مستند الشّيعة - ج ١١

أحمد بن محمّد مهدي النّراقي

مستند الشّيعة - ج ١١

المؤلف:

أحمد بن محمّد مهدي النّراقي


المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ مشهد المقدسة
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
المطبعة: ستاره
الطبعة: ١
ISBN: 964-319-015-3
ISBN الدورة:
964-5503-75-2

الصفحات: ٤١٨

الروايات المفيدة لقصد الحجّ عن شخص (١).

ولو كان المنوب عنه متعدّدا ـ بأن ينوب عن اثنين في عامين بدون التعيين ـ يجب تعيين المنوب عنه أيضا ، ولا يجب تسمية المنوب عنه باللفظ قولا واحدا. نعم ، يستحبّ ، كما يأتي.

المسألة الرابعة : تجوز نيابة كلّ من الرجل والمرأة عن الآخر ، بالإجماع مطلقا في الأول ، وفي غير الصرورة من الثاني ، للمستفيضة من الأخبار الصحيحة وغيرها (٢).

والروايتان المنافيتان (٣) بظاهرهما لذلك الحكم شاذّتان مطروحتان ، مع أنّهما في الحقيقة غير منافيتين ، لعمومهما بالنسبة إلى الصرورة الذي له مال والذي لا مال له ، واختصاص المجوّزات بمن لا مال له ، فيجب التخصيص ، مع أنّ مدلول إحداهما : عدم إجزاء حجّة عن حجّتين ، لا عدم إجزاء حجّ الصرورة.

وعلى الحقّ المشهور في الصرورة منه أيضا ، للمستفيضة ، بل ـ كما قيل ـ المتواترة. وبعض الأخبار (٤) ـ المتضمّنة لعدم حجّ المرأة الصرورة عن الرجل ـ غير ناهض لإثبات الزائد عن الكراهة ، بل في بعضها دلالة عليها دلالة واضحة.

المسألة الخامسة : لو مات النائب قبل إتمام المناسك ، فإن كان قبل الإحرام لم يجزئ عنه إجماعا ، للأصل ، والإجماع ، وبه تخصّص الأخبار‌

__________________

(١) الوسائل ١١ : ١٩٣ أبواب النيابة في الحج ب ٢٢.

(٢) كما في الوسائل ١١ : ١٧٦ أبواب النيابة في الحجّ ب ٨.

(٣) انظر الوسائل ١١ : ١٧٨ أبواب النيابة في الحجّ ب ٩ ح ١ و ٢.

(٤) الوسائل ١١ : ١٧٨ أبواب النيابة في الحج ب ٩.

١٢١

الآتية المصرّحة بالإجزاء مع الموت في الطريق مطلقا.

وإن كان بعد الإحرام ودخول الحرم أجزأ حجّة عمّن حجّ عنه وبرئت ذمّته عن فرضه ، ولا حاجة إلى الاستنابة له ثانيا ، بلا خلاف يوجد ، بل بلا خلاف على الظاهر المصرّح به في التنقيح والمفاتيح وشرحه والحدائق (١) ، بل الوفاق كما في الذخيرة (٢) ، بل بالإجماع كما في المسالك والمنتهى (٣) وجماعة (٤) ، بل بالإجماع المحقّق.

لا للإجماع المنقول ، أو ثبوته في المنوب عنه بالإجماع ، أو صحيحتي ضريس (٥) والعجلي (٦) المتقدّمتين في مسألة موت الحاجّ لنفسه ، لعدم حجّية الأول ، وكون الثانيين قياسا ، وعدم ثبوت الإجماع المركّب.

بل للإجماع المحقّق ، وموثّقة إسحاق الصحيحة عمّن أجمعت العصابة على تصحيح ما يصحّ عنه : عن الرجل يموت فيوصي بحجّة ، فيعطي رجل دراهم يحجّ بها عنه ، فيموت قبل أن يحجّ ، ثم أعطى الدراهم غيره ، قال : « إن مات في الطريق أو بمكّة قبل أن يقضي مناسكه فإنّه يجزئ عن الأول » (٧).

__________________

(١) التنقيح ١ : ٤٢٦ ، المفاتيح ١ : ٣٠٠ ، الحدائق ١٤ : ٢٥٤.

(٢) الذخيرة : ٥٦٨.

(٣) المسالك ١ : ٩٥ ، المنتهى ٢ : ٨٦٣.

(٤) انظر المدارك ٧ : ١١٨.

(٥) الكافي ٤ : ٢٧٦ ـ ١٠ ، الفقيه ٢ : ٢٦٩ ـ ١٣١٣ ، الوسائل ١١ : ٦٨ أبواب وجوب الحجّ وشرائطه ب ٢٦ ح ١.

(٦) الكافي ٤ : ٢٧٦ ـ ١١ ، الفقيه ٢ : ٢٦٩ ـ ١٣١٤ ، التهذيب ٥ : ٤٠٧ ـ ١٤١٦ ، الوسائل ١١ : ٦٨ أبواب وجوب الحجّ وشرائطه ب ٢٦ ح ٢.

(٧) الكافي ٤ : ٣٠٦ ـ ٤ ، التهذيب ٥ : ٤١٧ ـ ١٤٥٠ ، الوسائل ١١ : ١٨٥ أبواب النيابة في الحجّ ب ١٥ ح ١.

١٢٢

ومرسلة الحسين بن عثمان الصحيحة أيضا : في رجل أعطى رجلا ما يحجّه ، فحدث بالرجل حدث ، فقال : « إن كان خرج فأصابه في بعض الطريق فقد أجزأت عن الأول وإلاّ فلا » (١).

وجه الاستدلال : أنّها دلّت على الإجزاء في الطريق مطلقا ، خرج عنها قبل الإحرام بالإجماع ، وبقي الباقي.

والقول بأنّه تخصيص بعيد ـ كما في الذخيرة (٢) ـ غفلة عن حال بلد السؤال الذي هو المدينة ، فإنّ محلّ الإحرام فيها قريبة منها معدودة من حدودها.

بل يمكن أن يقال : إنّه ما لم يصل إلى مسجد الشجرة ـ الذي هو الميقات ـ لم يخرج من المنزل عرفا ، فتأمّل.

وتضعيف تلك الروايات ـ بعد وجودها في الأصول المعتبرة وصحّتها عمّن ذكر ـ لا وجه له.

ولا تعارضها موثّقة الساباطي : في رجل حجّ عن آخر ومات في الطريق ، قال : « قد وقع أجره على الله ولكن يوصي ، فإن قدر على رجل يركب في رحله ويأكل زاده فعل » (٣).

لعدم صراحتها في الوصيّة بالحجّ للمنوب عنه أولا ، بل يحتمل أن يراد الوصيّة بما بقي من الأجرة ليستعاد ، كما هو أحد القولين كما يأتي ، ويكون قوله : « فإن قدر » إلى آخره ، على الاستحباب ، ولعدم صراحتها في‌

__________________

(١) الكافي ٤ : ٣٠٦ ـ ٥ ، التهذيب ٥ : ٤١٨ ـ ١٤٥١ ، الوسائل ١١ : ١٨٦ أبواب النيابة في الحجّ ب ١٥ ح ٣.

(٢) الذخيرة : ٥٦٨.

(٣) التهذيب ٥ : ٤٦١ ـ ١٦٠٧ ، الوسائل ١١ : ١٨٦ أبواب النيابة في الحجّ ب ١٥ ح ٥.

١٢٣

الوجوب ثانيا ، فلعلّه مستحبّ.

وإن مات بعد الإحرام وقبل دخول الحرم أجزأ أيضا على الأظهر ، وفاقا للشيخ في المبسوط والخلاف (١) والحلّي في السرائر (٢) ، بل في الخلاف : إنّ أصحابنا لا يختلفون في ذلك ، للأخبار المذكورة (٣) بالتقريب المذكور بعينه.

المسألة السادسة : لو مات النائب ، فإمّا يكون قبل العمل المبرئ للذمّة ـ وهو الإحرام أو مع دخول الحرم على اختلاف القولين ـ أو بعده ، وعلى الثاني : إمّا يكون قبل الإتيان بجميع المناسك أو بعده ، وعلى الثاني : إمّا يكون قبل الشروع في العود أو بعده.

فعلى الأول : فإن كان الاستئجار لأفعال الحجّ أو الحجّ (٤) خاصّة ـ أي نصّ على الخصوصيّة ـ لا يستحقّ من الأجرة شيئا واستعيد الجميع لو أخذها قولا واحدا ، والوجه واضح.

وإن كان للحجّ مطلقا من غير تنصيص بالخصوصيّة فكذلك على الأظهر الأشهر ، وفاقا للإصباح والمبسوط والسرائر ـ جاعلا إيّاه مقتضى أصول المذهب ـ والمختلف والتذكرة والمسالك والروضة والمدارك والذخيرة (٥) ، وغيرهم من المتأخّرين (٦) ، لأنّ الحجّ اسم للأفعال‌

__________________

(١) المبسوط ١ : ٣٢٣ ، الخلاف ٢ : ٣٩٠.

(٢) السرائر ١ : ٦٢٨.

(٣) الوسائل ١١ : ١٨٥ أبواب النيابة في الحجّ ب ١٥.

(٤) في س : والحج.

(٥) المبسوط ١ : ٣٢٣ ، السرائر ١ : ٦٢٩ ، المختلف : ٣١٣ ، التذكرة ١ : ٣١٥ ، المسالك ١ : ٩٥ ، الروضة ٢ : ١٨٨ ، المدارك ٧ : ١١٩ ، الذخيرة : ٥٦٩.

(٦) كصاحب الرياض ١ : ٣٤٦.

١٢٤

المخصوصة ، ومفهومه لا يتناول غيره أصلا ، ولم يأت الأجير بشي‌ء ممّا تعلّقت الإجارة به وإن أتى بمقدّماته ، ووجه الأجرة إنّما يوزّع على أجزاء الفعل المستأجر عليه ، والمقدّمات خارجة عن ذلك.

خلافا للمحكيّ عن النهاية والكافي والمقنعة والمهذّب والغنية (١) ، فقالوا : بأنّه يستحقّ مع الإطلاق بنسبة ما فعل من الذهاب إلى المجموع منه ومن أفعال الحجّ. وفي الشرائع والقواعد والإرشاد (٢) وغيرها : فبنسبته إلى ما ذكر مع العود أيضا.

وضعفه ظاهر ممّا ذكر ، سيّما بالنسبة إلى العود الذي لا مدخل له في الحقيقة ولا في المقدّمات.

قيل : ويمكن تنزيل إطلاقهم على ما إذا شهدت قرائن العرف والعادة بدخول قطع المسافة في الإجارة وإن لم يذكر في صيغتها ، فيكون اللفظ متناولا لها بالالتزام ، ولهذا يعطى الأجير من الأجرة الكثيرة ما لا يعطى من يحجّ من الميقات (٣).

وفيه : أنّه إن أريد بدخول قطع المسافة في الإجارة كونه مرادا من لفظ الحجّ مجازا حتى يكون اللفظ مستعملا فيه وفي الأفعال ، فتصحّ النسبة حينئذ ، ولكن يكون مذكورا في الصيغة ، لأنّ المجاز مع القرينة كالحقيقة في كونه مذكورا ، ولا معنى لتناول اللفظ حينئذ بالالتزام أيضا ، بل يكون مستعملا فيه ، ومع ذلك تنزيل الإطلاق عليه بعيد جدّا. وجعل إعطاء‌

__________________

(١) النهاية : ٢٧٨ ، الكافي في الفقه : ٢٢٠ ، المقنعة : ٤٤٣ ، المهذّب ١ : ٢٦٨ ، الغنية ( الجوامع الفقهية ) : ٥٨٣.

(٢) الشرائع ١ : ٢٣٢ ، القواعد ١ : ٧٧ ، الإرشاد ١ : ٣١٣.

(٣) قاله في الرياض ١ : ٣٤٦.

١٢٥

الأجرة الكثيرة قرينة عليه فاسد ، لعدم دلالته على التجوّز في لفظ الحجّ أصلا.

نعم ، لكون الحجّ المحتاج إلى المقدمات الصعبة والمئونة الكثيرة أشقّ يعطى الأجرة عليه أكثر.

وإن أريد به إرادة الإتيان به للتوصّل إلى المعنى الحقيقي للحجّ فهو كذلك ، ولكن كلّما كان بين الأجير والميقات مسافة يراد قطعها ، ولا معنى للتخصيص بقوله : إذا شهدت ، ولا تنزيل الإطلاق ، ومع ذلك لا يكون داخلا فيما استؤجر له لا صريحا ولا التزاما ، فإنّ كلّ من يستأجر بنّاء لبناء داره يريد خروجه من بيته ومجيئه إلى موضع العمل ، وليس ذلك ممّا استؤجر له قطعا لا عرفا ولا عادة. وعلى هذا ، فإن كان مراده من تناول اللفظ لها بالالتزام استلزامه لإرادة المستأجر الإتيان به فمسلّم ، ولكن لا يدخل بذلك فيما استؤجر له.

وإن أريد استلزام الإجارة للحجّ للإجارة لقطع المسافة فممنوع ، ولذا لو آجر نفسه لأحد لأن يحجّ عنه في العام القابل بالإطلاق ، ثم آجر نفسه لآخر لأن يقطع المسافة ويحجّ عنه في العام الحاضر ، فقطعها له ومكث في مكّة إلى القابل وحجّ عن الأول ، أجزأ عنه.

وبالجملة : إطلاق الإجارة للحجّ ينصرف إلى مجرّد الأفعال ، إلاّ أن تكون قرينة على وقوع الإجارة على قطع المسافة أيضا ، فيكون من القسم الآتي.

وإن كان الاستئجار على الحجّ وعلى الذهاب أو عليهما وعلى العود أيضا استحقّ منها بنسبة ما قطع من المسافة إلى ما بقي من المستأجر عليه.

وعلى الثاني : فالمشهور أنّه يستحقّ الجميع ولا يستعاد منه شي‌ء ،

١٢٦

وعن الغنية : أنّه لا خلاف فيه عندنا (١) ، وعن الخلاف : إجماع أصحابنا عليه ، لأنّه قد فعل ما أبرأ ذمّة المنوب عنه ، فكان كما لو أكمل الحجّ (٢).

وردّه في المدارك : بأنّه إنّما يتمّ إذا تعلّق الاستئجار بالحجّ المبرئ للذمّة ، أمّا لو تعلّق بالمعهود أو الأفعال المخصوصة لا وجه لاستحقاقه لجميع الأجرة وإن كان ما أتى به مبرئا للذمّة ، لعدم الإتيان بالفعل المستأجر عليه (٣).

واستحسنه في الذخيرة (٤) ، وكذا بعض آخر إن لم يثبت نصّ أو إجماع على استحقاق الجميع ، وإذ لم يثبت عندنا والمنقول منه ليس بحجّة فالأظهر أنّه كالأول أيضا. ( إلاّ أنّه مع الاستئجار للحجّ مخصوصا أو مطلقا يستحقّ من الأجرة بنسبة ما أتى به من أفعاله إلى جميعها ) (٥).

وعلى الثالث : فمع إطلاق الحجّ أو التخصيص به أو ضمّ الذهاب أيضا يستحقّ الجميع ولا يستعاد منه شي‌ء ، ولو ضمّ العود أيضا فبنسبة الذهاب والأفعال إلى العود.

وعلى الرابع : فكالثالث ، إلاّ أنّه يدخل في ما فعل ما أتى به من العود أيضا ، والدليل على كلّ ما ذكر ـ من النسبة والاستعادة بحسبها فيما لم يفعل ـ الإجماع على ذلك ، وأنّ الأجير إنّما يستحقّ بقدر ما فعل من الفعل المستأجر له.

فإن قيل : مقتضى عقد الإجارة تملّك الأجير لمال الإجارة بمجرّد‌

__________________

(١) الغنية ( الجوامع الفقهية ) : ٥٨٣.

(٢) انظر الخلاف ٢ : ٣٩٠.

(٣) المدارك ٧ : ١١٩.

(٤) الذخيرة : ٥٦٩.

(٥) ما بين القوسين ليس في « ق » و « س ».

١٢٧

العقد ، وصرّح به في موثّقة الساباطي ، وفيها : « إذا ضمن الحجّة فالدراهم له يصنع بها ما أحبّ وعليه حجّة » (١) ، فالاستعادة مخالفة للأصل ، يجب الاقتصار فيها على موضع الإجماع في جميع ما ذكر ، ومنه ما إذا أحرم أو دخل الحرم ، فيجب عدم استرداد شي‌ء ، لأنّه موضع للإجماع.

قلنا : المستند هنا الإجماع الواقع على أنّ الأجير لا يستحقّ ما لم يفعله من المستأجر له ، وهذا الإجماع مسلّم ، وعليه بناء الاستدلال ، ولا حاجة إليه في كلّ جزئيّ جزئي ، ولذا لا يحسبون الذهاب في صورة الإطلاق.

فرعان :

أ : لو نسي كيفية الاستئجار من الإطلاق والتقييد ، فالظاهر العمل بأصالة عدم التقييد وجعل المستأجر له الحجّ مطلقا ، وبه يخرج عن أصل عدم التسلّط على استعادة الزائد عن القدر المتيقّن ، لكون الأول مزيلا للثاني.

وعلى هذا ، فلو ادّعى ورثة الأجير دخول الذهاب أيضا وأنكره المستأجر يكون عليهم الإثبات.

ب : كيفيّة الاستعادة بالنسبة : أنّه يستعلم إجارة كلّ فعل فعل بخصوصه عن أهل العرف وينسب إلى مجموع مال الإجارة ، فيستعلم أجرة من ذهب إلى الشام ـ مثلا ـ أو إلى مدينة أو الميقات وأجرة من حجّ من الميقات وأجرة من عاد من مكّة إلى الوطن ـ مثلا ـ وينسب كلّ إلى مجموع‌

__________________

(١) الكافي ٤ : ٣١٣ ـ ٢ ، التهذيب ٥ : ٤١٥ ـ ١٤٤٤ ، الوسائل ١١ : ١٨٠ أبواب النيابة في الحج ب ١٠ ح ٣.

١٢٨

مال الإجارة ويعمل فيه بحسابه.

ولا يلاحظ في أجرة الذهاب والعود أنّ المقصود والأهمّ هو الحجّ حتى لا يقابلهما إلاّ أقلّ قليل ، بل الملحوظ نفس قطع المسافة ، فيقال : من كان له شغل من العراق إلى المدينة أو من المدينة إلى العراق فبكم يستأجر؟ وهكذا.

المسألة السابعة : قال في المدارك : مقتضى القواعد أنّه يعتبر في صحّة الإجارة تعيين النوع الذي يريده المستأجر ولو بالقرائن الحاليّة ، لاختلافها في الكيفيّة والأحكام (١).

ولا يخفى أنّه بظاهره ينافي ما ذكروه في مسألة جواز العدول إلى التمتّع من أنّه إذا علم أنّ قصد المستأجر التخيير ، وقد ذكره هو أيضا بعد ذلك بقليل من تخصيص الحكم بجواز العدول من الإفراد إلى التمتّع بما إذا كان المستأجر مخيّرا بين الأنواع ، فإنّ مقتضى ذلك جواز التخيير وصحّة الإجارة التخييريّة.

والتحقيق : أنّ الإجارة تقع تارة على منافع الشخص في الزمان المعيّن وإن كان مراد المستأجر استيفاء نفع خاصّ منه ، وأخرى على العمل إمّا في زمان معيّن أو مطلقا.

فإن وقعت على الطريق الأول يتحمّل التخيير ، فيستأجر الشخص في سنة معيّنة مطلقا لأن يحجّ بما يأمره أو بما يشاء الأجير ، فالمنتقل إلى المستأجر منفعة الشخص ، وله أن يخيّره في كيفيّة إيجاد المنفعة ، ومن هذا القبيل إجارة الشخص لمعونة السفر أو الخدمة ، مع أنّ أنواعهما غير محصورة.

__________________

(١) المدارك ٧ : ١٢٠.

١٢٩

وإن وقعت على الطريق الثاني ـ بأن يستأجره للحجّ خاصّة ، أي تنتقل إليه هذه المنفعة منه خاصّة ـ فلا شكّ في اشتراط التعيين ، لاختلاف العمل والكيفيّة وزمان كلّ منهما ، فلا يتحمّل التخيير ، للزوم تعيين المنتقل إليه من المنافع.

وتحصّل ممّا ذكر ـ أنّه إن وقعت الإجارة على الشخص ـ أي جميع منافعه وإن كان ذلك لأجل العمل الخاصّ ـ لا يجب تعيين النوع ، وإن وقعت على العمل ـ أي على الشخص لأجل العمل ، أي على منفعة مخصوصة منه ـ يجب التعيين ، لعدم جواز نقل منفعة غير معيّنة.

والأول : من قبيل إجارة الشخص لمعونة السفر أو للتجارة أو للمسافرة بأمره أو للخدمة ، فإنّها تصحّ مع عدم تعيين نوع العمل.

والثاني : من قبيل إجارته لسفر غير معيّن أو خدمة غير معيّنة ، فإنّها لا تصحّ.

المسألة الثامنة : إذا وقعت الإجارة على العمل المعيّن لا يجوز العدول عنه إلى غيره ، بلا خلاف إذا كان الغير مرجوحا ، لقاعدة الإجارة السالمة عن المعارض بالمرّة ، ولو كان راجحا ففيه خلاف.

والأقوى : عدم جواز العدول مع تعيين المرجوح على المستأجر والاستئجار له أو احتمال تعلّق غرض له بفعل المرجوح ، للقاعدة ، ولرواية عليّ المتضمّنة للسرّاد المجمع على تصحيح ما يصحّ عنه : عن رجل أعطى رجلا دراهم يحجّ بها حجّة مفردة ، قال : « ليس له أن يتمتّع بالعمرة إلى الحجّ ، لا يخالف صاحب الدراهم » (١).

__________________

(١) التهذيب ٥ : ٤١٦ ـ ١٤٤٧ ، الإستبصار ٢ : ٣٢٣ ـ ١١٤٦ ، الوسائل ١١ : ١٨٢ أبواب النيابة في الحجّ ب ١٢ ح ٢.

١٣٠

ولا تنافيهما صحيحة أبي بصير : في رجل أعطى رجلا حجّة مفردة ، فيجوز له أن يتمتّع بالعمرة إلى الحجّ؟ قال : « نعم ، إنّما خالف إلى الفضل والخيرة » (١).

لأنّ المراد منها : الفضل للمنوب عنه لا مطلقا ، ولا شكّ أنّه مخصوص بما إذا لم يستأجر لما تعيّن عليه من المرجوح ، وإلاّ لم يكن فضلا له ، بل يكون حراما عليه.

ولأنّ سياق التعليل مفهم لكون الفضيلة موجبة لرضا المستأجر ولو احتمل تعلّق غرض له بفعل المرجوح لا يعلم رضاه.

وجوازه في غير الصورتين ، للصحيحة المذكورة ، التي هي ـ بمقتضى التعليل بالتقريب المذكور ـ أخصّ مطلقا من الرواية المتقدّمة ، فتخصّص بها وبشهادة الحال برضا المستأجر وإذنه في العدول ، وأنّ ما ذكر في العقد للرخصة إلى الأدنى ، ولا شكّ أنّ مع علمه بالإذن في العدول يجوز له ذلك ، لأنّه أمر منوط برضاه.

ثم إنّه إذا عدل إلى غيره ، ففي صورة عدم الجواز يقع العمل للمنوب عنه لقصد النيابة ، ولا يستحقّ الأجير شيئا من الأجرة ، والوجه واضح.

وفي صورة الجواز ، قالوا : يستحقّ تمام الأجرة ، إذ يكون العدول حينئذ معلوما من قصده ، فكان كالمنطوق به.

وعندي فيه نظر ، إذ جواز العدول لا يستلزم استحقاق الأجرة ، وذلك لأنّ من الأمور ما يكفي فيه العلم برضا المالك ولو بشاهد الحال ، كالتصرّف في ملكه.

ومنها ما لا يكفي فيه ذلك ، بل يتوقّف على ثبوت التوقيف من‌

__________________

(١) الكافي ٤ : ٣٠٧ ـ ١ ، الفقيه ٢ : ٢٦١ ـ ١٢٧٢ ، التهذيب ٥ : ٤١٥ ـ ١٤٤٦ ، الوسائل ١١ : ١٨٢ أبواب النيابة في الحجّ ب ١٢ ، ح ١ ، بتفاوت يسير.

١٣١

الشرع ، كبيع ماله بعنوان اللزوم ، فإنّ من اشترى متاعا بعشرة للتجارة وعلم غاية رضاه ببيعه بخمسة عشر فباعه أحد بعشرين لم يرتكب محرّما ، إلاّ أنّه لا يلزم البيع ، لتوقّفه على بيع المالك أو وليّه أو وكيله المصرّح بتوكيله أو إجازته بعد الفضولي على قول.

وجواز العدول من الأول ، واستحقاق الأجرة من الثاني ، إذ لم يثبت من جواز الإتيان بعمل لشخص استحقاق الأجرة عليه ، بل هو يتوقّف على ذكر العمل في متن العقد ، ولا يكفي مجرّد الرضا.

نعم ، لو دلّت قرينة على أنّ المراد من المرجوح الأعمّ منه ومن الراجح مجازا يكون في حكم المذكور.

المسألة التاسعة : لو استأجره للحجّ من طريق معيّن ، ففي جواز العدول عنه مطلقا ـ كالشيخين والقاضي والحلّي والجامع والإرشاد (١) وغيرهم ـ أو إلاّ مع العلم بتعلّق غرض بذلك المعيّن ـ كما في الشرائع (٢) ، بل أكثر المتأخرين كما قيل ، بل قيل : هو المشهور (٣) ـ أو عدم جوازه إلاّ مع العلم بانتفاء الغرض في ذلك الطريق ، كبعضهم (٤). أقوال ، أقواها : الأخير ، للقاعدة المتقدّمة.

دليل الأول : صحيحة حريز : عن رجل أعطى رجلا حجّة يحجّ عنه من الكوفة فحجّ عنه من البصرة؟ قال : « لا بأس إذا قضى جميع مناسكه فقد تمّ حجّه » (٥).

__________________

(١) المفيد في المقنعة : ٤٤٣ ، الطوسي في النهاية : ٢٧٨ ، والتهذيب ٥ : ٤١٥ ، القاضي في المهذّب ١ : ٢٦٨ ، الحلّي في السرائر ١ : ٦٢٧ ، الجامع للشرائع : ٢٢٦ ، الإرشاد ١ : ٣١٣.

(٢) الشرائع ١ : ٢٣٣.

(٣) الحدائق ١٤ : ٢٧٠.

(٤) كصاحب المدارك ٧ : ١٢٣.

(٥) الكافي ٤ : ٣٠٧ ـ ٢ ، الفقيه ٢ : ٢٦١ ـ ١٢٧١ ، التهذيب ٥ : ٤١٥ ـ ١٤٤٥ ، الوسائل ١١ : ١٨١ أبواب النيابة في الحجّ ب ١١ ح ١.

١٣٢

وهو دليل الثاني أيضا بتقيد الصحيحة بالقيد المذكور ، لظهورها في انتفائه.

وردّ بإجمال دلالتها وقصورها عن إفادة الجواز مطلقا ، إمّا لاحتمال تعلّق قوله : « من الكوفة » بقوله : « أعطى » ، وكون السؤال لتجويز الإعطاء من الكوفة موجبا لتوهّم وجوب الحجّ منه ، كما في الذخيرة (١).

أو كونه صفة لقوله : « رجلا » ، كما في المدارك (٢).

أو وقوع الشرط خارج العقد وعدم الاعتبار بمثله عند الفقهاء ، كما ذكره السيّد نعمة الله الجزائري.

أو كون الدفع على وجه الرزق لا الإجارة ، كما في المنتقى (٣) ، وهو ظاهر الرواية.

أو كون المراد حصول الإجزاء بذلك ، ونفي البأس عنه للمستأجر بعد وقوع الفعل ، لا جواز ذلك للأجير ، كما في الذخيرة (٤) أيضا.

وإن كان غير الأول والأخيرين بعيدا.

ثم لو خالف الشرط وحجّ من الغير يصحّ حجّه وإن تعلّق الغرض بالطريق المعيّن ، لأنّه بعض العمل المستأجر عليه وقد امتثل بفعله ، والأصل عدم ارتباطه بالطريق ، إلاّ أن يصرّح بالارتباط والاشتراط فلم تبرأ ذمّة النائب عن الحجّ أيضا ، وأمّا الأجرة فالظاهر توزيعها على الحجّ والطريق المشترك مع الطريق المخالف فيه بالنسبة. ومع الارتباط لا يستحقّ شيئا منها.

__________________

(١) الذخيرة : ٥٦٩.

(٢) المدارك ٧ : ١٢٣.

(٣) منتقى الجمان ٣ : ٨٤.

(٤) الذخيرة : ٥٦٩.

١٣٣

المسألة العاشرة : لو استأجره لحجّ التمتّع وسافر الأجير وضاق وقته عن التمتّع ، فهل يجوز له العدول إلى الإفراد للمنوب عنه ويجزئ عنه كما يجوز ويجزئ للحاجّ لنفسه ، أم لا؟

لم أعثر على مصرّح من الفقهاء بحكمه.

والذي يقوى عندي الثاني ، للأصل والقاعدة المتقدّمة كما بيّنتهما ، وذكرت الجواب عن عمومات عدول المعذور إلى ما تيسّر له في باب إجارة الصلاة من كتاب الصلاة.

مع أنّ عمومات عدول المتمتّع إلى الإفراد مع العذر لا تفيد أزيد من جوازه أو لزومه عليه وعدم ترتّب إثم أو شي‌ء آخر عليه من هذه الحيثيّة ، وهو مسلّم ، ولا يدلّ ذلك على براءته عمّا لزم عليه من جهة الإجارة واستحقاقه لمال الإجارة.

ومنه يعلم أنّه لو أوصى أحد باستئجار واحد للتمتّع لا يجوز للوصيّ شرط العدول مع العذر ، لعدم استفادة الإذن فيه من الوصيّة.

نعم ، لو أذن له الموصي جاز ويجزئ أيضا عمّا يجب عليه من الحجّ.

ثم لو حصل للأجير العذر وعدل مع عدم الشرط المجوّز للعدول ، فإن وسع عام إجارته يؤخّر الحجّ الاستئجاري إلى العام القابل ، وإلاّ فيكون كمن لم يتمكّن من الحجّ أصلا ، فيعمل في الأجرة بالتوزيع على الطريق والحجّ إن كانت بإزائهما ، ولا يستحقّ منها شيئا إن كانت بإزاء الحجّ فقط.

المسألة الحادية عشرة : لا يجوز للأجير أن يؤجّر نفسه ثانيا في السنة التي استؤجر لها قطعا ، ووجهه واضح.

ويجوز في غيرها مطلقا وإن كانت الإجارة الثانية في العام المتأخّر ، لعدم دليل على وجوب اتّصال مدّة الاستئجار بزمان العقد ، ولا على فوريّة‌

١٣٤

الحجّ الاستئجاري ولو كان فوريّا على المستأجر (١).

وإن كانت الإجارة الأولى مطلقة ولم تكن قرينة على إرادة التعجيل تصحّ الثانية مطلقة ومعيّنة في العام الأول وفي غيره ، للأصل ، وعدم دليل على بطلان نوع منها ، وعدم اقتضاء الإطلاق الخالي عن القرينة للتعجيل.

المسألة الثانية عشرة : لا تجوز استنابة غيره إلاّ مع الإذن له صريحا فيها ممّن يجوز له الإذن فيها ، أو إيقاع العقد مقيّدا بالإطلاق ، لا إيقاعه مطلقا ، فإنّه يقتضي المباشرة بنفسه.

والمراد بتقييده بالإطلاق : أن يستأجره ليحجّ عنه مطلقا بنفسه أو بغيره ، أو بما يدلّ عليه ، كأن يستأجره لتحصيل الحجّ عن المنوب عنه.

وبإيقاعه مطلقا : أن يستأجره ليحجّ عنه ، فإنّ هذا الإطلاق يقتضي مباشرته.

كلّ ذلك للأصول المقرّرة ، وبها أفتى جماعة (٢) ، بل قيل : لا خلاف فيه.

وأما رواية عيثم : ما تقول في الرجل يعطى الحجّة فيدفعها إلى غيره؟ قال : « لا بأس » (٣) ، فلا دلالة فيها على الاستئجار بوجه ، بل مدلولها : إعطاء ما يحجّ به لأجل الحجّ ، فيحتمل التوكيل أيضا ، بل هو الظاهر ، فسئل : إنّه إذا أعطى رجل وجه حجّة لغيره هل يجب على الغير مباشرته بنفسه ، أو يجوز له الدفع إلى الغير؟

المسألة الثالثة عشرة : لو صدّ الأجير قبل إكمال العمل المستأجر‌

__________________

(١) في « ق » : المتأخر.

(٢) كما في المبسوط ١ : ٣٢٦ ، والسرائر ١ : ٦٢٧ ، والدروس ١ : ٣٢٥ ، واللمعة ( الروضة ) ٢ : ١٩١.

(٣) الكافي ٤ : ٣٠٩ ـ ٢ ، التهذيب ٥ : ٤١٧ ـ ١٤٤٩ ، الوسائل ١١ : ١٨٤ أبواب النيابة في الحجّ ب ١٤ ح ١ ، وفيها : عثمان بن عيسى ، بدل : عيثم.

١٣٥

عليه حجّا كان أو مع الذهاب أو الإياب أيضا ، استعيد منه بنسبة المتخلّف منه من العمل إن كانت الإجارة مقيّدة بسنة الصدّ ، لانفساخها بفوات الزمان الذي تعلّقت به.

ولا يلزم المستأجر إجابته لو التمس عدم الاستعادة وضمن الحجّ من قابل ، للأصل ، وعدم تناول العقد لغير تلك السنة.

خلافا للمحكيّ عن ظاهر السرائر والنهاية والمبسوط والقواعد والحلبي (١) ، فيلزم ، ومستنده غير واضح ، مع احتمال أن يكون مرادهم الجواز برضا المستأجر كما قيل (٢) ، ولا كلام فيه حينئذ.

ولا فرق بين أن يقع الصدّ قبل الإحرام ودخول الحرم ، أو بعدهما ، أو بينهما ، لعموم ما دلّ على استعادة ما بإزاء المتخلّف من العمل ، وإلحاقه بالموت قياس مع الفارق ، لعدم الإجزاء مع الصدّ بعد الإحرام ودخول الحرم عن نفسه ، فكيف عن غيره؟!

خلافا لبعضهم ، فألحقه بالموت (٣) ، ولا وجه له.

وإن كانت الإجارة مطلقة وجب على الأجير الإتيان بالحجّ بعد الصدّ ، لعدم انفساخها به.

وهل للمستأجر أو الأجير الفسخ؟

الظاهر : لا ، للأصل. وقيل : نعم (٤).

وعلى تقدير الفسخ ، له أجرة ما فعل واستعيد بنسبة ما تخلّف.

__________________

(١) السرائر ١ : ٦٢٩ ، النهاية : ٢٧٨ ، المبسوط ١ : ٣٢٣ ، القواعد ١ : ٧٧ ، الحلبي في الكافي في الفقه : ٢٢٠.

(٢) قال به في الرياض ١ : ٣٤٨.

(٣) كما في الخلاف ٢ : ٣٩٠ ، والشرائع ١ : ٢٣٣.

(٤) انظر الدروس ١ : ٣٢٣ و ٣٢٥.

١٣٦

ومتى انفسخت الإجارة استؤجر من موضع الصدّ مع الإمكان ، إلاّ أن يكون عن مكّة فمن الميقات ، لوجوب إنشاء الحجّ منه.

المسألة الرابعة عشرة : لا يجوز أن ينوب عن اثنين في عام ، لأنّ الحجّة الواحدة لا تقع عن اثنين إجماعا ، هذا في الواجب.

وأمّا المندوب ، فقد دلّت الأخبار الكثيرة (١) على جواز الاشتراك فيه ، فتجوز الاستنابة فيه على هذا الوجه ، بأن يستأجره اثنان أو أكثر بعقد واحد لأن يحجّ تطوّعا لهم ، لا بأن يؤجّر نفسه لاثنين أو أكثر بعقود متعدّدة ، فإنّ كلّ عقد يقتضي الاستقلال ، فلا يجوز بعده.

المسألة الخامسة عشرة : لا تجوز النيابة في الطواف الواجب عن المتمكّن الحاضر ، وتجوز مع العذر ، وسيجي‌ء تحقيقه في بحث الأفعال والأعذار.

المسألة السادسة عشرة : لو حجّ أحد ـ عن ميّت وجب عليه الحجّ ـ تبرّعا ، برئت ذمّته وصحّ ، سواء ترك الميّت مالا أو لا ، وسواء كان المتبرّع وليّا أم لا ، بالإجماع المحقّق ، والمحكي مستفيضا (٢) ، والمستفيضة من الصحاح وغيرها الخالية عن المعارض بالمرّة (٣).

وكذا يجوز التبرّع عن الميّت والحيّ بالتطوّع ، بالإجماعين (٤) والأخبار المستفيضة القريبة من التواتر (٥) ، بل قيل : لعلّها متواترة (٦).

__________________

(١) الوسائل ١١ : ٢٠٢ أبواب النيابة في الحجّ ب ٢٨.

(٢) كما في الحدائق ١٤ : ٢٨٧ ، والمفاتيح ١ : ٣٠١ ، والرياض ١ : ٣٤٨.

(٣) الوسائل ١١ : ٢٠٦ أبواب وجوب الحج وشرائطه ب ٣١.

(٤) كما في المدارك ٧ : ١٣٢ ، والحدائق ١٤ : ٢٨٩ ، والمفاتيح ١ : ٣٠١.

(٥) الوسائل ١١ : ١٩٦ أبواب النيابة في الحج ب ٢٥.

(٦) انظر الرياض ١ : ٣٤٨.

١٣٧

وفي التبرّع عن الحيّ بالواجب فيما إذا كان له العذر المسوّغ للاستنابة وكفايته عنه ، وجهان ، أجودهما : العدم ، إذ الأخبار المتضمّنة لاستنابته صريحة في أمره بالتجهيز من ماله ، فلعلّ هذا العمل واجب عليه مقام الحجّ بنفسه ، وكفاية فعل الغير موقوفة على الدليل ، وهو في المقام مفقود.

وأمّا مع عدم العذر المسوّغ فلا يجوز التبرّع عنه قطعا.

المسألة السابعة عشرة : ما يلزم الأجير من كفارات الجنايات في إحرامه فهو من ماله ، بلا خلاف يعرف كما قيل (١) ، بل بالإجماع كما عن الغنية (٢) ، لأنّها عقوبة جناية صدرت عنه أو ضمان في مقابلة إتلاف وقع منه ، لتوجّه الخطابات بها إلى الجاني ، فيكون عليه.

المسألة الثامنة عشرة : لو أفسد الأجير حجّة يجب عليه إتمامه وقضاؤه من قابل ، ويجزئ عن المستأجر مطلقا ، معيّنة كانت الإجارة أو مطلقة ، وفاقا للدروس (٣) ، ولا يستعاد الأجرة منه شيئا ، لموثّقتي ابن عمّار :

إحداهما : في الرجل يحجّ عن آخر فاجترح في حجّه شيئا ، يلزمه فيه الحجّ من قابل أو كفّارة؟ قال : « هي للأول تامّة ، وعلى هذا ما اجترح » (٤).

والأخرى : فإن ابتلي بشي‌ء يفسد عليه حجّه من قابل أيجزئ عن الأول؟ قال : « نعم » ، قلت : لأنّ الأجير ضامن للحجّ؟ قال : « نعم » (٥).

__________________

(١) كشف اللثام ١ : ٣٠٠.

(٢) الغنية ( الجوامع الفقهية ) : ٥٨٣.

(٣) الدروس ١ : ٣٢٣.

(٤) الكافي ٤ : ٥٤٤ ـ ٢٣ ، التهذيب ٥ : ٤٦١ ـ ١٦٠٦ ، الوسائل ١١ : ١٨٥ أبواب النيابة في الحجّ ب ١٥ ح ٢.

(٥) الكافي ٤ : ٣٠٦ ـ ٤ ، التهذيب ٥ : ٤١٧ ـ ١٤٥٠ ، الوسائل ١١ : ١٨٥ أبواب النيابة في الحجّ ب ١٥ ح ١.

١٣٨

ومنهم من قال بانفساخ الإجارة بالإفساد في المعيّنة واستعادة الأجرة (١) ، ومنهم من أوجب عليه في المطلقة حجّة ثالثة غير الفاسدة وقضاءها (٢) ، لوجوه كلّها اجتهادات في مقابل النصّ.

المسألة التاسعة عشرة : من وجب عليه حجّان مختلفان ـ كحجّة الإسلام والنذر ـ ومنعه مانع ، جاز أن يستأجر أجيرين لهما في عام واحد ، على المعروف من مذهب الأصحاب كما في المدارك (٣) ، وباتّفاق علمائنا كما عن التذكرة (٤) ، لثبوت جواز الاستنابة فيهما ، وعدم دليل على لزوم اختلاف العام ، وأصالة عدم وجوب الترتيب ، وتحقّقه في المنوب عنه لم يكن لوجوب الترتيب ، بل لعدم إمكان صدور الحجّتين منه في عام واحد.

المسألة العشرون : يستحبّ للنائب أن يذكر المنوب عنه باسمه في المواطن وعند كلّ فعل من أفعال الحجّ ، بلا خلاف كما في المفاتيح وعن المنتهى (٥) ، وعلى مذهب الأصحاب كما في المدارك (٦) ، واتّفاقا كما في شرح المفاتيح ، وهو الحجّة فيه ، لأنّه مقام التسامح.

مضافا إلى صحيحة محمّد في المواطن والمواقف (٧) ، ورواية الحلبي‌

__________________

(١) انظر المبسوط ١ : ٣٢٢ ، التذكرة ١ : ٣١٥.

(٢) انظر المبسوط ١ : ٣٢٢ ، التذكرة ١ : ٣١٥.

(٣) المدارك ٧ : ١٣٧.

(٤) التذكرة ١ : ٣١١.

(٥) المفاتيح ١ : ٣٠٣ ، المنتهى ٢ : ٨٧١.

(٦) المدارك ٧ : ١٣٨.

(٧) الكافي ٤ : ٣١٠ ـ ٢ ، التهذيب ٥ : ٤١٨ ـ ١٤٥٣ ، الإستبصار ٢ : ٣٢٤ ـ ١١٤٨ ، الوسائل ١١ : ١٨٧ أبواب النيابة في الحجّ ب ١٦ ح ١.

١٣٩

فيما بعد ما يحرم (١) ، وصحيحة ابن عمّار عند الإحرام (٢).

وتوهّم دلالة بعضها على الوجوب ضعيف ، لخلوّها عن الدالّ عليه رأسا ، مع أنّه لو كان لوجب الحمل على الاستحباب ، للاتّفاق على عدم الوجوب ، ودلالة الأخبار عليه ، كمرسلة الفقيه (٣) ، وروايتي البزنطي (٤) ومثنّى (٥).

وأن يعيد فاضل الأجرة بعد الحجّ إن لم يقتر على نفسه ، للشهرة الكافية في المقام ، ولرواية مسمع : أعطيت رجلا دراهم يحجّ بها عنّي ففضل منها شي‌ء فلم يردّه عليّ ، فقال : « هو له ، لعلّه ضيّق على نفسه في النفقة لحاجته إلى النفقة » (٦) ، دلّ التعليل أنّه لو لا الضيق على النفس لكان الردّ أولى ، إذ لولاه لم يحسن التعليل.

ومرسلة المقنعة : قال : وقد جاءت رواية : « أنّه إن فضل ممّا أخذه فإنّه يردّه إن كانت نفقته واسعة ، وإن كان قتّر على نفسه لم يردّه » (٧).

ويستفاد وجه القيد من الروايتين ، مضافا إلى رواية محمّد بن عبد الله القمّي : عن الرجل يعطى الحجّة يحجّ بها ويوسّع على نفسه ففضل منها ،

__________________

(١) الكافي ٤ : ٣١٠ ـ ١ ، الفقيه ٢ : ٢٧٨ ـ ١٣٦٥ ، التهذيب ٥ : ٤١٨ ـ ١٤٥٢ ، الإستبصار ٢ : ٣٢٤ ـ ١١٤٧ ، الوسائل ١١ : ١٨٧ أبواب النيابة في الحجّ ب ١٦ ح ٢.

(٢) الكافي ٤ : ٣١١ ـ ٣ ، الوسائل ١١ : ١٨٨ أبواب النيابة في الحجّ ب ١٦ ح ٣.

(٣) الفقيه ٢ : ١٤٥ ـ ٦٣٤ ، الوسائل ١١ : ١٨٩ أبواب النيابة في الحجّ ب ١٦ ح ٦.

(٤) الفقيه ٢ : ٢٧٩ ـ ١٣٦٧ ، الوسائل ١١ : ١٨٨ أبواب النيابة في الحجّ ب ١٦ ح ٥.

(٥) الفقيه ٢ : ٢٧٩ ـ ١٣٦٨ ، التهذيب ٥ : ٤١٩ ـ ١٤٥٤ ، الإستبصار ٢ : ٣٢٤ ـ ١١٤٩ ، الوسائل ١١ : ١٨٨ أبواب النيابة في الحجّ ب ١٦ ح ٤.

(٦) التهذيب ٥ : ٤١٤ ـ ١٤٤٢ ، الوسائل ١١ : ١٧٩ أبواب النيابة في الحجّ ب ١٠ ح ١.

(٧) المقنعة : ٤٤٢.

١٤٠