مستند الشّيعة - ج ١١

أحمد بن محمّد مهدي النّراقي

مستند الشّيعة - ج ١١

المؤلف:

أحمد بن محمّد مهدي النّراقي


المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ مشهد المقدسة
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
المطبعة: ستاره
الطبعة: ١
ISBN: 964-319-015-3
ISBN الدورة:
964-5503-75-2

الصفحات: ٤١٨

التلبية إلاّ بتكلّف بعيد كما يأتي.

وأمّا الثاني : فلا مانع عنه ، بل هو الصحيح ، ولكن بأن يقال : إنّه قد عرفت أنّ الإحرام بالصلاة هو الدخول في أول جزء منه ، أو الدخول في حالة يحرم معها ما يحرم على المصلّي ، وإنّ المعنيين فيها يتحقّقان بالتكبيرة ، وليس لها جزء مقدّم على التكبيرة لا يجوز معه ارتكاب المحرّمات.

ولكن العمرة والحجّ يفترقان عن الصلاة في ذلك وفي أمر آخر ، هو : أنّ الواجب في نيّة الصلاة على التحقيق نيّة فعلية واحدة متحققة لمن يريد الصلاة قطعا ، ووقتها موسّع من بدو الشروع في مقدّماتها إلى الشروع في التكبيرة ، وليس لها وقت معيّن آخر في ذلك الأثناء يجب الإتيان بها على التحقيق ، وبعد تحقّقها الابتدائي تكفي الحكمية إلى آخر الصلاة.

بخلاف العمرة والحجّ ، فإنّهما وإن يستلزمان عقلا نيّة فعلية في بدو الشروع إلى مقدماتهما ـ من غسل الإحرام وصلاته ، بل من الخروج من البيت والمسافرة ـ ولكن تجب نيّة فعلية أخرى عند الميقات ، وهي المأمور بها بقوله في الأخبار : « وانو المتعة » و : « يفرض الحجّ » ونحو ذلك (١).

فيمتازان عن الصلاة ونحوها بلزوم هذه النيّة الفعليّة في ذلك الموضع ، كما يمتازان عنها وعن سائر الواجبات باستحباب التلفّظ بالمنويّ فيهما ، كما يأتي.

وهذه النيّة أول الأفعال الواجبة للحجّ والعمرة ، وثانيها : لبس الثوبين ، وثالثها : التلبية ، ولكن الفعلين الأولين لا يحرّمان شيئا من المحظورات على المحرم ، وإنّما هي تحرم بالثالث ، فيتحقّق الإحرام بأحد المعنيين : بالنيّة ولبس الثوبين ـ وهذا الذي يجب الإتيان به في الميقات ولا يجوز التجاوز‌

__________________

(١) المتقدمة في ص : ٢٥٨.

٢٦١

عنه بدونه ـ وبالآخر : بالتلبية ، وقبلها لا تحرم المحرّمات.

فهذا هو التحقيق التامّ في المقام ، ولكن لا يترتّب عليه كثير فائدة في العمل ، إذ الكلّ قائلون بوجوب النيّة واللبس في الميقات وعدم جواز التجاوز عنه بدونهما ، وأنّه لا تحرم المحرّمات إلاّ بالتلبية ، وأنّه لا يضرّ جواز تأخيرها عن الميقات على القول به في ذلك ، لأنّه يكون المراد بالإحرام ـ الذي لا يجوز تأخيره على ذلك القول ـ هو الأولان ، وإنّما فائدته تشريح المقام وفهم الأخبار والجمع بين كلمات العلماء الأخيار.

إذا عرفت تلك المقدمة فاعلم : أنّهم ذكروا أنّ للإحرام أفعالا واجبة ومستحبّة وتروكا ، وظهر لك من التحقيق الذي ذكرناه أنّه ليس المراد أنّ الإحرام بنفسه من حيث هو هو فعل آخر من أفعال الحجّ والعمرة وهذه الأفعال أجزاؤه ، بل المراد : أنّ هذه الأفعال من أفعالهما ممّا تحقّق به الإحرام وسبب لتحقّق الإحرام بالمعنيين ، كالتكبيرة التي هي فعل من الصلاة يتحقق بها الإحرام.

ومعنى مستحبّات الإحرام : أنّها أفعال مستحبّة للدخول في الحجّ أو العمرة والشروع في أحدهما ، أو مستحبّ لكلّ فعل من أفعاله بخصوصه ، والأوّل : هو مقدمات الإحرام التي تذكر قبل ذكر أفعاله. والثاني : يذكر في ذيل كلّ فعل.

ومعنى واجباته : أنّها ممّا لا بدّ منها في الدخول فيهما.

ومعنى تعدّد الأفعال : أنّ بالمجموع يتحقّق الإحرام بالمعنيين ، فبالأول يتحقّق الإحرام بالمعنى الأول ثم يجب الثاني ، وبالثالث المسبوق بالأولين ـ بل المقارن لهما ، ولو كانت النيّة حكمية ـ يتحقّق المعنى الثاني ، فبالثلاثة يتحقّق معنيا الإحرام.

٢٦٢

البحث الأول

في مقدّماته والتهيّؤ له

وهي كلّها مستحبّة ، وهي المراد بمستحبّات الإحرام في الأكثر ، وهي أمور :

منها : توفير شعر الرأس للحجّ مطلقا في أول ذي القعدة وللعمرة في شهر.

لصحيحة ابن عمّار : « فمن أراد الحجّ وفّر شعره إذا نظر إلى هلال ذي القعدة ، ومن أراد العمرة وفّر شعره شهرا » (١).

وابن سنان : « لا تأخذ من شعرك وأنت تريد الحجّ في ذي القعدة ، ولا في الشهر الذي تريد الخروج إلى العمرة » (٢) ، ونحوها رواية أبي حمزة (٣).

ورواية الأعرج : « لا يأخذ الرجل إذا رأى هلال ذي القعدة وأراد الخروج من رأسه ولا لحيته » (٤).

وصحيحة ابن أبي العلاء : عن الرجل يريد الحجّ ، أيأخذ من رأسه في‌

__________________

(١) الكافي ٤ : ٣١٧ ـ ١ ، الفقيه ٢ : ١٩٧ ـ ٨٩٩ ، التهذيب ٥ : ٤٦ ـ ١٣٩ ، الإستبصار ٢ : ١٦٠ ـ ٥٢٠ ، الوسائل ١٢ : ٣١٦ أبواب الإحرام ب ٢ ح ٤.

(٢) التهذيب ٥ : ٤٦ ـ ١٣٨ ، الوسائل ١٢ : ٣١٥ أبواب الإحرام ب ٢ ح ١.

(٣) الكافي ٤ : ٣١٨ ـ ٣ ، الوسائل ١٢ : ٣١٧ أبواب الإحرام ب ٢ ح ٧.

(٤) الكافي ٤ : ٣١٨ ـ ٤ ، التهذيب ٥ : ٤٧ ـ ١٤٤ ، الإستبصار ٢ : ١٦٠ ـ ٥٢١ ، الوسائل ١٢ : ٣١٧ أبواب الإحرام ب ٢ ح ٦.

٢٦٣

شوّال كلّه ما لم ير الهلال؟ قال : « لا بأس به ما لم ير الهلال » (١).

وابن سنان : « اعف شعرك للحجّ إذا رأيت هلال ذي القعدة وللعمرة شهرا » (٢).

وموثّقة محمّد : « خذ من شعرك إذا أزمعت على الحجّ شوّال كلّه إلى غرّة ذي القعدة » (٣) ، حيث دلّت بالمفهوم على عدم جواز الأخذ ـ الذي هو المراد من الأمر قطعا ـ بعد غرّة ذي القعدة.

وهذه الروايات ـ كما ترى ـ شاملة لمطلق الحجّ ، كما صرّح به جماعة من محقّقي المتأخّرين (٤) ، فالتخصيص بالمتمتّع ـ كما في عبارات جماعة (٥) ـ لا وجه له ، والإسناد في التخصيص إلى بعض الروايات الآتية ـ المثبتة للدم على المتمتّع الحالق لرأسه ـ ضعيف جدّا ، لظهوره في حال الإحرام [ أولا ، ولوقوع ] (٦) التمتّع ـ الذي هو أحد أفراد المسألة ـ في السؤال ثانيا.

وكذا أكثرها عامّة لشعر الرأس واللحية ، بل بعضها مصرّح بالأمرين ، فالتخصيص بالرأس ـ كما في كلام جمع منهم (٧) ـ لا وجه له ، وكأنّه‌

__________________

(١) الكافي ٤ : ٣١٧ ـ ٢ ، التهذيب ٥ : ٤٧ ـ ١٤٠ ، الإستبصار ٢ : ١٦٠ ـ ٥٢٣ ، الوسائل ١٢ : ٣١٩ أبواب الإحرام ب ٤ ح ١.

(٢) الكافي ٤ : ٣١٨ ـ ٥ ، الوسائل ١٢ : ٣١٦ أبواب الإحرام ب ٢ ح ٥.

(٣) التهذيب ٥ : ٤٧ ـ ١٤١ ، الإستبصار ٢ : ١٦٠ ـ ٥٢٤ ، الوسائل ١٢ : ٣١٦ أبواب الإحرام ب ٢ ح ٢.

(٤) منهم الشهيد في الدروس ١ : ٣٤٣ ، واللمعة ( الروضة ٢ ) : ٢٢٨ ، والأردبيلي في مجمع الفائدة ٦ : ٢٤٦.

(٥) منهم الطوسي في النهاية : ٢٠٦ ، المبسوط ١ : ٣٠٩ ، المحقّق في الشرائع ١ : ٢٤٤.

(٦) في النسخ : ولا لوقوع ، والظاهر ما أثبتناه.

(٧) كالمحقق في المختصر النافع : ٨١ ، والعلاّمة في الإرشاد ١ : ٣١٦ ، والسبزواري في الكفاية : ٥٩ ، وصاحب الحدائق ١٥ : ٦.

٢٦٤

للروايات المشار إليها المثبتة للدم على الحالق ، المذكور ضعف دلالتها.

أو لصحيحة الكناني : عن الرجل يريد الحجّ ، أيأخذ من شعره في أشهر الحج؟ فقال : « لا ، ولا من لحيته ، ولكن يأخذ من شاربه ومن أظفاره ، وليطل إن شاء » (١).

وفيها : ـ مع أخصّيتها عن المدّعى ، وعدم صراحتها في ما بعد دخول ذي القعدة ـ عدم منافاتها للكراهة واستحباب الترك.

ثم مقتضى الثلاثة الأخيرة من الروايات المتقدّمة (٢) وجوب التوفير ، كما حكي عن المقنعة والإستبصار والفقيه (٣) ، استنادا إليها وإلى صحيحة جميل : عن متمتّع حلق رأسه بمكّة ـ إلى أن قال ـ : « وإن تعمّد بعد الثلاثين التي توفّر فيها الشعر للحجّ فإنّ عليه دما يهريقه » (٤).

ويجاب عن الأول : ـ مضافا إلى المخالفة لشهرة القدماء ـ بالمعارضة لما يدلّ على خلافه ، كصحيحة الكناني المتقدّمة ، وموثّقة سماعة : عن الحجامة وحلق القفا في أشهر الحجّ ، فقال : « لا بأس به والسواك والنورة » (٥).

ورواية محمد بن خالد الخزّاز : « أمّا أنا فآخذ من شعري حين أريد الخروج إلى مكّة للإحرام » (٦).

__________________

(١) التهذيب ٥ : ٤٨ ـ ١٤٨ ، الإستبصار ٢ : ١٦١ ـ ٥٢٦ ، الوسائل ١٢ : ٣٢٠ أبواب الإحرام ب ٤ ح ٤.

(٢) في النسخ زيادة : وإن كان.

(٣) المقنعة : ٣٩١ ، الإستبصار ٢ : ١٦١ ، الفقيه ٢ : ١٩٧.

(٤) الكافي ٤ : ٤٤١ ـ ٧ ، الفقيه ٢ : ٢٣٨ ـ ١١٣٧ ، التهذيب ٥ : ١٥٨ ـ ٥٢٦ ، الإستبصار ٢ : ٢٤٢ ـ ٨٤٣ ، الوسائل ١٢ : ٣٢١ أبواب الإحرام ب ٥ ح ١.

(٥) الفقيه ٢ : ١٩٨ ـ ٩٠٢ ، التهذيب ٥ : ٤٧ ـ ١٤٥ ، الإستبصار ٢ : ١٦٠ ـ ٥٢٢ ، الوسائل ١٢ : ٣١٩ أبواب الإحرام ب ٤ ح ٣.

(٦) التهذيب ٥ : ٤٨ ـ ١٤٧ ، الإستبصار ٢ : ١٦١ ـ ٥٢٥ ، الوسائل ١٢ : ٣٢٠ أبواب الإحرام ب ٤ ح ٥.

٢٦٥

ورواية إسماعيل بن جابر : أوفّر شعري إذا أردت هذا السفر؟ قال : « أعفه شهرا » (١).

والمروي صحيحا عن كتاب عليّ : الرجل إذا همّ بالحجّ يأخذ من شعر رأسه ولحيته وشاربه ما لم يحرم؟ قال : « لا بأس » (٢) ، وضعفه ـ إن كان ـ بالعمل منجبر.

وإمكان الجمع بين هذه وبين الأولى ـ بتخصيص هذه بغير ذي القعدة ـ معارض بإمكان تخصيص الأولى بالمحرم ، فيرجع إلى الأصل.

وقيل : يتأكّد الاستحباب إذا أهلّ ذو الحجّة (٣) ، ولا بأس به ، لفتوى الفقيه ، وقيل : لصحيحة جميل السابقة (٤) ، ولا دلالة لها.

ومنها : قصّ الأظفار ، وأخذ الشارب ، وإزالة شعر الإبط والعانة خصوصا بالاطلاء بالنورة ، لفتوى الطائفة ، والنصوص المستفيضة ، كالصحاح الأربع لابن عمّار وحريز (٥).

واستحباب الاطلاء لا يختصّ بما إذا مضى خمسة عشر يوما من‌

__________________

(١) التهذيب ٥ : ٤٧ ـ ١٤٢ ، الوسائل ١٢ : ٣١٨ أبواب الإحرام ب ٣ ح ٢.

(٢) مسائل علي بن جعفر : ١٧٦ ـ ٣١٩ ، الوسائل ١٢ : ٣٢٠ أبواب الإحرام ب ٤ ح ٦.

(٣) كما في الرياض ١ : ٣٦٤.

(٤) كما في كشف اللثام ١ : ٣١٠.

(٥) الأولى في : الكافي ٤ : ٣٢٦ ـ ١ ، الفقيه ٢ : ٢٠٠ ـ ٩١٤ ، الوسائل ١٢ : ٣٢٣ أبواب الإحرام ب ٦ ح ٤.

الثانية في : التهذيب ٥ : ٦١ ـ ١٩٣ ، الوسائل ١٢ : ٣٢٢ أبواب الإحرام ب ٦ ح ٣.

الثالثة في : الكافي ٤ : ٣٢٦ ـ ٢ ، الوسائل ١٢ : ٣٢٣ أبواب الإحرام ب ٦ ح ٥.

الرابعة في : التهذيب ٥ : ٦١ ـ ١٩٤ ، الوسائل ١٢ : ٣٢٢ أبواب الإحرام ب ٦ ح ١.

٢٦٦

الطلية الأولى ، بل يستحبّ مطلقا عند جماعة من المتأخّرين (١) ، تبعا للمحكيّ عن النهاية والمبسوط والمنتهى (٢) ، لخبر ابن أبي يعفور : « أطليا » ، فقلنا : [ فعلنا ] منذ ثلاثة أيام ، فقال : « أعيدا ، فإنّ الاطلاء طهور » (٣).

وظاهر بعضهم اختصاص الاستحباب للإحرام بما إذا لم تمض المدّة المذكورة (٤) ، لرواية أبي بصير : إذا أطليت للإحرام الأول كيف أصنع في الطلية للأخيرة ، وكم بينهما؟ قال : « إذا كان بينهما جمعتان خمسة عشر يوما فأطل » (٥).

ولا يخفى أنّ الخبر الأول لا يختصّ بكون الثاني ولا الأول الطلي للإحرام ، والثاني مخصوص بكون الأول للإحرام ، ومقتضى العمل بالأخبار (٦) أن يقال باستحباب الطلي للإحرام مطلقا ، سواء مضى خمسة عشر يوما أو لم يمض ، لعموماته. إلاّ أن يطلي للإحرام قبله ولم تمض المدة المذكورة ، للخبر الأخير. أو لم يثبت له بعد شعر ، لموثّقة أبي بصير في إحرام الحجّ ، وفيها : « وأطل عانتك إن كان لك شعر » (٧) ، فعليه الفتوى.

ومنهم من زاد في المستحبّات تنظيف الجسد من الأوساخ وإزالة‌

__________________

(١) كما في القواعد ١ : ٧٩ ، المنتهى ٢ : ٦٧٢ ، اللمعة ( الروضة ٢ ) : ٢٢٨ ، المسالك ١ : ١٠٦.

(٢) النهاية : ٢١١ ، المبسوط ١ : ٣١٤ ، المنتهى ٢ : ٦٧٢.

(٣) الكافي ٤ : ٣٢٧ ـ ٦ ، التهذيب ٥ : ٦٢ ـ ١٩٩ ، الوسائل ٢ : ٦٩ أبواب آداب الحمام ب ٣٢ ح ٥ ، وما بين المعقوفين من المصدر.

(٤) كما في الشرائع ١ : ٢٤٤ ، قواعد الأحكام ١ : ٧٩.

(٥) الكافي ٤ : ٣٢٦ ـ ٣ ، الفقيه ٢ : ٢٠١ ـ ٩١٧ ، التهذيب ٥ : ٦٢ ـ ١٩٨ ، الوسائل ١٢ : ٣٢٥ أبواب الإحرام ب ٧ ح ٤.

(٦) الوسائل ١٢ : ٣٢٤ أبواب الإحرام ب ٧.

(٧) الكافي ٤ : ٤٥٤ ـ ٢ ، التهذيب ٥ : ١٦٨ ـ ٥٥٩ ، الإستبصار ٢ : ٢٥١ ـ ٨٨١ ، الوسائل ١٢ : ٤٠٩ أبواب الإحرام ب ٥٢ ح ٢.

٢٦٧

الشعر منه مطلقا (١) ، ولا بأس به بعد فتوى الفقيه وإشعار تعليل الإطلاق في بعض الأخبار بأنّه طهور.

ومنها : الغسل للإحرام إجماعا ، له ، وللمتواترة من النصوص ، كالصحاح الثلاث لابن عمّار (٢) ، وصحيحتي ابن وهب (٣) وهشام (٤) ، المتضمّنة جميعا للفظ : « اغتسل » ، و : « اغتسلوا » ، وموثّقة سماعة : « غسل المحرم واجب » (٥) ، ومرسلة يونس : « الغسل في سبعة عشر موطنا ، منها : الفرض ثلاثة » ، وعدّ من الثلاثة غسل الإحرام (٦).

وصحيحتي ابن عمّار (٧) والنضر (٨) ، وروايتي محمّد (٩) وعليّ بن أبي‌

__________________

(١) كما في الشرائع ١ : ٢٤٤ ، والمختصر النافع : ٨٢ ، والرياض ١ : ٣٦٤.

(٢) الأولى في : الكافي ٤ : ٣٢٦ ـ ١ ، الفقيه ٢ : ٢٠٠ ـ ٩١٤ ، الوسائل ١٢ : ٣٢٣ أبواب الإحرام ب ٦ ح ٤.

الثانية في : الكافي ٣ : ٤٠ ـ ١ ، الوسائل ٣ : ٣٠٣ أبواب الأغسال المسنونة ب ح ١.

الثالثة في : الكافي ٤ : ٢٤٥ ـ ٤ ، التهذيب ٥ : ٤٥٤ ـ ١٥٨٨ ، الوسائل ١١ : ٢١٣ أبواب أقسام الحجّ ب ٢ ح ٤.

(٣) الفقيه ٢ : ٢٠٠ ـ ٩١٥ ، التهذيب ٥ : ٦٢ ـ ١٩٦ ، الوسائل ١٢ : ٣٢٤ أبواب الإحرام ب ٧ ح ١.

(٤) الكافي ٤ : ٣٢٨ ـ ٧ ، الفقيه ٢ : ٢٠١ ـ ٩١٨ ، الوسائل ١٢ : ٣٢٦ أبواب الإحرام ب ٨ ح ١.

(٥) الكافي ٣ : ٤٠ ـ ٢ ، الفقيه ١ : ٤٥ ـ ١٧٦ ، التهذيب ١ : ١٠٤ ـ ٢٧٠ ، الوسائل ٣ : ٣٠٣ أبواب الأغسال المسنونة ب ١ ح ٣.

(٦) التهذيب ١ : ١٠٥ ـ ٢٧١ ، الإستبصار ١ : ٩٨ ـ ٣١٦ ، الوسائل ٢ : ١٧٤ أبواب الجنابة ب ١ ح ٤.

(٧) التهذيب ٥ : ٧١ ـ ٢٣٢ ، الوسائل ١٢ : ٣٣٢ أبواب الإحرام ب ١٣ ح ١.

(٨) الكافي ٤ : ٣٢٨ ـ ٣ ، التهذيب ٥ : ٦٥ ـ ٢٠٦ ، الإستبصار ٢ : ١٦٤ ـ ٥٣٧ ، الوسائل ١٢ : ٣٢٩ أبواب الإحرام ب ١٠ ح ١.

(٩) الكافي ٤ : ٣٢٩ ـ ٨ ، التهذيب ٥ : ٦٥ ـ ٢١٠ ، الوسائل ١٢ : ٣٣١ أبواب الإحرام ب ١١ ح ٢.

٢٦٨

حمزة (١) الآمرة بإعادة الغسل لمن لبس قميصا بعده ، وغير ذلك من الأخبار (٢).

ومقتضى تلك الأخبار جميعا وجوبه ، كما عن العماني (٣) وظاهر الإسكافي (٤) ، إلاّ أنّ شذوذ قولهما ـ بل مخالفته لظاهر الإجماع المحكوم به بالحدس ، مضافا إلى عدّه في بعض الأخبار (٥) في طي الأغسال المسنونة وإلى جواز الإحرام للحائض والنفساء مع عدم كون غسلهما غسلا حقيقيّا ـ أوجب صرف تلك الأخبار عن ظواهرها وحملها على الاستحباب.

فروع :

أ : لو أكل أو لبس بعد الغسل ما لا يجوز للمحرم أكله أو لبسه أعاد الغسل ، لصحيحتي عمر بن يزيد (٦) وابن عمّار (٧) ، وروايات عليّ بن أبي حمزة ومحمّد ، بل مقتضى الأولى الإعادة مع التطيّب أيضا ، كما عن التهذيب والدروس (٨) وغيرهما (٩) ، وهو كذلك ، لذلك.

وفي صحيحة النضر : عن الرجل يغتسل للإحرام ثم ينام قبل أن‌

__________________

(١) الكافي ٤ : ٣٢٨ ـ ٤ ، التهذيب ٥ : ٦٥ ـ ٢٠٩ ، الوسائل ١٢ : ٣٣٠ أبواب الإحرام ب ١١ ح ١.

(٢) الوسائل ١٢ : ٣٣٠ أبواب الإحرام ب ١١.

(٣) حكاه عنه في المختلف : ٢٦٤.

(٤) حكاه عنه في المختلف : ٢٦٤.

(٥) الوسائل ١٢ : ٣٩٩ أبواب الإحرام ب ٤٨.

(٦) التهذيب ٥ : ٧١ ـ ٢٣١ ، الوسائل ١٢ : ٣٣٢ أبواب الإحرام ب ١٣ ح ٢.

(٧) الكافي ٤ : ٣٤٨ ـ ٣ ، الوسائل ١٢ : ٣٣٢ أبواب الإحرام ب ١٣ ح ٣.

(٨) التهذيب ٥ : ٧٠ ، الدروس ١ : ٣٤٣.

(٩) كما في كشف اللثام : ٣١١ ، والحدائق ١٥ : ١٢.

٢٦٩

يحرم ، قال : « عليه إعادة الغسل » (١) ، ونحوها رواية عليّ بن أبي حمزة (٢).

ب : مقتضى الأخيرتين استحباب الإعادة مع النوم أيضا ، كما هو المحكيّ عن الأكثر (٣) ، والمؤيّد بما دلّ عليه لمن اغتسل لدخول مكّة أو الطواف (٤) ، ولا ينافيه نفي لزوم الغسل عنه في صحيحة العيص (٥) ، لأنّه لا ينافي الاستحباب ، فيحمل على نفي الوجوب ـ كما فعله الشيخ (٦) ـ أو على نفي تأكّد الاستحباب ، كما ذكره جماعة (٧).

وهل يشارك النوم باقي الأحداث أيضا ، كما اختاره في الدروس والمسالك (٨) ، لفحوى ما مرّ؟

أولا ، كما عليه بعض من عنهما تأخّر ، كما في المدارك والذخيرة (٩)؟

الأقرب هو : الثاني ، للأصل ، ومنع الفحوى. بل لو قلنا بكون الأحداث نواقض لهذا الغسل أيضا لم تفد الإعادة ، لأنّ الثابت من النصوص هو الغسل للإحرام ، لا الإحرام مع الغسل.

ج : مقتضى صحيحة ابن عمّار ـ المتضمّنة لقوله : « إذا انتهيت إلى‌

__________________

(١) تقدمت في ص ٢٦٨.

(٢) الكافي ٤ : ٣٢٨ ـ ٥ ، التهذيب ٥ : ٦٥ ـ ٢٠٧ ، الإستبصار ٢ : ١٦٤ ـ ٥٣٨ ، الوسائل ١٢ : ٣٣٠ أبواب الإحرام ب ١٠ ح ٢.

(٣) حكاه في الرياض ١ : ٣٦٤.

(٤) الوسائل ١٢ : ٣٢٨ أبواب الإحرام ب ١٠.

(٥) الفقيه ٢ : ٢٠٢ ـ ٩٢٥ ، التهذيب ٥ : ٦٥ ـ ٢٠٨ ، الإستبصار ٢ : ١٦٤ ـ ٥٣٩ ، الوسائل ١٢ : ٣٣٠ أبواب الإحرام ب ١٠ ح ٣.

(٦) في الإستبصار ٢ : ١٦٤.

(٧) منهم الأردبيلي في مجمع الفائدة ٦ : ٢٥٤ ، صاحب المدارك ٧ : ٢٥٢ ، صاحب رياض المسائل ١ : ٣٦٥.

(٨) الدروس ١ : ٣٤٣ ، المسالك : ١٠٦.

(٩) المدارك ٧ : ٢٥٣ ، الذخيرة : ٥٥٦.

٢٧٠

العقيق من قبل العراق أو إلى الوقت من هذه المواقيت وأنت تريد الإحرام » الحديث (١) ـ أنّ مكان الغسل هو الميقات ، كما صرّح به جمع من الأصحاب (٢) أيضا ، بل قد يقال : إنّه المتبادر من النصّ والفتوى مطلقا.

ولكن يجوز تقديمه عليه مع خوف عوز الماء في الميقات ، وفاقا للشيخ وأتباعه ، كما عن التنقيح (٣) ، بل لعامّة المتأخّرين أيضا كما قيل (٤) ، بل بلا خلاف يعلم كما في الذخيرة (٥) ، بل بالإجماع كما في المدارك (٦).

لصحيحة ابن وهب : « أطل بالمدينة وتجهّز بكلّ ما تريد واغتسل ، وإن شئت استمتعت بقميصك حتى تأتي مسجد الشجرة » (٧).

والحلبي : عن الرجل يغتسل بالمدينة لإحرامه ، أيجزئه ذلك من غسل ذي الحليفة؟ قال : « نعم » (٨).

وهشام : « اغتسلوا بالمدينة ، فإنّي أخاف أن يعزّ عليكم الماء بذي الحليفة ، فاغتسلوا بالمدينة والبسوا ثيابكم التي تحرمون فيها » الحديث (٩).

__________________

(١) الكافي ٤ : ٣٢٦ ـ ١ ، الفقيه ٢ : ٢٠٠ ـ ٩١٤ ، الوسائل ١٢ : ٣٢٣ أبواب الإحرام ب ٦ ح ٤.

(٢) منهم الحلّي في السرائر ١ : ٥٣٠ ، الشهيد الثاني في الروضة ٢ : ٢٢٩ ، السبزواري في الذخيرة : ٥٧٣.

(٣) التنقيح ١ : ٤٥٤.

(٤) انظر رياض المسائل ١ : ٣٦٤.

(٥) الذخيرة : ٥٨٦.

(٦) المدارك ٧ : ٢٥١.

(٧) الفقيه ٢ : ٢٠٠ ـ ٩١٥ ، التهذيب ٥ : ٦٢ ـ ١٩٦ ، الوسائل ١٢ : ٣٢٤ أبواب الإحرام ب ٧ ح ١.

(٨) التهذيب ٥ : ٦٣ ـ ٢٠١ ، الوسائل ١٢ : ٣٢٧ أبواب الإحرام ب ٨ ح ٥.

(٩) الكافي ٤ : ٣٢٨ ـ ٧ ، الفقيه ٢ : ٢٠١ ـ ٩١٨ ، التهذيب ٥ : ٦٣ ـ ٢٠٢ ، الوسائل ١٢ : ٣٢٦ أبواب الإحرام ب ٨ ح ١.

٢٧١

ومقتضى الأولين جواز التقديم مطلقا وإن لم يخف عوز الماء ـ كما قوّاه جماعة من متأخّري أصحابنا (١) ـ وهو الأقرب ، وظهور عدم قائل به من التنقيح (٢) لا يضرّ ، لعدم ثبوت الإجماع بمجرّده.

وهل تستحبّ الإعادة لو وجد الماء في الميقات أم لا؟

فيه قولان ، الأقرب هو : الثاني ، للأصل واستدل للأول بذيل صحيحة هشام : « لا عليكم أن تغتسلوا إن وجدتم ماء إذا بلغتم ذا الحليفة » (٣).

وردّ بأنّ نفي البأس غير الاستحباب ، إلاّ أن يتمّم بأنّه إذا لم يكن به بأس كان راجحا لكونه عبادة.

أقول : لا يتعيّن تقدير البأس ، بل الظاهر منه نفي أصل الغسل ، أي ليس عليكم الغسل ، فهو لدليل الثاني أقرب وأشبه.

د : يجزئ غسل النهار ليومه والليل لليلته ما لم ينم بلا خلاف ، للمستفيضة من النصوص (٤) ، بل المستفاد من بعضها كفاية غسل الليل لليوم واليوم لليل ، وأفتى به جماعة أيضا (٥) ، ولا بأس به ، وإن كان الأفضل في الأخير الإعادة ، لبعض الأخبار (٦).

هـ : لو أحرم بغير غسل أو صلاة ، أعاد الإحرام بعد تداركهما‌

__________________

(١) كما في الرياض ١ : ٣٦٤.

(٢) التنقيح ١ : ٤٥٤.

(٣) الكافي ٤ : ٣٢٨ ـ ٧ ، الفقيه ٢ : ٢٠١ ـ ٩١٨ ، التهذيب ٥ : ٦٣ ـ ٢٠٢ ، الوسائل ١٢ : ٣٢٦ أبواب الإحرام ب ٨ ح ١.

(٤) الوسائل ١٢ : ٣٢٨ أبواب الإحرام ب ٩.

(٥) كما في المقنع : ٧٠ ، والحدائق ١٥ : ١٥ ، والرياض ١ : ٣٦٤.

(٦) الكافي ٤ : ٣٢٨ ـ ٢ ، الوسائل ١٢ : ٣٢٨ أبواب الإحرام ب ٩ ح ٣.

٢٧٢

استحبابا على الأظهر الأشهر ، لصحيحة الحسن بن سعيد : رجل أحرم بغير صلاة أو بغير غسل جاهلا أو عامدا ، ما عليه في ذلك؟ وكيف ينبغي أن يصنع؟ فكتب : « يعيده » (١).

خلافا لمن حكي عنه الوجوب (٢) ، لما مرّ.

وفيه : أنّه غير ناهض (٣) لإثباته ، للجملة الخبريّة ، ويؤيّده ظهور السؤال في الاستحباب ، فكذا الجواب ليتمّ المطابقة.

وللحلّي ، فأنكر الاستحباب أيضا (٤) ، ولعلّه للأصل ، بناء على أصله في الآحاد.

وهل يبطل الإحرام الأول فيكون المعتبر منه هو الثاني؟ أم لا ، فيكون المعتبر هو الأول؟

الظاهر هو : الثاني ، لعدم دليل على بطلان الأول أو إبطاله ، ولاستصحابه ، ولمطلقات وجوب الكفّارة لمن ارتكب ما فيه الكفّارة بعد الإحرام.

وقيل بالأول (٥) ، لتبادره من الإعادة عرفا ، وتصريح الأصوليين بأنّها عبارة عن الإتيان بالشي‌ء ثانيا بعد الإتيان به أولا لوقوعه على نوع خلل.

وفيه : منع انفهام ذلك عرفا ، والخلل الواقع في تصريح الأصوليين أعمّ من المبطل ، ولو سلّم فلا نسلّم كونه كذلك في عرف الشارع واللغة ،

__________________

(١) الكافي ٤ : ٣٢٧ ـ ٥ ، التهذيب ٥ : ٧٨ ـ ٢٦٠ ، الوسائل ١٢ : ٣٤٧ أبواب الإحرام ب ٢٠ ح ١.

(٢) حكاه العلاّمة عن ابن الجنيد في المختلف : ٢٦٤.

(٣) في نسخة في « ح » : ناصّ.

(٤) السرائر ١ : ٥٣٢.

(٥) كما في الرياض ١ : ٣٦٥.

٢٧٣

بل وردت الإعادة في كثير من المواقع التي لم يبطل فيها الأصل.

ثمّ إنّه تظهر ثمرة الخلاف في وجوب الكفارة للمتخلّل بين الإحرامين ، واحتساب الشهر بين العمرتين ، والعدول إلى عمرة التمتّع لو وقع الثاني في أشهر الحجّ.

ومنها : أن يكون إحرامه عقيب الصلاة ، ولا خلاف في رجحانه ، بل هو إجماع مقطوع به ، وتدلّ عليه معه المستفيضة من الصحاح وغيرها (١).

والمشهور أنّه على الاستحباب ، والأصل معهم.

وعن الإسكافي (٢) : الوجوب ، وظاهر أكثر الأخبار معه ، إلاّ أنّ شذوذه ـ بل مخالفته للإجماع المحقّق بالحدس ، لعدم قدح مخالفة النادر فيه ـ أوجب صرفه عن ظاهره.

بل هنا أمر آخر ، وهو : أنّ جميع الأخبار المتضمّنة لما ظاهره الوجوب واردة على أمر لا يقول أحد بوجوبه بخصوصه من فريضة مخصوصة أو نافلة كذلك ، بل لا يخلو شي‌ء من الخصوصيات من معارض من النصوص ، فبعضها أمر بما بعد المكتوبة ، وآخر بما بعد ستّ ركعات ، وثالث بالأربع ، ورابع باثنتين ، مع أنّه صرّح في آخر رواية عمر بن يزيد بأنّه : « واسع لك أن تحرم في دبر فريضة أو دبر نافلة أو ليل أو نهار » (٣).

فلا يمكن إثبات وجوب شي‌ء ، بل يرجع فيه إلى الأصل.

قالوا : والأفضل أن يكون بعد الصلاة المكتوبة ، أي الخمس‌

__________________

(١) الوسائل ١٢ : ٣٤٤ أبواب الإحرام ب ١٨.

(٢) حكاه عنه في المختلف : ٢٦٤.

(٣) التهذيب ٥ : ١٦٩ ـ ٥٦١ ، الإستبصار ٢ : ٢٥٢ ـ ٨٨٦ ، الوسائل ١٢ : ٣٤٥ أبواب الإحرام ب ١٨ ح ٣.

٢٧٤

اليوميّة (١) ، ومنها صلاة الظهر.

واحتجّ للأول بصحيحة ابن عمّار : « لا يكون إحرام إلاّ في دبر صلاة مكتوبة أحرمت في دبرها بعد التسليم ، وإن كانت نافلة صلّيت ركعتين وأحرمت في دبرهما » الحديث (٢).

والأخرى : « صلّ المكتوبة ، ثم أحرم بالحجّ أو المتعة ، واخرج بغير تلبية حتى تصعد إلى أول البيداء » (٣).

وثالثة : « إذا أردت الإحرام في غير وقت صلاة الفريضة فصلّ ركعتين ثم أحرم في دبرها » (٤).

ورواية الكناني : لو أنّ رجلا أحرم في دبر صلاة غير مكتوبة أكان يجزئه ذلك؟ قال : « نعم » (٥).

وموثّقة ابن فضّال : في الرجل يأتي ذا الحليفة أو بعض الأوقات بعد صلاة العصر أو في غير وقت صلاة ، قال : « لا ، ينتظر حتى تكون الساعة التي يصلّي فيها » (٦).

ورواية إدريس : عن الرجل يأتي بعض المواقيت بعد العصر ، كيف يصنع؟ قال : « يقيم إلى المغرب » ، قلت : فإن أبى جمّاله أن يقيم عليه؟

__________________

(١) انظر المقنعة : ٣٩٦ ، والنهاية : ٢١٢ ، والرياض ١ : ٣٦٥.

(٢) الكافي ٤ : ٣٣١ ـ ٢ ، الفقيه ٢ : ٢٠٦ ـ ٩٣٩ ، التهذيب ٥ : ٧٧ ـ ٢٥٣ ، الإستبصار ٢ : ١٦٦ ـ ٥٤٨ ، الوسائل ١٢ : ٣٤٠ أبواب الإحرام ب ١٦ ح ١.

(٣) الكافي ٤ : ٣٣٤ ـ ١٤ ، الوسائل ١٢ : ٣٤٤ أبواب الإحرام ب ١٨ ح ١.

(٤) التهذيب ٥ : ٧٨ ـ ٢٥٨ ، الإستبصار ٢ : ١٦٦ ـ ٥٤٦ ، الوسائل ١٢ : ٣٤٥ أبواب الإحرام ب ١٨ ح ٥.

(٥) الكافي ٤ : ٣٣٣ ـ ١٠ ، التهذيب ٥ : ٧٧ ـ ٢٥٤ ، الإستبصار ٢ : ١٦٦ ـ ٥٤٧ ، الوسائل ١٢ : ٣٤٥ أبواب الإحرام ب ١٨ ح ٢.

(٦) الفقيه ٢ : ٢٠٨ ـ ٩٤٥ ، الوسائل ١٢ : ٣٤٧ أبواب الإحرام ب ١٩ ح ٤.

٢٧٥

قال : « ليس له أن يخالف السنّة » ، قلت : له أن يتطوّع بعد العصر؟ قال : « لا بأس به ، ولكن أكرهه للشهرة ، وتأخير ذلك أحبّ إليّ » ، قلت : كم أصلّي إذا تطوّعت؟ قال : « أربع ركعات » (١).

وللثاني : بالتأسّي بالنبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، حيث إنّه أحرم بعد صلاة الظهر ، كما في صحيحة الحلبي (٢) وغيرها (٣).

وبصحيحة أخرى للحلبي : « لا يضرّك بليل أحرمت أو نهار ، إلاّ أنّ أفضل ذلك عند زوال الشمس » (٤).

وصحيحة ابن عمّار : « إذا كان يوم التروية إن شاء الله فاغتسل » إلى أن قال : « ثم صلّ ركعتين في مقام إبراهيم أو في الحجر ، ثم اقعد حتى تزول الشمس فصلّ المكتوبة ، ثم قل في دبر صلاتك كما قلت حين أحرمت من الشجرة ، وأحرم بالحجّ » الحديث (٥).

أقول : يرد على أدلّة الأول بعدم دلالة الأخيرة ، لجواز أن تكون أولوية التأخير إلى وقت الفريضة ، لما ذكره فيها من كون التطوّع حينئذ موجبا للشهرة ومحلاّ للتقيّة.

ومنه يظهر عدم دلالة ما قبلها أيضا ، مضافا إلى احتمال أن يكون‌

__________________

(١) التهذيب ٥ : ٧٨ ـ ٢٥٩ ، الوسائل ١٢ : ٣٤٦ أبواب الإحرام ب ١٩ ح ٣.

(٢) التهذيب ٥ : ٧٨ ـ ٢٥٥ ، الإستبصار ٢ : ١٦٧ ـ ٥٤٩ ، الوسائل ١٢ : ٣٣٨ أبواب الإحرام ب ١٥ ح ٣.

(٣) الكافي ٤ : ٣٣٢ ـ ٤ ، الفقيه ٢ : ٢٠٧ ـ ٩٤٠ ، الوسائل ١٢ : ٣٣٩ أبواب الإحرام ب ١٥ ح ٥.

(٤) الكافي ٤ : ٣٣١ ـ ١ ، التهذيب ٥ : ٧٨ ـ ٢٥٦ ، الوسائل ١٢ : ٣٣٨ أبواب الإحرام ب ١٥ ح ١.

(٥) الكافي ٤ : ٤٥٤ ـ ١ ، التهذيب ٥ : ١٦٧ ـ ٥٥٧ ، الوسائل ١٢ : ٤٠٨ أبواب الإحرام ب ٥٢ ح ١.

٢٧٦

المراد بوقت الصلاة فيها أعمّ من وقت الفريضة والتطوّع ، أي الوقت الذي لا يكره فيه التطوّع عند الناس.

وكذا اللتين ما قبلهما ، فإنّه لا دلالة لهما على أفضليّة وقت الفريضة وما بعدها ، وإن كان سؤال السائل في أوليهما يشعر بذلك ، ولكنّه ليس بحجّة.

فلم تبق إلاّ الأوليين ، وثانيهما لا تفيد العموم ، لأنّها مخصوصة بغير إحرام المتمتّع للحجّ في مكّة ، لقوله : « حتى تصعد البيداء » ، بل وكذا أوليهما كما يظهر من ذيلها.

مع أنّهما معارضتان بما يأتي من الأخبار الدالّة على أفضليّة إحرام المتمتّع للحجّ يوم التروية ، وعلى أفضليّة إيقاع صلاة الظهر مطلقا أو للإمام في منى ، فالتعميم ليس بجيّد.

ومنه يظهر ما في أدلّة الثاني من التعميم ، مع كون إحرام الرسول بعد صلاة الظهر في غير مكّة ، كما يظهر من الصحيحة (١).

مضافا إلى ما في التمسّك بالتأسّي من المعارضة بصحيحة الحلبي المتضمّنة لإحرام رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وفيها : فسألته متى ترى أن نحرم؟ فقال : « سواء عليكم ، إنّما أحرم رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم صلاة الظهر ، لأنّ الماء كان قليلا ، كأن يكون في رءوس الجبال فيهجر الرجل إلى مثل ذلك في الغد ولا يكاد يقدرون على الماء ، وإنّما أحدثت هذه المياه حديثا » (٢).

فإنّها تدلّ على التسوية بالنسبة إلينا ، والحمل على التسوية في‌

__________________

(١) المتقدمة في ص : ٢٧٦.

(٢) الكافي ٤ : ٣٣٢ ـ ٤ ، الفقيه ٢ : ٢٠٧ ـ ٩٤٠ ، الوسائل ١٢ : ٣٣٩ أبواب الإحرام ب ١٥ ح ٥.

٢٧٧

الإجزاء دون الفضيلة خلاف الظاهر ، مع أنّه كان لرسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أيضا مساويا في الإجزاء.

وإلى ما في التمسّك بالصحيحة الأخرى (١) من أنّها إنّما تدلّ على الأفضليّة عند الزوال لا بعد صلاة الظهر ، إلاّ أن ينضمّ معه ما مرّ من الأفضليّة بعد الفريضة أيضا.

وحينئذ وإن ثبتت الأفضليّة بعد صلاة الظهر منها ـ وأوجب ذلك حمل التسوية في الأولى على ما قيل من الإجزاء ، أو على محمل آخر ـ ولكن يعارض عمومها ما أشير إليه من أخبار أفضليّة صلاة الظهر للمتمتّع بمنى (٢).

وعلى هذا ، فالظاهر ما ذكروه ، ولكن في غير إحرام الحجّ للمتمتّع.

ثم لو لم يكن وقت فريضة وأراد الإحرام ، يستحبّ أن يصلّي صلاة الإحرام ، وهي ستّ ركعات.

لرواية أبي بصير : « تصلّي للإحرام ستّ ركعات تحرم في دبرها » (٣).

وموثّقته ، وفيها : « ثم ائت المسجد الحرام فصلّ فيه ستّ ركعات قبل أن تحرم » الحديث (٤).

والأقلّ منها أربع ، لرواية إدريس المتقدّمة (٥). والأقلّ منها ركعتان ،

__________________

(١) المتقدّمة في ص : ٢٧٦.

(٢) كما في الوسائل ١١ : ٢٩١ أبواب أقسام الحج ب ٢٠.

(٣) التهذيب ٥ : ٧٨ ـ ٢٥٧ ، الإستبصار ٢ : ١٦٦ ـ ٥٤٥ ، الوسائل ١٢ : ٣٤٥ أبواب الإحرام ب ١٨ ح ٤.

(٤) التهذيب ٥ : ١٦٨ ـ ٥٥٩ ، الإستبصار ٢ : ٢٥١ ـ ٨٨١ ، الوسائل ١١ : ٣٤٠ أبواب المواقيت ب ٢١ ح ٤.

(٥) في ص : ٢٧٥.

٢٧٨

للصحاح الثلاث المتقدّمة لابن عمّار (١).

بل وظاهر الأخبار (٢) استحباب صلاة الإحرام مطلقا ، سواء كانت الستّ أو الأقلّ ولو أحرم بعد الفريضة أيضا ، كما نسب إلى ظاهر أكثر الأصحاب (٣).

وهل يقدّم صلاة الإحرام مع عدم ضيق وقت الفريضة ، أو يعكس؟

المشهور : ـ كما قيل (٤) ـ الأول ، وهو الأظهر ، لصحيحة ابن عمّار الأخيرة (٥) ، المصرّحة بتقديم الركعتين في المقام أو الحجر ، والرضوي ـ المنجبر بالشهرة المحكية ، بل المحقّقة ـ : « فإن كان وقت فريضة فصلّ هذه الركعات قبل الفريضة ثم صلّ الفريضة » (٦).

وعن الجمل والعقود والمهذّب والإشارة والوسيلة والغنية : العكس (٧).

لعموم : « لا نافلة في وقت فريضة » (٨).

ولأن يقع الإحرام دبر صلاته ، فإنّ المتبادر منه التعقيب بلا فاصلة.

ويضعّف الأول : بما مرّ في موضعه من جواز النافلة في وقت‌

__________________

(١) انظر ص : ٢٧٥.

(٢) الوسائل ١٢ : ٣٤٤ ، ٣٤٦ أبواب الإحرام ب ١٨ و ١٩.

(٣) انظر الرياض ١ : ٣٦٥.

(٤) انظر كشف اللثام ١ : ٣١١.

(٥) الكافي ٤ : ٤٥٤ ـ ١ ، التهذيب ٥ : ١٦٧ ـ ٥٥٧ ، الوسائل ١٢ : ٤٠٨ أبواب الإحرام ب ٥٢ ح ١.

(٦) فقه الرضا « عليه‌السلام » : ٢١٦ ، مستدرك الوسائل ٩ : ١٧٠ أبواب الإحرام ب ١٣ ح ٢.

(٧) الجمل والعقود ( الرسائل العشر ) : ٢٢٧ ، المهذّب ١ : ٢١٥ ، الإشارة : ١٠٧ ، الوسيلة : ١٦١ ، الغنية ( الجوامع الفقهية ) : ٥٦٥.

(٨) الوسائل ٤ : ٢٢٦ أبواب المواقيت ب ٣٥.

٢٧٩

الفريضة ، خصوصا مع خصوصيّة دليل تقديم صلاة الإحرام ، وتصريح بعض الأخبار من أنّها من الصلوات التي تصلّى في كلّ وقت (١).

والثاني : بالمعارضة بما دلّ على أفضليّة إيقاعه دبر الفريضة مع أصحيّته وأكثريته ، فيحمل الدبر في القسمين على المعنى الأعم.

ويستحبّ أن يقرأ في أولى ركعات الإحرام بالحمد والتوحيد ، وفي الثانية بالحمد والجحد ، للتصريح به في بعض الصحاح (٢) ، وهو وإن لم يفد ذلك الترتيب إلاّ بحسب الترتيب الذكري الذي هو في الإفادة قاصر ، إلاّ أنّه يستفاد الترتيب من المرسلة المرويّة في الكافي والتهذيب ، المذكورة بعد الصحيح المذكور بقوله : وفي رواية أخرى أنّه « يبدأ في هذا كلّه بـ : قل هو الله أحد ، وفي الركعة الثانية بـ : قل يا أيّها الكافرون ، إلاّ في الركعتين قبل الفجر » الحديث (٣).

__________________

(١) انظر الوسائل ١٢ : ٣٤٦ أبواب الإحرام ب ١٩.

(٢) كما في الوسائل ١٢ : ٣٤٦ أبواب الإحرام ب ١٩.

(٣) الكافي ٣ : ٣١٦ ـ ٢٢ ، التهذيب ٢ : ٧٤ ـ ٢٧٣ ، ٢٨٤ ، الوسائل ٦ : ٦٥ أبواب القراءة في الصلاة ب ١٥ ح ١ ، ٢.

٢٨٠