مستند الشّيعة - ج ١١

أحمد بن محمّد مهدي النّراقي

مستند الشّيعة - ج ١١

المؤلف:

أحمد بن محمّد مهدي النّراقي


المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ مشهد المقدسة
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
المطبعة: ستاره
الطبعة: ١
ISBN: 964-319-015-3
ISBN الدورة:
964-5503-75-2

الصفحات: ٤١٨

بالإجماع ، فيبقى الباقي ، وهذا حسن على طريقة الحلّي ومن يحذو حذوه في عدم العمل بأخبار الآحاد ، حيث إنّ الدالّ على الزائد على اثني عشر ليس غير الآحاد ، سيّما مع زعم احتمال إرادة توزيع الثمانية والأربعين ميلا الواردة في رواياتها على أربع جوانب.

وأمّا من يقول بحجّية تلك الأخبار ـ كما هو الثابت من الأئمّة الأطهار ـ فلا وجه لذلك أصلا ، واحتمال إرادة التوزيع فاسد جدّا ، سيّما مع التنصيص بما دون عسفان وذات عرق.

وقد يستدلّ لهم أيضا بنصّ الآية على أنّ التمتّع فرض من لم يكن حاضري المسجد الحرام ، ومقابل الحاضر المسافر ، وحدّه أربعة فراسخ.

وضعفه ظاهر ، لمنع كون ذلك حدّ المسافر ، ومنع كون المسافر مقابل الحاضر ، وإنّما هو اصطلاح طارئ بعد نزول الآية ، هذا ، مع وجود النصوص الكثيرة الصريحة في خلاف ذلك.

وأمّا صحيحة حريز (١) ـ المصرّحة بأنّ من كان منزله من كلّ من الأربع جوانب ثمانية عشر ميلا فلا متعة له ـ فلا تنافي ما ذكرنا بمنطوقها أصلا ، إذ منطوقها عدم المتعة على من كان منزله ثمانية عشر.

نعم ، ينافيه عموم مفهومها اللاّزم تخصيصه بما مرّ ، لكونه أخصّ مطلقا من المفهوم.

المسألة الثانية : وإذا عرفت أنّ فرض من كان على الحدّ المذكور حجّ التمتّع تعلم أنّه ليس له العدول إلى غيره اختيارا ، بلا خلاف فيه بين الأصحاب كما في الذخيرة (٢) ، وعن المعتبر وجملة من كتب الفاضل‌

__________________

(١) الكافي ٤ : ٣٠٠ ـ ٣ ، الوسائل ١١ : ٢٦١ أبواب أقسام الحجّ ب ٦ ح ١٠.

(٢) الذخيرة : ٥٥٠‌

٢٢١

إجماعنا (١).

ويدلّ عليه أنّ فرضه التمتّع ـ فلو عدل إلى غيره لم يكن آتيا بالمأمور به ، فلا يجزئه ـ وتصريح بعض الأخبار المتقدّمة بأنّه ليس لأحد إلاّ أن يتمتّع.

وأمّا في حال الضرورة ، فيجوز له العدول بلا خلاف ، ومن الضرورة : ضيق الوقت عن إدراك أفعال الحجّ لو أتمّ العمرة ، فمن أحرم للعمرة المتمتّعة وضاق وقته عن الإتيان بمناسكها والإحرام بالحجّ والإتيان بمناسكه عدل عن نيّة التمتّع إلى الإفراد وإن كان ممّن وجب عليه التمتّع ، ثم مضى كما هو إلى الموقف وأتمّ الحجّ بأفعاله ، وعليه عمرة مفردة بعد الحجّ ، بلا خلاف يعرف فيه كما صرّح به جماعة (٢) ، بل صرّح بالاتّفاق عليه أيضا (٣).

ويدلّ عليه القدر المشترك من الأخبار الآتية ، إلاّ أنّه قد اختلفوا في حدّ ذلك الضيق إلى أقوال :

الأول : أنّه إذا زالت الشمس من يوم التروية ولم يكن أحلّ من عمرته فقد فاتته المتعة وتكون حجّته مفردة ، حكي عن والد الصدوق ونقله في السرائر عن المفيد أيضا (٤).

وتدلّ عليه صحيحة ابن بزيع : عن المرأة تدخل مكّة متمتّعة فتحيض قبل أن تحلّ ، متى تذهب متعتها؟ قال : « كان جعفر عليه‌السلام يقول : زوال الشمس من يوم التروية ، وكان موسى عليه‌السلام يقول : صلاة الصبح من يوم‌

__________________

(١) المعتبر ٢ : ٧٨٣ ، الفاضل في القواعد ١ : ٧٣ ، المنتهى ٢ : ٦٥٩.

(٢) السبزواري في الذخيرة : ٥٥١ ، الفيض في المفاتيح ١ : ٣٠٨ ، صاحب الحدائق ١٤ : ٣٢٧.

(٣) كما في المعتبر ٢ : ٧٨٩.

(٤) حكاه عن والد الصدوق في المختلف : ٢٩٤ ، السرائر ١ : ٥٨٢.

٢٢٢

التروية » فقلت : جعلت فداك ، عامّة مواليك يدخلون يوم التروية ويطوفون ويسعون ثم يحرمون بالحجّ ، فقال : « زوال الشمس » فذكرت له رواية عجلان أبي صالح ، فقال : « لا ، إذا زالت الشمس ذهبت المتعة » ، فقلت : فهي على إحرامها أو تجدّد إحرامها للحجّ؟ فقال : « لا ، هي على إحرامها » ، فقلت : فعليها هدي؟ فقال : « لا ، إلاّ أن تحبّ أن تتطوّع » ، ثم قال : « أمّا نحن فإذا رأينا هلال ذي الحجّة قبل أن نحرم فاتتنا المتعة » (١).

أقول : رواية عجلان هذه : متمتّعة قدمت مكّة فرأت الدم كيف تصنع؟ قال : « تسعى بين الصفا والمروة وتجلس في بيتها ، فإن طهرت طافت بالبيت ، وإن لم تطهر فإذا كان يوم التروية أفاضت عليها الماء وأهلّت بالحجّ وخرجت إلى منى فقضت المناسك كلّها ، فإذا فعلت ذلك فقد حلّ لها كلّ شي‌ء ما عدا فراش زوجها » الحديث (٢).

والمراد من قوله في الصحيحة : فقال : « لا » ـ بعد ذكر الراوي رواية عجلان ـ يعني : ليس مطلق يوم التروية وإنّما هو زوال شمسه.

ورواية عجلان المذكورة ، وصحيحة البجلي والعلاء وابن رئاب وابن صالح : « المرأة المتمتّعة إذا قدمت مكّة ثم حاضت تقيم ما بينها وبين التروية ، فإن طهرت طافت بالبيت وسعت بين الصفا والمروة ، وإن لم تطهر إلى يوم التروية اغتسلت واحتشت وسعت بين الصفا والمروة ثم خرجت إلى منى ، فإذا قضت المناسك وزارت البيت طافت بالبيت طوافا لعمرتها ، ثم طافت طوافا‌

__________________

(١) التهذيب ٥ : ٣٩١ ـ ١٣٦٦ ، الإستبصار ٢ : ٣١١ ـ ١١٠٧ ، الوسائل ١١ : ٢٩٩ أبواب أقسام الحجّ ب ٢١ ح ١٤.

(٢) الكافي ٤ : ٤٤٥ ـ ٣ ، التهذيب ٥ : ٣٩٢ ـ ١٣٦٩ ، الإستبصار ٢ : ٣١٢ ـ ١١١٠ ، الوسائل ١٣ : ٤٥٠ أبواب الطواف ب ٨٤ ح ٦.

٢٢٣

للحجّ ، ثم خرجت فسعت ، فإذا فعلت ذلك فقد أحلّت من كلّ شي‌ء يحلّ منه المحرم إلاّ فراش زوجها ، فإذا طافت أسبوعا آخر حلّ لها فراش زوجها » (١).

ولا يضرّ عدم توثيق العلاء وابن صالح مع وثاقة البجلي وابن رئاب ، فعدّ الخبر غير صحيح ـ كما في الذخيرة (٢) ـ غير صحيح.

وصحيحة جميل : عن المرأة الحائض إذا قدمت مكّة يوم التروية ، قال : تمضي كما هي إلى عرفات فتجعلها حجّة ، ثم تقيم حتى تطهر وتخرج إلى التنعيم ، فتحرم فتجعلها عمرة » (٣).

الثاني : أنّه إذا غابت الشمس من يوم التروية ولم يحلّ من عمرته فاتته المتعة ، نقل عن الصدوق في المقنع والمفيد في المقنعة (٤).

وتشهد له صحيحة العيص : عن المتمتّع يقدم مكّة يوم التروية صلاة العصر ، تفوته المتعة؟ قال : « لا ، له ما بينه وبين غروب الشمس » قال : « وقد صنع ذلك رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم » (٥).

وصحيحة عليّ بن يقطين : عن الرجل والمرأة يتمتّعان بالعمرة إلى الحجّ ثم يدخلان مكّة يوم عرفة كيف يصنعان؟ قال : « يجعلانها حجّة مفردة ، وحدّ المتعة إلى يوم التروية » (٦).

__________________

(١) الكافي ٤ : ٤٤٥ ـ ١ ، الوسائل ١٣ : ٤٤٨ أبواب الطواف ب ٨٤ ح ١ وفيه : طوافا ، بدل : أسبوعا.

(٢) الذخيرة : ٥٥٣.

(٣) الفقيه ٢ : ٢٤٠ ـ ١١٤٦ ، التهذيب ٥ : ٣٩٠ ـ ١٣٦٣ ، الوسائل ١١ : ٢٩٦ أبواب أقسام الحج ب ٢١ ح ٢.

(٤) المقنع : ٨٥ ، المقنعة : ٤٣١.

(٥) التهذيب ٥ : ١٧٢ ـ ٥٧٤ ، الإستبصار ٢ : ٢٤٨ ـ ٨٦٩ ، الوسائل ١١ : ٢٩٤ أبواب أقسام الحجّ ب ٢٠ ح ١٠.

(٦) التهذيب ٥ : ١٧٣ ـ ٥٨٢ ، الإستبصار ٢ : ٢٤٩ ـ ٨٧٧ ، الوسائل ١١ : ٢٩٩ أبواب أقسام الحجّ ب ٢١ ح ١١.

٢٢٤

ورواية إسحاق بن عبد الله : عن المتمتّع يدخل مكّة يوم التروية ، فقال : « للمتمتّع ما بينه وبين الليل » (١).

وقريبة منها رواية عمر بن يزيد (٢) ، ورواية أخرى منه : « إذا قدمت مكّة يوم التروية وقد غربت الشمس فليس لك متعة ، امض كما أنت بحجّك » (٣).

وأخرى من إسحاق : « المتمتّع إذا قدم ليلة عرفة فليست له متعة ، يجعلها حجّة مفردة ، إنّما المتعة إلى يوم التروية » (٤) ، وقريبة منها رواية موسى بن عبد الله (٥).

وتدلّ عليه أيضا رواية زكريّا بن عمران : عن المتمتّع إذا دخل يوم عرفة ، قال : « لا متعة له ، يجعلها حجّة مفردة » (٦) ، حيث إنّه لا قائل بما بين غروب التروية وزوال عرفة.

__________________

(١) التهذيب ٥ : ١٧٢ ـ ٥٧٥ ، الإستبصار ٢ : ٢٤٨ ـ ٨٧٠ ، الوسائل ١١ : ٢٩٤ أبواب أقسام الحجّ ب ٢٠ ح ١١.

(٢) التهذيب ٥ : ١٧٢ ـ ٥٧٦ ، الإستبصار ٢ : ٢٤٨ ـ ٨٧١ ، الوسائل ١١ : ٢٩٤ أبواب أقسام الحجّ ب ٢٠ ح ١٢.

(٣) التهذيب ٥ : ١٧٣ ـ ٥٨٣ ، الإستبصار ٢ : ٢٤٩ ـ ٨٧٨ ، الوسائل ١١ : ٢٩٩ أبواب أقسام الحجّ ب ٢١ ح ١٢.

(٤) التهذيب ٥ : ١٧٣ ـ ٥٨٠ ، الإستبصار ٢ : ٢٤٩ ـ ٨٧٥ ، الوسائل ١١ : ٢٩٨ أبواب أقسام الحجّ ب ٢١ ح ٩.

(٥) التهذيب ٥ : ١٧٣ ـ ٥٨١ ، الإستبصار ٢ : ٢٤٩ ـ ٨٧٦ ، الوسائل ١١ : ٢٩٨ أبواب أقسام الحجّ ب ٢١ ح ١٠.

(٦) التهذيب ٥ : ١٧٣ ـ ٥٧٩ ، الإستبصار ٢ : ٢٤٩ ـ ٨٧٤ ، الوسائل ١١ : ٢٩٨ أبواب أقسام الحجّ ب ٢١ ح ٨ ، وفيها : عمرة مفردة ، بدل : حجّة مفردة ، وفي التهذيب والوسائل : عن زكريا بن آدم.

٢٢٥

الثالث : أنّه إذا زالت الشمس من يوم عرفة ولم يتحلّل من المتعة فقد فاتت العمرة ، اختاره الشيخ في المبسوط والنهاية وحكي عن الإسكافي والقاضي في المهذّب وابن حمزة في الوسيلة واختاره في المدارك والذخيرة والكفاية (١).

وتدلّ عليه صحيحة جميل : « المتمتّع له المتعة إلى زوال الشمس من يوم عرفة ، وله الحجّ إلى زوال الشمس من يوم النحر » (٢).

ومرفوعة سهل : في متمتّع دخل يوم عرفة ، قال : « متعته تامّة إلى أن تقطع التلبية » (٣) يعني : يقطع الناس تلبيتهم ، وهو زوال الشمس من يوم عرفة.

الرابع : أنّه إذا خاف فوت اختياريّ عرفة من غير تحديد له بزمان حتى لو لم يخف منه لم يجز العدول ولو كان بعد زوال الشمس من يوم عرفة ، حكي عن الغنية والمختلف والدروس (٤) ، واختاره أيضا بعض شيوخنا المعاصرين (٥).

بل هو ظاهر التهذيب والإستبصار (٦) ، حيث علّل التحديد بزوال‌

__________________

(١) المبسوط ١ : ٣٦٤ ، النهاية : ٢٤٧ ، حكاه عن الإسكافي في المختلف : ٢٩٤ ، المهذّب ١ : ٢٤٣ ، الوسيلة : ١٧٦ ، المدارك ٧ : ١٧٦ ، الذخيرة : ٥٥٣ ، الكفاية : ٥٥.

(٢) التهذيب ٥ : ١٧١ ـ ٥٦٩ ، الإستبصار ٢ : ٢٤٧ ـ ٨٦٤ ، الوسائل ١١ : ٢٩٥ أبواب أقسام الحجّ ب ٢٠ ح ١٥.

(٣) الكافي ٤ : ٤٤٤ ـ ٥ ، الوسائل ١١ : ٢٩٣ أبواب أقسام الحجّ ب ٢٠ ح ٧.

(٤) الغنية ( الجوامع الفقهية ) : ٥٧٧ ، المختلف : ٣٩٤ ، انظر الدروس ١ : ٣٣٥ و ٣٣٦.

(٥) كما في الرياض ١ : ٣٥١.

(٦) التهذيب ٥ : ١٧٠ ، الإستبصار ٢ : ٢٤٩.

٢٢٦

شمس يوم عرفة بأنّه لو لم يتحلّل قبله لم يغلب على ظنّه أنّه يدرك الناس في عرفات ، حيث ظهر منه أنّ الأصل فيه إدراك الناس بعرفات ، وأنّ التحديد بالزوال أيضا لأجله.

واحتجّ (١) له بالأصل ، وصدق الامتثال ، لرواية الميثمي : « لا بأس للمتمتّع إن لم يحرم من ليلة التروية (٢) ما لم يخف فوات الموقفين » (٣).

وصحيحة الحلبي : عن رجل أهلّ بالحجّ والعمرة جميعا ثم قدم مكّة والناس بعرفات فخشي هو إن طاف وسعى بين الصفا والمروة أن يفوته الموقف ، فقال : « يدع العمرة ، فإذا تمّ حجّه صنع كما صنعت عائشة ولا هدي عليه » (٤).

وصحيحة زرارة : عن الرجل يكون في يوم عرفة بينه وبين مكّة ثلاثة أميال وهو متمتّع بالعمرة إلى الحجّ ، فقال : « يقطع التلبية تلبية المتعة ، ويهلّ بالحجّ بالتلبية إذا صلّى الفجر ، ويمضي إلى عرفات فيقف مع الناس ويقضي جميع المناسك ، ويقيم بمكّة حتى يعتمر عمرة الحجّ ولا شي‌ء عليه » (٥).

ورواية محمد بن سرو (٦) ، وفيها ـ بعد السؤال عمّن لم يواف ليلة‌

__________________

(١) كما في الرياض ١ : ٣٥١.

(٢) في المصادر زيادة : متى ما تيسّر له.

(٣) الكافي ٤ : ٤٤٤ ـ ٤ ، التهذيب ـ ٥ : ١٧١ ـ ٥٦٨ ، الإستبصار ٢ : ٢٤٧ ـ ٨٦٣ ، الوسائل ١١ : ٢٩٣ أبواب أقسام الحجّ ب ٢٠ ح ٥.

(٤) التهذيب ٥ : ١٧٤ ـ ٥٨٤ ، الإستبصار ٢ : ٢٥٠ ـ ٨٧٩ ، الوسائل ١١ : ٢٩٧ أبواب أقسام الحجّ ب ٢١ ح ٦.

(٥) التهذيب ٥ : ١٧٤ ـ ٥٨٥ ، الإستبصار ٢ : ٢٥٠ ـ ٨٨٠ ، الوسائل ١١ : ٢٩٨ أبواب أقسام الحجّ ب ٢١ ح ٧ ، وفيها : عمرة المحرم ، بدل : عمرة الحجّ.

(٦) قال في المنتقى ٣ : ٣٤٠ : الذي تحققته من عدّة قرائن أنّ راوي هذا الحديث محمّد بن جزك.

٢٢٧

التروية ـ : « ساعة يدخل مكّة إن شاء الله ، يطوف ويصلّي ركعتين ، ويسعى ويقصّر ، ويخرج بحجّته ويمضي إلى الموقف ، ويفيض مع الإمام » (١).

والأخبار المعتبرة المتضمّنة لإدراك المتعة ما أدرك الناس بمنى ، كمرسلة ابن بكير (٢) ، وصحيحتي الحلبي (٣) ومرازم (٤) ، وغيرها (٥) ، بناء على أنّ ظاهرها إدراكهم بمنى قبل مضي عرفات.

وما دل على إدراكها بإدراك الناس مطلقا ، كرواية أبي بصير : المرأة تجي‌ء متمتّعة فطمثت قبل أن تطوف بالبيت فيكون طهرها ليلة عرفة ، فقال : « إن كانت تعلم أنّها تطهر وتطوف بالبيت وتحلّ من إحرامها وتلحق بالناس فلتفعل » (٦).

والخامس : أنّه إذا خاف فوت اضطراري عرفة ، وهو مذهب الحلّي في السرائر (٧) ، وحكي عن محتمل الحلبي (٨).

ولعلّه لصدق إدراك الموقفين معه ، وللأخبار المستفيضة من الصحاح‌

__________________

(١) التهذيب ٥ : ١٧١ ـ ٥٧٠ ، وفي الإستبصار ٢ : ٢٤٧ ـ ٨٦٥ ، والوسائل ١١ : ٢٩٥ أبواب أقسام الحجّ ب ٢٠ ح ١٦ : ويحرم بحجّته .. وفي الوسائل : محمد بن مسرور ، بدل : محمد بن سرو.

(٢) الكافي ٤ : ٤٤٣ ـ ٣ ، التهذيب ٥ : ١٧٠ ـ ٥٦٦ ، الإستبصار ٢ : ٢٤٦ ـ ٨٦١ ، الوسائل ١١ : ٢٩٣ أبواب أقسام الحجّ ب ٢٠ ح ٦.

(٣) التهذيب ٥ : ١٧٠ ـ ٥٦٥ ، الإستبصار ٢ : ٢٤٦ ـ ٨٦٠ ، الوسائل ١١ : ٢٩٣ أبواب أقسام الحجّ ب ٢٠ ح ٨.

(٤) التهذيب ٥ : ١٧١ ـ ٥٦٧ ، الإستبصار ٢ : ٢٤٦ ـ ٨٦٢ ، الوسائل ١١ : ٢٩٤ أبواب أقسام الحجّ ب ٢٠ ح ١٤.

(٥) الوسائل ١١ : ٢٩١ أبواب أقسام الحج ب ٢٠.

(٦) الكافي ٤ : ٤٤٧ ـ ٨ ، الفقيه ٢ : ٢٤٢ ـ ١١٥٨ ، التهذيب ٥ : ٤٧٥ ـ ١٦٧٥ ، الإستبصار ٢ : ٣١١ ـ ١١٠٨ ، الوسائل ١١ : ٢٩٢ أبواب أقسام الحج ب ٢٠ ح ٣.

(٧) السرائر ١ : ٥٨٢.

(٨) الكافي في الفقه : ١٩٤.

٢٢٨

وغيرها المتضمّنة لـ : أنّ من يأتي بعد ما يفيض الناس من عرفات ويدركها ليلة النحر فقد تمّ حجّه.

كصحيحة ابن عمّار : رجل أدرك الإمام وهو بجمع ، فقال : « إن ظنّ أنّه يأتي عرفات فيقف بها قليلا ثم يدرك جمعا قبل طلوع الشمس فليأتها ، وإن ظنّ أنّه لا يأتيها حتى يفيضوا فلا يأتها ، وليقم بجمع فقد تمّ حجّه » (١) ، وغيرها من الصحاح المتكثّرة (٢).

أقول : لا شكّ في أنّ الأصل بقاء الاشتغال بالتمتّع إلى أن يعلم عدمه المتحقّق هنا بعدم إمكان دركه الحاصل بالإتيان بجميع واجبات عمرته وحجّه ، ولازمه أصالة وجوبه ما لم يعلم عدم إمكان درك الوقوف الواجب بعرفات ، إذ مع دركه يدرك جميع أفعال العمرة والحجّ الواجبة.

ولا شكّ أيضا أنّ ـ بعد درك جميع أفعالهما الواجبة ـ الأصل : براءة الذمّة ، لصدق الامتثال ، وللإتيان بالمأمور به المستلزم للإجزاء.

ولا شكّ أيضا أنّ الأصل : بقاء الاشتغال وعدم البراءة لو لم يؤت بجميع أفعالهما الواجبة ، ركنا كان ما لم يؤت به أو غير ركن ، لأنّ عدم الركنية لا يخرجه عن الوجوب وإن لم يكن تركه مبطلا في بعض الصور أو مطلقا بعوض أو بدونه بدليل.

ثم لازم ذلك وجوب الإتيان بالتمتّع بعد ذلك في عام آخر ، إلاّ أن يدلّ دليل على قيام غيره من إفراد أو غيره مقامه.

والمتحصّل من جميع ذلك أصلان :

__________________

(١) الكافي ٤ : ٤٧٦ ـ ٢ ، وفي الفقيه ٢ : ٢٨٤ ـ ١٣٩٤ ، والوسائل ١٤ : ٣٥ أبواب الوقوف بالمشعر ب ٢٢ ح ١ بتفاوت يسير.

(٢) كما في الوسائل ١٤ : ٣٥ أبواب الوقوف بالمشعر ب ٢٢.

٢٢٩

أحدهما : براءة الذمّة مع الإتيان بجميع أفعالهما الواجبة ، إلاّ بدليل يعارضه في مورد (١).

وثانيهما : عدم البراءة مع عدم درك بعض واجباته ، إلاّ بالإتيان بفعل آخر يقوم مقامه بدليل شرعي.

ولازم الأول : صحّة التمتّع ما دام يدرك الوقوف الواجب بعرفات ، كما هو القول الرابع.

ولازم الثاني : عدم إدراك التمتّع بعدم إدراكه كذلك ، إلاّ أن يخرج عن أحد الأصلين بدليل.

والقولان الأولان مخالفان للأصل الأول ، والخامس للثاني ، والثالث كالأولين إن لم نقل بوجوب الوقوف من أول الزوال ، وكالرابع إن قلنا به ، فاللازم حينئذ هو ملاحظة تمامية أدلّة تلك الأقوال وعدمها ، فنقول : أمّا دليل القول الأول فكان حسنا لو لا معارضته مع الأكثر منه عددا ، وأوضح دلالة ، والأشهر فتوى ، ولكنّه معارض مع جميع أدلّة الأقوال المتأخّرة عنه المتقدّمة ذكرها ، مضافا إلى غيرها من المستفيضة : كرواية محمّد بن ميمون : قدم أبو الحسن عليه‌السلام متمتّعا ليلة عرفة ، فطاف ، وأحلّ ، وأتى بعض جواريه ، ثم أهلّ بالحجّ وخرج (٢).

وصحيحة محمّد : إلى متى يكون للحاجّ عمرة؟ قال : « إلى السحر من ليلة عرفة » (٣).

__________________

(١) في « ح » : مورده.

(٢) الكافي ٤ : ٤٤٣ ـ ٢ ، الفقيه ٢ : ٢٤٢ ـ ١١٥٧ ، التهذيب ٥ : ١٧٢ ـ ٥٧٢ ، الإستبصار ٢ : ٢٤٧ ـ ٨٦٧ ، الوسائل ١١ : ٢٩١ أبواب أقسام الحجّ ب ٢٠ ح ٢.

(٣) التهذيب ٥ : ١٧٢ ـ ٥٧٣ ، الإستبصار ٢ : ٢٤٨ ـ ٨٦٨ ، الوسائل ١١ : ٢٩٣ أبواب أقسام الحجّ ب ٢٠ ح ٩.

٢٣٠

ومرسلة التهذيب : « أهلّ بالمتعة بالحجّ ـ يريد يوم التروية ـ إلى زوال الشمس وبعد العصر وبعد المغرب وبعد العشاء ما بين ذلك كلّه واسع » (١) ، فلو لا ترجيح الأخيرة بما ذكر يجب الرجوع إلى الأصل المتقدّم.

هذا ، مع ما في ذلك القول من الشذوذ المسقط لأدلّته عن الحجّية ، ومع ذلك أخباره مختصّة بالحائض ، والتعدّي إلى غيرها كما ـ هو المطلوب ـ يحتاج إلى الدليل ، والإجماع المركّب غير ثابت ، كيف؟! وصرّح صاحب الذخيرة بالفصل (٢).

ومحتملة لإرادة حجّ التطوع وإرادة الأفضل فيه ، كما يشعر به قوله عليه‌السلام في صحيحة ابن بزيع : « أمّا نحن فإذا رأينا هلال ذي الحجّة » إلى آخره (٣).

وإذن فسقوط ذلك القول جدّا واضح.

وكذا القول الثاني ، لنحو ما مرّ من الشذوذ والمعارضات الموجبة للرجوع إلى الأصل.

وكذا القول الخامس ، لمخالفته للأصل الثاني ، مع قصور أدلّته عن النهوض لإثبات المطلوب.

أمّا الأول : فلظهور إدراك الموقف في الاختياري منه جدّا وتبادره منه ، سيّما مع تصريح طائفة من أخبار درك الموقف بدرك الناس فيه (٤) ، وهو إنّما يكون في الاختياري ، ومع ذلك تعارضه أخبار إدراك الناس بمنى (٥) ،

__________________

(١) التهذيب ٥ : ١٧٢ ـ ٥٧٨ ، الوسائل ١١ : ٢٩٤ أبواب أقسام الحج ب ٢٠ ح ١٣.

(٢) الذخيرة : ٥٥٢.

(٣) التهذيب ٥ : ٣٩١ ـ ١٣٦٦ ، الإستبصار ٢ : ٣١١ ـ ١١٠٧ ، الوسائل ١١ : ٢٩٩ أبواب أقسام الحج ب ٢١ ح ١٤.

(٤) انظر الوسائل ١٤ : ٣٥ أبواب الوقوف بالمشعر ب ٢٢.

(٥) كما في الوسائل ١١ : ٢٩١ أبواب أقسام الحجّ ب ٢٠.

٢٣١

اللاّزم حمله على إدراكهم قبل عرفات بالإجماع.

وأمّا الثاني : فلأنّ غاية ما تدلّ عليه تلك الأخبار : أنّ من أدرك الاضطراري فقد تمّ حجّه ، ولا كلام فيه ، بل هو كذلك ، وإنّما الكلام في تمامية التمتّع المركّب من العمرة المتقدّمة والحجّ ، وأين هو من ذلك؟!

فلم يبق إلاّ القول الثالث والرابع.

فإن قلنا : إنّ الموقف هو جميع ما بين الزوال إلى الغروب ، فيتّحد القولان ولا يكون اختلاف بينهما ، ويتميّز القول الحقّ.

وإن قلنا : بأنّه المسمّى ، فيتعارض أدلّة القولين ، وظاهر أنّ ما يعارض دليل القول الثالث من أدلّة الرابع منحصر برواية الميثمي (١) ، وأمّا البواقي فبين غير مناف له وبين معاضد له ، كأخبار إدراك الناس بمنى.

ولا شك أنّ رواية الميثمي ـ مع مرجوحية سندها بالنسبة إلى دليل الثالث ، وعدم ظهور عامل بها أو غير نادر من القدماء ـ أعمّ مطلقا من أخبار القول الثالث ، فتعيّن تخصيصها بها ، مع أنّ المصرّح به في رواية الميثمي أنّه ما لم يخف فوات الموقفين.

ولا شك إن لم يتحلّل من العمرة قبل الزوال يخاف الفوت البتّة ، كما صرّح به الشيخ في التهذيبين (٢).

فإذن القول الحقّ هو : القول الثالث وعليه الفتوى.

المسألة الثالثة : إذا حاضت المرأة المتمتّعة أو نفست قبل الطواف ، ومنعها العذر من الطواف وبقية أفعال عمرتها لضيق الوقت عن التربّص إلى الطهر ، ففيه أقوال :

__________________

(١) المتقدّمة في ص. ٢٢٧.

(٢) التهذيب ٥ : ١٧٠ ، الإستبصار ٢ : ٢٤٩.

٢٣٢

الأول : أنّها تعدل إلى الإفراد ، وهو الأشهر كما في المدارك والذخيرة والكفاية والمفاتيح (١) وشرحه ، بل في الأخيرين كاد أن يكون إجماعا ، وهو ظاهر المدارك أيضا ، بل عن الخلاف والمعتبر والمنتهى والتذكرة الإجماع عليه (٢).

لصحيحتي ابن بزيع (٣) وجميل (٤) المتقدّمتين ، وموثقة إسحاق بن عمّار : عن المرأة تجي‌ء متمتّعة فتطمث قبل أن تطوف بالبيت حتى تخرج إلى عرفات ، قال : « تصير حجّة مفردة » ، قلت : عليها شي‌ء؟ قال : « دم تهريقه ، وهي أضحيتها » (٥).

ومرسلة إسحاق بيّاع اللؤلؤ الصحيحة عمّن أجمعت العصابة على تصحيح ما يصحّ منه : « المرأة المتمتّعة إذا طافت بالبيت أربعة أشواط ثم رأت الدم فمتعتها تامّة » (٦) ، دلّت بالمفهوم على أنّه قبل أربعة أشواط لا تكون متعتها تامّة.

ومرسلة إبراهيم بن إسحاق ، وهي كمرسلة إسحاق ، وزاد : « وإن هي‌

__________________

(١) المدارك ٧ : ١٧٨ ، الذخيرة : ٥٥٣ ، الكفاية : ٥٥ ، المفاتيح ١ : ٣٠٨.

(٢) الخلاف ٢ : ٢٦١ ، ٢٦٢ ، المعتبر ٢ : ٧٨٩ ، المنتهى ٢ : ٦٦٣ ، التذكرة ١ : ٣٢٠.

(٣) التهذيب ٥ : ٣٩١ ـ ١٣٦٦ ، الإستبصار ٢ : ٣١١ ـ ١١٠٧ ، الوسائل ١١ : ٢٩٩ أبواب أقسام الحجّ ب ٢١ ح ١٤.

(٤) الفقيه ٢ : ٢٤٠ ـ ١١٤٦ ، التهذيب ٥ : ٣٩٠ ـ ١٣٦٣ ، الوسائل ١١ : ٢٩٦ أبواب أقسام الحجّ ب ٢١ ح ٢.

(٥) الفقيه ٢ : ٢٤٠ ـ ١١٤٧ ، التهذيب ٥ : ٣٩٠ ـ ١٣٦٥ ، الإستبصار ٢ : ٣١٠ ـ ١١٠٦ ، الوسائل ١١ : ٢٩٩ أبواب أقسام الحجّ ب ٢١ ح ١٣.

(٦) الكافي ٤ : ٤٤٩ ـ ٤ ، وفي التهذيب ٥ : ٣٩٣ ـ ١٣٧٠ ، والإستبصار ٢ : ٣١٣ ـ ١١١١ ، والوسائل ١٣ : ٤٥٦ أبواب الطواف ب ٨٦ ح ٢ : ثم حاضت ، بدل : ثم رأت الدم.

٢٣٣

لم تطف إلاّ ثلاثة أشواط فلتستأنف الحجّ ، فإن أقام بها جمّالها بعد الحجّ فلتخرج إلى الجعرانة أو إلى التنعيم فلتعتمر » (١).

والثاني : ما حكي عن عليّ بن بابويه والحلبي وابن زهرة والإسكافي (٢) ، وهو أنّها لا تعدل ، بل مع الضيق تؤخّر طواف العمرة فتسعى ، ثم تحرم بالحجّ ، ثم تقضي مناسكها للحجّ وتقضي طواف العمرة مع طواف الحجّ ، وعن الغنية الإجماع عليه (٣).

للمستفيضة من الأخبار ، كصحيحة البجلي والعلاء وابن رئاب (٤) ورواية عجلان (٥) المتقدّمتين.

ورواية أخرى لعجلان : « إذا اعتمرت المرأة ثم اعتلّت قبل أن تطوف قدّمت السعي وشهدت المناسك ، فإذا طهرت وانصرفت من الحجّ قضت طواف العمرة وطواف الحجّ وطواف النساء ، ثم أحلّت من كلّ شي‌ء » (٦).

وثالثة : متمتّعة دخلت مكّة فحاضت ، فقال : « تسعى بين الصفا والمروة ، ثم تخرج مع الناس حتى تقضي طوافها بعد » (٧).

ومرسلة يونس : عن امرأة متمتّعة طمثت قبل أن تطوف فخرجت مع‌

__________________

(١) الفقيه ٢ : ٢٤١ ـ ١١٥٥ ، الوسائل ١٣ : ٤٥٥ أبواب الطواف ب ٨٥ ح ٤.

(٢) حكاه عن علي بن بابويه في الدروس ١ : ٤٠٦ ، الحلبي في الكافي في الفقه : ٢١٨ ، ابن زهرة في الغنية ( الجوامع الفقهية ) : ٥٧٨ ، حكاه عن الإسكافي في الدروس ١ : ٤٠٦.

(٣) الغنية ( الجوامع الفقهية ) : ٥٧٨.

(٤) الكافي ٤ : ٤٤٥ ـ ١ ، الوسائل ١٣ : ٤٤٨ أبواب الطواف ب ٨٤ ح ١.

(٥) الكافي ٤ : ٤٤٦ ـ ٢ ، التهذيب ٥ : ٣٩١ ـ ١٣٦٨ ، الإستبصار ٢ : ٣١٢ ـ ١١٠٩ ، الوسائل ١٣ : ٤٤٩ أبواب الطواف ب ٨٤ ح ٢.

(٦) الكافي ٤ : ٤٤٧ ـ ٦ ، التهذيب ٥ : ٣٩٤ ـ ١٣٧٤ ، الإستبصار ٢ : ٣١٤ ـ ١١١٥ ، الوسائل ١٣ : ٤٤٩ أبواب الطواف ب ٨٤ ح ٣.

(٧) الفقيه ٢ : ٢٣٩ ـ ١١٤٣ ، الوسائل ١٣ : ٤٥٢ أبواب الطواف ب ٨٤ ح ١٠.

٢٣٤

الناس إلى منى ، فقال : « أوليس هي على عمرتها وحجّتها؟! فلتطف طوافا للعمرة وطوافا للحجّ » (١).

وصحيحة الحلبي : « ليس على النساء حلق وعليهنّ التقصير ، ثم يهللن بالحجّ يوم التروية ، وكانت عمرة وحجّة ، فإن اعتللن كنّ على حجّتهنّ ولم يضررن بحجّتهن » (٢).

وصحيحة الكاهلي : عن النساء على إحرامهن؟ فقال : « يصلحن ما أردن أن يصلحن » إلى أن قال : « فإذا قضين طوافهنّ وسعيهنّ قصّرن وجازت متعة ، ثم أهللن يوم التروية بالحجّ ، فكانت عمرة وحجّة ، وإن اعتللن كنّ على حجّهنّ ولم يفردن حجّهن » (٣).

والثالث : التخيير بين الأمرين ، حكي عن الإسكافي (٤) ، واحتمله بعض متأخّري المتأخّرين (٥) ، للجمع بين الأخبار.

والرابع : ما استحسنه في الوافي والمفاتيح (٦) ، وهو : أنّها إن أحرمت بالمتعة قبل الحيض تمتّعت ، كما في القول الثاني ، وإن حاضت قبل الإحرام أفردت ، كما في القول الأول ، وبه جمع بين أخبار الطرفين.

واستدلّ له برواية أبي بصير في المرأة المتمتّعة « إذا أحرمت وهي طاهر ثم حاضت قبل أن تقضي متعتها سعت ولم تطف حتى تطهر ، ثم تقضي طوافها وقد قضت عمرتها ، وإن هي أحرمت وهي حائض لم تسع‌

__________________

(١) الكافي ٤ : ٤٤٧ ـ ٧ ، الوسائل ١٣ : ٤٥١ أبواب الطواف ب ٨٤ ح ٨.

(٢) التهذيب ٥ : ٣٩٠ ـ ١٣٦٤ ، الوسائل ١١ : ٢٩٧ أبواب أقسام الحجّ ب ٢١ ح ٣.

(٣) الفقيه ٢ : ٢٤١ ـ ١١٥٢ ، الوسائل ١٣ : ٤٥٢ أبواب الطواف ب ٨٤ ح ١٢.

(٤) حكاه عنه في المختلف : ٣١٦.

(٥) كصاحب المدارك ٧ : ١٨٠ ، السبزواري في الذخيرة : ٥٥٣.

(٦) الوافي ١٣ : ٩٨٦ ، المفاتيح ١ : ٣٤١.

٢٣٥

ولم تطف حتى تطهر » (١).

أقول : لا يخفى أنّ أدلّة القول الثاني برمّتها خالية عن التصريح في الوجوب ، لأنّها بين جملة خبرية أو محتملة لها ، وأمّا قوله في مرسلة يونس : « فلتطف » فإنّما هو بعد كونها على عمرتها ، ولكن لا دلالة فيها على وجوب الكون على العمرة.

فإذن فالقول الثاني ـ المتضمّن لتعيّن الكون على العمرة ـ خال عن الدليل بالمرّة ، ساقط عن درجة العبرة ، مع أنّه على فرض الدلالة كلّها أعمّ مطلقا من مرسلة إسحاق وإبراهيم (٢) ، إمّا لعمومها بالنسبة إلى ما قبل الطواف وما بعده أو بالنسبة إلى ما قبل أربعة أشواط الطواف وما قبلها ، فيجب تخصيصها بهما والقول بأنّه إن كان ما قبل أربعة أشواط يجعلها حجّة ، وإن كان ما بعدها يتمّها عمرة ، كما هو الأصحّ الأشهر ، كما يأتي.

ومنه يظهر سقوط الثالث أيضا.

وأمّا الرابع : فمع عدم قائل به من المتقدّمين والمتأخّرين الموجب لشذوذه الباعث على طرح ما يدلّ عليه ، لا تصلح روايته للجمع الذي ذكره ، لصريح المرسلتين المتضمّنتين للعدول إلى الإفراد في كون الحيض بعد الإحرام. بل وكذا صحيحة ابن بزيع ، لعطف الحيض بالفاء الدالّة على الترتيب وكون الحيض بعد دخول مكّة ، وهو لا يكون إلاّ بعد الإحرام. بل وكذا صحيحة البجلي وابن رئاب المتقدّمة.

هذا ، مع عموم تلك الرواية في حكمها بعدم العدول بالنسبة إلى ما‌

__________________

(١) الكافي ٤ : ٤٤٧ ـ ٥ ، وفي التهذيب ٥ : ٣٩٤ ـ ١٣٧٥ ، والإستبصار ٢ : ٣١٥ ـ ١١١٦ ، والوسائل ١٣ : ٤٥٠ أبواب الطواف ب ٨٤ ح ٥ : وقد تمّت متعتها ، بدل : وقد قضت متعتها.

(٢) المتقدمتين في ص ٢٣٣.

٢٣٦

قبل أربعة أشواط وما بعدها ، ولذا حملها الشيخ على ما بعدها ، بل استشهد بها عليه فقال ـ بعد حمل الأخبار السابقة على ذلك ـ : ويدلّ عليه ما رواه ـ ثم ساق الرواية ـ وقال بعدها : فبيّن عليه‌السلام في هذا الخبر صحّة ما ذكرنا ، لأنّه قال : « إن هي أحرمت وهي طاهر » جاز أن يكون حيضها بعد الفراغ من الطواف أو بعد مضيّها في النصف منه ، فحينئذ جاز لها تقديم السعي وقضاء ما بقي عليها من الطواف ، فإذا أحرمت وهي حائض لم يكن لها سبيل إلى شي‌ء من الطواف ، فامتنع لأجل ذلك السعي (١). انتهى.

ومنه يظهر أنّ الحقّ هو القول الأول.

وحكي في المسألة قول خامس ، وهو : أنّها تستنيب من يطوف عنها ، ولا نعرف قائله ولا مستنده ، فهو ضعيف غايته.

المسألة الرابعة : المناط للحائض والنفساء أيضا ما مرّ في حقّ من ضاق وقته من عدم إدراكه زوال الشمس من يوم عرفة ، كما سبق دليله.

وقد اختار صاحب الذخيرة فيهما زوال الشمس من يوم التروية (٢) ، بعد اختياره في من ضاق وقته ما اخترناه.

والظاهر أنّه خرق الإجماع المركّب ، ونسبة هذا القول فيهما إلى عليّ بن بابويه والمفيد لا تفيد ، لأنّهما قالا بذلك فيه أيضا.

هذا ، مع أنّ ما استدلّ به لذلك التفصيل ـ من أنّه مقتضى صحيحتي ابن بزيع (٣) وجميل (٤) ـ عليل ، لأنّهما لا تدلاّن على أزيد من كونهما‌

__________________

(١) التهذيب ٥ : ٣٩٤ ـ ٣٩٥.

(٢) الذخيرة : ٥٥١.

(٣) التهذيب ٥ : ٣٩١ ـ ١٣٦٦ ، الإستبصار ٢ : ٣١١ ـ ١١٠٧ ، الوسائل ١١ : ٢٩٩ أقسام الحجّ ب ٢١ ح ١٤.

(٤) الفقيه ٢ : ٢٤٠ ـ ١١٤٦ ، التهذيب ٥ : ٣٩٠ ـ ١٣٦٣ ، الوسائل ١١ : ٢٩٦ أبواب أقسام الحجّ ب ٢١ ح ٢.

٢٣٧

حائضين يوم التروية ، وأنّهما إذا كانتا كذلك تعدلان ، والحيض يوم التروية لا يستلزم دركهما الطواف طاهرتين قبل زوال يوم عرفة.

بل صحيحة جميل صريحة في بقاء حيضها إلى ما بعد عرفات أيضا ، حيث قال : « ثم تقيم حتى تطهر ».

بل ظاهر صحيحة ابن بزيع أيضا ذلك ، حيث إنّها صرّحت بأنّ تحيّضها بعد دخول مكّة ، وبأنّ عامّة الموالي يدخلون يوم التروية ، فالظاهر أنّ تحيّضها لم يتقدّم على التروية ، فلا تتطهّر لزوال الشمس من يوم عرفة.

هذا ، مع أنّ تعارضها مع بعض ما مرّ وكون الأصل مع زوال يوم عرفة أيضا يكفي في الحكم به.

المسألة الخامسة : لو حصل عذرهما في أثناء الطواف ، ففي صحّة متعتهما مطلقا ، أو العدم كذلك ، أو الأول إذا كان بعد أربعة أشواط ، والثاني إذا لم يكن ، أقوال.

أصحّها : ثالثها ، وفاقا للصدوقين والشيخين والقاضي وابن حمزة والفاضلين (١) ، وغيرهم (٢) ، بل هو الأشهر كما صرّح به في المدارك والذخيرة (٣) وغيرهما (٤) ، لمرسلتي إسحاق وإبراهيم المتقدمتين (٥) ، وقريبة‌

__________________

(١) الصدوق في المقنع ١ : ٨٤ ، حكاه عن والد الصدوق في المختلف : ٣١٦ ، المفيد في المقنعة : ٤٤٠ ، الطوسي في النهاية : ٢٧٥ ، القاضي في المهذب ١ : ٢٣١ ، ابن حمزة في الوسيلة : ١٧٣ ، المحقق في الشرائع ١ : ٢٦٨ ، العلاّمة في التحرير ١ : ٩٩.

(٢) كالشهيد في الدروس ١ : ٤٠٥.

(٣) المدارك ٧ : ١٨١ ، الذخيرة : ٦٤٣.

(٤) كالحدائق ١٤ : ٣٤٧ ، رياض المسائل ١ : ٤١١.

(٥) في ص ٢٣٣.

٢٣٨

منهما رواية الأعرج (١).

خلافا للمحكيّ عن الصدوق ، فالأول (٢) ، لصحيحة محمّد : عنه امرأة طافت ثلاثة أشواط أو أقلّ من ذلك ثم رأت دما ، قال : « تحفظ مكانها ، فإذا طهرت طافت بقيّته واعتدّت بما مضى » (٣).

وتضعّف بأنّها أعمّ مطلقا من الأخبار المتقدّمة ، باعتبار شمولها لطواف النافلة والفريضة المتمتّعة وغيرها ، واختصاص الأخبار بالمتمتّعة ، فيجب تخصيصها بها.

وتضعيف الأخبار ـ بعد الانجبار وصحّتها ممّن أجمعت العصابة على تصحيح ما يصحّ عنه ـ ضعيف.

بل لنا أن نقول أيضا : إنّ إتمام بقيّة هذا الطواف بعد الطهر أعمّ من جعله من التمتّع أو الحجّ أو كونه أمرا تعبديّا ، فلا يعارض ما مرّ أصلا.

وللحلّي ، فالثاني (٤) ، وتبعه بعض المتأخّرين (٥) على ما قيل ، للأصل وصحيحة ابن بزيع المتقدّمة ، وتضعيفه كسابقه ، فإنّ ما مرّ يدفع الأصل ويخصّص الصحيحة ، لأخصّيته منها.

المسألة السادسة : لو حصل الحيض بعد الطواف وصلاة الركعتين صحّت المتعة قطعا ، ووجب عليها السعي والتقصير ، لعدم توقّفهما على‌

__________________

(١) التهذيب ٥ : ٣٩٣ ـ ١٣٧١ ، الإستبصار ٢ : ٢١٣ ـ ١١١٢ ، الوسائل ١٣ : ٤٥٦ أبواب الطواف ب ٨٦ ح ١.

(٢) حكاه عنه في المختلف : ٣١٦ ، وهو في الفقيه ٢ : ٢٤١ ـ ١١٥٣.

(٣) الفقيه ٢ : ٢٤١ ـ ١١٥٣ ، التهذيب ٥ : ٣٩٧ ـ ١٣٨٠ ، الإستبصار ٢ : ٣١٧ ـ ١١٢١ ، الوسائل ١٣ : ٤٥٤ أبواب الطواف ب ٨٥ ح ٣ ، بتفاوت يسير.

(٤) السرائر ١ : ٦٢٣.

(٥) انظر المدارك ٧ : ١٨٢.

٢٣٩

الطهارة ، وللأخبار المستفيضة (١) من الصحاح وغيرها ، وإطلاقها بل عمومها يشمل ما إذا كان قبل الركعتين أيضا كما هو الأصحّ الأشهر ، ودلّت عليه خصوصا رواية الكناني (٢) المنجبرة ، المؤيدة بصحيحة محمد العامّة للمتمتّعة وغيرها أيضا ، فالاستشكال فيه ـ كما في المدارك (٣) ـ غير جيّد.

وأمّا بعض الأخبار الناهية عن سعي الحائض (٤) فشاذّة ، ومع الأكثر منها الأوضح دلالة معارضة ، ومع ذلك عن الدالّ على الحرمة خالية ، والله العالم.

المسألة السابعة : اعلم أنّ ما ذكر من تعيّن التمتّع للنائي إنّما هو في حجّة الإسلام دون التطوّع والمنذور ، وصرّح الشيخ في التهذيبين والمحقق في المعتبر والفاضل في جملة من كتبه والشهيد في الدروس (٥) وغيرهم (٦) : بأنّ من أراد التطوّع بالحجّ كان مخيّرا بين الأفراد الثلاثة.

بل ظاهر الذخيرة عدم الخلاف فيه ، حيث قال : إنّ موضع الخلاف حجّة الإسلام دون التطوّع والمنذور (٧). انتهى.

نعم ، التمتّع أفضل.

وتدلّ على الحكمين مكاتبة علي بن ميسر : عن رجل اعتمر في شهر‌

__________________

(١) كما في الوسائل ١٣ : ٤٥٨ أبواب الطواف ب ٨٨.

(٢) الكافي ٤ : ٤٤٨ ـ ١ ، التهذيب ٥ : ٣٩٧ ـ ١٣٨١ ، الوسائل ١٣ : ٤٥٨ أبواب الطواف ب ٨٨ ح ٢.

(٣) المدارك ٧ : ١٨٤.

(٤) انظر الوسائل ١٣ : ٤٥٧ أبواب الطواف ب ٨٧.

(٥) التهذيب ٥ : ٣١ ، الإستبصار ٢ : ١٥٥ ، المعتبر ٢ : ٣٣٨ ، الفاضل في التحرير ١ : ٩٣ ، الدروس ١ : ٣٣٠.

(٦) المسالك ١ : ١٠١.

(٧) الذخيرة : ٥٥٣.

٢٤٠