مستند الشّيعة - ج ١١

أحمد بن محمّد مهدي النّراقي

مستند الشّيعة - ج ١١

المؤلف:

أحمد بن محمّد مهدي النّراقي


المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ مشهد المقدسة
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
المطبعة: ستاره
الطبعة: ١
ISBN: 964-319-015-3
ISBN الدورة:
964-5503-75-2

الصفحات: ٤١٨

وابن عمّار : « لا تلبس ثوبا له أزرار وأنت محرم إلاّ أن تنكسه » (١).

ومحمّد : في المحرم يلبس الخفّ إذا لم يكن له نعل؟ قال : « نعم ، ولكن يشقّ ظهر القدم ، ويلبس المحرم القباء إذا لم يكن له رداء ، ويقلب ظهره لبطنه » (٢).

ورواية الحنّاط : « من اضطرّ إلى ثوب وهو محرم وليس معه إلاّ قباء فلينكسه فليجعل أعلاه أسفله وليلبسه » (٣) ، ونحوها صحيحة البزنطي المرويّة في مستطرفات السرائر (٤).

وعليّ بن أبي حمزة : « إذا اضطرّ المحرم إلى أن يلبس قباء من برد ولا يجد ثوبا غيره فليلبسه مقلوبا ، ولا يدخل يديه في يد القباء » (٥) ، وقريبة منها رواية أبي بصير (٦).

والمستفاد من هذه الروايات : أنّ الواجب في لبس القباء أن يكون مقلوبا كما في الأولى والأخيرتين ، ومنكوسا كما في البواقي غير صحيحة محمّد.

وظاهر الأول : جعل ظاهره باطنه ، كما صرّح به في صحيحة محمّد ، ويستأنس له النهي عن إدخال اليد في القباء ، إذ لو كان المراد به النكس لم‌

__________________

(١) الكافي ٤ : ٣٤٠ ـ ٩ ، الفقيه ٢ : ٢١٨ ـ ٩٩٨ ، الوسائل ١٢ : ٤٧٤ أبواب تروك الإحرام ب ٣٦ ح ١.

(٢) الفقيه ٢ : ٢١٨ ـ ٩٩٧ ، الوسائل ١٢ : ٤٨٧ ، ٥٠١ أبواب تروك الإحرام ب ٤٤ و ٥١ ح ٧ و ٥.

(٣) الكافي ٤ : ٣٤٧ ـ ٥ ، الوسائل ١٢ : ٤٨٦ أبواب تروك الإحرام ب ٤٤ ح ٣.

(٤) مستطرفات السرائر : ٣٣ ـ ٣٤ ، الوسائل ١٢ : ٤٨٧ أبواب تروك الإحرام ب ٤٤ ح ٨.

(٥) الفقيه ٢ : ٢١٦ ـ ٩٨٩ ، الوسائل ١٢ : ٤٨٧ أبواب تروك الإحرام ب ٤٤ ح ٦.

(٦) الكافي ٤ : ٣٤٦ ـ ١ ، الوسائل ١٢ : ٤٨٧ أبواب تروك الإحرام ب ٤٤ ح ٥.

٣٠١

يحتج إلى ذلك ، لعدم إمكانه حينئذ ، وإن جوّز المحقّق الثاني في شرح الشرائع إرادة جعل الأعلى منه أسفل ، بل فسّره به في السرائر (١) مبالغا فيه ، وتبعه جمع آخر (٢).

وظاهر الثاني : جعل الأعلى أسفل ، وإن جوّز في الوافي (٣) إرادة جعل الظاهر منه الباطن.

وموافق قاعدة الاستدلال الجمع بين الأمرين ، كما صرّح به جماعة (٤) وإن جعلوه أحوط أو أكمل ، ويحتمل كلام الشرائع (٥) إرادة وجوبهما ، لإطلاق أخبار كلّ منهما بالآخر ، فيجب التقييد به ، فالاكتفاء بالأوّل ـ كبعضهم (٦) ـ أو الثاني ـ كالآخر (٧) ـ أو التخيير بينهما ـ كثالث (٨) ـ ليس بجيّد.

ثم إنّه لا شكّ في جواز لبسه إذا فقد ثوبي الإحرام واضطرّ إلى اللبس أيضا لبرد ونحوه.

وهل يجوز اللبس مع تحقّق أحد الشرطين دون الآخر ، أم لا؟

الظاهر : نعم ، لتجويز اللبس مع واحد من الشرطين في بعض الروايات (٩) الموجب لتخصيص ما يمنعه به.

__________________

(١) السرائر ١ : ٥٤٣.

(٢) انظر القواعد ١ : ٨٠ ، والدروس ١ : ٣٤٤ ، وكشف اللثام ١ : ٣١٥.

(٣) الوافي ١٢ : ٥٦٨.

(٤) كما في المسالك ١ : ١٠٧ ، والمدارك ٧ : ٢٧٩ ، والذخيرة : ٥٨٢ ، والرياض ١ : ٣٦٩.

(٥) الشرائع ١ : ٢٤٦.

(٦) المبسوط ١ : ٣٢٠ ، النهاية : ٢١٨.

(٧) السرائر ١ : ٥٤٣ ، الشرائع ١ : ٢٤٦.

(٨) كما في المنتهى ٢ : ٦٨٣ ، المسالك ١ : ١٠٧ ، الحدائق ١٥ : ٩٤.

(٩) انظر الوسائل ١٢ : ٤٨٦ أبواب تروك الإحرام ب ٤٤.

٣٠٢

وهل الشرط الأول فقد الثوبين معا ، كما هو ظاهر كثير (١) ، بل نسب إلى مشهور القدماء؟

أو أحدهما ، كما عن الشهيد الثاني (٢)؟

أو الرداء خاصة ، كما عن الشهيدين (٣)؟

وفي المدارك : الظاهر الأخير (٤) ، لصحيحتي عمر بن يزيد ومحمّد (٥) ، وبهما يخصّص ما ظاهر إطلاقه أو عمومه غير ذلك.

وهل لبس القباء حينئذ على الرخصة ، أو الوجوب؟

ظاهر الأمر في بعض الأخبار المتقدّمة : الثاني.

وليعلم أنّه ليس للبسه حينئذ فداء ـ كما صرّح به جماعة (٦) ـ للأصل ، إلاّ إذا أدخل اليدين في الكمّين ، فهو كما إذا لبس مخيطا.

ويستفاد من صحيحة عمر بن يزيد جواز طرح القميص أيضا ، ولا بأس به ، بل كلّ ثوب آخر إذا كان إليه مضطرّا ـ ولو للإحرام ـ إذا كان ما يجوز لبسه له.

فائدة : يكره الإحرام في الثوب الوسخ ، لصحيحة محمّد : الرجل يحرم في الثوب الوسخ؟ فقال : « لا ، ولا أقول إنّه حرام ولكن أحبّ أن يطهّره ، وطهوره غسله ، ولا يغسل الرجل ثوبه الذي يحرم فيه حتى يحلّ‌

__________________

(١) كما في الشرائع ١ : ٢٤٦ ، والقواعد ١ : ٨٠ ، والمختلف ١ : ٢٦٨ ، والرياض ١ : ٢٦٩.

(٢) المسالك ١ : ١٠٧.

(٣) اللمعة ( الروضة ٢ ) : ٢٣٣.

(٤) المدارك ٧ : ٢٧٩.

(٥) المتقدّمتين في ص : ٣٠٠ و ٣٠١.

(٦) التحرير ١ : ٩٦ ، الروضة ٢ : ٢٣٣.

٣٠٣

وإن توسّخ ، إلاّ أن يصيبه جنابة أو شي‌ء فيغسله » (١).

وتثبت منها كراهة غسله قبل الإحلال أيضا وإن توسّخ في أثناء الإحرام ، إلاّ أن يكون ذلك بشي‌ء نجس فيطهّره.

وفي الثياب السود ، لرواية الحسين بن المختار (٢) ، القاصرة عن إفادة الحرمة ، للجملة الخبريّة ، فالقول بها ـ كما عن النهاية والخلاف والمبسوط والغنية والوسيلة (٣) ـ ضعيف.

ولا يكره المصبوغ ، للأصل ، ولرواية أبي بصير (٤).

ويستحبّ أن يكون قطنا بلا خلاف ظاهر ، له ، وللتأسّي بالنبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فإنّه أحرم به.

وأن يكون أبيض ، لفتوى الأصحاب (٥) ، وبظاهر الأخبار : يلبس الأبيض.

وكونه خير الثياب وأحسنها وأطهرها وأطيبها.

الثالث : التلبيات الأربع.

ووجوبها ـ بعد نيّة الإحرام للمعتمر والحاجّ ـ إجماعي ، محقّقا‌

__________________

(١) الكافي ٤ : ٣٤١ ـ ١٤ ، الفقيه ٢ : ٢١٥ ـ ٩٨٠ ، التهذيب ٥ : ٧١ ـ ٢٣٤ ، الوسائل ١٢ : ٤٧٦ أبواب تروك الإحرام ب ٣٨ ح ١.

(٢) الكافي ٤ : ٣٤١ ـ ١٣ ، الفقيه ٢ : ٢١٥ ـ ٩٨٣ ، التهذيب ٥ : ٦٦ ـ ٢١٤ ، الوسائل ١٢ : ٣٥٨ أبواب الإحرام ب ٢٦ ح ١.

(٣) النهاية : ٢١٧ ، الخلاف ٢ : ٢٩٨ ، المبسوط ١ : ٣١٩ ، قال في الغنية ( الجوامع الفقهية ) ص ٥٥٥ : وتكره الصلاة في الثوب المصبوغ وأشدّ كراهة الأسود. وفي ص ٥٧٤ : ولا يجوز أن يكونا ممّا لا يجوز الصلاة فيه ويكره أن يكونا ممّا تكره الصلاة فيه. الوسيلة : ١٦٣.

(٤) الفقيه ٢ : ٢١٥ ـ ٩٨٢ ، التهذيب ٥ : ٦٧ ـ ٢١٩ ، الوسائل ١٢ : ٤٨٢ أبواب تروك الإحرام ب ٤٢ ح ٢.

(٥) كما في المنتهى ٢ : ٦٨٢.

٣٠٤

ومحكيّا مستفيضا (١) ، مدلول عليه بالمستفيضة ، بل المتواترة من الأخبار (٢) ، المتقدّمة كثير منها في المقدّمة التي ذكرناها في أول البحث ، والآتية طائفة أخرى منها فيما يأتي.

وكذا عدم انعقاد الإحرام إلاّ بها بالمعنى الثاني ، بمعنى : عدم حرمة المحظورات قبلها ، فلو نوى ولبس الثوبين ولم يلبّ وفعل شيئا منها لم يرتكب محرّما ولم يلزمه كفّارة بما فعله إجماعا ، ونقل الإجماع عليه أيضا مستفيض (٣) ، والأخبار المستفيضة به ناصّة :

كصحيحة حريز : في الرجل إذا تهيّأ للإحرام « فله أن يأتي النساء ما لم يعقد التلبية أو يلبّ » (٤).

والبجلي : في الرجل يقع على أهله بعد ما يعقد الإحرام ولم يلبّ ، قال : « ليس عليه شي‌ء » (٥).

والأخرى عن أبي عبد الله عليه‌السلام : أنّه صلّى ركعتين في مسجد الشجرة وعقد الإحرام ، ثم خرج فأتي بخبيص فيه زعفران فأكل منه قبل أن يلبّي (٦).

وابن عمّار : « لا بأس أن يصلّي الرجل في مسجد الشجرة ويقول الذي يريد أن يقوله ولا يلبّي ، ثم يخرج ويصيب من الصيد وغيره فليس‌

__________________

(١) انظر الرياض ١ : ٣٦٦.

(٢) الوسائل ١٢ : ٣٧٤ أبواب الإحرام ب ٣٦.

(٣) كما في الرياض ١ : ٣٦٧.

(٤) الكافي ٤ : ٣٣٠ ـ ٧ ، التهذيب ٥ : ٣١٦ ـ ١٠٩٠ ، الإستبصار ٢ : ١٩٠ ـ ٦٣٧ ، الوسائل ١٢ : ٣٣٦ أبواب الإحرام ب ١٤ ح ٨.

(٥) التهذيب ٥ : ٨٢ ـ ٢٧٤ ، الإستبصار ٢ : ١٨٨ ـ ٦٣٢ ، الوسائل ١٢ : ٣٣٣ أبواب الإحرام ب ١٤ ح ٢.

(٦) الفقيه ٢ : ٢٠٨ ـ ٩٤٨ ، التهذيب ٥ : ٨٢ ـ ٢٧٥ ، الإستبصار ٢ : ١٨٨ ـ ٦٣٣ ، الوسائل ١٢ : ٣٣٣ أبواب الإحرام ب ١٤ ح ٣.

٣٠٥

عليه شي‌ء » (١).

والبختري : في من عقد الإحرام في مسجد الشجرة ثم وقع على أهله قبل أن يلبّي ، قال : « ليس عليه شي‌ء » (٢).

ومرسلة جميل : في رجل صلّى الظهر في مسجد الشجرة ، وعقد الإحرام وأهلّ بالحجّ ، ثم مسّ طيبا أو صاد صيدا أو واقع أهله ، قال : « ليس عليه شي‌ء ما لم يلبّ » (٣).

والنضر : رجل دخل مسجد الشجرة فصلّى وأحرم ، ثم خرج من المسجد فبدا له قبل أن يلبّي أن ينقض ذلك بمواقعة النساء ، أله ذلك؟

فكتب : « نعم ، ولا بأس به » (٤).

إلى غير ذلك ، كروايات زياد بن مروان (٥) وعليّ بن عبد العزيز (٦).

وأمّا صحيحة أحمد بن محمّد : في رجل يلبس ثيابه ويتهيّأ للإحرام ثم يواقع أهله قبل أن يهلّ بالإحرام ، قال : « عليه دم » (٧).

__________________

(١) التهذيب ٥ : ٨٢ ـ ٢٧٢ ، الإستبصار ٢ : ١٨٨ ـ ٦٣١ ، الوسائل ١٢ : ٣٣٣ أبواب الإحرام ب ١٤ ح ١.

(٢) الفقيه ٢ : ٢٠٨ ـ ٩٤٦ ، الوسائل ١٢ : ٣٣٧ أبواب الإحرام ب ١٤ ح ١٣.

(٣) الكافي ٤ : ٣٣٠ ـ ٨ ، التهذيب ٥ : ٣١٦ ـ ١٠٨٨ ، الإستبصار ٢ : ١٨٩ ـ ٦٣٥ ، الوسائل ١٢ : ٣٣٦ أبواب الحجّ ب ١٤ ح ٩.

(٤) الكافي ٤ : ٣٣١ ـ ٩ ، الفقيه ٢ : ٢٠٨ ـ ٩٥٠ ، الوسائل ١٢ : ٣٣٧ أبواب الإحرام ب ١٤ ح ١٢.

(٥) الكافي ٤ : ٣٣١ ـ ١٠ ، التهذيب ٥ : ٣١٦ ـ ١٠٨٩ ، الإستبصار ٢ : ١٨٩ ـ ٦٣٦ ، الوسائل ١٢ : ٣٣٦ أبواب الإحرام ب ١٤ ح ١٠.

(٦) الكافي ٤ : ٣٣٠ ـ ٦ ، الفقيه ٢ : ٢٠٨ ـ ٩٤٧ ، التهذيب ٥ : ٨٣ ـ ٢٧٦ ، الوسائل ١٢ : ٣٣٥ أبواب الإحرام ب ١٤ ح ٦ ، ٧.

(٧) التهذيب ٥ : ٣١٧ ـ ١٠٩١ ، الإستبصار ٢ : ١٩٠ ـ ٦٣٨ ، الوسائل ١٢ : ٣٣٧ أبواب الإحرام ب ١٤ ح ١٤.

٣٠٦

فمع كونها مقطوعة ، بالشذوذ مطروحة ، أو على الاستحباب أو إرادة الجهر بالتلبية من الإهلال محمولة.

وهل يلزمه تجديد النيّة بعد ذلك؟

مقتضى الأصل وظاهر أكثر الروايات المتقدّمة : العدم ، كما هو ظاهر الأكثر أيضا.

وصرّح في الإنتصار باستئنافها (١) ، واستدلّ له بمرسلة النضر ورواية زياد المتقدّمتين ، المشتملتين على لفظ النقض.

وفيه : أنّه في كلام الراوي ، ومثل ذلك التقرير من الإمام لم يثبت حجّيته ، مع أنّ النقض ليس صريحا في وجوب استئناف النيّة وبطلانها.

وهاهنا مسائل :

المسألة الأولى : ما ذكرنا ـ من وجوب التلبيات معيّنة وعدم حصول الإحرام بالمعنى الثاني إلاّ بها ـ إنّما هو لمن لم يسق الهدي ـ أي المفرد والمتمتّع ـ وأمّا القارن فهو مخيّر بينها وبين الإشعار أو التقليد ، فإن شاء لبّى وعقد إحرامه بها ، وإن شاء أشعر أو قلّد وعقد به ، على الأقوى الأشهر ، بل عن ظاهر الخلاف والغنية والمنتهى والمختلف (٢) : الإجماع عليه ، للمستفيضة من الروايات (٣).

منها : صحيحة ابن عمّار : « يوجب الإحرام ثلاثة أشياء : التلبية ،

__________________

(١) الإنتصار : ٩٦.

(٢) الخلاف ٢ : ٢٩٠ ، الغنية ( الجوامع الفقهية ) : ٥٧٤ ، المنتهى ٢ : ٦٧٦ ، المختلف : ٢٦٥.

(٣) الوسائل ١١ : ٢٧٥ أبواب أقسام الحجّ ب ١٢.

٣٠٧

والإشعار ، والتقليد ، فإذا فعل شيئا من هذه الثلاثة فقد أحرم » (١).

والأخرى : « يقلّدها نعلا خلقا قد صلّيت فيها ، والإشعار والتقليد بمنزلة التلبية » (٢).

وثالثة : في قول الله سبحانه ( فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ ) « والفرض : التلبية والإشعار والتقليد ، فأيّ ذلك فعل فقد فرض الحجّ » (٣).

وعمر بن يزيد : « من أشعر بدنته فقد أحرم وإن لم يتكلّم بقليل ولا كثير » (٤).

وحريز ، وفيها : « ولا يشعرها أبدا حتى يتهيّأ للإحرام ، فإنّه إذا أشعرها وقلّدها وجب عليه الإحرام ، وهو بمنزلة التلبية » (٥) ، ونحوها رواية جميل (٦) ، إلى غير ذلك.

خلافا للمحكيّ عن السيّد والحلّي (٧) ، فاقتصرا على التلبية ، للاقتصار في ما يخالف الأصل على المتيقّن المجمع عليه.

وهو صحيح على القول بعدم حجّية الآحاد كما هو أصلهما ، مع أنّها في المقام محفوفة بعمل الأصحاب ، بل قيل : مخالفة السيّد أيضا غير معلومة ، كما أشار إليه في المختلف (٨).

__________________

(١) التهذيب ٥ : ٤٣ ـ ١٢٩ ، الوسائل ١١ : ٢٧٩ أبواب أقسام الحجّ ب ١٢ ح ٢٠.

(٢) الفقيه ٢ : ٢٠٩ ـ ٩٥٦ ، الوسائل ١١ : ٢٧٧ أبواب أقسام الحجّ ب ١٢ ح ١١.

(٣) الكافي ٤ : ٢٨٩ ـ ٢ ، الوسائل ١١ : ٢٧١ أبواب أقسام الحجّ ب ١١ ح ٢.

(٤) التهذيب ٥ : ٤٤ ـ ١٣٠ ، الوسائل ١١ : ٢٧٩ أبواب أقسام الحجّ ب ١٢ ح ٢١.

(٥) التهذيب ٥ : ٤٣ ـ ١٢٨ ، الوسائل ١١ : ٢٧٩ أبواب أقسام الحجّ ب ١٢ ح ١٩.

(٦) الكافي ٤ : ٢٩٧ ـ ٥ ، الوسائل ١١ : ٢٧٦ أبواب أقسام الحجّ ب ١٢ ح ٧.

(٧) السيّد في الإنتصار : ١٠٢ ، الحلّي في السرائر ١ : ٥٣٢.

(٨) قال به في الرياض ١ : ٣٦٧ ، وهو في المختلف : ٢٦٥.

٣٠٨

وعن الشيخ في الجمل والمبسوط والقاضي وابن حمزة : اشتراط الانعقاد بهما بالعجز عن التلبية (١) ، وكأنّهم جمعوا بين هذه الأخبار وعمومات التلبية.

وفيه : أنّه ليس بأولى من تخصيص الأخيرة بمن عدا القارن ، بل هو أولى ، سيّما مع ندرة العاجز عنها ، سيّما في الأعراب جدّا ، ومع عدم شاهد لذلك الجمع أصلا ووجوده للأول ، وهو : اختصاص السوق بالقارن.

ثم المشهور : أنّ القارن لو عقد إحرامه بإحدى هذه الثلاثة كان الإتيان بالآخر مستحبّا له ، وفسّره الشهيد الثاني (٢) : بأنّه إن بدأ بالتلبية كان الإشعار أو التقليد مستحبّا ، وإن بدأ بأحدهما كانت التلبية مستحبّة.

وقال في الدروس : إنّه لو جمع بين التلبية وأحدهما كان الثاني مستحبّا (٣) ، قيل ـ بعد نقله عنه ـ : ويستفاد منه أنّه فسّر ما هو المشهور باستحباب الجمع بين الثلاثة لا بين التلبية وأحدهما كما فهمه الثاني طاب ثراه.

وفيه نظر ظاهر ، إذ الظاهر أنّ مراد الشهيد الثاني : ثاني التلبية وأحدهما ، لا ثاني الإشعار والتقليد.

وكيف كان ، فيمكن أن يستدلّ لاستحباب الجمع في الجملة برواية يونس ، قال : « ثم افرض بعد صلاتك ثم اخرج إليها فأشعرها من الجانب الأيمن من سنامها ، ثم انطلق حتى تأتي البيداء فلبّه » (٤).

__________________

(١) الجمل والعقود ( الوسائل العشر ) : ٢٢٦ ، المبسوط ١ : ٣٠٧ ، القاضي في شرح جمل العلم والعمل : ٢٠٨ ، ابن حمزة في الوسيلة : ١٥٨.

(٢) المسالك ١ : ١٠٦.

(٣) الدروس ١ : ٣٤٩.

(٤) الكافي ٤ : ٢٩٦ ـ ١ ، الفقيه ٢ : ٢١٠ ـ ٩٥٨ ، الوسائل ١١ : ٢٧٥ أبواب أقسام الحج ب ١٢ ح ٢ ، ٣ ، بتفاوت يسير.

٣٠٩

ورواية الفضيل بن يسار ، وفيها : « ولكن إذا انتهى إلى الوقت فليحرم ثم يشعرها ويقلّدها » (١).

المسألة الثانية : لا تشترط مقارنة نيّة الإحرام ـ أي نيّة دخول الحجّ أو العمرة ـ للتلبية ، على الأظهر الأشهر ، للأصل ، وللمستفيضة المتقدّمة في مقدمة الإحرام (٢) وفي بيان عدم حرمة المحظورات إلاّ بالتلبية.

وتزيد عليها صحيحة ابن سنان : وفيها ـ بعد ذكر الإحرام ودعائه ـ : « وإن شئت فلبّ حين تنهض ، وإن شئت فأخّره حتى تركب بعيرك واستقبل القبلة فافعل » (٣).

والأخرى : « إنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لم يكن يلبّي حتى يأتي البيداء » (٤).

وابن عمّار والحلبي والبجلي والبختري جميعا : « إذا صلّيت في مسجد الشجرة فقل [ و ] أنت قاعد في دبر الصلاة قبل أن تقوم ما يقول المحرم ، ثم قم فامش حتى تبلغ الميل وتستوي بك البيداء ، فإذا استوت بك فلبّ ، وإن أهللت من المسجد الحرام للحجّ فإن شئت لبّيت خلف المقام ، وأفضل ذلك أن تمضي حتى تأتي الرقطاء وتلبّي قبل أن تصير إلى الأبطح » (٥).

__________________

(١) الفقيه ٢ : ٢٠٩ ـ ٩٥٤ ، الوسائل ١١ : ٢٧٧ أبواب أقسام الحج ب ١٢ ح ١٣.

(٢) الوسائل ١٢ : ٣٤٠ أبواب الإحرام ب ١٦.

(٣) التهذيب ٥ : ٧٩ ـ ٢٦٣ ، الإستبصار ٢ : ١٦٧ ـ ٥٥٣ ، الوسائل ١٢ : ٣٤١ أبواب الإحرام ب ١٦ ح ٢.

(٤) التهذيب ٥ : ٨٤ ـ ٢٧٩ ، الإستبصار ٢ : ١٧٠ ـ ٥٦١ ، الوسائل ١٢ : ٣٧٠ أبواب الإحرام ب ٣٤ ح ٥.

(٥) الكافي ٤ : ٣٣٣ ـ ١١ ، الفقيه ٢ : ٢٠٧ ـ ٩٤٣ ، الوسائل ١٢ : ٣٧٣ ، ٣٩٦ أبواب الإحرام ب ٣٥ و ٤٦ ح ٣ و ١. الرّقطاء : موضع دون الرّدم ، ويسمّى مدعا ،

٣١٠

وابن حازم : « إذا صلّيت عند الشجرة فلا تلبّ حتّى تأتي البيداء » (١).

وابن عمّار : « إذا فرغت من صلاتك وعقدت ما تريد فقم وامش هنيهة ، فإذا استوت بك الأرض ماشيا كنت أو راكبا فلبّ » الحديث (٢).

وموثّقة إسحاق : إذا أحرم الرجل في دبر المكتوبة أيلبّي حين ينهض به بعيره أو جالسا في دبر الصلاة؟ قال : « أيّ ذلك شاء صنع » (٣).

وقويّة زرارة : متى ألبّي بالحجّ؟ قال : « إذا خرجت إلى منى » (٤).

إلى غير ذلك من الأخبار المتكثّرة جدّا (٥) ، بل المستفاد من كثير منها أفضليّة التأخير إلى المواضع المخصوصة.

وحمل تلك الأخبار على رفع الصوت بالتلبية دون مطلقها ـ بل يقارن بالمطلقة ـ ممّا لا يقبله كثير منها ، مع أنّه لا شاهد لذلك الجمع ، بل لا داعي إليه سوى ما قيل من عدم انعقاد الإحرام إلاّ بالتلبية ، وعدم جواز المرور عن الميقات إلاّ محرما (٦).

وجوابه : ما عرفت من أنّ المراد بالإحرام ـ الذي لا يجوز المرور عن‌

__________________

ومدعى الأقوام : مجتمع قبائلهم ـ مجمع البحرين ٤ : ٢٤٩. والأبطح : مسيل وادي مكة ، وهو مسيل واسع فيه الحصى ، أوله عند منقطع الشعب بين وادي منى ، وآخره متصل بالمقبرة التي تسمى بالمعلّى عند أهل مكّة ـ مجمع البحرين ٢ : ٣٤٣.

(١) التهذيب ٥ : ٨٤ ـ ٢٧٨ ، الإستبصار ٢ : ١٧٠ ـ ٥٦٠ ، الوسائل ١٢ : ٣٧٠ أبواب الإحرام ب ٣٤ ح ٤.

(٢) التهذيب ٥ : ٩١ ـ ٣٠٠ ، الوسائل ١٢ : ٣٦٩ أبواب الإحرام ب ٣٤ ح ٢.

(٣) الكافي ٤ : ٣٣٤ ـ ١٣ ، الوسائل ١٢ : ٣٧٣ أبواب الإحرام ب ٣٥ ح ٤.

(٤) الكافي ٤ : ٤٥٥ ـ ٦ ، التهذيب ٥ : ١٦٧ ـ ٥٥٨ ، الإستبصار ٢ : ٢٥٢ ـ ٨٨٤ ، الوسائل ١٢ : ٣٩٨ أبواب الإحرام ب ٤٦ ح ٥.

(٥) كما في الوسائل ١٢ : ٣٩٦ أبواب الإحرام ب ٤٦.

(٦) الرياض ١ : ٣٦٦.

٣١١

الميقات إلاّ معه ـ هو : فرض الحجّ أو العمرة ونيّته والصيرورة حاجّا أو معتمرا بها ، كما مرّ ذلك مفصّلا.

المسألة الثالثة : لا خلاف بين العلماء ـ كما صرّح به جماعة ـ أنّ التلبيات الواجبة أربع (١) ، واختلفوا في كيفيتها :

فبين مقتصر بقول : لبّيك اللهمّ لبّيك لبّيك لا شريك لك لبّيك ، وهو المحكيّ عن المقنعة ـ على ما نقله بعض الأجلّة (٢) ـ وفي الشرائع والنافع والمختلف والمسالك والمدارك والذخيرة والكفاية (٣) ، وغير واحد من المتأخّرين (٤) ، ويميل إليه في المنتهى بل في التحرير على نقله (٥) ، وهو ظاهر ثقة الإسلام (٦).

وبين مضيف إلى ذلك : إنّ الحمد والنعمة لك والملك ، وهو المحكيّ عن المقنعة على نقل (٧) ، والصدوقين في الرسالة والمقنع والهداية (٨) ، والقديمين (٩) ، والسيّد في الجمل والشيخ في النهاية والمبسوط والإقتصاد والديلمي والحلبي والحلّي والقاضي وابني زهرة وحمزة والإرشاد والقواعد (١٠) ،

__________________

(١) انظر المختلف : ٢٦٦ ، الذخيرة : ٥٧٨ ، كشف اللثام ١ : ٣١٢.

(٢) حكاه عنه في كشف اللثام ١ : ٣١٣.

(٣) الشرائع ١ : ٢٤٦ ، النافع : ٨٢ ، المختلف : ٢٦٥ ، المسالك ١ : ١٠٧ ، المدارك ٧ : ٢٦٨ ، الذخيرة : ٥٧٨ ، كفاية الأحكام : ٥٨.

(٤) كما في الدروس ١ : ٣٤٧ ، مجمع الفائدة ٦ : ١٩٥.

(٥) أي على نقل بعض الأجلّة ، وقد نقله في كشف اللثام ١ : ٣١٤.

(٦) الكافي ٤ : ٣٣٦.

(٧) انظر المقنعة : ٣٩٧.

(٨) المقنع : ٦٩ ، الهداية : ٥٥.

(٩) حكاه عنهما في المختلف : ٢٦٥ ، والمدارك ٧ : ٢٦٨.

(١٠) جمل العلم والعمل ( رسائل الشريف المرتضى ٣ ) : ٦٧ ، النهاية : ٢١٥ ، المبسوط ١ : ٣١٦ ، الإقتصاد : ٣٠١ ، الديلمي في المراسم : ١٠٨ ، الحلبي في الكافي في الفقه : ١٩٣ ، الحلي في السرائر ١ : ٥٣٦ ، القاضي في شرح جمل العلم والعمل : ٢٢٤ ، ابن زهرة في الغنية ( الجوامع الفقهية ) : ٥٧٤ ، ابن حمزة في الوسيلة : ١٦١ ، الإرشاد ١ : ٣١٥ ، القواعد ١ : ٨٠.

٣١٢

بل أكثر المتأخّرين كما قيل (١).

وإن اختلفت كلمات هؤلاء في محلّ هذه الإضافة ، فبين من جعلها بعد ما مرّ ، وبين من جعلها بعد لبّيك الثالثة ، ومنهم من أضاف مع الإضافة : لا شريك لك ، أيضا ، وقد يضاف معها أيضا : لبّيك بحجّة وعمرة ، أو : بحجّة مفردة تمامها عليك لبّيك ، أيضا.

والحقّ هو : الأول ، لصحيحة ابن عمّار : « التلبية : لبّيك اللهمّ لبّيك ، لبّيك لا شريك لك لبّيك ، إنّ الحمد والنعمة لك والملك لا شريك لك لبيك ، ذا المعارج لبيك » إلى أن قال : « واعلم أنّه لا بدّ من التلبيات الأربع التي كنّ أول الكلام ، وهي الفريضة وهي التوحيد » الحديث (٢).

وذيلها ـ بضميمة قطع التفصيل للشركة ـ يدلّ على عدم وجوب ما بعد التلبية الرابعة. وتجويز رجوع الإشارة إلى ما قبل الخامسة بعيد غايته ، مع أنّه على فرض الاحتمال ينفى الزائد بالأصل.

ودليل النافين : ورود الإضافة في المعتبرة من المستفيضة من الصحاح وغيرها (٣).

ويجاب عنه بعدم كفاية الورود بعد عدم صراحة شي‌ء منها في الوجوب ، لمكان الجملة الخبريّة ، أو الأمر بما ليس بواجب قطعا ، أو‌

__________________

(١) المدارك ٧ : ٢٦٨.

(٢) الكافي ٤ : ٣٣٥ ـ ٣ ، التهذيب ٥ : ٩١ ـ ٣٠٠ و ٢٨٤ ـ ٩٦٧ ، الوسائل ١٢ : ٣٨٢ أبواب الإحرام ب ٤٠ ح ٢.

(٣) الوسائل ١٢ : ٣٨٢ أبواب الإحرام ب ٤٠.

٣١٣

حكاية تلبية الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم.

وأمّا الرضوي والخصالي : « تقول : لبّيك لبّيك ، لا شريك لك لبّيك ، إنّ الحمد والنعمة لك لا شريك لك ، هذه الأربعة مفروضات » (١).

فمع ضعفهما الغير الثابت انجبارهما ، ومعارضتهما مع صحيحة عمر بن يزيد (٢) الخالية عن الإضافة وإن اشتملت على إضافة أخرى غير واجبة قطعا ، غير صريحين في وجوب الزائد ، لاحتمال رجوع الإشارة إلى التلبيات الأربع خاصّة ، كما هو الظاهر.

وأمّا تضعيف القول الأول ـ بندوره بين القدماء ـ فضعيف ، لعدم ثبوت الندرة المضعفة.

نعم ، لو ضمّ الإضافة ـ سيّما على جميع الأقوال ولو بالتكرير ـ كان أحوط.

ثم ما زاد على ما وجب من الفقرات الواردة في صحيحة ابن عمّار وغيرها مستحبّ ليس بواجب إجماعا ، بل هو مستحبّ كذلك ، وقد مرّ ما يمكن أن يكون مستندا لكلّ من الحكمين.

المسألة الرابعة : الأخرس يحرّك لسانه ويشير بإصبعه إلى التلبية ، لرواية السكوني ـ المنجبر ضعفها لو كان بعمل الأصحاب ـ : « تلبية الأخرس وتشهّده وقراءته القرآن في الصلاة : تحريك لسانه وإشارته بإصبعه ، وليكن مع عقد قلبه بها » (٣) ، أي بصورتها القولية ، لأنّها بدونه لا تكون إشارة إليها.

__________________

(١) فقه الرضا عليه‌السلام : ٢١٦ ، الخصال ٢ : ٦٠٦ بتفاوت فيها ، المستدرك ٩ : ١٧٦ ، ١٨٠ أبواب الإحرام ب ٢٣ و ٢٧ ح ٢ ، ٥.

(٢) التهذيب ٥ : ٩٢ ـ ٣٠١ ، الوسائل ١٢ : ٣٨٣ أبواب الإحرام ب ٤٠ ح ٣.

(٣) الكافي ٣ : ٣١٥ ـ ١٧ ، الكافي ٤ : ٣٣٥ ـ ٢ ، التهذيب ٥ : ٩٣ ـ ٣٠٥ ، الوسائل ١٢ : ٣٨١ أبواب الإحرام ب ٣٩ ح ١.

٣١٤

وقيل : يستناب له مع ما ذكر فلبّي عنه (١).

واستند له بخبر زرارة : إنّ رجلا قدم حاجّا لا يحسن أن يلبّي ، فاستفتي له أبو عبد الله عليه‌السلام ، فأمر أن يلبّي عنه (٢).

ولأنّ أفعال الحجّ تقبل النيابة ، فلا تحصل البراءة إلاّ بإتيانه بنفسه ما يمكنه ، ونيابته ما لا يمكنه.

وردّ الأول : بأنّها قضية في واقعة ، فيحتمل الورود في غير المسألة ، بل هو الظاهر ممّا لا يحسن ، فإنّه الظاهر في الأعجمي ونحوه ممّن يمكن له التكلّم ولكن لا يحسن العربية ، والأخرس غير قادر لا غير محسن ، ولو منع الظهور فلا أقل من الاحتمال.

والثاني : بأنّه اجتهاد في مقابلة النصّ.

وأمّا الأعجميّ الذي لا يحسن التلبية ولا يمكنه التعلّم ، فقيل : يكتفي بترجمتها (٣) ، وقيل : يلبّى عنه (٤) ، والأحوط الجمع بين الأمرين ، والله العالم.

المسألة الخامسة : قد مرّ سابقا عدم وجوب مقارنة التلبية لنيّة الإحرام.

ثم إنّه قد اختلفت كلمات المجوّزين للتأخير مطلقا في الأفضل : ففي المبسوط جعل الأفضل للمحرم عن طريق المدينة التأخير إلى البيداء إن كان راكبا (٥) ، وهو المحكيّ عن ابن حمزة (٦).

__________________

(١) انظر المختلف : ٢٦٦.

(٢) الكافي ٤ : ٥٠٤ ـ ١٣ ، التهذيب ٥ : ٢٤٤ ـ ٨٢٨ ، الوسائل ١٢ : ٣٨١ أبواب الإحرام ب ٣٩ ح ٢.

(٣) المدارك ٧ : ٢٦٦.

(٤) الجامع للشرائع : ١٨٠.

(٥) المبسوط ١ : ٣١٦.

(٦) الوسيلة : ١٦١.

٣١٥

وعن القاضي : أفضليّته له مطلقا ، راكبا كان أو ماشيا (١).

وجعل في المبسوط والتحرير والمنتهى والمسالك الأفضل للمحرم عن غيره إلى أن يمشي خطوات (٢).

وفي التهذيب جعل الأفضل للمحرم عن مكّة التلبية عن موضعه إن كان ماشيا ، وعن الرقطاء أو شعب الدبّ إن كان راكبا (٣).

وعن هداية الصدوق : أفضليّة التأخير إلى الرقطاء له مطلقا (٤).

وعن جماعة ـ منهم : السرائر والنهاية والجامع والوسيلة والمنتهى والتذكرة ـ أفضليّة تلبية المحرم عن مكّة من موضعه إن كان ماشيا ، وإذا نهض به بعيره إن كان راكبا (٥).

وسبب الاختلاف اختلاف الأخبار ، وهي بين مرجّح في المحرم عن طريق المدينة للتأخير إلى البيداء بقول مطلق ، كصحيحة ابن وهب (٦) وعبيد الله الحلبي (٧) المتقدّمتين في المقدّمة ، وصحاح ابن عمّار والحلبي والبجلي والبختري (٨) ،

__________________

(١) شرح جمل العلم والعمل : ٢٢٥.

(٢) المبسوط ١ : ٣١٦ ، التحرير ١ : ٩٦ ، المنتهى ٢ : ٦٧٩ ، المسالك ١ : ١٠٨.

(٣) التهذيب ٥ : ١٦٨. وفي معجم البلدان ٣ : ٣٤٧ شعب أبي دبّ : بمكة ، يقال فيه مدفن آمنة بنت وهب أمّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم.

(٤) حكاه عنه في كشف اللثام ١ : ٣٥٣ ، وانظر المقنع : ٨٦ ، والهداية : ٦٠ ، والفقيه ٢ : ٢٠٧.

(٥) السرائر ١ : ٥٨٤ ، النهاية : ٢١٤ ، الجامع للشرائع : ١٨٣ ، الوسيلة : ١٦١ ، المنتهى ٢ : ٦٧٩ ، التذكرة ١ : ٣٢٧.

(٦) التهذيب ٥ : ٦٤ ـ ٢٠٣ ، الوسائل ١٢ : ٣٢٥ أبواب الإحرام ب ٧ ح ٣.

(٧) الفقيه ٢ : ٢٢٠ ـ ١٠٢٠ ، الوسائل ١٢ : ٣٦٧ أبواب الإحرام ب ٣٣ ح ٤.

(٨) الكافي ٤ : ٣٣٣ ـ ١١ ، الفقيه ٢ : ٢٠٧ ـ ٩٤٣ ، الوسائل ١٢ : ٣٧٣ ، ٣٩٦ أبواب الإحرام ب ٣٥ و ٤٦ ح ٣ و ١.

٣١٦

وابن حازم (١) ، وابن سنان (٢) ، المتقدّمة في المسألة الثانية.

ومرجّح له للماشي والراكب بخصوصهما ، كصحيحتي عمر بن يزيد : « إذا أحرمت من مسجد الشجرة ، فإن كنت ماشيا لبّيت من مكانك من المسجد » الحديث (٣).

والأخرى : « إن كنت ماشيا فاجهر بإهلالك وتلبيتك من المسجد ، وإن كنت راكبا فإذا علت بك راحلتك البيداء » (٤).

ومرجّح في مطلق المحرم للتأخير إلى المشي هنيهة حتى تستوي به الأرض ، كصحيحة ابن عمّار الثانية (٥) المتقدّمة في المقدّمة ، والأخرى السابقة في المسألة الثانية (٦).

ومرجّح في المحرم عن طريق العراق التأخير إلى أن يمشي قليلا ، كصحيحة هشام المتقدّمة في المقدّمة (٧).

ومرجّح في المحرم عن مكّة للتأخير إلى الروحاء ، أو الفضاء كما في صحيحة ابن عمّار المتقدّمة في المقدّمة (٨) ـ على نسخ الكافي ـ أو الرقطاء‌

__________________

(١) التهذيب ٥ : ٨٤ ـ ٢٧٨ ، الإستبصار ٢ : ١٧٠ ـ ٥٦٠ ، الوسائل ١٢ : ٣٧٠ أبواب الإحرام ب ٣٤ ح ٤.

(٢) التهذيب ٥ : ٧٩ ـ ٢٦٣ ، الإستبصار ٢ : ١٦٧ ـ ٥٥٣ ، الوسائل ١٢ : ٣٤١ أبواب الإحرام ب ١٦ ح ٢.

(٣) التهذيب ٥ : ٩٢ ـ ٣٠١ ، الوسائل ١٢ : ٣٨٣ أبواب الإحرام ب ٤٠ ح ٣.

(٤) التهذيب ٥ : ٨٥ ـ ٢٨١ ، الإستبصار ٢ : ١٧٠ ـ ٥٦٣ ، الوسائل ١٢ : ٣٦٩ أبواب الإحرام ب ٣٤ ح ١.

(٥) التهذيب ٥ : ٩١ ـ ٣٠٠ ، الوسائل ١٢ : ٣٦٩ أبواب الإحرام ب ٣٤ ح ٢.

(٦) المتقدّمة في ص : ٣١١.

(٧) راجع ص ٢٥٩.

(٨) راجع ص : ٢٥٩.

٣١٧

كما فيها ـ على نسخ الفقيه والتهذيب ـ وكما في صحيحة البختري والحلبي والبجلي وابن عمّار المتقدّمة في المسألة الثانية (١).

ومرجّح فيه له للتلبية عند المقام للماشي وإذا نهض به بعيره للراكب ، كصحيحة عمر بن يزيد : « ثم صلّ ركعتين عند المقام ثم أهلّ بالحجّ ، فإن كنت ماشيا فلبّ عند المقام ، وإن كنت راكبا فإذا نهض بك بعيرك » الحديث (٢).

ومرجّح له للتلبية في المسجد الحرام ، كما في موثّقة أبي بصير ، وفيها : « ثم تلبّي من المسجد الحرام كما لبّيت حين أحرمت » (٣).

والأمر بالتأخير في بعض تلك الأخبار محمول على الاستحباب أو الجواز بلا خلاف يوجد ، لتصريح جملة من الأخبار بجواز التلبية عن موضعه ، كما في صحيحة هشام المتقدّمة ، وصحيحة ابن سنان (٤) ، وموثّقة إسحاق بن عمّار (٥) ، وغيرها (٦).

ثم المستفاد من جميع تلك الأخبار ومقتضى الجمع بينها : جواز التلبّي عن موضع الإحرام مطلقا ، وأفضليّة التأخير للمحرم عن مسجد الشجرة إلى البيداء راكبا كان أو ماشيا ، لإطلاقات رجحان التأخير إليها ،

__________________

(١) راجع ص ٣١٠.

(٢) التهذيب ٥ : ١٦٩ ـ ٥٦١ ، الإستبصار ٢ : ٢٥٢ ـ ٨٨٦ ، الوسائل ١٢ : ٣٩٧ أبواب الإحرام ب ٤٦ ح ٢.

(٣) الكافي ٤ : ٤٥٤ ـ ٢ ، التهذيب ٥ : ١٦٨ ـ ٥٥٩ ، الإستبصار ٢ : ٢٥١ ـ ٨٨١ ، الوسائل ١٢ : ٤٠٩ أبواب الإحرام ب ٥٢ ح ٣.

(٤) التهذيب ٥ : ٧٩ ـ ٢٦٣ ، الإستبصار ٢ : ١٦٧ ـ ٥٥٣ ، الوسائل ١٢ : ٣٤١ أبواب الإحرام ب ١٦ ح ٢.

(٥) الكافي ٤ : ٣٣٤ ـ ١٣ ، الوسائل ١٢ : ٣٧٣ أبواب الإحرام ب ٣٥ ح ٤.

(٦) الوسائل ١٢ : ٣٧٢ أبواب الإحرام ب ٣٥.

٣١٨

الفارغة عن مكادحة (١) ما يدلّ على أفضليّة التعجيل للماشي ، لاشتغالها بمعارضة ما يدلّ على أفضليّة التأخير له أيضا.

وللمحرم عن غيره إلى أن يمشي خطوات.

وللمحرم عن مكة إلى الرقطاء ، أو إلى أن ينهض البعير إن كان راكبا ، وفي المسجد إن كان ماشيا. والله هو العالم.

المسألة السادسة : يستحبّ الجهر بالتلبية على المشهور بين الأصحاب ، للمستفيضة من الأخبار : كمرسلة الفقيه : « إنّ التلبية شعار المحرم ، فارفع صوتك بالتلبية » (٢).

ومرفوعة حريز : « لمّا أحرم رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أتاه جبرئيل ، فقال له : مر أصحابك بالعجّ والثجّ » (٣).

فالعجّ : رفع الصوت بالتلبية ، والثجّ : نحر البدن.

وصحيحة ابن عمّار : « التلبية لبيك اللهمّ » إلى أن قال : « تقول ذلك في دبر كلّ صلاة مكتوبة أو نافلة ، وحين ينهض بك بعيرك ، وإذا علوت شرفا ، أو هبطت واديا ، أو لقيت راكبا ، أو استيقظت من منامك ، وبالأسحار ، وأكثر ما استطعت منها واجهر بها » الحديث (٤) ، وقريبة منها الأخرى (٥).

ويتأكّد الاستحباب في مواضع مخصوصة ذكرها في صحيحة عمر بن يزيد : « واجهر بها كلّما ركبت ، وكلّما نزلت ، وكلّما هبطت واديا ، أو علوت‌

__________________

(١) في « ق » : مكاوحة ..

(٢) الفقيه ٢ : ٢١١ ـ ٩٦٦ ، الوسائل ١٢ : ٣٧٩ أبواب الإحرام ب ٣٧ ح ٣.

(٣) الكافي ٤ : ٣٣٦ ـ ٥ ، الفقيه ٢ : ٢١٠ ـ ٩٦٠ ، التهذيب ٥ : ٩٢ ـ ٣٠٢ ، معاني الأخبار : ٢٢٣ ـ ١ ، الوسائل ٩ : ٣٧٨ أبواب الإحرام ب ٣٧ ح ١.

(٤) التهذيب ٥ : ٩١ ـ ٣٠٠ ، الوسائل ١٢ : ٣٨٢ أبواب الإحرام ب ٤٠ ح ٢.

(٥) الكافي ٤ : ٣٣٥ ـ ٣ ، الوسائل ١٢ : ٣٨٣ أبواب الإحرام ب ٤٠ ذيل الحديث ٢.

٣١٩

أكمة ، أو لقيت راكبا ، وبالأسحار » (١).

وخلاف المشهور قول الشيخ في التهذيب (٢) ، فقال : يجب بقدر الإمكان ، وهو ظاهر ثقة الإسلام ، حيث قال : ولا يجوز لأحد أن يجوز ميل البيداء إلاّ وقد أظهر التلبية (٣).

والظاهر أنّه لظاهر الأوامر في النصوص المتقدّمة ، وهي عن إفادة الوجوب ـ لندرته وشذوذه ، حتى أنّ الشيخ أيضا رجع عنه في خلافه قائلا : لم أجد من ذكر كونه فرضا (٤) ، بل كما قيل : ثبوته مطلقا بالوجوب بالمعنى المصطلح غير معلوم (٥) ـ قاصرة.

مع أنّ في أصل دلالتها عليه أيضا نظرا ، لورود الأوامر الواردة فيها كلاّ على ما لا يجب قطعا من الزيادات المستحبّة في التلبية أو التكرار المستحبّ أو نحر البدن.

ثم مقتضى الإطلاقات استحباب الإجهار بها مطلقا ، إلاّ أنّ المستفاد من الأخبار الأخر اختصاصه لمن حجّ على طريق المدينة إن كان راكبا بما إذا علت البيداء ، لصحيحة عمر بن يزيد الأولى (٦) ، المتقدّمة في المسألة السابقة ، المحمولة على الاستحباب ، لتصريح غيرها بجواز الإجهار في المسجد مطلقا ، كصحيحة ابن سنان : هل يجوز للمتمتّع بالعمرة إلى الحجّ‌

__________________

(١) التهذيب ٥ : ٩٢ ـ ٣٠١ ، الوسائل ١٢ : ٣٨٣ أبواب الإحرام ب ٤٠ ح ٣.

(٢) التهذيب ٥ : ٩٢.

(٣) الكافي ٤ : ٣٣٤.

(٤) الخلاف ٢ : ٢٩١.

(٥) انظر الذخيرة : ٥٧٨.

(٦) انظر ص : ٣١٧.

٣٢٠