مستند الشّيعة - ج ١١

أحمد بن محمّد مهدي النّراقي

مستند الشّيعة - ج ١١

المؤلف:

أحمد بن محمّد مهدي النّراقي


المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ مشهد المقدسة
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
المطبعة: ستاره
الطبعة: ١
ISBN: 964-319-015-3
ISBN الدورة:
964-5503-75-2

الصفحات: ٤١٨

شاذّ فكيف بدعوى التواتر؟! ويمكن أن يكون نظره إلى روايات الوصيّة.

وعن الثالث : بأنّ إجراء حكم الوصيّة ـ لو سلّم ـ في غيرها قياس باطل ، فلعلّ للوصيّة مدخليّة في ذلك ، سيّما مع قرب احتمال قيام القرائن الحاليّة يومئذ على إرادة الحجّ من البلد ، كما هو الظاهر من إطلاق الوصيّة في زماننا هذا.

مضافا إلى خلوّ روايات الوصيّة عن الدالّ على الوجوب أيضا ، بل في بعضها : أنّه أوصى ببقيّة المال للإمام ، فحكمه عليه‌السلام بصرف ماله لا يستلزم جريانه في مال الوارث.

د : لو لم يخلّف من استقرّ الحجّ في ذمّته شيئا لم يجب الحجّ على مال الغير.

وإن خلّف ما لا يفي بقضاء مجموع أفعال الحجّ والعمرة ، فإن قصر عن أجرة أحدهما تامّا أيضا كان المال للوارث أو الدين ، إذ لا يجب قضاء الحجّ والعمرة منه حينئذ ، لعدم الإمكان ، والأمر به إنّما هو مع إمكانه ، ولو أمكن قضاء بعض أفعال الحجّ أو العمرة لم يجب أيضا ، لعدم ثبوت التعبّد بذلك على الخصوص ، ووجوبه التبعيّ عند وجوب الكلّ لا يقتضي وجوبه عند عدمه ، ومن يقول : ما لا يدرك كلّه لا يترك كلّه ، يلزمه الإتيان بما أمكن ولو مجرّد الطواف.

وإن قصر عن أجرة الأمرين من الحجّ والعمرة ووفى بأحدهما ، فعن جمع من الأصحاب وجوبه ، وتقديم العمرة ، لتقدّمها ، أو الحجّ ، لأهمّيته في نظر الشرع ، أو التخيير ، لعدم الأولويّة (١).

__________________

(١) انظر الشرائع ١ : ٢٢٩ ، المسالك ١ : ٩٢ ، كشف اللثام ١ : ٢٩٣.

٨١

وفي المدارك : أنّه يحتمل قويّا سقوط الفرض مع القصور عنهما إن كان الفرض التمتّع ، لدخول العمرة في الحجّ (١).

أقول : إن كان الحجّ اسما لهما معا تعيّن ما احتمله في المدارك ، إذ بعد سقوط الكلّ ليس دليل على وجوب الجزء ، وإلاّ ـ كما هو مقتضى الأصل ، حيث إنّه لم تعلم الحقيقة الشرعيّة فيهما ولم يرد مجرّد اللغويّة ـ فيقتصر على المتيقّن ، فيتعيّن تقديم الحجّ ، لأنّه المأمور بقضائه في الروايات ، بل يستشكل حينئذ في وجوب قضاء العمرة مع الوفاء بهما أيضا.

إلاّ أن يقال : بأنّ وجوبه حينئذ إجماعيّ كما هو كذلك ، فالأقوى وجوب قضائهما مع الوفاء بهما ، والحجّ مع اختصاص الوفاء به ، إلاّ أن يعلم من القرائن إرادتهما معا من لفظ الحجّ ، فيسقط مع عدم الوفاء بهما.

هـ : لو كان له دين وكان المال بقدر لا يفي إلاّ بأحد الأمرين من الحجّ والدين ، فالظاهر التخيير ، لأنّهما واجبان تعارضا ولا مرجّح لأحدهما ، واحتمال التوزيع إنّما يكون إذا وفت حصّة الحجّ به ، وأمّا مع عدمه فلا فائدة في التوزيع.

وجعله بمنزلة الدين الواجب في صحيحة ابن عمّار (٢) إنّما هو في الوجوب.

ولو وفى بالحجّ وشي‌ء من الدين أيضا يكون التخيير في القدر المساوي لأجرة الحجّ ، ويصرف الباقي في الدين.

و : قيّد الأكثر وجوب قضاء الحجّ عن الميّت باستقراره في ذمّته ، واختلفوا فيما يتحقّق به الاستقرار :

__________________

(١) المدارك ٧ : ٨٤.

(٢) المتقدمة في ص : ٧٦ ـ ٧٧.

٨٢

فذهب الأكثر إلى أنّه مضيّ زمان يتمكّن فيه الإتيان بجميع أفعال الحجّ مستجمعا للشرائط (١).

وقيل : إنه مضيّ زمان يمكن فيه تأدّي الأركان خاصّة ، ونسب إلى التذكرة (٢).

واحتمل بعضهم الاكتفاء بمضيّ زمان يمكنه فيه الإحرام ودخول الحرم ، ونسبه بعضهم إلى التذكرة (٣).

واستحسن بعض المتأخّرين الأخير إن كان زوال الاستطاعة بالموت.

والتحقيق : أنّه إن اشترط وجوب القضاء بالاستقرار واقعا ، فالحقّ هو : الأول ، إذ لم تثبت استطاعة من تمكّن من إتيان الأركان خاصة أو دخول الحرم دون سائر الأفعال ، والإجزاء لو مات بعد دخول الحرم بدليل لا يدلّ على وجوبه في غير ذلك المورد.

ولكن الشأن في اشتراط ذلك ، ولذا تأمّل فيه في الذخيرة (٤) ، وهو في موضعه.

بل الأقرب : عدم الاشتراط ، وكفاية توجّه الخطاب ظاهرا أولا ، كما هو ظاهر المدارك (٥) ، وصريح المفاتيح وشرحه (٦) ، وجعل الأخير القول بالاشتراط اجتهادا في مقابلة النصّ ، ونسب فيه وفي سابقه القول بعدم الاشتراط إلى الشيخين ، وينسب إلى المحقّق أيضا ، حيث حكم بوجوب‌

__________________

(١) انظر التذكرة ١ : ٣٠٨ ، والروضة ٢ : ١٧٣ ، والحدائق ١٤ : ١٥٤.

(٢) كما في المسالك ١ : ٩١ ، والمدارك ٧ : ٦٨.

(٣) نسبه إليه في الذخيرة : ٥٦٣.

(٤) الذخيرة : ٥٦٣.

(٥) المدارك ٧ : ٦٨.

(٦) المفاتيح ١ : ٣٠٠.

٨٣

القضاء بالإهمال مع استكمال الشرائط (١).

لإطلاقات وجوب القضاء ، بل عموم صحيحة ضريس المتقدّمة (٢) ، الحاصل بترك الاستفصال فيمن مات قبل دخول الحرم.

وكذا صحيحة العجلي : عن رجل خرج حاجّا ومعه جمل له ونفقة وزاد فمات في الطريق ، فقال : « إن كان صرورة ثم مات في الحرم فقد أجزأ [ عنه ] حجّة الإسلام ، وإن كان مات وهو صرورة قبل أن يحرم جعل جمله وزاده ونفقته وما معه في حجّة الإسلام » الحديث (٣).

وكون القضاء تابعا للأداء ممنوع.

لا يقال : لو بني الأمر على الإطلاق لزم وجوب القضاء ولو لم يكن ماله بقدر يستطيع بنفسه أو لم يتمكّن من المسافرة ، أي لم يتوجّه إليه الخطاب الظاهري.

لأنّا نجيب عنه : بخروج ذلك بالإجماع ، وبمفهوم مثل صحيحة الحلبي : « فإن كان موسرا وحال بينه وبين الحجّ مرض أو حصر أو أمر يعذره الله فيه ، فإنّ عليه أن يحجّ عنه من ماله صرورة لا مال له » (٤).

المسألة الثامنة : لو مات المستطيع في طريق الحجّ ، فإن كان قبل الإحرام ودخول الحرم وجب القضاء عنه بشرط استقرار الحجّ في ذمّته‌

__________________

(١) انظر الشرائع ١ : ٢٢٩.

(٢) في ص : ٧٦.

(٣) الكافي ٤ : ٢٧٦ ـ ١١ ، التهذيب ٥ : ٤٠٧ ـ ١٤١٦ ، الوسائل ١١ : ٦٨ أبواب وجوب الحجّ وشرائطه ب ٢٦ ح ٢ ، بدل ما بين المعقوفين في النسخ : منه ، وما أثبتناه موافق للمصادر.

(٤) الكافي ٤ : ٢٧٣ ـ ٥ ، التهذيب ٥ : ٤٠٣ ـ ١٤٠٥ ، الوسائل ١١ : ٦٣ أبواب وجوب الحجّ وشرائطه ب ٢٤ ح ٢.

٨٤

سابقا على المشهور ، ومطلقا على الأقرب المنصور كما مرّ.

وإن كان بعدهما برئت ذمّته ولم يجب القضاء عنه مطلقا بلا خلاف يعرف ، وفي المدارك : أنّه مذهب الأصحاب (١) ، وفي المفاتيح وشرحه وعن المسالك ، والمنتهى والتنقيح (٢) وغيرها (٣) : الإجماع عليه.

لصحيحتي ضريس والعجلي المتقدّمتين في المسألة السابقة ، وإطلاقهما ـ كإطلاق كلام الأصحاب ـ يقتضي عدم الفرق في ذلك بين أن يقع التلبّس بإحرام الحجّ أو العمرة ، ولا بين أن يموت في الحلّ أو الحرم محرما أو محلاّ كما لو مات بين الإحرامين ، وبهذا التعميم قطع المتأخّرون (٤) ، وهو كذلك.

وإن كان بعد الإحرام وقبل دخول الحرم لم تبرأ ذمته ، وكان كما قبل الإحرام على الأظهر الأشهر ، للأصل ، ومنطوق الصحيح الأول ، ومفهوم صدر الثاني.

خلافا للمحكيّ عن الخلاف والسرائر ، فاكتفيا بالموت بعد الإحرام (٥) ، لمنطوق ذيل الصحيح الثاني.

وفيه : أنّه معارض بمفهوم الصدر مع منطوق الأول ، ولو لا ترجيح الأخيرين لوجب التمسّك بالأصل الموافق للقول الأول أيضا ، مع احتمال أن يكون معنى قوله : « قبل أن يحرم » قبل أن يدخل الحرم ، فقد جاء بمعناه.

__________________

(١) المدارك ٧ : ٦٤.

(٢) المفاتيح ١ : ٣٠٠ ، المسالك ١ : ٩٥ ، المنتهى ١ : ٨٦٣ ، التنقيح ١ : ٤٢٦.

(٣) كالرياض ١ : ٣٤٦.

(٤) كالشهيد في الدروس : ٨٦ ، والشهيد الثاني في المسالك ١ : ٩١ ، وصاحب المدارك ٧ : ٦٥.

(٥) الخلاف ٢ : ٣٩٠ ، السرائر ١ : ٦٢٨.

٨٥

وربّما يعضده السياق أيضا ، بل قيل يعضده ما في الخلاف من أنّ الحكم منصوص للأصحاب لا يختلفون فيه (١) ، فلو لا أنّ المراد من الإحرام في كلامه ما ذكرنا لكان بعيدا ، فإنّ الخلاف مشهور لو أريد منه غيره.

ولا يخفى أنّ كلام الخلاف والسرائر وارد في النائب دون الحاجّ لنفسه ، ونقل في السرائر من هذا القول في النائب عن المبسوط أيضا (٢) ، واستدلّ له بعموم الأخبار. والنائب هو الذي يستفاد منه هذا الحكم من بعض الأخبار كما يأتي ، فلا يبعد أن يكون كلامهما في خصوص النائب دون الحاجّ لنفسه ، والإجماع المركّب بعد غير معلوم لي. وحينئذ فلا معاضدة في كلام الخلاف لما ذكر ، إذ لا تعلم شهرة الخلاف في النائب قبل الشيخ.

المسألة التاسعة : الكافر يجب عليه الحجّ عندنا ولا يصحّ منه إجماعا ، ولو مات كذلك أثم بالإخلال ولا يجب قضاؤه عنه ، ولو أسلم وجب عليه الإتيان بالحجّ إن بقيت الاستطاعة إجماعا ، وإلاّ فعلى الأظهر ـ للاستصحاب ، وفاقا للذخيرة والمدارك (٣) وعن التذكرة (٤) ـ عدم الوجوب.

ولو حجّ المسلم ثم ارتدّ ثم عاد لم تجب عليه إعادة الحجّ ، للإتيان بالمأمور به المقتضي للإجزاء ، ولرواية زرارة (٥).

خلافا للمبسوط (٦) ، لقاعدة موهونة ، مع عدم استلزام القاعدة لها على‌

__________________

(١) انظر الخلاف ٢ : ٣٩٠ ، الرياض ١ : ٣٤٦.

(٢) السرائر ١ : ٦٢٨ ، وهو في المبسوط ١ : ٣٢٣.

(٣) الذخيرة : ٥٦٣ ، المدارك ٧ : ٦٩.

(٤) التذكرة ١ : ٣٠٨.

(٥) التهذيب ٥ : ٤٥٩ ـ ١٥٩٧ ، الوسائل ١ : ١٢٥ أبواب مقدّمة العبادات ب ٣٠ ح ١.

(٦) المبسوط ١ : ٣٠٥.

٨٦

فرض الصحّة.

المسألة العاشرة : المخالف لنا إذا حجّ ولم يخلّ بركن من أركانه لم يجب عليه الإعادة لو استبصر على الأظهر الأشهر ، بل عليه عامّة من تأخّر ، للصحاح المستفيضة (١).

خلافا للمحكيّ عن الإسكافي والقاضي (٢) ، فتجب الإعادة ، لروايتين محمولتين على الاستحباب جمعا (٣) ، ويشهد له ما في بعض تلك الصحاح من قوله : « ولو حجّ أحبّ إليّ ».

وإن أخلّ بالركن تجب الإعادة بلا خلاف ، لعدم إتيانه بالحجّ المسقط للإعادة في الأخبار.

وهل الركن الموجب إخلاله للإعادة هو الركن عندنا ، كما عن المعتبر والمنتهى والتحرير والدروس (٤)؟ أو عنده ، كما هو ظاهر المسالك والروضة والمدارك (٥) وجماعة ممّن تأخر عنهما (٦)؟

النصوص مطلقة بالنسبة إلى الإخلال ، إلاّ أنّ ظواهرها : الحجّ الصحيح عنده لا عندنا ، فإذا حجّ فاسدا عنده لم يدخل في موردها ، وإذا كان صحيحا عنده كان داخلا في مورد النصوص النافية‌

__________________

(١) الوسائل ١١ : ٦١ أبواب وجوب الحجّ وشرائطه ب ٢٣.

(٢) حكاه عن الإسكافي في المختلف : ٢٥٨ ، القاضي في المهذّب ١ : ٢٦٨.

(٣) الأولى في : التهذيب ٥ : ٩ ـ ٢٣ ، الإستبصار ٢ : ١٤٥ ـ ٤٧٢ ، الوسائل ١١ : ٦١ أبواب وجوب الحجّ وشرائطه ب ٢٣ ح ١.

الثانية في : الكافي ٤ : ٢٧٥ ـ ٤ ، التهذيب ٥ : ١٠ ـ ٢٥ ، الإستبصار ٢ : ١٤٦ ـ ٤٧٥ ، الوسائل ١١ : ٦١ أبواب وجوب الحجّ وشرائطه ب ٢٣ ح ٢.

(٤) المعتبر ٢ : ٧٦٥ ، المنتهى ٢ : ٨٦٠ ، التحرير ١ : ١٢٥ ، الدروس ١ : ٣١٥.

(٥) المسالك ١ : ٩١ ، الروضة ٢ : ١٧٧ ، المدارك ٧ : ٧٤.

(٦) كالحدائق ١٤ : ١٦٢ ، والذخيرة : ٥٦٤ ، والرياض ١ : ٢٤٤.

٨٧

للإعادة قطعا.

فالقول الثاني أقوى ، كما أنّ عليه مدار هؤلاء الفضلاء في الصلاة ونحوها ، والفرق غير واضح.

وما ذكره بعض الأجلّة من أنّه إذا أخلّ بركن عندنا لم يأت حينئذ بالحجّ مع بقاء وقته ، بخلاف الصلاة فإنّه خرج وقتها والقضاء بأمر جديد (١).

غير جيّد ، لأنّ الصلاة الفاسدة يجب قضاؤها خارج الوقت ، بالعمومات ، مع أنّهم لا يقولون به إذا كانت صحيحة عنده ، فالسقوط فيها ليس إلاّ لنحو الصحاح المتقدّمة الجارية هنا بعينها.

ثم إنّه لا فرق بين من حكم بكفره من المخالفين ـ كالناصبي وغيره ـ لإطلاق الصحاح (٢) ، بل صريح بعضه ، لتضمّنه له.

المسألة الحادية عشرة : لا تتوقّف استطاعة المرأة على المحرم ، بلا خلاف يعرف كما في الذخيرة (٣) ، بل بالإجماع كما عن المنتهى (٤) وغيره (٥) ، للأصل ، والعمومات ، وخصوص المستفيضة :

كصحيحة ابن عمّار : عن المرأة تخرج بغير وليّ ، قال : « لا بأس » (٦).

والأخرى نحوها ، وفيها : « تحجّ » بدل : « تخرج » (٧).

__________________

(١) كما في كشف اللثام ١ : ٢٩٥.

(٢) الوسائل ١١ : ٦١ أبواب وجوب الحج وشرائطه ب ٢٣.

(٣) الذخيرة : ٥٦٤.

(٤) المنتهى ٢ : ٦٥٨.

(٥) كالغنية ( الجوامع الفقهية ) : ٥٨٢.

(٦) الكافي ٤ : ٢٨٢ ـ ٢ وفيه : تخرج مع غير ولي ، الوسائل ١١ : ١٥٤ أبواب وجوب الحجّ وشرائطه ب ٥٨ ح ٤.

(٧) التهذيب ٥ : ٤٠١ ـ ١٣٩٦ ، الوسائل ١١ : ١٥٤ أبواب وجوب الحجّ وشرائطه ب ٥٨ ح ٤.

٨٨

وكذا الثالثة ، وفيها : تخرج إلى مكّة بغير وليّ ، قال : « لا بأس تخرج مع قوم ثقات » (١).

وصحيحة سليمان : في المرأة تريد الحجّ ليس لها محرم ، هل يصلح لها الحجّ؟ قال : « نعم إذا كانت مأمونة » (٢).

وموثّقة البجلي : عن المرأة تحجّ بغير محرم ، فقال « إذا كانت مأمونة ولم تقدر على محرم فلا بأس بذلك » (٣).

وصحيحة صفوان : تأتيني المرأة المسلمة قد عرفتني بعمل ، أعرفها بإسلامها ليس لها محرم ، قال : « فاحملها ، فإنّ المؤمن محرم للمؤمن » (٤).

وقويّة أبي بصير : عن المرأة تحجّ بغير وليّها؟ قال : « نعم ، إن كانت امرأة مأمونة تحجّ مع أخيها المسلم » (٥).

والظاهر أنّ المراد بقوله في بعض تلك الأخبار : « إذا كانت مأمونة » أي كانت غير خائفة على عرضها وآمنة عليه ، لا أن تكون هي بنفسها ، محلّ الاطمئنان غير متّهمة ، لأنّ التكليف تكليفها فعليها حفظ نفسها ، ولا يعلّق‌

__________________

(١) الكافي ٤ : ٢٨٢ ـ ٥ وفيه : عن المرأة الحرّة تحجّ .. ، الفقيه ٢ : ٢٦٨ ـ ١٣٠٨ ، الوسائل ١١ : ١٥٣ أبواب وجوب الحجّ وشرائطه ب ٥٨ ح ٣.

(٢) الكافي ٤ : ٢٨٢ ـ ٤ وفيه : ليس معها .. ، الفقيه ٢ : ٢٦٨ ـ ١٣٠٩ ، الوسائل ١١ : ١٥٣ أبواب وجوب الحجّ وشرائطه ب ٥٨ ح ٢.

(٣) التهذيب ٥ : ٤٠١ ـ ١٣٩٤ ، الوسائل ١١ : ١٥٤ أبواب وجوب الحجّ وشرائطه ب ٥٨ ح ٦.

(٤) التهذيب ٥ : ٤٠١ ـ ١٣٩٥ ، وفي الفقيه ٢ : ٢٦٨ ـ ١٣١٠ ، والوسائل ١١ : ١٥٣ أبواب وجوب الحجّ وشرائطه ب ٥٨ ح ١ : قد عرفتني بعملي وتأتيني أعرفها بإسلامها وحبها إيّاكم ، وولايتها لكم ، ليس لها محرم ، قال : « إذا جاءت المرأة المسلمة فاحملها ، فإنّ المؤمن محرم المؤمنة ».

(٥) التهذيب ٥ : ٤٠٠ ـ ١٣٩٣ ، الوسائل ١١ : ١٥٤ أبواب وجوب الحجّ وشرائطه ب ٥٨ ح ٥.

٨٩

تكليف مطلق بتكليف مطلق آخر.

ويحتمل أن يكون الحكم لأوليائها ، أي إذا كانت مأمونة يجوز لهم تركها بغير محرم.

ثم بعض هذه الأخبار وإن كانت مطلقة إلاّ أنّ مقتضى بعض آخر أنّه مقيّد بصورة الأمن على العرض وظنّ سلامته ، كما قيّده جماعة من الأصحاب (١) ، ويدلّ عليه أيضا استلزام التكليف بالحجّ مع عدمهما العسر والحرج المنفيّين عليها أو على أوليائها.

وأمّا ما يدلّ عليه مفهوم الموثّقة ـ بأنّ عدم اشتراط المحرم إنّما هو مع عدم القدرة وإلاّ فيشترط ـ فمحمول على الاستحباب والأولويّة ، لعدم توقّفه على عدم القدرة إجماعا.

ثم لو لم يحصل ظنّ السلامة إلاّ بالمحرم اعتبر وجوده ، ويتوقّف وجوب الحجّ عليها على سفره معها.

وكذا لو كانت ممّن يشقّ عليها مخاطبة الأجانب وإركابهم إيّاها ، مع عدم اقتدارها على الركوب بنفسها ، على احتمال قويّ ذكره بعض الأصحاب (٢).

ومن ذلك يعلم عدم استطاعة أكثر النسوان الشابّة ، سيّما من الأشراف والمخدّرات من البلاد البعيدة مع تلك القوافل ، التي فيها أصناف الناس بدون محرم ، أو قريب ثقة ، أو مؤمن متديّن ثقة ، يتحمّل مالها وعليها.

ثم في صورة التوقف على المحرم لا تجب عليه إجابته لها تبرعا ولا‌

__________________

(١) منهم الشهيد الثاني في الروضة ٢ : ١٦٩ ، صاحب المدارك ٧ : ٩٠ ، صاحب الحدائق ١٤ : ١٤٣.

(٢) المدارك ٧ : ٩٠.

٩٠

بأجرة ، ولو احتاج إلى الأجرة وجبت ، لتوقّف الواجب عليها ، ويكون حينئذ جزءا من استطاعتها.

المسألة الثانية عشرة : لا يشترط إذن الزوج للزوجة في الحجّ الواجب ، بلا خلاف يوجد ، للأصل ، والعمومات ، والمستفيضة :

كصحيحة زرارة وموثقته : عن امرأة لها زوج وهي صرورة ولا يأذن لها في الحجّ ، قال : « تحجّ وإن لم يأذن لها » (١).

وفي رواية البجلي : « تحجّ وإن رغم أنفه » (٢).

وصحيحة محمّد : عن امرأة لم تحجّ ولها زوج وأبى أن يأذن لها في الحجّ فغاب زوجها ، فهل لها أن تحجّ؟ قال : « لا طاعة له عليها في حجة الإسلام » (٣).

وقريبة منها صحيحة ابن وهب (٤) ورواية ابن أبي حمزة (٥) ، وزاد فيهما : وقد نهاها أن تحجّ.

هذا في الحجّ الواجب.

وأمّا المندوب ، فلا يجوز لها إلاّ بإذن زوجها ، بلا خلاف يعرف كما‌

__________________

(١) الكافي ٤ : ٢٨٢ ـ ٣ ، الفقيه ٢ : ٢٦٨ ـ ١٣٠٥ ، الوسائل ١١ : ١٥٦ أبواب وجوب الحجّ وشرائطه ب ٥٩ ح ٤.

(٢) الفقيه ٢ : ٢٦٨ ـ ١٣٠٦ ، الوسائل ١١ : ١٥٧ أبواب وجوب الحجّ وشرائطه ب ٥٩ ح ٥.

(٣) التهذيب ٥ : ٤٠٠ ـ ١٣٩١ ، الإستبصار ٢ : ٣١٨ ـ ١١٢٦ ، الوسائل ١١ : ١٥٥ أبواب وجوب الحجّ وشرائطه ب ٥٩ ح ١.

(٤) التهذيب ٥ : ٤٧٤ ـ ١٦٧١ ، الوسائل ١١ : ١٥٦ أبواب وجوب الحجّ وشرائطه ب ٥٩ ح ٣.

(٥) الكافي ٤ : ٢٨٢ ـ ١ ، الوسائل ١١ : ١٥٦ أبواب وجوب الحجّ وشرائطه ب ٥٩ ح ٣.

٩١

في الذخيرة (١) ، ولا نعلم فيه خلافا بين أهل العلم كما عن المنتهى (٢) ، بل الإجماع كما في المدارك (٣) ، بل لعلّه إجماع محقّق ، فهو الدليل عليه.

المؤيّد بموثّقة إسحاق : عن المرأة الموسرة قد حجّت حجّة الإسلام فتقول لزوجها : أحجّني مرّة أخرى ، أله أن يمنعها؟ قال : « نعم » (٤) ، وجعلها مؤيّدة لعدم دلالتها إلاّ على جواز منعه لا على التوقف على الإذن.

وكذا يؤيّده فحوى ما دلّ على عدم حجّ المعتدّة حجّ التطوّع أو الحجّ مطلقا (٥) ، المخرج عنه حجّة الإسلام والمأذون فيه إجماعا ونصّا ، فيبقى الباقي.

المسألة الثالثة عشرة : حكم المعتدّة الرجعيّة حكم ذات البعل ، لما ذكر ، ويجوز للبائنة والمتوفّى عنها زوجها ، فيحجّان المندوبة مطلقا ، وتدلّ عليه النصوص المستفيضة (٦).

المسألة الرابعة عشرة : اختلفت الأخبار في أفضليّة الحجّ مطلقا ، راكبا أو ماشيا (٧) ، والذي يستفاد من المجموع ويجمع به بينها بشهادة بعضها لبعض : أفضليّة المشي إذا لم يضعفه من العبادة وعن التقدّم إلى مكّة للعبادة ، أو كان قد ساق معه ما إذا أعياه ركبه ، أو كان لمشقّة العبادة دون توفير المال .. وأفضليّة الركوب فيما عداها.

__________________

(١) الذخيرة : ٥٦٤.

(٢) المنتهى ٢ : ٦٥٩.

(٣) المدارك ٧ : ٩١.

(٤) الفقيه ٢ : ٢٦٨ ـ ١٣٠٧ ، التهذيب ٥ : ٤٠٠ ـ ١٣٩٢ ، الوسائل ١١ : ١٥٦ أبواب وجوب الحجّ ب ٥٩ ح ٢.

(٥) الوسائل ١١ : ١٥٨ أبواب وجوب الحج ب ٦١.

(٦) الوسائل ١١ : ١٥٩ أبواب وجوب الحج ب ٦١.

(٧) الوسائل ١١ : ٨١ أبواب وجوب الحج ب ٣٣.

٩٢

المطلب الثاني

في الحجّ الواجب بالعارض

وله أنواع ( ثلاثة : الواجب بالنذر وأخويه ، والواجب بالنيابة ، والواجب بالفساد ، ولمّا كان الأخير يذكر في طيّ مسائل الحجّ وموارد فساده يكتفى هنا بذكر الأولين ، فهاهنا فصلان : ) (١).

الفصل الأول

في الواجب بالنذر وأخويه‌

وفيه مسائل :

المسألة الأولى : لا شكّ في انعقاد نذر الحجّ وعهده ويمينه ، وانعقد عليه الإجماع ، ودلّت عليه النصوص (٢) بالعموم والخصوص بشرائطها المذكورة في كتاب النذر ، ومنها : البلوغ ، والعقل ، والحرّية ، وإذن الزوج ، والوالدين على قول ، كما يأتي.

المسألة الثانية : لو نذر الحجّ ولم يتمكّن من أدائه ومات ، فلا قضاء عنه ، للأصل السالم عن المعارض.

ولو تمكّن منه ومات قبل أدائه ، فذهب أكثر الأصحاب ـ كما في‌

__________________

(١) بدل ما بين القوسين في « س » : تذكر في فصول.

(٢) الوسائل ٢٣ : ٣٠٧ أبواب النذر والعهد ب ٨ ، وص : ٣١٥ ب ١٥ ، وص : ٣١٦ ب ١٦.

٩٣

المدارك (١) ، وأكثر المتأخّرين كما في غيره (٢) ، ومنهم : الحلّي والشرائع والإرشاد (٣) ـ إلى وجوب قضائه عنه من أصل التركة ، لأنّه دين كحجّة الإسلام.

وفيه منع ظاهر ، فإنّ الحجّ ليس واجبا ماليّا ، بل هو بدنيّ وإن توقّف على المال مع الحاجة إليه كما تتوقّف الصلاة عليه كذلك ، وإنّما وجب قضاء حجّة الإسلام بالإجماع والنصوص ، وإلحاق النذر به قياس باطل ، ووجوب الأداء لا يستلزم وجوب القضاء ، لأنّه بأمر جديد كما في حجّ الإسلام ، وبدونه يكون منفيّا بالأصل.

وعن الإسكافي والصدوق والنهاية والتهذيب والمبسوط والمعتبر والنافع والجامع : وجوب قضائه من الثلث (٤) ، لصحيحتي ضريس (٥) وابن أبي يعفور (٦) الواردتين فيمن نذر أن يحجّ رجلا كما في الأولى ، أو ابنه كما في الثانية ، ومات قبل الوفاء ، المصرّحتين بالإخراج من الثلث.

وفيه : أنّ موردهما غير محلّ النزاع ، بل ظاهر إحجاج الغير صرف المال فيه ، فهو نذر ماليّ ودين محض ، وهو غير الحجّ الذي كلامنا فيه.

والقول : بأنّ الاستدلال إنّما هو بفحواهما ، حيث إنّ الإحجاج الذي‌

__________________

(١) المدارك ٧ : ٩٦.

(٢) انظر الحدائق ١٤ : ٢٣٦.

(٣) الحلّي في السرائر ١ : ١٢٠ ، الشرائع ١ : ٢٣٠ ، الإرشاد ١ : ٣١٢.

(٤) نقله عن الإسكافي في المختلف : ٣٢١ ، الصدوق في الفقيه ٢ : ٢٦٣ ، النهاية : ٢٨٤ ، التهذيب ٥ : ٤٠٦ ، المبسوط ١ : ٣٠٦ ، المعتبر ٢ : ٧٧٤ ، النافع ١ : ٧٨ ، الجامع : ١٧٦.

(٥) الفقيه ٢ : ٢٦٣ ـ ١٢٨٠ ، التهذيب ٥ : ٤٠٦ ـ ١٤١٣ ، الوسائل ١١ : ٧٤ أبواب وجوب الحج ب ٢٩ ح ١.

(٦) التهذيب ٥ : ٤٠٦ ـ ١٤١٤ ، الوسائل ١١ : ٧٥ أبواب وجوب الحجّ ب ٢٩ ح ٣.

٩٤

ليس إلاّ بذل المال قطعا إذا لم يجب إلاّ من الثلث فحجّ نفسه أولى.

مردود بمنع الحكم في الأصل أولا ، إذ ـ كما قيل (١) ـ لم يفت به فيه أحد ، بل أخرجوه من الأصل ، لما دلّ على وجوب الحقّ الماليّ من الأصل ، ونزّلوا الصحيحتين تارة على وقوع النذر في مرض الموت ، وأخرى على وقوعه التزاما بغير صيغة ، وثالثة على ما إذا قصد الناذر تنفيذ الحجّ المنذور بنفسه فلم يتّفق بالموت. فلا يتعلّق بماله حجّ واجب بالنذر ، ويكون الأمر بإخراج الحجّ المنذور واردا على الاستحباب للوارث وكونه من الثلث رعاية لجانبه.

وثانيا : بمنع الأولويّة ، لعدم معلوميّة العلّة.

وممّا ذكر ظهر ضعف دليل القولين وعدم وجود على أصل القضاء ، فكيف بالقضاء من الأصل؟! ولذا استشكل في أصله في المدارك والذخيرة (٢) ، وبعض آخر (٣) ، وهو في موقعه جدّا ، إلاّ أنّ لمظنّة الإجماع يكون الأحوط القضاء ، ولأصالة الاقتصار فيما خالف الأصل على موضع اليقين يحتاط به بإخراجه من الثلث.

المسألة الثالثة : لو نذر الحجّ وهو معضوب (٤) ، فإن كان مقيّدا بوقت معيّن واستمرّ المانع إلى ذلك الوقت بطل النذر. وإن كان مطلقا توقّع المكنة ، ومع اليأس يبطل.

ولا تجب الاستنابة في الصورتين إلاّ أن لاحظ في نذره الاستنابة ،

__________________

(١) انظر الرياض ١ : ٣٤٩.

(٢) المدارك ٧ : ١٥٤ ، الذخيرة : ٥٦٥.

(٣) كصاحب الرياض ١ : ٣٥٠.

(٤) المعضوب : الزمن الذي لا حراك به ـ القاموس المحيط ١ : ١٠٩.

٩٥

فتجب قطعا.

ولو حصل العضب بعد النذر والتمكّن من الفعل ، فقد قطع جمع بوجوب الاستنابة (١) ، وطالبهم في المدارك بالدليل (٢) ، وهي مطالبة حقّة ، وإذ ليس فينفى بالأصل.

المسألة الرابعة : إذا نذر الحج فإمّا أن ينوي حجّة الإسلام ، أو غيرها ، أو يطلق فلا ينوي شيئا منهما.

فعلى الأول : ينعقد نذره على الأصحّ ، فتجب الكفّارة بالترك أو تأخيره عن الوقت المعيّن مع الاستطاعة فيه ، ولا يجب عليه غيرها حينئذ اتّفاقا ولا تحصيل الاستطاعة ، لأنّ المنذور ليس أمرا زائدا عن حجّ الإسلام ، إلاّ أن ينذر تحصيلها فيجب ، ولو قيّد النذر بوقت معيّن ولم تحصل له الاستطاعة إلى انقضائه بطل النذر.

وعلى الثاني : لم يتداخلا قطعا ويجبان معا ، اتّفاقا كما عن التحرير والمختلف والمسالك (٣) وغيرها (٤) ، إن كان حال النذر مستطيعا وكانت حجّة النذر مطلقة أو مقيّدة بزمان متأخّر عن سنة الاستطاعة ، ويجب عليه حينئذ تقديم حجّة الإسلام ، لفوريّتها وسعة مقابلها.

وإن كانت مقيّدة بسنة الاستطاعة بطل النذر إن قصدها مع بقاء الاستطاعة ، وإن قصدها مع زوالها صحّ ووجب الوفاء عند زوالها.

وإن خلا عن القصدين فوجهان.

__________________

(١) منهم العلاّمة في التذكرة ١ : ٣٠٩ ، والشهيد الثاني في المسالك ١ : ٩٣.

(٢) المدارك ٧ : ٩٨.

(٣) التحرير ١ : ١٢٨ ، المختلف : ٣٢٢ ، المسالك ١ : ٩٣.

(٤) كالرياض ١ : ٣٤٣.

٩٦

وإن لم يكن حال النذر مستطيعا وجبت المنذورة خاصّة بشرط القدرة دون الاستطاعة الشرعيّة ، فإنّها شرط في حجّة الإسلام خاصّة.

خلافا للمحكيّ عن الدروس فيشترط أيضا (١). ولا وجه له.

وإن حصلت الاستطاعة الشرعيّة قبل الإتيان بالمنذورة ، فإن كانت مطلقة أو مقيّدة بزمان متأخّر عن سنة الاستطاعة خصوصا أو عموما وجب تقديم حجّة الإسلام ، لما مرّ ، وفاقا لجماعة (٢).

وخلافا للمحكيّ عن الدروس ، فقدّم المنذورة (٣) ، ولا أعرف وجهه.

وإن كانت مقيّدة بسنة الاستطاعة ، ففي تقديم المنذورة أو الفريضة وجهان ، أجودهما : الأول ، وفاقا للمختلف والمسالك والمدارك (٤) وغيرها (٥) ، لعدم تحقّق الاستطاعة ، لأنّ المانع الشرعيّ كالمانع العقليّ ، وعلى هذا فيعتبر في وجوب حجّ الإسلام بقاء الاستطاعة إلى السنة الثانية.

وعلى الثالث : ففي التداخل مطلقا ، فتجزئ نيّة كلّ منهما عن الآخر ، كما في الذخيرة (٦) ، ومال إليه في المدارك (٧) ، وعن الشيخ (٨).

أو عدمه كذلك ، كما عن الخلاف والسرائر والناصريّات والغنية‌

__________________

(١) الدروس ١ : ٣١٨.

(٢) كصاحب المسالك ١ : ٩٣ ، والحدائق ١٤ : ٢٢٢ ، والرياض ١ : ٣٤٣.

(٣) الدروس ١ : ٣١٨.

(٤) المختلف : ٣٢٢ ، المسالك ١ : ٩٣ ، المدارك ٧ : ١٠٠.

(٥) كالحدائق ١٤ : ٢٢٢ ، والرياض ١ : ٣٤٣.

(٦) الذخيرة : ٥٦٦.

(٧) المدارك ٧ : ١٠١.

(٨) التهذيب ٥ : ٤٠٦.

٩٧

والفاضلين والشهيدين (١) ، وغيرهم (٢) ، بل الأكثر كما قيل (٣) ، بل الإجماع كما في الناصريّات.

أو تداخل حجّة الإسلام في قصد النذر دون العكس ، كما عن النهاية والتهذيب والإقتصاد (٤) ، وجمع آخر (٥).

أقوال ، الحقّ هو : الأول ، لأصالة التداخل ـ كما بيّنا في موضعه ـ وصدق الامتثال ، مضافا في صورة قصد المنذور إلى صحيحتي محمّد (٦) ورفاعة (٧).

احتجّ الثاني بحكاية الإجماع.

وبأصالة عدم التداخل.

وبما في الخلاف من قوله ـ بعد نسبته ما ذكره في النهاية إلى بعض الروايات (٨) ـ : وفي بعض الأخبار أنّه لا يجزئ عنه (٩). وهو وإن كان ضعيفا إلاّ أنّه منجبر بما ذكر.

__________________

(١) الخلاف ٢ : ٢٥٦ ، السرائر ١ : ٥١٨ ، المسائل الناصرية ( الجوامع الفقهية ) : ٢٠٩ ، الغنية ( الجوامع الفقهية ) : ٥٨٣ ، والمحقق في الشرائع ١ : ٢٣١ ، والعلاّمة في المنتهى ٢ : ٨٧٥ ، والشهيد الأول في اللمعة الدمشقية ( الروضة البهية ٢ ) : ١٧٨ ، والشهيد الثاني في المسالك ١ : ٩٣.

(٢) كالعلاّمة في القواعد ١ : ٧٧ ، والفاضل الهندي في كشف اللثام ١ : ٢٩٦ ، وصاحب الرياض ١ : ٣٤٣.

(٣) كما في المدارك ٧ : ١٠٠ ، والذخيرة : ٥٦٦ ، والرياض ١ : ٣٤٣.

(٤) النهاية : ٢٠٥ ، التهذيب ٥ : ٤٠٦ ، الإقتصاد : ٢٩٨.

(٥) حكاه عن جماعة في المسالك ١ : ٩٣ ، الرياض ١ : ٣٤٣.

(٦) التهذيب ٥ : ٤٥٩ ـ ١٥٩٥ ، الوسائل ١١ : ٧٠ أبواب وجوب الحج ب ٢٧ ح ١.

(٧) التهذيب ٥ : ٤٠٦ ـ ١٤١٥ ، الوسائل ١١ : ٧٠ أبواب وجوب الحج ب ٢٧ ح ٣.

(٨) النهاية : ٢٠٥.

(٩) الخلاف ٢ : ٢٥٦.

٩٨

والأول : ليس بحجّة.

والثاني : ممنوع ، مع أنّ الأصل في أحد شقّي المسألة مدفوع بالصحيحين.

والثالث : بعدم معلوميّة مرجع الضمير المجرور عندنا.

دليل الثالث في الجزء الأول : الصحيحان ، وفي الثاني : أصالة عدم التداخل.

والأول مقبول ، والثاني ـ كما مرّ ـ ممنوع.

المسألة الخامسة : لو نذر الحجّ ماشيا ، فإن كان عاجزا عنه حين النذر ومأيوسا عن حصول القوّة أو قيّده بوقت معيّن علم العجز (١) فيه ، بطل النذر (٢) ، لانتفاء التكليف بما يعجز عنه ، سواء في ذلك العجز مطلقا أو العجز في جميع الحالات وإن تمكّن في بعضها.

وما ورد في بعض النصوص من أنّه إذا عجز يركب فإنّما هو في العجز المتجدّد ، ولا تلزم من صحّة النذر مع القوّة وتجدّد العجز صحّته مع العلم بالعجز أيضا ، ولا يجب الحجّ مطلقا حينئذ ، وإن اقتضاه ما ذكره بعضهم (٣) من أنّ العجز إنّما حصل عن الصفة لا عن أصل الحجّ ، والنذر إنّما يتعلّق بأمرين ، ولا يلزم من سقوط أحدهما للعجز سقوط الآخر ، لمنع كون النذر متعلّقا بأمرين ، بل المنذور أمر واحد ، وهو الحجّ على الصفة المخصوصة لا الحجّ مع الصفة ، فلا يمكن الإتيان بالمنذور عند العجز.

وإن كان متمكّنا عنه انعقد ووجب على المعروف من مذهب‌

__________________

(١) في « س » زيادة : عنه.

(٢) في « س » زيادة : فيه.

(٣) كالعلاّمة في المختلف : ٣٢٣ ، والفاضل المقداد في التنقيح ١ : ٤٢٢.

٩٩

الأصحاب ، وعن المعتبر : اتّفاق العلماء عليه (١) ، وعمومات النذر وخصوص نصوص نذر الحجّ من الصحاح وغيرها (٢) عليه دالّة.

وأمّا صحيحة الحذّاء (٣) ـ الواردة في حكاية أخت عقبة بن عامر ـ فلا تنافي ذلك ، لأنّ مقتضاها عدم انعقاد نذر الحجّ ماشيا مع الحفاء ، وهو لا يخالف المدّعى ، وجعله بعيدا عن السياق لا وجه له ، إذ ليس فيها ما يوجب بعده سوى الأمر بالإركاب دون لبس النعل ، ولعلّه لبطلان أصل النذر لأجل الحفاء ، فلا يبقى المشي واجبا.

وكونه مخالفا لأدلّة انعقاد نذره حافيا عموما وخصوصا لا يوجب صرفها إلى إبطال نذره ماشيا ، لأنّه أيضا مخالف لأدلّة انعقاد النذر ماشيا ، مع أنّ وجود خصوص في ذلك ممنوع.

وما ذكر من المرويّ عن نوادر ابن عيسى : عن رجل نذر أن يمشي (٤) حافيا إلى بيت الله تعالى ، قال : « فليمش » (٥) لا يثبته ، لأنّه أوجب المشي دون الحفاء. هذا ، مع أنّه حكاية حال ، فلعلّ النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم علم منها العجز ، أو كشف ما يجب ستره من المرأة.

والقول : بأنّ إيراد ذلك في الرواية على سبيل الجواب يقتضي عدم اختصاص الحكم بتلك المرأة.

__________________

(١) المعتبر ٢ : ٧٦٣.

(٢) الوسائل ١١ : ٨٦ أبواب وجوب الحج ب ٣٤.

(٣) التهذيب ٥ : ١٣ ـ ٣٧ ، الإستبصار ٢ : ١٥٠ ـ ٤٩١ ، الوسائل ١١ : ٨٦ أبواب وجوب الحج ب ٣٤ ح ٤.

(٤) في « س » ، « ق » : يجي‌ء.

(٥) نوادر أحمد بن محمد بن عيسى : ٤٧ ـ ٨١ ، الوسائل ١١ : ٨٨ أبواب وجوب الحج ب ٣٤ ح ١٠.

١٠٠