملة الخبرية أيضا.

والثاني بإطلاق الأخيرة الخالي عن المعارض ، لأنّ المقيّد غير دالّ على الوجوب ، لما عرفت.

وبصحيحة عمرو بن حريث الصيرفي : من أين أهلّ بالحجّ؟ فقال : « إن شئت من رحلك ، وإن شئت من الكعبة ، وإن شئت من الطريق » (١) ، وفي بعض الطرق : « من المسجد » بدل قوله : « من الكعبة ».

وموثّقة يونس : من أيّ المسجد أحرم يوم التروية؟ فقال : « من أيّ المسجد شئت » (٢) ، أي : أيّ موضع من المسجد.

ثم المراد ببطن مكّة : ما دخل على شي‌ء من بنائها ، لصدق الاسم الذي أطلقته صحيحة الحلبي ، فيجوز الإحرام من كلّ ما كان داخلا عليه.

ولكنّ الأفضل أن يحرم من المسجد اتّفاقا ، كما في المدارك والحدائق (٣) وغيرهما (٤) ، وهو الحجّة فيه ، لكونه مقام التسامح ، مضافا إلى كونه أشرف الأماكن.

__________________

(١) الكافي ٤ : ٤٥٥ ـ ٤ ، التهذيب ٥ : ١٦٦ ـ ٥٥٥ ، الوسائل ١١ : ٣٣٩ أبواب المواقيت ب ٢١ ح ٢.

(٢) الكافي ٤ : ٤٥٥ ـ ٥ ، التهذيب ٥ : ١٦٦ ـ ٥٥٦ ، الوسائل ١١ : ٣٤٠ أبواب المواقيت ب ٢١ ح ٣.

(٣) المدارك ٧ : ١٦٩ ، الحدائق ١٤ : ٣٥٩.

(٤) كرياض المسائل ١ : ٣٥١.

٢٥٠

واستحباب الإحرام عقيب الصلاة وهي في المسجد أفضل ، والأمر به في الأخبار المتقدّمة الذي ليس بأقلّ من الاستحباب ، وأفضله مقام إبراهيم أو الحجر مخيّرا بينهما ، وفاقا للهداية والمقنع والفقيه والمدارك (١) ، لصحيحة ابن عمّار المتقدّمة (٢).

ولا ينافيها الأمر بالمقام في رواية عمر بن يزيد ، لأنّه لا يفيد هنا أزيد من الرجحان الإضافي أو أحد فردي المستحب ، لأنّهما أيضا من المجازات المحتملة بعد عدم إرادة الحقيقة بالإجماع.

وفي النافع وعن الكافي والغنية والجامع والتحرير والمنتهى والتذكرة والدروس وموضع من القواعد : التخيير بين المقام وتحت الميزاب (٣).

وفي الشرائع وعن النهاية والمبسوط والمصباح ومختصره والمهذّب والسرائر والمختلف : الاقتصار على المقام (٤).

وفي الإرشاد : على تحت الميزاب (٥).

فرع : لو أحرم بحجّ التمتّع من غير مكّة عمدا اختيارا لم يجزه ويستأنفه منها ، لتوقّف الواجب عليه ، ولا يكفي دخولها محرما ، ولا بدّ من الاستئناف منها على المعروف من مذهب الأصحاب ، لما مرّ. ولو نسي الإحرام منها يعيد إليها وجوبا ، للإحرام مع المكنة.

__________________

(١) الهداية : ٦٠ ، المقنع : ٨٥ ، الفقيه ٢ : ٢٠٧ ، المدارك ٧ : ١٦٩.

(٢) في ص : ٢٤٨.

(٣) النافع : ٧٩ ، الكافي في الفقه : ٢١٢ ، الغنية ( الجوامع الفقهية ) : ٥٧٩ ، الجامع : ١٧٩ ، التحرير ١ : ٩٤ ، المنتهى ٢ : ٧١٤ ، التذكرة ١ : ٣٢٠ ، الدروس ١ : ٣٤١ ، القواعد ١ : ٨٥.

(٤) الشرائع ١ : ٢٣٧ ، النهاية : ٢٤٨ ، المبسوط ١ : ٣٦٤ ، المصباح : ٦٢٧ ، المهذّب ١ : ٢٤٤ ، السرائر ١ : ٥٨٣ ، المختلف : ٢٩٧.

(٥) الإرشاد ١ : ٣٢٨.

٢٥١

ولو تعذّر العود إليها ـ لخوف أو ضيق وقت أو غيرهما ـ أحرم من موضعه ولو كان بعرفات ، لصحيحة عليّ : عن رجل نسي الإحرام بالحجّ فذكره وهو بعرفات ما حاله؟ قال : « يقول اللهمّ على كتابك وسنّة نبيّك ، فقد تمّ إحرامه ، فإن جهل أن يحرم يوم التروية بالحجّ حتى رجع إلى بلده إن كان قضى مناسكه كلّها فقد تمّ حجّه » (١).

وكذا لو تركه جهلا ، لكونه عذرا ، ولفحوى ما دلّ على الإحرام من موضعه لو جهل الإحرام من المواقيت الأخر ، كما في موثّقة زرارة ، وفيها ـ بعد السؤال عن امرأة تركت الإحرام جهلا حتى قدمت مكّة ـ « إنّها تحرم من مكانها ، قد علم الله بنيّتها » (٢).

بل يثبت المطلوب بالعلّة المذكورة في هذه الموثّقة أيضا.

ويستفاد من صحيحة عليّ : أنّه لو نسي الإحرام بالحجّ حتى يرجع إلى بلده صحّ حجّه ، وهو المحكي عن الشيخ في طائفة من كتبه وعن ابن حمزة (٣) ، وهو الأقوى ، لما ذكر.

خلافا للحلّي (٤) ، لأنّه ترك نيّة الإحرام ، وردّ الصحيحة بأنّه أخبار آحاد ، وهو يتمّ على أصله من عدم حجّية الآحاد ، مع أنّ ترك الإحرام لا يستلزم ترك النيّة ، مع أنّه يمكن أن تكون نيّة العمرة المتمتّع بها إلى الحجّ في قوّة نيّة إحرام الحجّ.

ولو أحرم من غير مكّة جهلا أو نسيانا ثم علم أو تذكّر ولم يمكن‌

__________________

(١) التهذيب ٥ : ١٧٥ ـ ٥٨٦ ، الوسائل ١١ : ٣٣٠ أبواب المواقيت ب ١٤ ح ٨.

(٢) الكافي ٤ : ٣٢٤ ـ ٥ ، الوسائل ١١ : ٣٣٠ أبواب المواقيت ب ١٤ ح ٦.

(٣) الشيخ في النهاية : ٢١١ ، ابن حمزة في الوسيلة : ١٧٧.

(٤) السرائر ١ : ٥٢٩ ، ٥٣٠.

٢٥٢

العود ، فهل يجتزئ بما فعل ، أو يستأنف متى ما علم أو تذكّر؟

فيها قولان ، الاستئناف الأحوط ، بل لعلّه الأظهر ، تحصيلا للبراءة اليقينية ، فإنّه مبرئ قطعا ، إمّا للإجماع عليه ـ كما قيل (١) ـ أو لجمعه بين الاحتمالين ، بخلاف الإحرام السابق ، فإنّه لا دليل على حصول البراءة به.

المسألة التاسعة : مرجوحية خروج المتمتّع بعد قضاء مناسك العمرة وقبل الحجّ عن مكّة في الجملة إجماعي فتوى ونصّا ، وفي المستفيضة تصريح بها (٢).

وإنّما الخلاف في أنّها هل هي على التحريم ، كما عن المشهور؟ أو الكراهة ، كما عن الحلّي ، والفاضلين في بعض كتبهما (٣)؟

وعلى التقديرين : فمنتهى المرجوحيّة هل هو إتمام الحجّ أو الإحرام به مطلقا ، أو الأول بدون الحاجة والضرورة والثاني معها؟

والظاهر من الجمع بين أخبار المسألة هو التحريم وانتفاؤه بالإحرام بالحجّ مطلقا ، وإن كان الأحوط عدم الخروج بالإحرام إلاّ مع الحاجة والضرورة.

ثم لو خرج بدون الإحرام ، فإن رجع في الشهر الذي خرج لم يحتج إلى إحرام آخر ورجع بغير إحرام ، وإن رجع بعده أحرم بالعمرة ثانيا ودخل مكّة محرما وأتى بمناسك العمرة ، ثم يحرم بالحجّ وتكون عمرته المتمتّع بها الأخيرة ، وتقع الأولى مبتولة.

وهل يحتاج إلى طواف النساء حينئذ للأولى أم لا؟ الأرجح هو :

__________________

(١) انظر المدارك ٧ : ١٧١ ، الذخيرة : ٥٧٢.

(٢) الوسائل ١١ : ٣٠١ أبواب أقسام الحج ب ٢٢.

(٣) الحلي في السرائر ١ : ٥٨١ ، المحقق في النافع : ٩٩ ، العلاّمة في التحرير ١ : ١٠١.

٢٥٣

الثاني.

المسألة العاشرة : لا تجزئ العمرة المتمتّع بها عن العمرة المفردة ، بمعنى : أنّه لا يجب على المكلّف الجمع بينهما بإجماع العلماء كافّة ، كما في المنتهى (١) ، للإجماع ، والمتكثّرة من الروايات ، كصحيحة يعقوب (٢) وحسنة الحلبي (٣) وغيرهما (٤).

المسألة الحادية عشرة : يختصّ حجّ التمتّع بوجوب تقديم طوافه وسعيه على الوقوفين ، كما يأتي بيانه في بحث أفعال الحجّ وبيان مناسك مكّة بعد الرجوع من منى.

__________________

(١) المنتهى ٢ : ٦٧٤.

(٢) التهذيب ٥ : ٤٣٣ ـ ١٥٠٤ ، الإستبصار ٢ : ٣٢٥ ـ ١١٥١ ، الوسائل ١٤ : ٣٠٦ أبواب العمرة ب ٥ ح ٤.

(٣) علل الشرائع : ٤١٢ ـ ١ ، الوسائل ١٤ : ٣٠٦ أبواب العمرة ب ٥ ح ٧.

(٤) الوسائل ١٤ : ٣٠٥ أبواب العمرة ب ٥.

٢٥٤

المبحث الثاني

في تفصيل أفعال حجّ التمتّع

وقد عرفت أنّه الذي تقدّمت العمرة عليه ، ويقال لعمرتها : العمرة المتمتّع بها ، فأفعاله متضمّنة لجميع أفعال عمرته وحجّه ، ومجموع أفعاله الواجبة ثمانية عشر فعلا :

خمسة للعمرة : الإحرام ، والطواف ، وركعتاه ، والسعي ، والتقصير.

وثلاثة عشر للحجّ : الإحرام ، والوقوف بعرفات ، والوقوف بالمشعر ، وثلاثة أفعال بمنى : رمي جمرة العقبة ، والهدي ، والحلق أو التقصير ، وخمسة أفعال بمكّة بعدها : طواف الزيارة ، وركعتاه ، والسعي ، وطواف النساء ، وركعتاه ، وفعلان بعد العود إلى منى : البيتوتة ، ورمي الجمار الثلاث.

وأمّا المستحبّات ، فتذكر في مطاوي ذكر الأفعال الواجبة.

ففي هذا المقصد مطلبان‌

٢٥٥

المطلب الأول

في بيان الأفعال الخمسة لعمرة حجّ التمتّع‌

وفيه خمسة فصول :

الفصل الأول

في الفعل الأول ، وهو الإحرام

والكلام فيه إمّا في مقدماته أو أفعاله ، أو أحكامه ، أو تروكه.

فهاهنا أربعة أبحاث تذكر بعد مقدمة لا بدّ من تقديمها ، نبيّن فيها معنى الإحرام وحقيقته وما به يتحقّق ، فإنّ كلام القوم في هذا المراد غير منقّح جدّا.

ولنذكر أولا معنى الإحرام في الصلاة وما يتحقّق به ، لتسهيل المقصود بالقياس عليه ، ولذا قيل : الإحرام في هذا المقام كالإحرام في الصلاة.

فنقول : معنى الإحرام في الصلاة : الدخول في حالة يحرم معها ما يحرم على المصلّي من التكلّم والانحراف عن القبلة وغير ذلك ، أو هو الدخول في الصلاة وصيرورته مصلّيا ، ويلزمه الأول أيضا ، كما أنّ الأول أيضا يستلزم الثاني.

ولتحقّق هذا الدخول بالتكبيرة نسب الإحرام إليها ، وسمّيت تكبيرة الإحرام ، ولكن ليست هي فقط سببا للإحرام ، بل التكبيرة المقارنة لنيّة الصلاة ولو حكميّة ، فالتكبيرة جزء أخير العلّة ، ولذا نسبت إليها السببيّة.

إذا عرفت ذلك فنقول : معنى الإحرام بالعمرة أو الحجّ ـ على قياس ما ذكر ـ هو : الدخول في العمرة أو الحجّ وصيرورة الشخص معتمرا أو حاجّا ،

٢٥٦

أو دخوله في حالة يحرم عليه معها ما يحرم على أحدهما ما لم يتحلّل.

وذلك إمّا هو : إيقاع التلبية المقارنة لنيّة العمرة أو الحجّ ولو حكمية ، أو : غيره من النيّة الفعلية لأحدهما الواقعة في الموضع المعيّن ، أو هي : مع لبس الثوبين ، أي : اللبس المقارن لهما ، وأمّا مجموع التلبية والنيّة واللبس فهو راجع إلى الأول ، لأنّ المعلول ينسب إلى جزء أخير العلّة.

والأول : هو الذي صرّح به الشيخ في التهذيب والإستبصار ، حيث قال : إنّ من اغتسل للإحرام وصلّى وقال ما أراد من القول بعد الصلاة لم يكن في الحقيقة محرما ، وإنّما يكون عاقدا للحجّ والعمرة ، فإنّما يدخل في أن يكون محرما إذا لبّى (١).

واستدلّ له بالأخبار المستفيضة المجوّزة لكلّ فعل يشاء قبل التلبّي (٢) ، وهو الذي يطابق كلام الأكثر المصرّحين بعدم انعقاد الإحرام إلاّ بالتلبية ، بل عليه الإجماع عن الإنتصار والخلاف والجواهر والغنية والتذكرة والمنتهى (٣) وغيرها (٤) ، وهو الذي تستأنسه الصحاح المستفيضة الآتية ، المجوّزة لكلّ فعل يحرم على المحرم قبل التلبّي ، الموافقة لعمل الأصحاب ، وهو الذي يستفاد من أخبار مستفيضة.

كصحيحة ابن وهب : عن التهيّؤ للإحرام ، فقال : « في مسجد الشجرة ، فقد صلّى فيه رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وقد ترى ناسا يحرمون فلا تفعل حتى تنتهي إلى البيداء حيث الميل فتحرمون كما أنتم في محاملكم ، تقول :

__________________

(١) التهذيب ٥ : ٨٣ ، وورد مؤدّاه في الإستبصار ٢ : ١٨٩.

(٢) الوسائل ١٢ : ٣٣٣ أبواب الإحرام ب ١٤.

(٣) الإنتصار : ١٠٢ ، الخلاف ٢ : ٢٨٩ ، ٢٩٠ ، جواهر الفقه : ٤١ ، الغنية ( الجوامع الفقهية ) : ٥٧٤ ، التذكرة ١ : ٣٢٧ ، المنتهى ٢ : ٦٧٩.

(٤) كالمفاتيح ١ : ٣١٣ ، الرياض ١ : ٣٦٦.

٢٥٧

لبّيك اللهمّ لبّيك ، لبّيك لا شريك لك لبّيك ، إنّ الحمد والنعمة لك والملك لا شريك لك ، لبّيك بمتعة بعمرة إلى الحجّ » (١).

وعبيد الله بن عليّ الحلبي ، وفيها : « وقّت لأهل المدينة ذا الحليفة ، وهو مسجد الشجرة يصلّي فيه ويفرض الحجّ ، فإذا خرج من المسجد وسار واستوت به البيداء حين يحاذي الميل الأول أحرم » (٢) ، حيث صرّحت بأنّ ما يعمل في المسجد هو عزم الحجّ ، وأنّ الإحرام هو ما يعمل في البيداء ، وهو التلبية.

والبزنطي : عن رجل متمتّع كيف يصنع؟ قال : « ينوي المتعة ويحرم بالحجّ » (٣).

فإنّ المراد بالإحرام هنا : التلبية ، كما تصرّح به صحيحة أحمد : كيف أصنع إذا أردت أن أتمتّع؟ فقال : « لبّ بالحجّ وانو المتعة » (٤).

ولكن لا يلائم ذلك أخبارا مستفيضة أخرى مصرّحة بمغايرة الإحرام والتلبّي وأنّه قبله ، كصحيحة ابن عمّار : « صلّ المكتوبة ثم أحرم بالحجّ أو بالمتعة واخرج بغير تلبية حتى تصعد إلى أول البيداء إلى أول ميل عن يسارك ، فإذا استوت بك الأرض راكبا كنت أو ماشيا فلبّ » (٥).

__________________

(١) التهذيب ٥ : ٨٤ ـ ٢٧٧ ، الإستبصار ٢ : ١٦٩ ـ ٥٥٩ ، الوسائل ١٢ : ٣٧٠ أبواب الإحرام ب ٣٤ ح ٣ ، وأورد ذيله في ص ٣٨٢ أبواب الإحرام ب ٤٠ ح ١.

(٢) الفقيه ٢ : ١٩٨ ـ ٩٠٣ ، الوسائل ١١ : ٣٠٨ أبواب المواقيت ب ١ ح ٤.

(٣) التهذيب ٥ : ٨٠ ـ ٢٦٤ ، الإستبصار ٢ : ١٦٨ ـ ٥٥٤ ، الوسائل ١٢ : ٣٥١ أبواب الإحرام ب ٢٢ ح ١.

(٤) التهذيب ٥ : ٨٦ ـ ٢٨٥ ، الإستبصار ٢ : ١٧٢ ـ ٥٦٧ ، الوسائل ١٢ : ٣٥٢ أبواب الإحرام ب ٢٢ ح ٤.

(٥) الكافي ٤ : ٣٣٤ ـ ١٤ ، الوسائل ١٢ : ٣٧٠ أبواب الإحرام ب ٣٤ ح ٦.

٢٥٨

وأخرى ، وفيها : « صلّيت ركعتين وأحرمت في دبرهما ، فإذا انفتلت من صلاتك فاحمد الله » إلى أن قال : « ويجزئك أن تقول هذا مرّة واحدة حين تحرم ، ثم قم فامش هنيئة ، فإذا استوت بك الأرض ماشيا أو راكبا فلبّ » (١).

وفي ثالثة : « إذا كان يوم التروية فاغتسل والبس ثوبيك وادخل المسجد حافيا وعليك السكينة والوقار ، ثم صلّ ركعتين » إلى أن قال : « ثم قل في دبر صلاتك كما قلت حين أحرمت من الشجرة ، وأحرم بالحجّ ، ثم امض وعليك السكينة والوقار ، فإذا انتهيت إلى الروحاء دون الردم فلبّ ، فإذا انتهيت إلى الردم وأشرفت على الأبطح فارفع صوتك بالتلبية » الحديث (٢).

وفي صحيحة هشام : « إن أحرمت من غمرة أو بريد البعث صلّيت وقلت ما يقول المحرم في دبر صلاتك ، وإن شئت لبّ من موضعك ، والفضل أن تمشي قليلا ثم تلبّي » (٣) ، إلى غير ذلك من الأخبار (٤).

وكذا لا يلائمه ما صرّحوا به جميعا ـ طباقا للأخبار (٥) ـ من وجوب الإحرام من الميقات وعدم جواز تأخير الإحرام عنه ، مع تصريح الأخبار المستفيضة بجواز تأخير التلبية عنه (٦) واختلاف الأصحاب فيه كما يأتي.

__________________

(١) الكافي ٤ : ٣٣١ ـ ٢ ، الوسائل ١٢ : ٣٤٠ أبواب الإحرام ب ١٦ ح ١.

(٢) الكافي ٤ : ٤٥٤ ـ ١ ، التهذيب ٥ : ١٦٧ ـ ٥٥٧ ، الوسائل ١٢ : ٤٠٨ أبواب الإحرام ب ٥٢ ح ١.

(٣) الفقيه ٢ : ٢٠٨ ـ ٩٤٤ ، الوسائل ١٢ : ٣٧٢ أبواب الإحرام ب ٣٥ ح ١.

(٤) انظر الوسائل ١٢ : ٣٧٢ أبواب الإحرام ب ٣٥.

(٥) الوسائل ١١ : ٣١٩ أبواب المواقيت ب ٩.

(٦) كما في الوسائل ١٢ : ٣٦٩ ، ٣٧٢ أبواب الإحرام ب ٣٤ ، ٣٥.

٢٥٩

وكذا لا يناسبه قول كثير منهم : لو عقد الإحرام ولم يلبّ لم تلزمه كفّارة بما فعله (١).

وكذا عدّهم التلبية أحد واجبات الإحرام (٢) ، وقولهم : إنّها تجب فيه (٣).

وكذا حكمهم بوجوب النيّة للإحرام (٤) ، إذ لا نيّة على حدة للتلبية ، ولذا لا يذكرون لتكبيرة الإحرام نيّة سوى نيّة الصلاة.

وكذا جعلهم الإحرام ـ وفاقا للأخبار ـ فعلا على حدة من أفعال الحجّ ، والتلبية فعلا آخر على حدة أو من أجزاء الإحرام ، كما لا يجعلون إحرام الصلاة فعلا والتكبيرة فعلا آخر.

والثاني هو ظاهر الأكثر المستفاد من جميع ما مرّ من منافيات كون التلبية وحدها هو الإحرام ، ولكن لا يلائمه شي‌ء ممّا ذكرنا من ملائمات كونه هو التلبية.

وقد يرجّح الأول ويجمع بينه وبين منافياته بأنّ ما يجوز تأخيره من التلبية هو الإجهار بها ورفع الصوت بها.

وقد يرجّح الثاني ويجمع بينه وبين منافياته بحمل عدم انعقاد الإحرام إلاّ بالتلبية ـ في الفتاوى وإطلاق الإحرام عليها في الأخبار ـ على أنّه ما لم يلبّ له ارتكاب المحرّمات على المحرم ، ولا كفارة عليه وإن لم يجز له فسخ النيّة.

أقول : أمّا الجمع الأول : فهو ممّا لا تقبله أكثر أخبار جواز تأخير‌

__________________

(١) كما في الشرائع ١ : ٢٤٦ ، والذخيرة : ٥٧٨ ، والرياض ١ : ٣٦٧.

(٢) كما في الشرائع ١ : ٢٤٥ ، المدارك ٧ : ٢٦٣ ، كشف اللثام ١ : ٣١٢.

(٣) كما في القواعد ١ : ٨٠ ، والذخيرة : ٥٧٧.

(٤) كما في الذخيرة : ٥٧٧ ، المفاتيح ١ : ٣١٣ ، الرياض ١ : ٣٦٦.

٢٦٠