مستند الشّيعة - ج ١١

أحمد بن محمّد مهدي النّراقي

مستند الشّيعة - ج ١١

المؤلف:

أحمد بن محمّد مهدي النّراقي


المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ مشهد المقدسة
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
المطبعة: ستاره
الطبعة: ١
ISBN: 964-319-015-3
ISBN الدورة:
964-5503-75-2

الصفحات: ٤١٨

أن يظهر التلبية في مسجد الشجرة؟ قال : « نعم » الحديث (١).

ولمن أحرم عن مكّة بما إذا أشرف على الأبطح ، لصحيحة ابن عمّار الثالثة المتقدّمة (٢) في المقدّمة ، من غير فرق في ذلك بين الراكب والماشي ، لعدم فارق إلاّ في نفس التلبية ، كما مرّ.

وليعلم أنّ استحباب الجهر بها مخصوص بالرجال بلا خلاف ، للمستفيضة :

منها : مرسلة فضالة : « إنّ الله تعالى وضع عن النساء أربعا : الجهر بالتلبية » الحديث (٣).

ومنها : رواية أبي بصير (٤) ، وهي أيضا كسابقتها.

المسألة السابعة : قدر الواجب هو التلبّي بما مرّ مرّة واحدة ، كما صرّح به في السرائر (٥) ، ويستحبّ تكرارها وإكثار القول بها إجماعا ، له ، ولقوله : « وأكثر ما استطعت منها » في صحيحة ابن عمّار المتقدّمة في المسألة السابقة (٦) ، سيّما في المواضع العشرة المنصوصة في صحيحتي ابن عمّار وعمر المتقدّمتين في المسألة المذكورة (٧) وفي رواية ابن فضّال : « من لبّى في إحرامه سبعين مرّة إيمانا‌

__________________

(١) الكافي ٤ : ٣٣٤ ـ ١٢ ، التهذيب ٥ : ٨٤ ـ ٢٨٠ ، الإستبصار ٢ : ١٧٠ ـ ٥٦٢ ، الوسائل ١٢ : ٣٧٢ أبواب الإحرام ب ٣٥ ح ٢.

(٢) الكافي ٤ : ٤٥٤ ـ ١ ، التهذيب ٥ : ١٦٧ ـ ٥٥٧ ، الوسائل ١٢ : ٤٠٨ أبواب الإحرام ب ٥٢ ح ١ ، وقد تقدمت في ص ٢٥٩.

(٣) التهذيب ٥ : ٩٣ ـ ٣٠٣ ، الوسائل ١٢ : ٣٧٩ أبواب الإحرام ب ٣٨ ح ١.

(٤) الكافي ٤ : ٤٠٥ ـ ٨ ، الوسائل ١٢ : ٣٨٠ أبواب الإحرام ب ٣٨ ح ٤.

(٥) السرائر ١ : ٥٣٦.

(٦) في ص : ٣١٩.

(٧) في ص : ٣١٩.

٣٢١

واحتسابا أشهد الله له ألف ألف ملك ببراءة من النار وبراءة من النفاق » (١).

المسألة الثامنة : استحباب التكرار للمعتمر إلى أن يشاهد بيوت مكّة إجماعا محقّقا ومحكيّا (٢) ، للمستفيضة من الأخبار :

كموثّقة ابن عمّار : « إذا دخلت مكّة وأنت متمتّع فنظرت إلى بيوت مكّة فاقطع التلبية ، وحدّ بيوت مكّة التي كانت قبل اليوم عقبة المدنيّين ، فاقطع التلبية وعليك بالتكبير والتهليل والتمجيد والثناء على الله عزّ وجلّ ما استطعت ، وإن كنت قارنا بالحجّ فلا تقطع التلبية حتى يوم عرفة عند زوال الشمس ، وإن كنت معتمرا فاقطع التلبية إذا دخلت الحرم » (٣).

وسدير : « وإذا رأيت أبيات مكّة فاقطع التلبية » (٤).

وصحيحة الحلبي : « المتمتّع إذا نظر إلى بيوت مكّة قطع التلبية » (٥).

والبزنطي : عن المتمتّع متى يقطع التلبية؟ قال : « إذا نظرت إلى أعراش مكّة ، عقبة ذي طوى » ، قلت : بيوت مكة؟ قال : « نعم » (٦).

أقول : أعراش مكّة : بيوتها ، جمع عرش بالضمّ ، وقد يفتح أيضا ، وربّما‌

__________________

(١) الكافي ٤ : ٣٣٧ ـ ٨ ، المحاسن : ٦٤ ـ ١١٦ ، الوسائل ١٢ : ٣٨٦ أبواب الإحرام ب ٤١ ح ١.

(٢) كما في المختلف ١ : ٢٦٦ ، والمنتهى ٢ : ٦٧٨ ، والكفاية : ٥٩ ، والذخيرة : ٥٨٣ ، والرياض ١ : ٣٧٠.

(٣) الكافي ٤ : ٣٩٩ ـ ١ ، التهذيب ٥ : ٩٤ ـ ٣٠٩ ، الإستبصار ٢ : ١٧٦ ـ ٥٨٣ ، الوسائل ١٢ : ٣٨٨ أبواب الإحرام ب ٤٣ ح ١ ، بتفاوت يسير.

(٤) الكافي ٤ : ٣٩٩ ـ ٢ ، التهذيب ٥ : ٩٤ ـ ٣٠٨ ، الإستبصار ٢ : ١٧٦ ـ ٥٨٢ ، الوسائل ١٢ : ٣٩٠ أبواب الإحرام ب ٤٣ ح ٥.

(٥) الكافي ٤ : ٣٩٩ ـ ٢ ، التهذيب ٥ : ٩٤ ـ ٣٠٧ ، الإستبصار ٢ : ١٧٦ ـ ٥٨١ ، الوسائل ١٢ : ٣٨٩ أبواب الإحرام ب ٤٣ ح ٢.

(٦) الكافي ٤ : ٣٩٩ ـ ٤ ، التهذيب ٥ : ٩٤ ـ ٣١٠ ، الإستبصار ٢ : ١٧٦ ـ ٥٨٤ ، الوسائل ١٢ : ٣٨٩ أبواب الإحرام ب ٤٣ ح ٤.

٣٢٢

يخصّ بيوتها القديمة.

وابن مسكان : عن تلبية المتعة متى يقطعها؟ قال : « إذا رأيت بيوت مكّة ، ويقطع التلبية للحجّ عند زوال الشمس يوم عرفة » (١).

وروايته : « المتمتّع عليه ثلاثة أطواف بالبيت ، وطوافان بين الصفا والمروة ، وقطع التلبية من متعته إذا نظر إلى بيوت مكّة ، ويحرم بالحجّ يوم التروية ، ويقطع التلبية يوم عرفة حين تزول الشمس » (٢).

وأمّا موثّقة زرارة : أين يمسك المتمتّع عن التلبية؟ قال : « إذا دخل البيوت ، بيوت مكّة لا بيوت الأبطح » (٣).

ورواية الشحّام : عن تلبية المتعة متى يقطع؟ قال : « حين يدخل الحرم » (٤).

مطروحتان بالشذوذ ، أو الأولى محمولة على الإشراف والثانية على الجواز.

والظاهر من الأخبار المذكورة أنّ حدّ القطع : النظر إلى ما كان من بيوت مكّة عرفا ، ولو اختلفت زيادة ونقصانا باختلاف الدهور والأعصار ، وتحديد بيوتها السابقة في الموثّقة بعقبة المدنيّين لا يدلّ على تحديد القطع أيضا بالبيوت السابقة ، إذ غايتها بيان البيوت القديمة. وكذا قوله‌

__________________

(١) التهذيب ٥ : ١٨٢ ـ ٦٠٩ ، الوسائل ١٢ : ٣٩٠ أبواب الإحرام ب ٤٣ ح ٦ وفيه صدر الحديث.

(٢) الكافي ٤ : ٢٩٥ ـ ٢ ، التهذيب ٥ : ٣٥ ـ ١٠٥ ، الوسائل ١١ : ٢٢١ أبواب أقسام الحج ب ٢ ح ١١.

(٣) التهذيب ٥ : ٤٦٨ ـ ١٦٣٨ ، الوسائل ١٢ : ٣٩٠ أبواب الإحرام ب ٤٣ ح ٧.

(٤) التهذيب ٥ : ٩٥ ـ ٣١٢ ، الإستبصار ٢ : ١٧٧ ـ ٥٨٥ ، الوسائل ١٢ : ٣٩١ أبواب الإحرام ب ٤٣ ح ٩.

٣٢٣

في الصحيحة : « عقبة ذي طوى » ، لجواز أن يكون ذكرها بعد الأعراش لانتهاء البيوت في ذلك الزمان في تلك العقبة.

وعلى هذا ، فلا حاجة إلى بيان حدود بيوت مكّة كما ارتكبه جمع من الفقهاء ، إلاّ أن يثبت الإجماع على وجوب التحديد بالقديم ، وحينئذ فيشكل الأمر ويحتاط بالقطع فيما يقطع أنّه لم يكن من مكّة سابقا ، ولكنّه غير ثابت.

وللحاجّ مطلقا متمتّعا كان أو قارنا أو مفردا إلى زوال الشمس من يوم عرفة ، بلا خلاف يوجد ، للمستفيضة من النصوص :

منها : موثّقة ابن عمّار (١) ، وصحيحة ابن مسكان ، وروايته ، المتقدّمة (٢) ، وموثّقة أخرى لابن عمّار : « إذا زالت الشمس يوم عرفة فاقطع التلبية عند زوال الشمس » (٣).

وصحيحة ابن يزيد : « إذا زاغت الشمس يوم عرفة فاقطع التلبية » (٤) ، إلى غير ذلك.

وللمعتمر مفردا إلى أن يدخل الحرم مطلقا عند الشيخ في الجمل والإقتصاد (٥) ، بل المصباح ، ومختصره على ما قيل (٦).

لموثّقة ابن عمّار المتقدّمة (٧).

__________________

(١) المتقدّمة في ص : ٣٢٢.

(٢) في ص : ٣٢٣.

(٣) التهذيب ٥ : ١٨١ ـ ٦٠٨ ، الوسائل ١٢ : ٣٩٢ أبواب الإحرام ب ٤٤ ح ٥.

(٤) التهذيب ٥ : ١٨٢ ـ ٦١٠ ، الوسائل ١٣ : ٥٣٠ أبواب إحرام الحج والوقوف بعرفة ب ٩ ح ٤.

(٥) الجمل والعقود ( الرسائل العشر ) : ٢٢٧ ، الإقتصاد : ٣٠١.

(٦) مصباح المتهجد : ٦٢٠ ، حكاه عن مختصر المصباح في كشف اللثام ١ : ٣١٧.

(٧) الكافي ٤ : ٣٩٩ ـ ١ ، التهذيب ٥ : ٩٤ ـ ٣٠٩ ، الإستبصار ٢ : ١٧٦ ـ ٥٨٣ ، الوسائل ١٢ : ٣٨٨ أبواب الإحرام ب ٤٣ ح ١.

٣٢٤

وصحيحة عمر بن يزيد : « من دخل مكّة معتمرا فليقطع التلبية حين تضع الإبل أخفافها في الحرم » (١).

وبمضمونهما رواية مرازم (٢) وزرارة (٣) ، ومرسلة الفقيه (٤).

وإلى أن يشاهد الكعبة كذلك عند الحلبي على ما حكي عنه (٥) ، لصحيحة أخرى لعمر بن يزيد : « ومن خرج من مكّة يريد العمرة ثم دخل معتمرا لم يقطع التلبية حتى ينظر إلى الكعبة » (٦).

وإلى الأول لمن أحرم من أحد المواقيت أو دويرة أهله ، أي كان خارجا من الحرم.

وإلى الثاني لمن خرج من مكّة للعمرة فاعتمر ورجع على المشهور عند الطائفة ، كما صرّح به بعض الأجلّة (٧) ، للجمع بين الصنفين المتقدّمين.

وإلى أيّهما شاء مخيّرا مطلقا عند الصدوق والشرائع والنافع والتنقيح (٨) ، للجمع أيضا.

والأول أحسن ، بل أقرب ، لأنّه مقتضى القاعدة المطردة من تخصيص‌

__________________

(١) التهذيب ٥ : ٩٥ ـ ٣١٣ ، الإستبصار ٢ : ١٧٧ ـ ٥٨٦ ، الوسائل ١٢ : ٣٩٤ أبواب الإحرام ب ٤٥ ح ٢ ، وفيها : مفردا للعمرة ، بدل : معتمرا.

(٢) الكافي ٤ : ٥٣٧ ـ ١ ، الفقيه ٢ : ٢٧٧ ـ ١٣٥٥ ، الوسائل ١٢ : ٣٩٤ أبواب الإحرام ب ٤٥ ح ٦.

(٣) الكافي ٤ : ٥٣٧ ـ ٢ ، الوسائل ١٢ : ٣٩٤ أبواب الإحرام ب ٤٥ ح ٥.

(٤) الفقيه ٢ : ٢٧٧ ـ ١٣٥٢ ، الوسائل ١٢ : ٣٩٥ أبواب الإحرام ب ٤٥ ح ١٠.

(٥) الكافي في الفقه : ١٩٣.

(٦) الفقيه ٢ : ٢٧٦ ـ ١٣٥٠ ، التهذيب ٥ : ٩٥ ـ ٣١٥ ، الإستبصار ٢ : ١٧٧ ـ ٥٨٨ ، الوسائل ١٢ : ٣٩٥ أبواب الإحرام ب ٤٥ ح ٨.

(٧) انظر كشف اللثام ١ : ٣١٧.

(٨) حكاه عن الصدوق في المختلف : ٢٦٦ ، الشرائع ١ : ٢٤٨ ، النافع : ٨٣ ، التنقيح ١ : ٤٦٣.

٣٢٥

العامّ المطلق بالخاصّ.

وهاهنا أخبار أخر أيضا دالّة على القطع بالنظر إلى المسجد الحرام ، كصحيحة ابن عمّار (١) ومرسلة الفقيه (٢) ، أو عند بيوت ذي طوى ، كرواية أبي خالد (٣) ، أو إذا رأى بيوت ذي طوى ، كموثّقة يونس بن يعقوب (٤) ، أو حيال عقبة المدنيّين ، كرواية الفضيل (٥) ، ولكن لم يظهر بها عامل ، فرفع اليد عنها للشذوذ لازم.

ثم القطع في الموارد المذكورة على الوجوب ، وفاقا في الأول لظاهر الأكثر ، بل عن الخلاف الإجماع عليه (٦) ، وفي الثاني لوالد الصدوق والشيخ والوسيلة والمفاتيح (٧) وشرحه ، واستحسنه في المدارك (٨) ، بل محتمل الأكثر كما قيل (٩) ، وفي الثالث لظاهر الأكثر وصريح بعضهم (١٠) ، كلّ ذلك لظاهر الأوامر الخالية عن المعارض.

__________________

(١) الكافي ٤ : ٥٣٧ ـ ٣ ، الوسائل ١٢ : ٣٩٤ أبواب الإحرام ب ٤٥ ح ٤.

(٢) الفقيه ٢ : ٢٧٧ ـ ١٣٥١ ، الوسائل ١٢ : ٣٩٥ أبواب الإحرام ب ٤٥ ح ٩.

(٣) التهذيب ٥ : ٩٤ ـ ٣١١ ، الوسائل ١٢ : ٣٩١ أبواب الإحرام ب ٤٣ ح ٨.

(٤) الفقيه ٢ : ٢٧٧ ـ ١٣٥٤ ، التهذيب ٥ : ٩٥ ـ ٣١٤ ، الإستبصار ٢ : ١٧٧ ـ ٥٨٧ ، الوسائل ١٢ : ٣٩٤ أبواب الإحرام ب ٤٥ ح ٣.

(٥) الفقيه ٢ : ٢٧٧ ـ ١٣٥٣ ، التهذيب ٥ : ٩٦ ـ ٣١٦ ، الإستبصار ٢ : ١٧٧ ـ ٥٨٩ ، الوسائل ١٢ : ٣٩٥ أبواب الإحرام ب ٤٥ ح ١١.

(٦) الخلاف ٢ : ٢٩٣.

(٧) حكاه عن والد الصدوق في المختلف : ٢٦٦ ، الشيخ في المبسوط ١ : ٣١٧ ، الوسيلة : ١٦١ ، المفاتيح ١ : ٣١٦.

(٨) المدارك ٧ : ٢٩٥.

(٩) في كشف اللثام ١ : ٣١٦.

(١٠) كالمفيد في المقنعة : ٦٣.

٣٢٦

البحث الثالث

في بعض الأحكام المتعلّقة بالإحرام‌

وفيه ثلاث مسائل :

المسألة الأولى : لا إحرام مع إحرام عمدا ، أي لا ينعقد إحرام عمدا ما لم يتحلّل عن الإحرام الأول ، لأصالة عدم المشروعيّة ، واختصاص إطلاقات كلّ إحرام بغير المحرم ، فإنّها كلّها واردة في إحرام المحلّ ، ولم يشرّع إحرام مع آخر ، فهو كالإحرام لصلاة قبل الخروج عن الأخرى ، ومع ذلك هو موضع وفاق كما حكي عن ظاهر المنتهى (١) ، وفي الذخيرة : أنّه لا أعرف فيه خلافا بين الأصحاب (٢).

ومقتضى ذلك : أنّه لو أحرم أحد قبل التحلّل عن الآخر بطل الثاني ويمضي على الأول مطلقا عمدا كان ذلك أو نسيانا ، فهو الأصل في المسألة.

وعلى هذا ، فلو أحرم المتمتّع بالحجّ قبل تمام العمرة يلزمه أن يكون إحرامه بالحجّ باطلا ويمضي على عمرته ، فإذا تمّت يحرم للحجّ ثانيا إن كان وقته باقيا ، وتصير عمرته حجّة مفردة إن لم يكن باقيا وكان إحرامه للحجّ عمدا ، إذ مع النسيان له إنشاء إحرامه متى يذكر ، كما مرّ في آخر بحث المواقيت ، فإنّ ذلك بعينه هو من ترك الإحرام نسيانا.

ولكنهم قالوا في متمتّع أحرم بالحجّ قبل التقصير للعمرة بصحّة عمرته‌

__________________

(١) المنتهى ٢ : ٦٨٥.

(٢) الذخيرة : ٥٨٢.

٣٢٧

وصحّة إحرامه للحجّ إن كان ذلك نسيانا منه (١) ، وادّعي عدم الخلاف فيه في التنقيح والذخيرة والكفاية (٢) ، بل عن المختلف دعوى الإجماع عليه (٣) ، وهو كذلك أيضا ، لصحاح ابن سنان وابن عمّار والبجلي :

الأولى : في رجل متمتّع نسي أن يقصّر حتى أحرم بالحجّ ، قال : « يستغفر الله ولا شي‌ء عليه » (٤).

والثانية : عن رجل أهلّ بالعمرة ونسي أن يقصّر حتى دخل في الحجّ ، قال : « يستغفر الله ولا شي‌ء عليه وتمت عمرته » (٥).

والثالثة : عن رجل تمتّع بالعمرة إلى الحجّ فدخل مكّة فطاف وسعى ولبس ثيابه وأحلّ ونسي أن يقصّر حتى خرج إلى عرفات ، قال : « لا بأس به ، يبني على العمرة وطوافها ، وطواف الحجّ على أثره » (٦).

ولكن مخالفة هذا الحكم للأصل السابق إنّما هو إذا قلنا بكون التقصير أيضا جزءا من أفعال العمرة ومنسكا من نسكه ، كما هو الظاهر من جماعة (٧) ، بل في المنتهى الإجماع عليه (٨).

__________________

(١) انظر الشرائع ١ : ٢٤٦ ، والحدائق ١٥ : ١١٧ ، والرياض ١ : ٣٧١.

(٢) التنقيح ١ : ٤٦٣ ، الذخيرة : ٥٨٢ ، الكفاية : ٥٩.

(٣) المختلف : ٢٦٧.

(٤) الكافي ٤ : ٤٤٠ ـ ١ ، الفقيه ٢ : ٢٣٧ ـ ١١٢٩ ، التهذيب ٥ : ٩٠ ـ ٢٩٧ ، الإستبصار ٢ : ١٧٥ ـ ٥٧٧ ، الوسائل ١٢ : ٤١٠ أبواب الإحرام ب ٥٤ ح ١ ، بتفاوت يسير.

(٥) الكافي ٤ : ٤٤٠ ـ ٢ ، التهذيب ٥ : ١٥٩ ـ ٥٢٨ ، الإستبصار ٢ : ١٧٥ ـ ٥٧٩ ، الوسائل ١٢ : ٤١١ أبواب الإحرام ب ٥٤ ح ٣.

(٦) الكافي ٤ : ٤٤٠ ـ ٣ ، التهذيب ٥ : ٩٠ ـ ٢٩٨ ، الإستبصار ٢ : ١٧٥ ـ ٥٧٨ ، الوسائل ١٢ : ٤١١ أبواب الإحرام ب ٥٤ ح ٢.

(٧) كصاحب المدارك ٧ : ٢٨٣ و ٨ : ٨٨ ، السبزواري في الذخيرة : ٦٤٨ ، الفاضل الهندي في كشف اللثام ١ : ٣٥٠.

(٨) المنتهى ٢ : ٧٠٩.

٣٢٨

وأمّا لو لم نقل بكونه جزءا منها ، بل نجعله محلّلا ـ كما نقله في المدارك والذخيرة عن بعضهم (١) ، وتشعر به صحيحة الحلبي : لمّا قضيت نسكي للعمرة أتيت أهلي ولم أقصّر ، قال : « عليك بدنة » الحديث (٢) ، بل تشعر به المستفيضة الواردة في بيان أصناف الحجّ ، المتضمّنة لمثل قوله : « على المتمتّع بالعمرة إلى الحجّ ثلاثة أطواف وسعيان » إلى أن قال : « ثم يقصّر » (٣) ـ فلا يكون مخالفا للأصل أصلا.

بل يمكن القول بعدم المخالفة مع الجزئيّة أيضا ، إذ لم يصرّح في الأخبار ولم ينصّ أحد من الأصحاب بصحّة هذا الإحرام للحجّ ، غاية الأمر عدم التعرّض للإحرام له ثانيا ، ويمكن أن يكون ذلك لكفاية نيّته المستدامة حكما ، كما تستأنس له مرسلة جميل : رجل نسي أن يحرم أو جهل وقد شهد المناسك كلّها وطاف وسعى ، قال : « تجزئه نيّته إذا كان قد نوى ذلك ، فقد تمّ حجّه وإن لم يهلّ » (٤).

نعم ، يجب على ذلك الشخص ـ لأجل تقديم الإحرام على التقصير ـ دم يهريقه ، وفاقا للشيخ في كتبه (٥) (٦) ، والقاضي وابني زهرة وحمزة (٧) ،

__________________

(١) المدارك ٧ : ٢٨٢ ، الذخيرة : ٥٨٢.

(٢) الكافي ٤ : ٤٤١ ـ ٦ ، الفقيه ٢ : ٢٣٨ ـ ١١٣٨ وفيه : عن حمّاد بن عثمان ، التهذيب ٥ : ١٦٢ ـ ٥٤٣ ، الإستبصار ٢ : ٢٤٤ ـ ٨٥٢ ، المقنع : ٨٣ ، الوسائل ١٣ : ١١٧ أبواب كفارات الاستمتاع ب ٥ ح ٢ بتفاوت يسير.

(٣) كما في الوسائل ١١ : ٢١٢ ، ٢٢٠ أبواب أقسام الحج ب ٢ ح ١ و ٢ و ٨.

(٤) الكافي ٤ : ٣٢٥ ـ ٨ ، التهذيب ٥ : ٦١ ـ ١٩٢ ، الوسائل ١١ : ٣٣٨ أبواب المواقيت ب ٢٠ ح ١.

(٥) الإستبصار ٢ : ٢٤٢ ، النهاية : ٢٦٣ ، التهذيب ٥ : ١٥٨.

(٦) في « ح » زيادة : وعلي بن بابويه. نقله عنه في المختلف : ٤٦٧.

(٧) القاضي في المهذّب ١ : ٢٢٥ ، ابن زهرة في الغنية ( الجوامع الفقهية ) : ٥٧٩ ، ابن حمزة في الوسيلة : ١٦٨.

٣٢٩

وبعض آخر (١) ، لموثّقة إسحاق الصحيحة عمّن أجمعت العصابة على تصحيح ما يصحّ عنه : الرجل يتمتّع فنسي أن يقصّر حتى يهلّ بالحجّ ، قال : « عليه دم يهريقه » (٢).

ولا ينافيها ما تقدّم ، لكونه عامّا مطلقا فيجب تخصيصه ، وهو أولى من الجمع بينهما بحمل الموثّقة على الاستحباب (٣) ، لتقدّم هذا التخصيص على التجوّز.

ولو كان تقديم الإحرام منه على التقصير عمدا فحكم الحلّي صريحا (٤) وجماعة (٥) بعده ميلا ببطلان الإحرام الثاني وبقائه على عمرته كما هو مقتضى الأصل ، للأصل وضعف سند المعارض إن قلنا بكون التقصير جزءا ، وإلاّ فيكون البقاء على العمرة موافقا للأصل ، وبطلان الإحرام مخالفا له خاليا عن الدليل.

ولكن خالف جماعة فيه الأصل ، وقالوا ببطلان عمرته وصيرورة حجّه بذلك مفردا ، فيكمله ثم يعتمر بعد عمرة مفردة ، ولعلّه الأشهر كما عن الدروس والمسالك (٦).

واستدلّوا له بموثّقة أبي بصير الصحيحة عمّن أجمعت العصابة عليه : « المتمتّع إذا طاف وسعى ثم لبّى قبل أن يقصّر فليس له أن يقصّر وليس‌

__________________

(١) كالعلاّمة في الإرشاد ١ : ٣٢٨ ، وصاحب الرياض ١ : ٣٧١.

(٢) الفقيه ٢ : ٢٣٧ ـ ١١٢٨ ، التهذيب ٥ : ١٥٨ ـ ٥٢٧ ، الإستبصار ٢ : ٢٤٢ ـ ٨٤٤ ، الوسائل ١٣ : ٥١٣ أبواب التقصير ب ٦ ح ٢.

(٣) السرائر ١ : ٥٨١.

(٤) كالمحقّق في المختصر النافع : ٨٣ ، والشهيد في الدروس ١ : ٣٣٣.

(٥) الدروس ١ : ٣٣٣ ، المسالك ١ : ١٠٧.

(٦) في « ح » زيادة : كما عن الفقيه والديلمي والحلّي والقواعد.

٣٣٠

له متعة » (١).

ورواية العلاء : عن رجل متمتّع طاف ثم أهلّ بالحجّ قبل أن يقصّر ، قال : « بطلت متعته ، وهي حجّة مبتولة » (٢).

وحملهما على متمتّع عدل إليه عن الإفراد ثم لبّى بعد السعي قبل التقصير ـ كما عن الشهيد (٣) ، ووردت به رواية (٤) ـ خلاف الظاهر جدّا ، مخالف للإطلاق الخالي عن المقيّد ، وورود رواية بذلك في العادل لا توجب تقييد ذلك الإطلاق ، لعدم التلازم والداعي ، بل قد يقال بكون صدق المتمتّع على ذلك العادل مجازا.

وفيه نظر ظاهر ، لحصول مبدأ الاشتقاق فيه حالا وماضيا بعد العدول.

ولا يضرّ إطلاق الموثّقة والرواية بالنسبة إلى العمد والنسيان ، لخروج الثاني عنهما بالصحاح المتقدّمة (٥) ، التي هي أخصّ مطلقا.

ولا ضعف سند الأخيرة ـ إن كان ـ لاعتبار الأولى سندا ، ومع ذلك انجبرتا بالشهرة المحكيّة ، فالحكم بمضمونهما متعيّن وإن كان للأصل المتقدّم مخالف ، ولكنّ الخروج عنه مع الدليل لازم.

والجاهل كالعامد ، للإطلاق الخالي عن المقيّد في غير الناسي.

وهل يجزئ ذلك عن فرضه لو كان الحجّ عليه واجبا ، أم لا؟

__________________

(١) التهذيب ٥ : ١٥٩ ـ ٥٢٩ ، الإستبصار ٢ : ٢٤٣ ـ ٨٤٦ ، الوسائل ١٢ : ٤١٢ أبواب الإحرام ب ٥٤ ح ٥ بتفاوت يسير.

(٢) التهذيب ٥ : ٩٠ ـ ٢٩٦ ، الإستبصار ٢ : ١٧٥ ـ ٥٨٠ ، الوسائل ١٢ : ٤١٢ أبواب الإحرام ب ٥٤ ح ٤.

(٣) الدروس ١ : ٣٣٣.

(٤) الفقيه ٢ : ٢٠٤ ـ ٩٣١ ، التهذيب ٥ : ٩٠ ـ ٢٩٥ ، الوسائل ١١ : ٢٩٠ أبواب أقسام الحج ب ١٩ ح ١.

(٥) في ص : ٣٢٨.

٣٣١

فيه وجهان ، أقربهما : الثاني ، وفاقا للروضة والمسالك (١) ، واحتمله في المدارك (٢) ، لعدم إتيانه بالمأمور به على وجهه عمدا.

وقيل بالأول (٣) ، لخلوّ النصوص عن الأمر بالإعادة مع ورودها في محلّ الحاجة.

وفيه : منع كونها في محلّ الحاجة ، مع أنّ الأمر بفرضه كاف عن الأمر الآخر.

المسألة الثانية : إحرام الصبيّ وحجّه كغيره ، إلاّ في أمور ثلاثة :

أحدها : في ميقاته في غير حجّ التمتّع ، وأمّا فيه فكغيره من مكّة.

وثانيها : في المباشرة.

وثالثها : في الكفّارة والهدي.

أمّا الأول : فقيل : هو فخّ ، وهو بئر معروف على نحو فرسخ من مكّة ، كما ذكره جماعة (٤) ، وعن القاموس : أنّه موضع بمكّة (٥) ، وعن النهاية الأثيرية : أنّه موضع عندها (٦) ، ويمكن إرجاع الجميع إلى واحد.

وبكونه ميقاتا له أفتى في المعتبر والمنتهى والتحرير والدروس والمسالك (٧) ، وجعل الأخير الإحرام عن الميقات أولى ، وتبعه في الجواز‌

__________________

(١) الروضة ٢ : ٢٢١ ، المسالك ١ : ١٠٧.

(٢) المدارك ٧ : ٢٨٣.

(٣) الرياض ١ : ٣٧٢.

(٤) منهم الشهيد الثاني في المسالك ١ : ١٠٤ ، صاحب المدارك ٧ : ٢٢٧ ، الفاضل الهندي في كشف اللثام ١ : ٣٠٦.

(٥) القاموس ١ : ٢٧٥.

(٦) النهاية الأثيرية ٣ : ٤١٨.

(٧) المعتبر ٢ : ٨٠٤ ، المنتهى ٢ : ٦٦٧ ، التحرير ١ : ٩٤ ، الدروس ١ : ٣٤٢ ، المسالك ١ : ١٠٤.

٣٣٢

جماعة من المتأخّرين (١) ، ونسبه بعضهم إلى الأكثر (٢) ، بل يشير كلام المفاتيح بعدم الخلاف فيه (٣).

واستدلّ له على جواز التأخير إليه بصحيحة عليّ : من أين يجرّد الصبيان؟ فقال : « كان أبي يجرّدهم من فخّ » (٤) ، ونحوها صحيحة أيّوب بن الحرّ (٥).

وعلى جوازه من الميقات بصحيحة ابن عمّار (٦) المتقدّمة في أول الكتاب عند بيان اشتراط البلوغ.

ويرد عليه قصور الدلالة على الإحرام ، فإنّه غير التجريد.

وقيل : هو الميقات وإن جاز تأخير نزع المخيط والثياب عنه إلى فخّ ، وهو المنقول عن الحلّي والمحقّق الثاني (٧) ، وجعله في التنقيح مراد المصنّف (٨).

وتردّد بينهما بعض الأجلّة (٩) ، لعموم نصوص المواقيت ، وعدم جواز التجاوز عن الميقات إلاّ محرما ، وعدم دلالة الصحيحتين المذكورتين‌

__________________

(١) كصاحب المدارك ٧ : ٢٢٧.

(٢) كما في الحدائق ١٤ : ٤٥٧.

(٣) المفاتيح ١ : ٣١٠.

(٤) الكافي ٤ : ٣٠٣ ـ ٢ ، الفقيه ٢ : ٢٦٥ ـ ١٢٩٢ ، التهذيب ٥ : ٤٠٩ ـ ١٤٢٢ ، الوسائل ١١ : ٢٨٨ أبواب أقسام الحج ب ١٧ ح ٦.

(٥) التهذيب ٥ : ٤٠٩ ـ ١٤٢١ ، الوسائل ١١ : ٢٨٨ أبواب أقسام الحج ب ١٧ ح ٦.

(٦) الكافي ٤ : ٣٠٤ ـ ٤ ، الفقيه ٢ : ٢٦٦ ـ ١٢٩٤ ، التهذيب ٥ : ٤٠٩ ـ ١٤٢٣ ، الوسائل ١١ ـ ٢٨٧ أبواب أقسام الحج ب ١٧ ح ٣.

(٧) الحلي في السرائر ١ : ٥٣٧ ، المحقق الثاني في جامع المقاصد ٣ : ١٦٠.

(٨) التنقيح ١ : ٤٤٨.

(٩) انظر كشف اللثام ١ : ٣٠٦.

٣٣٣

على جواز تأخير الإحرام.

وردّ بمنع العموم بحيث يتناول غير المكلّف أيضا ، وظهور التجريد في الإحرام.

وفيه : أنّه إن أريد بالعموم الممنوع عموم عدم جواز التجاوز عن الميقات فلا بأس بمنعه ، ولكن لا حاجة إليه ، بل عدم توقيف غير الميقات كاف في عدم صحّة إحرام الصبي عن غيره ، لكونه حكما وضعيّا.

وإن أريد عموم توقيت المواقيت فهو فاسد قطعا ، لاشتمال نصوصها على أهل فلان وفلان ، الصادق على البالغ وغيره ، وعدم كونه تكليفا مخصوصا بالبالغين.

ومنه تظهر قوّة القول الثاني وأنّ الفخّ محلّ التجريد ، مع أنّه أحوط أيضا ، بناء على ما عرفت من عدم ظهور خلاف في جواز إحرامه عن الميقات ، بل أولويّته.

وأمّا الثاني : فإنّه إن كان غير مميّز يفعل به الولي ما يلزم المحرم من حضور المواقف والمطاف والمسعى ويلبّي عنه ويجتنبه ما يجتنبه المحرم ، وإن كان مميّزا يأمره الولي بالإتيان بهذه الأمور ، فإن عجز عن شي‌ء منه يتولاّه الولي عنه ، بلا خلاف يوجد في شي‌ء من ذلك ، لصحاح ابن عمّار وزرارة (١) والبجلي (٢) ، المتقدّمة كلاّ في أول الكتاب.

وأمّا الثالث : فإنّه على الولي في ماله إن فعل ما يوجب الكفّارة عمدا‌

__________________

(١) الكافي ٤ : ٣٠٣ ـ ١ ، الفقيه ٢ : ٢٦٥ ـ ١٢٩١ ، التهذيب ٥ : ٤٠٩ ـ ١٤٢٤ ، الوسائل ١١ : ٢٨٨ أبواب أقسام الحج ب ١٧ ح ٥.

(٢) الكافي ٤ : ٣٠٠ ـ ٥ ، التهذيب ٥ : ٤١٠ ـ ١٤٢٥ ، الوسائل ١١ : ٢٨٦ أبواب أقسام الحج ب ١٧ ح ١.

٣٣٤

وسهوا كالصيد ، لصحيحة زرارة المتقدّمة بضميمة الإجماع المركّب ، لا ما يوجبها عمدا خاصّة ، فإنّه لا كفّارة فيه ، للأصل ، والاقتصار فيما يخالفه على موضع الوفاق والنصّ.

وكذا يلزم الولي أمره بالصيام بدلا عن الهدي ، أو هدي الولي في ماله في حجّ التمتّع والصيام عنه مع عجزه عن الهدي وعجز الصبي عن الصوم.

وتدلّ على الأول والثاني صحيحة زرارة المتقدّمة ، وموثّقة إسحاق ، وفيها : « واذبحوا عنهم كما تذبحون عن أنفسكم » (١).

ورواية سماعة : عن رجل أمر غلمانه أن يتمتّعوا ، قال : « عليه أن يضحّي عنهم » إلى أن قال : « ولو أنّه أمرهم فصاموا كان قد أجزأ عنهم » (٢).

وعلى الثالث صحيحة ابن عمّار المتقدّمة ، وصحيحة البصري : « يصوم عن الصبي وليّه إذا لم يجد هديا وكان متمتّعا » (٣).

ورواية عبد الرحمن بن أعين : تمتّعا فأحرمنا ومعنا صبيان فأحرموا ولبّوا كما لبّينا ، ولم نقدر على الغنم ، قال : « فليصم عن كلّ صبيّ وليّه » (٤).

المسألة الثالثة : إحرام المرأة والرجل على السواء إجماعا ، ولقوله في صحيحة ابن عمّار الواردة في إحرام الحائض : « وتصنع كما يصنع المحرم » (٥).

ويستثنى من المساواة أمور ذكرت في مواضعها : من تغطية الرأس ،

__________________

(١) الكافي ٤ : ٣٠٤ ـ ٦ ، الوسائل ١١ : ٢٨٧ أبواب أقسام الحج ب ١٧ ح ٢.

(٢) الكافي ٤ : ٣٠٥ ـ ٩ ، الفقيه ٢ : ٢٦٦ ـ ١٢٩٥ ، الوسائل ١٤ : ٨٦ أبواب الذبح ب ٢ ح ٨.

(٣) التهذيب ٥ : ٤١٠ ـ ١٤٢٦ ، الوسائل ١٤ : ٨٧ أبواب الذبح ب ٣ ح ٢.

(٤) التهذيب ٥ : ٢٣٧ ـ ٨٠١ ، الوسائل ١٤ : ٨٧ أبواب الذبح ب ٣ ح ٤.

(٥) التهذيب ٥ : ٣٨٨ ـ ١٣٥٨ ، الوسائل ١٢ : ٤٠٠ أبواب الإحرام ب ٤٨ ح ٤.

٣٣٥

ولبس المخيط ، والتظليل ، وغيرها ، ولبس الحرير كما مرّ ، وفي استحباب رفع الصوت بالتلبية.

والحيض لا يمنعها من الإحرام بلا خلاف ، للإجماع ، والأصل ، وعدم دليل يدلّ على اشتراط الطهارة في الإحرام ، والصحاح وغيرها المستفيضة المصرّحة بذلك ، كصحيحتي ابن عمّار (١) ، وصحيحتي عيص بن القاسم (٢) ، والصحاح الثلاث : للبجلي (٣) والحلبي (٤) ومنصور بن حازم (٥) ، وموثّقة يونس بن يعقوب (٦) ، ورواية زيد الشحّام (٧) ، وغير ذلك (٨).

والمصرّح به في أكثر تلك الأخبار أنّها تغتسل غسل الإحرام ، ومعه‌

__________________

(١) الأولى في : الكافي ٤ : ٣٠٤ ـ ٤ ، الفقيه ٢ : ٢٦٦ ـ ١٢٩٤ ، التهذيب ٥ : ٤٠٩ ـ ١٤٢٣ ، الوسائل ١١ : ٢٨٧ أبواب أقسام الحج ب ١٧ ح ٣.

الثانية في : الفقيه ٢ : ٢٣٩ ـ ١١٤٢ ، الوسائل ١٢ : ٤٠١ أبواب الإحرام ب ٤٩ ح ١.

(٢) الأولى في : التهذيب ٥ : ٣٨٩ ـ ١٣٦٠ ، الوسائل ١٢ : ٤٠١ أبواب الإحرام ب ٤٨ ح ٥.

الثانية في : الكافي ٤ : ٤٤٤ ـ ٢ ، التهذيب ٥ : ٣٨٩ ـ ١٣٦١ ، الوسائل ١٢ : ٤٠٢ أبواب الإحرام ب ٤٩ ح ٢.

(٣) الكافي ٤ : ٣٠٠ ـ ٥ ، الوسائل ١١ : ٣٠٠ أبواب أقسام الحج ب ٢١ ح ١٥.

(٤) التهذيب ٥ : ٣٩٠ ـ ١٣٦٤ ، الوسائل ١١ : ٢٩٧ أبواب أقسام الحج ب ٢١ ح ٣.

(٥) الكافي ٤ : ٤٤٥ ـ ٣ ، التهذيب ٥ : ٣٨٨ ـ ١٣٥٦ ، الوسائل ١٢ : ٣٩٩ أبواب الإحرام ب ٤٨ ح ١.

(٦) الكافي ٤ : ٤٤٤ ـ ١ ، التهذيب ٥ : ٣٨٨ ـ ١٣٥٥ ، الوسائل ١٢ : ٣٩٩ أبواب الإحرام ب ٤٨ ح ٢.

(٧) الكافي ٤ : ٤٤٥ ـ ٤ ، التهذيب ٥ : ٣٨٨ ـ ١٣٥٧ ، الوسائل ١٢ : ٤٠٠ أبواب الإحرام ب ٤٨ ح ٣.

(٨) انظر الوسائل ١٢ : ٣٩٩ ، ٤٠١ أبواب الإحرام ب ٤٨ و ٤٩.

٣٣٦

لا وجه لما حكي عن الشهيد الثاني في مناسك الحجّ أنّها تترك الغسل (١) ، ولكنّها تترك الصلاة ، لحرمتها عليها ، وتصريح كثير من تلك الأخبار.

ووردت فيها أيضا : أنّها تستقر (٢) وتحتشي بالكرسف وتتمنطق بمنطقة ، وفي بعضها : أنّها تلبس ثوبا دون ثيابها لإحرامها ، وفي بعضها : أنّها إذا كانت في الليل تخلع ثياب إحرامها ولبست ثيابها الأخرى حتى تطهر ، ولو جهلت بجواز الإحرام لها فتركته فحكمها حكم الجاهل بالإحرام ، وقد مرّ.

__________________

(١) حكاه عنه في المدارك ٧ : ٣٨٦.

(٢) تستثفر : تأخذ خرقة طويلة عريضة تشدّ أحد طرفيها من قدّام وتخرجها من بين فخذيها وتشدّ طرفها الآخر من وراء بعد أن تحتشي بشي‌ء من القطن ليمتنع به من سيلان الدم ـ مجمع البحرين ٣ : ٢٣٧.

٣٣٧

البحث الرابع

في تروك الإحرام‌

أي ما يحرم على المحرم ارتكابه أو يكره ، فهاهنا مقامان :

المقام الأول

في المحرّمات

وهي على ثلاثة أقسام ، لأنّه إمّا يشترك فيه الرجل والمرأة ، أو يختصّ بالرجل ، أو المرأة.

القسم الأول : ما يشترك فيه الرجل والمرأة ، وهي أحد عشر أمرا :

الأول : صيد البرّ ، بالإجماعين (١) والكتاب والسنّة.

أمّا الكتاب ، فقد قال الله تعالى ( وَحُرِّمَ عَلَيْكُمْ صَيْدُ الْبَرِّ ما دُمْتُمْ حُرُماً ) (٢).

وقال عزّ وجلّ ( لا تَقْتُلُوا الصَّيْدَ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ ) (٣).

وأمّا السنّة ، فمتكثّرة متواترة :

كصحيحة الحلبي : « لا تستحلّنّ شيئا من الصيد وأنت حرام ، ولا وأنت حلال في الحرم ، ولا تدلّنّ عليه محلاّ ولا محرما فيصطاده ، ولا تشر إليه فيستحلّ من أجلك ، فإنّ فيه فداء لمن تعمّده » (٤).

__________________

(١) انظر الحدائق ١٥ : ١٣٥.

(٢) المائدة : ٩٦.

(٣) المائدة : ٩٥.

(٤) الكافي ٤ : ٣٨١ ـ ١ ، الوسائل ١٢ : ٤١٥ أبواب تروك الإحرام ب ١ ح ١.

٣٣٨

وعمر بن يزيد : « واجتنب في إحرامك صيد البرّ كلّه ، ولا تأكل ممّا صاده غيرك ، ولا تشر إليه فيصيده » (١).

وابن عمّار : « إذا أحرمت فاتّق قتل الدواب كلّها إلاّ الأفعى والعقرب والفأرة » إلى أن قال : « والحيّة إذا أرادتك فاقتلها ، فإن لم تردك فلا تردها ، والكلب العقور والسبع إذا أراداك فاقتلهما ، فإن لم ير يداك فلا تردهما ، والأسود (٢) الغدر فاقتله على كلّ حال ، وارم الغراب رميا والحدأة (٣) على ظهر بعيرك » (٤) ، إلى غير ذلك ممّا يأتي في أثناء المسائل.

والمحرّم اصطياده قتلا وحيازة وذبحا ـ ولو صاده غيره ولو كان محلاّ وأكل كذلك ـ ودلالة بلفظ أو كتابة أو إشارة ، وتسبيبا ولو بإعارة سلاح أو نصب شرك أو إغلاق باب حتى يموت أو يصاد ، ونحوها ، بإجماع المسلمين في الأولين ، وإجماعنا المحقّق والمحكيّ (٥) في البواقي ، وهو الحجّة في الجميع ، مضافا إلى دلالة الأخبار في أكثرها ، كالصحيحتين الأوليين.

وصحيحة ابن حازم : « المحرم لا يدلّ على الصيد ، فإن دلّ عليه فقتل فعليه الفداء » (٦).

__________________

(١) التهذيب ٥ : ٣٠٠ ـ ١٠٢١ ، الوسائل ١٢ : ٤١٦ أبواب تروك الإحرام ب ١ ح ٥.

(٢) الأسود : العظيم من الحيّات وفيه سواد ـ الصحاح ٢ : ٤٩١.

(٣) الحدأة : طائر يصيد الجرذان ، ويقال إنّها كانت تصيد لسليمان بن داود وكانت أصيد الطير ، فانقطع عنه الصيد لدعوة سليمان ـ العين ٣ : ٢٧٨.

(٤) الكافي ٤ : ٣٦٣ ـ ٢ ، التهذيب ٥ : ٣٦٥ ـ ١٢٧٣ ، العلل : ٤٥٨ ـ ٢ ، الوسائل ١٢ : ٥٤٥ أبواب تروك الإحرام ب ٨١ ح ٢ و ٣ و ٤ ، بتفاوت يسير.

(٥) الرياض ١ : ٣٧٣.

(٦) الكافي ٤ : ٣٨١ ـ ٢ ، التهذيب ٥ : ٣١٥ ـ ١٠٨٦ ، الإستبصار ٢ : ١٨٧ ـ ٦٢٩ ، الوسائل ١٢ : ٤١٦ أبواب تروك الإحرام ب ١ ح ٣.

٣٣٩

وابن عمّار : « لا تأكل من الصيد وأنت حرام ، وإن كان أصابه محلّ ، وليس عليك فداء ما أتيته بجهالة إلاّ الصيد ، فإنّ عليك فيه الفداء بجهل كان أو بعمد » (١).

وموثّقة ابن عمّار : « لا تأكل شيئا من الصيد وإن صاده حلال » (٢).

وصحيحته : « اعلم أنّ ما وطأت من الدباء أو وطأته بعيرك فعليك فداؤه » (٣).

أقول : الدباء : أصغر الجراد والنمل (٤).

والأخرى : « ما وطأته أو وطأه بعيرك وأنت محرم فعليك فداؤه » (٥).

ورواية أبي ولاّد : خرجنا ستّة نفر من أصحابنا إلى مكّة ، فأوقدنا نارا في بعض المنازل عظيما ، أردنا أن نطرح عليه لحما نكبّبه ، وقد كنّا محرمين ، فمرّ بها طائر صاف ، قال : حمامة أو شبهها ، فاحترقت جناحاه ، فسقط في النار فمات ، فاغتممنا لذلك ، فدخلت على أبي عبد الله عليه‌السلام بمكّة ، فأخبرته وسألته ، قال : « عليكم فداء واحد ، دم شاة تشتركون فيه جميعا ، لأنّ ذلك كان منكم على غير تعمّد ، فلو كان ذلك منكم تعمّدا ليقع فيها الصيد فوقع ألزمت كلّ رجل منكم دم شاة » قال أبو ولاّد : وكان ذلك منّا قبل أن ندخل الحرم (٦).

__________________

(١) الكافي ٤ : ٣٨١ ـ ٣ ، التهذيب ٥ : ٣١٥ ـ ١٠٨٥ ، الوسائل ١٣ : ٦٨ أبواب كفارات الصيد ب ٣١ ح ١.

(٢) التهذيب ٥ : ٣٧٠ ـ ١٢٨٨ ، الوسائل ١٣ : ٧٠ أبواب كفارات الصيد ب ٣١ ح ٥.

(٣) الكافي ٤ : ٣٩٣ ـ ٥ ، الوسائل ١٣ : ١٠٠ أبواب كفارات الصيد ب ٥٣ ح ٢.

(٤) في « ق » : .. والقمل.

(٥) الكافي ٤ : ٣٨٢ ـ ١٠ ، الوسائل ١٣ : ١٠٠ أبواب كفارات الصيد ب ٥٣ ح ١.

(٦) الكافي ٤ : ٣٩٢ ـ ٥ ، التهذيب ٥ : ٣٥٢ ـ ١٢٢٦ ، الوسائل ١٣ : ٤٨ أبواب كفارات الصيد ب ١٩ ح ١.

٣٤٠