مستند الشّيعة - ج ١١

أحمد بن محمّد مهدي النّراقي

مستند الشّيعة - ج ١١

المؤلف:

أحمد بن محمّد مهدي النّراقي


المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ مشهد المقدسة
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
المطبعة: ستاره
الطبعة: ١
ISBN: 964-319-015-3
ISBN الدورة:
964-5503-75-2

الصفحات: ٤١٨

وهل يجزئ لو أدرك أحد الموقفين كاملا ، أم لا؟

الأول : للشيخ في المبسوط والخلاف (١) والوسيلة والإرشاد (٢) ، بل أكثر الأصحاب كما صرّح به جماعة (٣) ، بل إجماعيّ كما عن الخلاف والتذكرة (٤) وظاهر المسالك (٥).

وتردّد فيه في الشرائع والمنتهى والتحرير (٦) ، بل نفاه جمع من متأخّري المتأخّرين (٧).

دليل الأولين : الروايات المثبتة لهذا الحكم في العبد (٨).

وكونه زمانا يصحّ فيه إنشاء الحجّ ، فكان مجزئا بأن يجدّد نيّة الوجوب.

ويردّ الأول : بأنّه قياس.

والثاني : بأنّه إن أريد أنّه زمان يصحّ فيه الإنشاء في بعض الصور المنصوصة فلا يفيد ، وإن أريد مطلقا فلا نسلّم.

ولو استدلّ له بقوله عليه‌السلام في غير واحد من الأخبار : « من أدرك المشعر فقد أدرك الحجّ » (٩) لكان أقرب ، وإن كان في شموله للمورد نظر ،

__________________

(١) المبسوط ١ : ٢٩٧ ، الخلاف ٢ : ٣٧٨.

(٢) الوسيلة : ١٩٥ ، الإرشاد ١ : ٣١٠.

(٣) منهم صاحب المدارك ٧ : ٢٢ ، والسبزواري في الكفاية : ٥٦ ، وصاحب الحدائق ١٤ : ٦٠.

(٤) الخلاف ٢ : ٣٧٩ ، التذكرة ١ : ٢٩٩.

(٥) المسالك ١ : ٨٧.

(٦) الشرائع ١ : ٢٢٥ ، المنتهى ٢ : ٦٤٩ ، التحرير ١ : ٩٠.

(٧) كصاحب الحدائق ١٤ : ٦١ ، والمفاتيح ١ : ٢٩٦.

(٨) كما في الوسائل ١١ : ٥٢ أبواب وجوب الحجّ وشرائطه ب ١٧.

(٩) رجال الكشي ٢ : ٦٨٠ ـ ٧١٦ ، الوسائل ١٤ : ٤١ أبواب الوقوف بالمشعر ب ٢٣ ح ١٣ ، وانظر ص ٥٧ ب ٢٣.

٢١

سيّما في حجّ التمتع ، حيث إنّ العمرة الواجبة وقعت في زمان عدم التكليف ولم يثبت إدراك العمرة بذلك.

ولا شك أنّ الأحوط بل الأظهر : الإعادة بعد الاستطاعة.

ثم على القول بالإجزاء ، ففي اشتراط استطاعته من البلد ، أو الميقات ، أو حين التكليف ، أقوال ، أظهرها : الأخير ، كما يظهر مما سنذكره في المملوك ونفقته الزائدة على ما يلزمه في الحضر على من يسافر به ، لعدم ثبوت جواز التصرّف في القدر الزائد في مال الطفل.

الشرط الثالث : الحرّية.

فلا يجب على المملوك ، إجماعا محقّقا ، ومحكيّا (١) مستفيضا ، له ، وللنصوص المستفيضة (٢) ، وإطلاقها ـ كإطلاق الفتاوى (٣) ، بل صريح بعضها (٤) ـ يشمل ما لو أذن له المولى أيضا.

نعم ، يصحّ منه الحجّ إذا أذن له المولى ، بالإجماع والنصوص ، ولا يجزئه عن حجّة الإسلام كذلك لو استجمع الشرائط بعد العتق.

وأمّا بعض الروايات الظاهرة في الإجزاء فمؤوّلة ، أو مخصّصة بما هو أخصّ منها ، أو مطروحة ، للمعارضة مع الأكثر والمخالفة للإجماع ، إلاّ أن يدرك أحد الموقفين معتقا ، فيجزئه عنها إجماعا ونصّا.

ففي صحيحة ابن عمّار : مملوك أعتق يوم عرفة ، قال : « إذا أدرك أحد‌

__________________

(١) كما في الرياض ١ : ٣٣٧.

(٢) الوسائل ١١ : ٤٧ أبواب وجوب الحجّ وشرائطه ب ١٥.

(٣) كما في المبسوط ١ : ٢٩٧ ، والغنية ( الجوامع الفقهية ) : ٥٧٣ ، المعتبر ٢ : ٧٤٩.

(٤) كما في الحدائق ١٤ : ٧١.

٢٢

الموقفين فقد أدرك الحجّ » (١).

وشهاب : في رجل أعتق عشيّة عرفة عبدا ، أيجزئ عن حجّة الإسلام؟ قال : « نعم » (٢).

وهل تشترط في إجزائه عنها استطاعته حين العتق أم لا؟

الظاهر : نعم ، إن أريد الاستطاعة البدنيّة ، بل الماليّة بقدر ما يحتاج إليه من الزاد والراحلة من الموقف إلى إتمام الحجّ ، لإطلاق الآية (٣) والنصوص (٤) ، فلو لم يكن كذلك وأتمّ الحجّ بجهد ومشقّة لم يجز عن حجّة الإسلام.

ولا ، إن أريد الأزيد من ذلك ، للأصل السالم عن المعارض.

وقيل : لا يشترط أصلا ، لإطلاق النص (٥).

وفيه نظر ، لأنّ الإطلاق لا عموم فيه ، فينصرف إلى الغالب من حصول الاستطاعة البدنيّة المعتبرة في المورد ، فلا يشمل ما لو لم تكن هناك استطاعة.

ولو سلّم الإطلاق فيعارض ما دلّ على اشتراط الاستطاعة من الكتاب والسنّة بالعموم من وجه ، والأخير أرجح ، لموافقة الكتاب ، مضافا إلى الأكثريّة والأصرحيّة والأشهريّة ، بل يظهر من بعض الأجلّة الإجماع على اشتراط الاستطاعة (٦).

فرع : لو جنى العبد المأذون في إحرامه حال رقّيته بما يلزمه به الدم ،

__________________

(١) الفقيه ٢ : ٢٦٥ ـ ١٢٩٠ ، التهذيب ٥ : ٥ ـ ١٣ ، الإستبصار ٢ : ١٤٨ ـ ٤٨٥ ، الوسائل ١١ : ٥٢ أبواب وجوب الحجّ وشرائطه ب ١٧ ح ٢.

(٢) الكافي ٤ : ٢٧٦ ـ ٨ ، التهذيب ٥ : ٥ ـ ١٢ ، الإستبصار ٢ : ١٤٨ ـ ٤٨٤ ، الوسائل ١١ : ٥٣ أبواب وجوب الحجّ وشرائطه ب ١٧ ح ٤.

(٣) آل عمران : ٩٧.

(٤) الوسائل ١١ : ٣٣ أبواب وجوب الحج وشرائطه ب ٨.

(٥) قاله صاحب المدارك ٧ : ٣١.

(٦) انظر كشف اللثام ١ : ٢٨٨.

٢٣

كان على سيّده ، وفاقا لصريح المعتبر (١) ، وظاهر التهذيب (٢) ، وقوّاه في المدارك (٣) ، لصحيحة حريز : « كلّما أصاب العبد وهو محرم في إحرامه فهو على السيّد إذا أذن له في الإحرام » (٤).

ولا تعارضه صحيحة ابن أبي نجران : عن عبد أصاب صيدا وهو محرم ، هل على مولاه شي‌ء من الفداء؟ فقال : « لا شي‌ء على مولاه » (٥) ، لأنّ الأولى أخصّ مطلقا من الثانية بتقييدها بالإذن في الإحرام.

والقول بأنّ الثانية أيضا متضمّنة له ، لأنّ قول السائل : « وهو محرم » بقرينة تقريره عليه في الجواب يدلّ على تحقّق الصحّة المشروطة بالإذن.

مردود بمنع حجّية مثل ذلك التقرير أولا ، وتحقّق الصحّة بالإذن بالعموم ، بأن يقول له : افعل ما تشاء ، الذي هو أيضا أعمّ مطلقا من الإذن في الإحرام ، ثانيا.

الشرط الرابع : الاستطاعة.

بالإجماع ، والكتاب (٦) ، والسنّة المتواترة (٧) ، وهي تكون بالاستطاعة‌

__________________

(١) المعتبر ٢ : ٧٥١.

(٢) التهذيب ٥ : ٣٨٢.

(٣) المدارك ٧ : ٣٣.

(٤) الكافي ٤ : ٣٠٤ ـ ٧ ، الفقيه ٢ : ٢٦٤ ـ ١٢٨٤ ، التهذيب ٥ : ٣٨٢ ـ ١٣٣٤ ، الإستبصار ٢ : ٢١٦ ـ ٧٤١ ، الوسائل ١٣ : ١٠٤ أبواب كفّارات الصيد وتوابعها ب ٥٦ ح ١.

(٥) التهذيب ٥ : ٣٨٣ ـ ١٣٣٥ ، الإستبصار ٢ : ٢١٦ ـ ٧٤٢ ، الوسائل ١٣ : ١٠٥ أبواب كفّارات الصيد وتوابعها ب ٥٦ ح ٣.

(٦) آل عمران : ٩٧.

(٧) الوسائل ١١ : ٣٣ أبواب وجوب الحجّ وشرائطه ب ٨.

٢٤

في أربعة أمور : الاستطاعة الماليّة ، والسربيّة ، والبدنيّة ، والزمانيّة ، وتفصيلها يقع في أربعة مقامات :

المقام الأول : في الاستطاعة الماليّة.

وهي تحصل بالتمكّن من الزاد والراحلة.

أمّا الزاد فالمراد منه : ضروريّ الأكل والشرب مدّة ذهابه إلى المقصد وعوده إلى بلده ، ودخوله في مفهوم الاستطاعة لغة وعرفا واضح ، والأخبار به ناصّة (١) كما يأتي.

وأدخل بعضهم في الزاد : الملبس وما يكنّ به (٢) ، أي يستر ويقي نفسه من الحرّ والبرد من خباء ونحوه.

أقول : أمّا الملبس ، فإن أراد به ما يحتاج إليه في السفر زائدا عمّا يحتاج إليه في وطنه ممّا يقيه من برد ونحوه ، فلا شكّ في دخوله في الاستطاعة مع الحاجة ، سواء سلّمنا شمول الزاد له أم لا ، ويدل على اشتراطه نفي العسر والحرج أيضا.

وإن أراد مطلق الملبس الضروريّ ولو في الحضر ، فإن أراد أنّه يشترط أن يكون له بعد استثناء الملبس ما يكفي لزاده ، فهو صحيح كما يأتي ، ولكن لا يحسن إدخاله في الزاد.

وإن أراد مطلق الملبس الضروري ، فتوجيهه كتوجيه المأكل الضروري ، فإنّه قد يتمكّن في الحضر من ملبس باكتساب ونحوه ويمنعه السفر إلى الحجّ عن تحصيله فيبقى في أثناء الطريق عريانا ، أو يكتفي في الحضر بالاستعراء والتكفّف من الناس ونحوهما ، فيشترط وجوب الحجّ‌

__________________

(١) الوسائل ١١ : ٣٧ و ٣٩ أبواب وجوب الحجّ وشرائطه ب ٩ و ١٠.

(٢) انظر المفاتيح ١ : ٢٩٧.

٢٥

بعدم احتياجه في ضروريّ ملبسه إلى مثل ذلك.

وأمّا ما يكنّ به ، فاشتراط التمكّن منه إنّما يتمّ مع الحاجة إليه لا مطلقا ، كما إذا كانت من وطنه إلى مكّة خمسة منازل ـ مثلا ـ وكان الهواء بحيث لا يحتاج إلى كنّ ، أو كان الشخص ممّن لا تضرّه الشمس ولا يشقّ عليه أيضا انتفاء الكنّ.

نعم ، يشترط وجوده مع الحاجة للضرورة أو المشقّة بدونه ، ولكن مع ذلك في إدخاله في الزاد تأمّل ، وإن دخل فيما يستطاع به.

ثم ظاهر الكتاب والسنّة وإن لم يقتض اعتبار الزاد في العود أيضا ، إلاّ أنّ أكثر الأصحاب اعتبروه (١) ، بل عن الشهيد الثاني : الإجماع عليه (٢).

والتحقيق أن يقال : إنّه لا شكّ في عدم دخول زاد العود في استطاعة سبيل الحجّ ، ولكن إن كان الشخص ممّن له أهل أو ملك في الوطن ، أو يشقّ عليه مفارقته ، فلا محيص من اعتباره ، دفعا للضرر والحرج المنفيّين.

وإلاّ فلا ـ كما قيل ـ لعدم الدليل ، وإن استضعفه في التذكرة (٣) ، لأنّ النفوس تطلب الأوطان.

وفيه : أنّ الطلب إن كان بحدّ يشقّ معه الترك فكذلك ، وإلاّ فلا يوجب الاشتراط ، مع أنّ من الأشخاص من تساوى عنده البلاد.

ثم المعتبر في وجدان الزاد : أن يكون مقتدرا على تحصيل المأكول والمشروب بقدر الحاجة ، إمّا بالقدرة على حملهما ، أو تحصيلهما في المنازل ، من غير فرق في ذلك بين المأكول والمشروب وعلف الدابّة.

__________________

(١) كالعلاّمة في التذكرة ١ : ٣٠١ ، والكاشاني في المفاتيح ١ : ٢٩٧.

(٢) المسالك ١ : ٩٢.

(٣) التذكرة ١ : ٣٠١.

٢٦

وعن المنتهى والتذكرة : التفرقة ، فأوجب حمل المأكول دون الماء والعلف ، فإذا فقدا في المواضع المعتادة يسقط الحجّ ولو أمكن الحمل (١).

وكأنّه لعدم صدق الاستطاعة مع الفقد ، بناء على الغالب. وهو ليس بجيّد.

ولو لم يجد الزاد ، ولكن كان كسوبا يتمكّن من الاكتساب في الطريق لكلّ يوم بقدر ما يكفيه ، وظنّ إمكانه بجريان العادة عليه من غير مشقّة ، وجب الحجّ ، لصدق الاستطاعة.

وعن التذكرة : سقوطه إن كان السفر طويلا ، لما في الجمع بين الكسب والسفر من المشقّة ، ولإمكان انقطاعه من الكسب (٢).

وهو منازعة لفظيّة ، لأنّ المفروض إمكان الجمع وجريان العادة بعدم الانقطاع ، وإلاّ فالزاد أيضا قد يسرق.

وأمّا الراحلة ، فعلى اشتراطها وتوقّف الاستطاعة عليها الإجماع ، كما عن الناصريات والخلاف والغنية والمنتهى والتذكرة والسرائر (٣).

ويدلّ عليه ـ مضافا إلى الإجماع ـ ظاهر الكتاب ـ حيث إنّه لا استطاعة بدون الراحلة ـ والأخبار المتكثّرة : كصحيحة الخثعمي : عن قول الله عزّ وجلّ ( وَلِلّهِ عَلَى النّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ ) إلى آخره ، ما يعني بذلك؟ قال : « من كان صحيحا في بدنه مخلّى سربه له زاد وراحلة فهو ممّن يستطيع الحجّ » الحديث (٤).

__________________

(١) المنتهى ٢ : ٦٥٣ ، التذكرة ١ : ٣٠١.

(٢) التذكرة ١ : ٣٠٢.

(٣) الناصريات ( الجوامع الفقهية ) : ٢٠٨ ، الخلاف ٢ : ٢٤٦ ، الغنية ( الجوامع الفقهية ) : ٥٧٣ ، المنتهى ٢ : ٦٥٢ ، التذكرة ١ : ٣٠١ ، السرائر ١ : ٥٠٨.

(٤) التهذيب ٥ : ٣ ـ ٢ ، الإستبصار ٢ : ١٣٩ ـ ٤٥٤ ، الوسائل ١١ : ٣٤ أبواب وجوب الحجّ وشرائطه ب ٨ ح ٤.

٢٧

والمرويين في توحيد الصدوق (١) وتفسير العيّاشي (٢) : في تفسير الآية ( مَنِ اسْتَطاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً ) ، ما يعني بذلك؟ قال : « من كان صحيحا في بدنه مخلّى في سربه له زاد وراحلة فهو ممّن يستطيع الحجّ ».

وفي خبر السكوني : « إنّما يعني بالاستطاعة : الزاد والراحلة ، ليس استطاعة البدن » (٣).

والمرويّ عن العلل : « إنّ السبيل : الزاد والراحلة مع الصحّة » (٤).

وهل اشتراط الراحلة مختصّ بصورة الاحتياج إليها ـ لعدم القدرة على المشي ـ أو للمشقّة مطلقا ، أو الشديدة منها وإن كان قادرا على المشي ، أو لمنافاة المشي لشأنه وشرفه ونحو ذلك ، أو يعمّ جميع الصور وإن ساوى عنده المشي والركوب سهولة وصعوبة وشرفا وضعة؟

ظاهر المنتهى : الأول ، حيث اشترط الراحلة للمحتاج إليها (٥) ، وهو ظاهر الذخيرة والمدارك (٦) ، وصريح المفاتيح وشرحه (٧) ، ونسبه في الأخير إلى الشهيدين (٨) ، بل التذكرة (٩) ، بل يمكن استفادته من كلام جماعة قيّدوها‌

__________________

(١) التوحيد : ٣٥٠ ـ ١٤ ، الوسائل ١١ : ٣٥ أبواب وجوب الحجّ وشرائطه ب ٨ ح ٧ ، بتفاوت يسير.

(٢) تفسير العياشي ١ : ١٩٢ ـ ١١١ ، الوسائل ١١ : ٣٦ أبواب وجوب الحجّ وشرائطه ب ٨ ح ١٠ ، بتفاوت يسير.

(٣) الكافي ٤ : ٢٦٨ ـ ٥ ، الوسائل ١١ : ٣٤ أبواب وجوب الحجّ وشرائطه ب ٨ ح ٥.

(٤) نسبه إليه في الرياض ١ : ٣٣٧ ، ولكنّا لم نجده في العلل ، وهو موجود في عيون أخبار الرضا ٢ : ١٢٠ ـ ١ ، الوسائل ١١ : ٣٥ أبواب وجوب الحج وشرائطه ب ٨ ح ٦.

(٥) المنتهى ٢ : ٦٥٢.

(٦) الذخيرة : ٥٥٩ ، المدارك ٧ : ٣٦.

(٧) المفاتيح ١ : ٢٩٧.

(٨) الشهيد الأول في الدروس ١ : ٣١٠ ، الشهيد الثاني في المسالك ١ : ٨٨.

(٩) التذكرة ١ : ٣٠١.

٢٨

بالاحتياج أو الافتقار (١) ، واستشكل في الكفاية (٢).

ويدلّ عليه صدق الاستطاعة بدون الحاجة إليها بأحد الوجوه المتقدّمة ، ولذا صرّح جماعة بعدم اعتباره للمكّي والقريب إلى مكّة والمسافر من البحر (٣) ، والأخبار العديدة عموما أو خصوصا.

فمن الأول : صحيحة الحلبي : « إذا قدر الرجل على ما يحجّ به ثم دفع ذلك وليس له شغل يعذره الله فيه فقد ترك شريعة من شرائع الإسلام » الحديث (٤).

والمحاربي : « من مات ولم يحجّ حجّة الإسلام ما يمنعه من ذلك حاجة تجحف به ، أو مرض لا يطيق معه الحجّ أو سلطان يمنعه ، فليمت يهوديّا أو نصرانيّا » (٥).

ومن الثاني : صحيحة ابن عمّار : عن رجل عليه دين ، أعليه أن يحجّ؟ قال : « نعم ، إن حجّة الإسلام واجبة على من أطاق المشي من المسلمين ، ولقد كان أكثر من حجّ مع النبيّ مشاة » الحديث (٦).

والحلبي : في قوله تعالى ( وَلِلّهِ عَلَى النّاسِ ) الآية ، ما السبيل؟

__________________

(١) كالمحقق في المعتبر ٢ : ٧٥٢.

(٢) الكفاية : ٥٦.

(٣) كالعلاّمة في التذكرة ١ : ٣٠١ ، وصاحب المدارك ٧ : ٣٧ ، والسبزواري في الذخيرة : ٥٥٧.

(٤) التهذيب ٥ : ١٨ ـ ٥٤ ، ٤٠٣ ـ ١٤٠٥ ، الوسائل ١١ : ٢٦ أبواب وجوب الحجّ وشرائطه ب ٦ ح ٣.

(٥) الكافي ٤ : ٢٦٨ ـ ١ ، الفقيه ٢ : ٢٧٣ ـ ١٣٣٣ ، التهذيب ٥ : ١٧ ـ ٤٩ ، الوسائل ١١ : ٢٩ أبواب وجوب الحج وشرائطه ب ٧ ح ١ ، بتفاوت يسير.

(٦) التهذيب ٥ : ١١ ـ ٢٧ ، الإستبصار ٢ : ١٤٠ ـ ٤٥٨ ، الوسائل ١١ : ٤٣ أبواب وجوب الحجّ وشرائطه ب ١١ ح ١.

٢٩

قال : « أن يكون له ما يحجّ به » إلى أن قال : « فإن كان يطيق أن يمشي [ بعضا ] ويركب بعضا فليحجّ » (١).

ورواية أبي بصير : قول الله عزّ وجلّ ( وَلِلّهِ عَلَى النّاسِ ) الآية ، قال : « يخرج ويمشي إن لم يكن عنده » ، قلت : لا يقدر على المشي ، قال : « يمشي ويركب » ، قلت : لا يقدر على ذلك ، قال : « يخدم القوم ويخرج معهم » (٢) ، وصحيحة محمّد الآتية (٣).

وصرّح بعض المتأخّرين بالثاني (٤) ، بل نسب إلى الأكثر ، بل نسب غيره إلى الشذوذ ، واستشهد بالإجماعات المتقدّمة المحكيّة.

وبقول صاحب المدارك ـ بعد ذكر أنّ اللازم منه ، أي ممّا سبق ذكره ، عدم اعتبار الراحلة في حقّ البعيد مطلقا إذا تمكّن من المشي من غير مشقّة شديدة ـ : ولا نعلم به قائلا (٥).

وقول صاحب الذخيرة ، بعد نقل الأخبار المتقدّمة ، حيث قال : والمسألة لا تخلو من إشكال ، لعدم تصريح بالخلاف بين الأصحاب في اعتبار الزاد والراحلة في الاستطاعة (٦). انتهى.

واستدلّ على التعميم بالأخبار المذكورة أولا ، المتضمّنة لذكر الزاد‌

__________________

(١) الكافي ٤ : ٢٦٦ ـ ١ ، التهذيب ٥ : ٣ ـ ٣ ، الإستبصار ٢ : ١٤٠ ـ ٤٥٥ ، الوسائل ١١ : ٤٠ أبواب وجوب الحجّ وشرائطه ب ١٠ ح ٥ ، ما بين المعقوفين أضفناه من المصادر.

(٢) التهذيب ٥ : ١٠ ـ ٢٦ ، الإستبصار ٢ : ١٤٠ ـ ٤٥٧ وفيه : إن لم يكن عنده ما يركب .. ، الوسائل ١١ : ٤٣ أبواب وجوب الحجّ وشرائطه ب ١١ ح ٢.

(٣) في ص : ٣٣.

(٤) انظر الرياض ١ : ٣٣٧.

(٥) المدارك ٧ : ٣٦.

(٦) الذخيرة : ٥٥٧‌

٣٠

والراحلة على الإطلاق ، ورجّحها على تلك الأخبار بموافقة عمل الأصحاب ، والإجماعات المحكية ، والأصل ، والشهرة العظيمة ، وظاهر الآية من جهة عدم انصراف إطلاق الأمر فيها إلاّ إلى المستطيع ببدنه ، فاعتبار الاستطاعة بعده ليس إلاّ لأمر آخر وليس إلاّ الزاد والراحلة بإجماع الأمّة.

وبمخالفة قول مالك من العامّة ، حيث نقل في المنتهى عنه عدم اعتباره الزاد والراحلة (١).

وبشذوذ تلك الأخبار الأخيرة.

أقول : أمّا الأخبار المذكورة فلا شكّ أنّ دلالتها بالإطلاق المنصرف إلى الغالب ، وهو احتياج البعيد إلى الراحلة ولو لدفع مطلق المشقّة أو حفظ شرف النفس ونحوهما ، ولو سلّم عدم الانصراف والبقاء على الإطلاق يعارض الأخبار الأخيرة ، إمّا بالعموم والخصوص من وجه ، أو مطلقا.

ولا نسلّم رجحان الأولى بما ذكر ، أمّا عمل الأصحاب فلانصراف إطلاق كلماتهم أيضا إلى الغالب ، مع تصريح جمع كثير منهم بالحاجة (٢) ، ولذا لم يشترطوها للقريب وراكب السفينة.

ومنه يظهر حال الإجماعات المحكيّة ، مع أنّ كثيرا منها وارد في شأن غير المحتاج ، وكذا حال الشهرة ، مع أنّ الترجيح بهذه الأمور ممّا لم يثبت اعتباره.

وأمّا شذوذ الأخيرة ، فإن أريد بالنسبة إلى الإطلاق والوجوب على الماشي ـ ولو بالمشقّة ـ فلا ننكره ولا نقول به ، بل يخالف ذلك ظاهر آيات الاستطاعة ونفي العسر.

__________________

(١) الرياض ١ : ٣٣٧ ، وفي المنتهى ٢ : ٦٥٢.

(٢) كالمحقق في المعتبر ٢ : ٧٥٢ ، والعلاّمة في المنتهى ٢ : ٦٥٢ ، والسبزواري في الكفاية : ٥٦.

٣١

وإن أريد بالنسبة إلى غير المحتاج بوجه فلا نسلّم الشذوذ أصلا.

وأمّا ظاهر الآية ، فلا يوافق إطلاقها أصلا ، لصدق الاستطاعة بدون الراحلة في غير المحتاج ، ولا يلزم من اعتبار أمر آخر وراء صحّة البدن في الاستطاعة اعتبار الزاد والراحلة معا مطلقا ، بل يكفي اعتبارهما في حقّ المحتاج واعتبار تخلية السرب.

وأمّا قول مالك فهو أنّه لا يعتبر الراحلة مطلقا ولو مع المشقّة.

وممّا ذكر ظهر أنّ الحقّ هو : الأول ، وعليه الفتوى والعمل.

والكلام في العود وإمكان التحصيل بالكسب في السفر هنا كما مرّ في الزاد.

وهل يعتبر في الراحلة أن تكون مناسبة لحاله بحسب العزّة والشرف ، فيعتبر المحمل أو نحوه عند علوّ منصبه؟

ظاهر التذكرة : اعتباره (١).

وعن الدروس : العدم (٢).

واختاره في الذخيرة إلاّ مع العجز عن الركوب بدون المحمل أو التضرّر (٣) ، وهو كذلك.

لقوله عليه‌السلام في صحيحة ابن عمّار : « فإن كان دعاه قوم أن يحجّوه فاستحيا فلم يفعل فإنّه لا يسعه إلاّ أن يخرج ولو على حمار أجدع أبتر » (٤).

والحلبي : من عرض عليه ما يحجّ به فاستحيا من ذلك أهو ممّن‌

__________________

(١) التذكرة ١ : ٣٠١.

(٢) الدروس ١ : ٣١٢.

(٣) الذخيرة : ٥٥٩.

(٤) التهذيب ٥ : ١٨ ـ ٥٢ ، الوسائل ١١ : ٤٠ أبواب وجوب الحج وشرائطه ب ١٠ ح ٣.

٣٢

يستطيع إليه سبيلا؟ قال : « نعم ، ما شأنه يستحيي؟! يحجّ ولو على حمار أبتر ، فإن كان يستطيع أن يمشي بعضا ويركب بعضا فليحجّ » (١).

وأبي بصير : « من عرض عليه الحجّ ولو على حمار أجدع مقطوع الذنب [ فأبى ] فهو مستطيع » (٢).

ومحمد : فإن عرض عليه الحجّ فاستحيا؟ قال : « هو ممّن يستطيع ولم يستحي ولو على حمار أجدع أبتر » قال : « فإن كان يستطيع أن يمشي بعضا ويركب بعضا فليفعل » (٣).

وبها يخصّص عموم انتفاء العسر لو سلّمناه هنا ولم نقل أنّه من الخيلاء وخداع النفس الخبيثة.

ويدخل في الاستطاعة المالية : ما يضطرّ إليه من الآلات والأوعية التي يحتاج إليها المسافر ، من القرب والجواليق (٤) وثياب المركوب وما شابهها بالإجماع ، لعدم صدق الاستطاعة بدونها مع الضرورة.

ويلحق بهذا المقام مسائل :

المسألة الأولى : لا بدّ في وجوب الحجّ من فاضل من الزاد والراحلة‌

__________________

(١) الكافي ٤ : ٢٦٦ ـ ١ ، التهذيب ٥ : ٣ ـ ٣ ، الإستبصار ٢ : ١٤٠ ـ ٤٥٦ ، الوسائل ١١ : ٤٠ أبواب وجوب الحجّ وشرائطه ب ١٠ ح ٥ ، بتفاوت يسير.

(٢) الفقيه ٢ : ٢٥٩ ـ ١٢٥٦ ، الوسائل ١١ : ٤٢ أبواب وجوب الحجّ وشرائطه ب ١٠ ح ٧ ، وما بين المعقوفين أضفناه من المصادر.

(٣) التهذيب ٥ : ٣ ـ ٤ ، الإستبصار ٢ : ١٤٠ ـ ٤٥٦ ، الوسائل ١١ : ٣٩ أبواب وجوب الحجّ وشرائطه ب ١٠ ح ١.

(٤) الجواليق بكسر الجيم واللاّم وبضم الجيم وفتح اللاّم وكسرها ، وجمعه جوالق : وعاء ـ الصحاح ١٤ : ١٤٥٤ ، القاموس المحيط ٣ : ٢٢٥.

٣٣

بقدر ما يمون به عياله الواجبي النفقة حتى يرجع ، بالإجماع المحقّق والمحكي (١) ، والنّص ، وهو : رواية أبي الربيع : عن قول الله عزّ وجلّ : ( وَلِلّهِ عَلَى النّاسِ ) فقال : « ما يقول الناس؟ » قال : فقيل : الزاد والراحلة ، قال : فقال أبو عبد الله عليه‌السلام : « قد سئل أبو جعفر عليه‌السلام عن هذا ، فقال : هلك الناس إذن ، لئن كان من كان له زاد وراحلة قدر ما يقوت به عياله ويستغني به عن الناس ينطلق إليهم فيسلبهم إيّاه لقد هلكوا ، فقيل له فما السبيل؟ قال : فقال : السعة في المال إذا كان يحجّ ببعض ويبقي بعضا يقوت به عياله » (٢).

والمرسلة المرويّة في المجمع عن أئمّتنا عليهم‌السلام في تفسير الاستطاعة : « إنّها وجود الزاد والراحلة ونفقة من يلزم نفقته والرجوع إلى كفاية ، إمّا من مال أو ضياع أو حرفة مع الصحّة في النفس وتخلية السرب من الموانع وإمكان السير » (٣).

ونحوه المرويّ عن الخصال ، وفيها : « إنّها الزاد والراحلة مع صحّة البدن ، وأن يكون للإنسان ما يخلفه على عياله وما يرجع إليه من حجّه » (٤).

والمرويّ في المقنعة : « هلك الناس إذا كان من له زاد وراحلة لا يملك غيرهما أو مقدار ذلك ممّا يقوت به عياله ويستغني به عن الناس ، فقد وجب عليه أن يحجّ بذلك ، ثم يرجع فيسأل الناس بكفّه ، لقد هلك إذن » ‌

__________________

(١) حكاه في الرياض ١ : ٣٣٩.

(٢) الكافي ٤ : ٢٦٧ ـ ٣ ، التهذيب ٥ : ٢ ـ ١ ، الإستبصار ٢ : ١٣٩ ـ ٤٥٣ ، الوسائل ١١ : ٣٧ أبواب وجوب الحجّ وشرائطه ب ٩ ح ١ ، بتفاوت يسير.

(٣) مجمع البيان ١ : ٤٧٨ ، الوسائل ١١ : ٣٩ أبواب وجوب الحجّ وشرائطه ب ٩ ح ٥.

(٤) الخصال : ٦٠٦ ، الوسائل ١١ : ٣٨ أبواب وجوب الحجّ وشرائطه ب ٩ ح ٤.

٣٤

فقيل له عليه‌السلام : فما السبيل عندك؟ فقال : « السعة في المال ، وهو أن يكون معه ما يحجّ ببعضه ويبقى بعض يقوت به نفسه وعياله » (١).

وضعف بعض هذه الأخبار لو كان لكان منجبرا بعمل الطائفة طرّا والإجماعات المحكيّة مستفيضة.

ويدلّ عليه أيضا بعض الأخبار المذكورة في المسألة الثالثة الآتية ، وبعض هذه النصوص وإن لم يقيّد العيال بواجبي النفقة ولا ما يمون به إلى وقت الرجوع ، إلاّ أنّ الأول مصرّح به في رواية المجمع ، ومع ذلك هو مقتضى الاقتصار على القدر المتيقّن ، والثاني مفهوم من السياق ، بل هو أيضا اقتصار على المتيقّن ، لأنّ الظاهر منه اعتبار ما يستغنى به عن الناس مطلقا ، وهو يشمل ما بعد الرجوع أيضا.

المسألة الثانية : الحقّ اشتراط الرجوع إلى صنعة أو بضاعة أو عقار أو نحوها ممّا تكون فيه الكفاية عادة بحيث لا يحوجه صرف المال في الحجّ إلى السؤال بعد العود ، وفاقا للشيخين والحلبي والقاضي وبني زهرة وحمزة وسعيد (٢) ، وهو ظاهر الصدوق أيضا (٣) ، وفي المسالك : أنّه مذهب أكثر المتقدّمين (٤) ، وفي الروضة : أنّه المشهور بينهم (٥) ، وفي المختلف والمسالك :

__________________

(١) المقنعة : ٣٨٤ ، الوسائل ١١ : ٣٧ أبواب وجوب الحجّ وشرائطه ب ٩ ح ١ ، بتفاوت يسير.

(٢) المفيد في المقنعة : ٣٨٥ ، الطوسي في الخلاف ٢ : ٢٤٥ ، الحلبي في الكافي في الفقه : ١٩٢ ، القاضي في شرح جمل العلم والعمل : ٢٠٥ ، ابن زهرة في الغنية ( الجوامع الفقهية ) : ٥٧٣ ، ابن حمزة في الوسيلة : ١٥٥ ، ابن سعيد في الجامع للشرائع : ١٧٣.

(٣) الفقيه ٢ : ٢٥٩.

(٤) المسالك ١ : ٩٢.

(٥) الروضة ٢ : ١٦٨.

٣٥

نقله السيّد عن الأكثر (١) ، وعن الخلاف والغنية إجماع الإماميّة عليه (٢).

لما مرّ من روايات المجمع والخصال والمقنعة ، فإنّ قوله في الأخيرة : « ثم يرجع فيسأل الناس بكفّه » يدلّ على اشتراط الكفاية ، وكذا قوله : « ويبقى البعض يقوت به نفسه وعياله » يعني : وقت رجوعه ، وإلاّ فكيف يقوت نفسه بذلك البعض الباقي مع أنّه خرج إلى الحجّ؟!

والإيراد : بأنّ أقصى ما يستفاد منه اعتبار بقاء شي‌ء بعد الحجّ والرجوع ، وهو غير دالّ على كونه بقدر الكفاية على الوجه المتنازع فيه ، فيحتمل أن يكون المراد به قوت السنة له ولعياله ، إذ ذلك كاف في عدم السؤال ، إذ به يحصل الغناء الشرعي ، كما في المدارك والذخيرة (٣).

مردود بأنّ بعد اعتبار ذلك يثبت المطلوب بالإجماع المركّب.

ويدلّ على المطلوب أيضا ما مرّ من الإجمال في العمومات والمطلقات ، الموجب للرجوع إلى الأصل في غير ما ثبت معه الوجوب ، وضعف سند ما ذكر مجبور بما مرّ من حكايات الشهرة والإجماع.

وقد يستدلّ أيضا للمطلوب بظاهر الآية ، حيث إنّ الاستطاعة لغة وعرفا ليست هي مجرّد القدرة والطاقة ، بل ما تكون فيه السهولة وارتفاع المشقّة ، كما ذكره السيّد في المسائل الناصريّة مستدلاّ بالاستعمال في مواضع كثيرة (٤).

وهو غير جيّد ، لأنّه إنّما يتمّ على أصله من كون الأصل في الاستعمال الحقيقة ، مضافا إلى أنّه يفيد لو كانت الاستطاعة في الآية مطلقة ، ولكنّها‌

__________________

(١) المختلف ٢ : ٢٥٦ ، المسالك ١ : ٩٢.

(٢) الخلاف ٢ : ٢٤٦ ، الغنية ( الجوامع الفقهية ) : ٥٧٣.

(٣) المدارك ٧ : ٧٩ ، الذخيرة : ٥٥٩.

(٤) الناصريات ( الجوامع الفقهية ) : ٢٠٨.

٣٦

باستطاعة السبيل مقيّدة ، فغايته سهولة قطع الطريق لا مطلقا ، فتأمّل.

خلافا للمحكي عن القديمين وجمل السيّد والحلّي وفي النافع والشرائع (١) وأكثر المتأخّرين (٢) ، بل مطلقا كما عن المعتبر والتذكرة (٣) ، لظاهر الآية ، وللأخبار المتقدّمة المصرّحة بحصول الاستطاعة بوجود ما يحجّ به ، أو الزاد والراحلة.

ويجاب عن الكلّ : بوجوب تخصيصه بما ذكرنا ، لأخصيّة المطلقة الموافقة للشهرة القديمة والملّة السهلة الحنيفة ، ومخالفة عمل العامّة.

فرع : لا يخفى أنّ الرجوع إلى كفاية إنّما يشترط فيمن كانت استطاعته بماله وكانت له كفاية ، بحيث لو قلنا بعدم الاشتراط صرف الكفاية في الحجّ.

أمّا من ليس كذلك ولا يتفاوت حجّه في وجود الكفاية وعدمها ـ كمن أدرك أحد الموقفين كاملا أو حرّا أو من ذهب متسكّعا أو تأجّر إلى قريب مكّة وتحصل له الاستطاعة من غير احتياج إلى صرف مال ، أو بذل له أحد نفقة الحجّ ـ فلا يعتبر فيه الرجوع إلى الكفاية إجماعا ، لأنّ من ذكرنا هو المراد من روايات اعتبار الكفاية ـ كما هو ظاهر من سياقها (٤) ـ لا من يتكفّف ، سواء حجّ أو لم يحجّ ، مع أنّ انجبارها الموجب لحجّيتها‌

__________________

(١) حكاه عن الإسكافي والعماني في المختلف : ٢٥٦ ، السيّد في جمل العلم والعمل ( رسائل الشريف المرتضى ٣ ) : ٦٢ ، الحلي في السرائر ١ : ٥٠٨ ، النافع : ٧٦ ، الشرائع ١ : ٢٢٥.

(٢) كالشهيد الثاني في الروضة ٢ : ١٦٨ ، وصاحب الرياض ١ : ٣٤٠.

(٣) المعتبر ٢ : ٧٥٦ ، التذكرة ١ : ٣٠٢.

(٤) الوسائل ١١ : ٣٧ أبواب وجوب الحجّ وشرائطه ب ٩.

٣٧

مخصوص بما ذكر أيضا.

وكذا صحيحة ابن عمّار (١) والغنوي (٢) ـ الموجبتان للإجمال ـ واردتان فيمن يحجّ من مال نفسه.

ومع ذلك كلّه فروايات وجوب الحجّ على مدرك الموقفين والمبذول له نفقة الحجّ ونحوهما (٣) تعارض الروايات المذكورة ، ولا تخصّص أيضا بهاتين الروايتين حتى يحصل فيها الإجمال ، فتأمّل.

المسألة الثالثة : لا يباع لنفقة الحجّ : الخادم ، ولا دار السكنى ، ولا الثياب المحتاج إليها ، ولا فرس الركوب ، ولا كتب العلم ، ولا أثاث البيت ، ولا آلات الصنائع ، كلّ ذلك مع الضرورة والحاجة بقدرهما ، وعلى أكثرها حكاية الإجماع مستفيضة (٤).

ويدلّ عليه انتفاء الضيق والعسر والحرج الحاصلة بالتكليف ببيع هذه الأمور ، ويمكن أن يستدلّ له بصحيحة المحاربي المتقدّمة (٥) ، حيث إنّ مع الحاجة إليها يصدق حاجة تجحف به.

ويمكن الاستدلال أيضا بصحيحة ابن عمّار : « من مات ولم يحجّ حجّة الإسلام ولم يترك إلاّ بقدر نفقة الحجّ فورثته أحقّ بما ترك ، إن شاءوا حجّوا عنه وإن شاءوا أكلوا » ، ونحوها الغنوي (٦).

__________________

(١) التهذيب ٥ : ٤٠٥ ـ ١٤١٢ ، الإستبصار ٢ : ٣١٨ ـ ١١٢٧ ، وفي الوسائل ١١ : ٤٦ أبواب وجوب الحجّ وشرائطه ب ١٤ ح ١ بتفاوت يسير.

(٢) الفقيه ٢ : ٢٧٠ ـ ١٣١٥ ، الوسائل ١١ : ٤٦ أبواب وجوب الحجّ وشرائطه ب ١٤ ح ١.

(٣) الوسائل ١١ : ٣٩ و ٥٢ أبواب وجوب الحجّ وشرائطه ب ١٠ و ١٧.

(٤) كما في المعتبر ٢ : ٧٥٣ ، والتذكرة ١ : ٣٠٢.

(٥) في ص : ٢٩.

(٦) مرّت الإشارة إليهما أعلاه.

٣٨

وجه التقريب : أنّهما دلّتا على عدم كفاية نفقة الحجّ في الاستطاعة واستقرار الحجّ في الذمّة ، بل لا بد من الزائد عليها ، ولعدم تعيّن الزائد يدخل الإجمال في العمومات والإطلاقات ، فلا يحكم بالوجوب إلاّ في موضع اليقين ، وهو بعد استثناء نفقة العيال والأمور المذكورة طرّا.

ومنه يظهر جواز مراعاة المناسبة لحاله بحسب عادة زمانه ومكانه في العزّ والشرف ، ويجب الاقتصار في هذه الأشياء على قدر الضرورة مع المناسبة.

ولو زادت أعيانها على قدر الحاجة وجب صرف الزائد في الحجّ.

ولو أمكن بيعها وشراء ما يليق بحاله بأقلّ من ثمنها ، فقيل : الأقرب وجوب البيع وشراء الأدون (١) ، وكذا لو أمكن تحصيل ما تحصل به الكفاية من هذه الأشياء بالإجارة ونحوها من غير مشقّة عاديّة ، فالظاهر الاكتفاء به ، وما ذكره أحوط.

ومن لم تكن له المستثنيات تستثنى له أثمانها إذا دعت الضرورة العاديّة إليها.

المسألة الرابعة : لو لم يكن له عين الزاد والراحلة وأمكن شراؤهما أو استئجار ما يصحّ استئجاره منهما ، وجب إجماعا ، لتوقّف الواجب عليه.

ولو لم يوجد إلاّ بالزائد عن الثمن والأجرة ، فصرّح في الشرائع والمنتهى (٢) وغيرهما (٣) بوجوب الشراء والإجارة ، ونسبه في المدارك والذخيرة إلى الأكثر (٤).

__________________

(١) كما في الذخيرة : ٥٦٠.

(٢) الشرائع ١ : ٢٢٦ ، المنتهى ٢ : ٦٥٤.

(٣) كالحدائق ١٤ : ٨٧ ، والكفاية : ٥٦.

(٤) المدارك ٧ : ٤٢ ، الذخيرة : ٥٦٠.

٣٩

وقال في التذكرة : وعن المبسوط عدم الوجوب (١) ، وقال في التذكرة : فإن كانت تجحف بماله لم يلزمه شراؤه وإن تمكّن على إشكال (٢).

وفي التحرير : ولو وجده بأكثر من ثمن المثل أو بأكثر من أجرة المثل ، فإن تضرّر به لم يجب الشراء إجماعا ، وإن لم يتضرّر فالأقرب وجوب الشراء (٣). انتهى.

ومراده من التضرّر إمّا إهلاك النفس والعيال ، أو الوقوع في ذلّ المسكنة والسؤال ، فلا يجب مع مثل ذلك ويجب بدونه ، أو المراد ما يعدّ ضررا عرفا ولو كان ماليّا ـ أي لم تكن الزيادة شيئا لا يعدّ بالنسبة إليه ضررا ـ وهذا هو مراده من قوله في التذكرة : تجحف بماله.

أقول : دليل الأكثر : عمومات (٤) وجوب الحجّ بالاستطاعة ، أو بوجدان الزاد والراحلة ، ولا شكّ أنّ مثل ذلك الشخص واجد لهما عرفا.

ويدلّ عليه أيضا المرويّ في الدعائم المتقدّم في بحث التيمّم : فيمن يجد الماء بثمن غال ، قال : « إذا كان واجدا لثمنه فقد وجده » (٥).

ودليل النافين للوجوب ـ الذي يمكن التعويل عليه ـ : أدلّة نفي الضرر والضرار والعسر والحرج ، بجعلها معارضا للأولى وتقديم الثانية ، أو الرجوع إلى الأصل.

ومنه يظهر دليل المفصّل بين الإجحاف والتضرّر وعدمه.

والحقّ على الظاهر مع المفصّل ، لما ذكر ، بل النافي للوجوب مطلقا ،

__________________

(١) التذكرة ١ : ٣٠١ ، وهو في المبسوط ١ : ٣٠٠.

(٢) التذكرة ١ : ٣٠١.

(٣) التحرير ١ : ٩٢.

(٤) الوسائل ١١ : ٣٣ أبواب وجوب الحجّ وشرائطه ب ٨.

(٥) دعائم الإسلام ١ : ١٢١ ، مستدرك الوسائل ٢ : ٥٤٩ أبواب التيمم ب ٢٠ ح ١.

٤٠