موسوعة التاريخ الإسلامي - ج ٥

الشيخ محمّد هادي اليوسفي الغروي

موسوعة التاريخ الإسلامي - ج ٥

المؤلف:

الشيخ محمّد هادي اليوسفي الغروي


الموضوع : التاريخ والجغرافيا
الناشر: أضواء الحوزة ـ لبنان
الطبعة: ٠
الصفحات: ٦٠٠

فمن شواهد خلقه خلق السماوات وموطّدات بلا عمد ، وقاعات بلا سند ، دعاهنّ فأجبن طائعات مذعنات ، غير متلكّئات ولا مبطئات. ولو لا إقرارهنّ له بالربوبيّة وإذعانهنّ له بالطّواعية ، لما جعلهنّ موضعا لعرشه ولا مسكنا لملائكته ، ولا مصعدا للكلم الطيّب والعمل الصالح من خلقه. جعل نجومها أعلاما يستدلّ بها الحيران في مختلف فجاج الأقطار ، لم يمنع ضوء نورها ادلهمام سجف الليل المظلم ، ولا استطاعت جلابيب سواد الحنادس أن تردّ ما شاع في السماوات من تلألؤ نور القمر. فسبحان من لا يخفى عليه سواد غسق داج ولا ليل ساج ، في بقاع الأرضين المتطأطئات ، ولا في يفاع السفع المتجاورات (١) ولا ما يتجلجل به الرعد في افق السماء ، وما تلاشت عنه بروق الغمام ، وما تسقط من ورقة تزيلها عن مسقطها عواصف الأنواء وانهطال السماء ، ويعلم مسقط قطرها ومقرّها ، ومسحب الذرّة ومجرّها ، وما يكفي البعوضة من قوتها ، وما تحمل الأنثى في بطنها.

والحمد لله الكائن قبل أن يكون كرسي أو عرش ، أو سماء أو أرض ، أو جانّ أو إنس ، لا يدرك بوهم ولا يقدّر بفهم ، ولا يشغله سائل ولا ينقصه نائل ، ولا ينظر بعين ولا يحدّ بأين ، ولا يوصف بالأزواج ولا يخلق بعلاج ، ولا يدرك بالحواس ولا يقاس بالناس ، الذي كلّم موسى تكليما وأراه من آياته عظيما ، بلا جوارح ولا أدوات ، ولا نطق ولا لهوات.

بل إن كنت صادقا ـ أيّها المتكلّف لوصف ربّك ـ فصف جبرئيل وميكائيل وجنود الملائكة المقرّبين ، في حجرات القدس مرجحنّين (متأرجحين) متولّهة عقولهم أن يحدّوا أحسن الخالقين.

فإنّما يدرك بالصفات ذوو الهيئات والأدوات ، ومن ينقضي إذا بلغ أمد حدّه بالفناء. فلا إله إلّا هو ، أضاء بنوره كلّ ظلام ، وأظلم بظلمته كلّ نور.

__________________

(١) أي في ارتفاع السود المتجاورات يعني الجبال.

٤٠١

عباد الله! اوصيكم بتقوى الله الذي ألبسكم الرّياش وأسبغ عليكم المعاش. فلو أنّ أحدا يجد إلى البقاء سلّما أو لدفع الموت سبيلا ، لكان ذلك سليمان بن داود عليه‌السلام الذي سخّر له ملك الجنّ والإنس مع النبوّة وعظيم الزلفة ، فلمّا استوفى طعمته واستكمل مدّته ، رمته قسيّ الفناء بنبال الموت ، وأصبحت الديار منه خالية والمساكن معطّلة ، وورثها قوم آخرون.

وإنّ لكم في القرون السالفة لعبرة! أين العمالقة وأبناء العمالقة؟! أين الفراعنة وأبناء الفراعنة؟! أين أصحاب مدائن الرسّ الذين قتلوا النبيّين وأطفئوا سنن المرسلين وأحيوا سنن الجبّارين؟! أين الذين ساروا بالجيوش وهزموا بالألوف ، وعسكروا العساكر ومدّنوا المدائن؟! ثمّ قال عليه‌السلام :

أيّها الناس ، إنّي قد بثثت لكم المواعظ التي وعظ الأنبياء بها أممهم وأدّيت إليكم ما أدّت الأوصياء إلى من بعدهم ، وأدّبتكم بسوطي فلم تستقيموا ، وحدوتكم بالزواجر فلم تستوسقوا! لله أنتم! أتتوقّعون إماما غيري يطأ بكم الطريق ويرشدكم السبيل؟!

ألا إنّه قد أدبر من الدنيا ما كان مقبلا ، وأقبل منها ما كان مدبرا ، وأزمع الترحال عباد الله الأخيار ، وباعوا قليلا من الدنيا لا يبقى بكثير من الآخرة لا يفنى ، ما ضرّ إخواننا الذين سفكت دماؤهم وهم بصفّين أن لا يكونوا اليوم أحياء يسيغون الغصص ويشربون الرنق (الكدر)؟! قد والله لقوا الله فوفّاهم اجورهم ، وأحلّهم دار الأمن بعد خوفهم.

أين إخواني الذين ركبوا الطريق ومضوا على الحقّ؟! أين عمّار وأين ابن التيهان وأين ذو الشهادتين وأين نظراؤهم من إخوانهم؟! الذين تعاقدوا على المنيّة وابرد برءوسهم إلى الفجرة!

ثمّ ضرب بيده على لحيته الشريفة الكريمة وبكى وأطال البكاء ثمّ قال عليه‌السلام :

٤٠٢

أوّه على إخواني الذين تلوا القرآن فأحكموه ، وتدبّروا الفرض فأقاموه ، أحيوا السنّة وأماتوا البدعة ، دعوا للجهاد فأجابوا ، ووثقوا بالقائد فاتّبعوه. ثمّ رفع صوته ونادى بأعلى صوته :

الجهاد الجهاد عباد الله! ألا وإنّي معسكر في يومي هذا ، فمن أراد الرواح إلى الله فليخرج!

ثمّ عقد للحسين عليه‌السلام على عشرة آلاف ، ولقيس بن سعد الأنصاري على عشرة آلاف ، ولأبي أيوب الأنصاري ـ وكان قد قدم من المدينة ـ على عشرة آلاف ، ولغيرهم على أعداد أخر (١).

الخلاف في الموسم ومؤامرة قتل الإمام :

اضطرّ الإمام عليه‌السلام إلى تقبّل التحكيم ، ورجع الخوارج إلى أنفسهم فتأثّموا من التحكيم المنتهي إلى التحكّم برأي ابن العاص على كتاب الله الحكيم ، ولم يرضوا بالعود إلى حرب الظالم معاوية ووزيره الآثم ابن العاص ، إلّا إذا أقرّ الإمام عليه‌السلام على نفسه بما يقولون ، وإلّا فهم يخرجون من طاعته عليه ، ولم يرض بذلك ، فخرجوا عليه ممّا اضطرّ إلى قتالهم.

وكان منهم الأخضر بن الشجنة من تيم الرّباب ومعه ابنه ، وقتلا في النهروان في صفر سنة (٣٨ ه‍) ، وبقيت للأخضر ابنته قطام ، وكانت ذات مسحة من الجمال دون الكمال. وبقي من الخوارج بقايا منهم بالكوفة من هذه القبيلة تيم الرّباب :

وردان بن مجالد أو مجالد بن وردان بن علقمة ، ومن مراد : عبد الرحمن بن عمرو

__________________

(١) فما دارت الجمعة حتى بلغنا أنّ ابن ملجم ضربه ، فتراجعنا وكنّا كأغنام فقدت راعيها! نهج البلاغة الخطبة ١٨٢ ، ومصادرها في المعجم المفهرس : ١٣٩٠.

٤٠٣

المعروف بملجم (١) التجوبي المرادي المذحجي ، ومن الأشجع من تميم : شبيب بن بجرة أو نجدة ، ومن تميم أيضا : عمرو بن بكر ، والبرك بن عبد الله ، ولم يكن يأمن المراديّ في الكوفة فهرب منها إلى مكة (٢).

وهنا روى ابن قتيبة ، عن المدائني ، والبلاذري عنه ، عن الشعبي قال : إنّ اناسا من خوارج العراقين الكوفة والبصرة خرجوا للحجّ في موسمه لسنة تسع وثلاثين ، وأرسل معاوية لمنازعة الإمام على إمارة الموسم يزيد بن شجرة الرهاوي الصحابي ومعه ثلاثة آلاف مقاتل ، فاختلف عامل معاوية هذا مع عامل الإمام : القثم بن العباس ، ثمّ اصطلحوا على حاجب الكعبة شيبة بن عثمان العبدري ، كما مرّ خبره.

فلمّا انقضى الموسم أقام نفر من الخوارج مجاورين بمكة ، وتلاقوا بمقالهم : كان هذا البيت معظّما في الجاهلية ، جليل الشأن في الإسلام ، وقد انتهك هؤلاء (؟!) حرمته! فلو أنّ قوما باعوا أنفسهم لله فقتلوا هذين الرجلين (معاوية والإمام) اللذين قد أفسدا في الأرض ، واستحلّا حرمة هذا البيت ، استراحت الأمّة ، واختار الناس لهم إماما!

__________________

(١) ملجم بالكسر أي ملجم الخيل بمعنى الفارس ، وليس بالفتح بمعنى الحيوان ، فالعربي لا يسمّى إلّا بالمفترسة والسباع والحيوانات الكاسرة ، يزعمون تشجيعا. وبفتح الجيم خطأ شايع. ونقل البلاذري ، عن الكلبي أنّ أصله من حمير وتحالفوا مع مراد وقيل لهم : تجوبى ، أنساب الأشراف ٢ : ٣٩٠ ، الحديث ٥٤٩.

(٢) مقاتل الطالبيين : ١٩ ، والإرشاد : ١٨. وفي الطبري ٥ : ١٤٤ : إنّه كان من أهل مصر! غير صحيح ، وفي الإمامة والسياسة ١ : ١٥٩ : أنّ عمرو بن بكر كان مولى فارسيّا واسمه : زادويه معروفا بعمرو وكذا في أنساب الأشراف ٢ : ٣٨٩ ، الحديث ٥٤٨ ، وكذا مروج الذهب ٢ : ٤١١.

٤٠٤

فقال عبد الرحمن بن عمرو المعروف بملجم الحميري التجوبي المرادي حلفا : أنا أكفيكم أمر عليّ! وقال البرك وهو الحجّاج بن عبد الله الصريمي : أنا اقتل معاوية ، وكان معهم من بني حارثة بن كعب مولاهم الفارسي زادويه أو دادويه وقد تسمّى عربيا عمرو بن بكر ، فقال : والله ما عمرو بن العاص بدونهما فأنا له ، فتعاقدوا على ذلك.

ثمّ مكثوا متجاورين بمكة حتّى اعتمروا عمرة رجب سنة أربعين ، ثمّ اتّفقوا على يوم واحد يكون فيه وقوع القتل منهم في علي عليه‌السلام ومعاوية وابن العاص ، ثمّ سار كلّ واحد منهم في طريقه (١).

والبرك : هو الذي لمّا ضرب معاوية وأخذ قال لمعاوية : إنّ لك عندي بشارة! قال : وما هي؟ فأخبره بخبره وخبر صاحبيه التميمي والمرادي وأنّه الذي قال لنا : إنّه سيكفينا عليّا في هذه الليلة فاحبسني عندك فإن قتل فأنت وليّ ما تراه في أمري وإن لم يقتل أعطيتك العهود والمواثيق أن أمضي فأقتله ، ثمّ أعود إليك فأضع يدي في يدك حتّى تحكم فيّ بما تراه! فحبسه حتّى يأتيه خبر علي عليه‌السلام.

وكانت ضربته لمعاوية مستعجلة وكان معاوية ضخم البطن والعجز فوقعت ضربته على أليته ففلقتها. وجاء الطبيب الساعدي فنظر إلى الضربة وقال : إنّ السيف مسموم! فاختر إمّا أن أحمى لك حديدة فأجعلها في الضربة فتبرأ ، وإمّا أن أسقيك دواء فتبرأ وينقطع نسلك! فقال معاوية : أمّا النار فلا أطيقها!

__________________

(١) الإمامة والسياسة ١ : ١٥٩ ، وأنساب الأشراف ٢ : ٣٨٩ ، الحديث ٥٤٨ وانفرد هذان بهذا النقل المشتمل على تعليل قتل الإمام بمنازعة معاوية إيّاه على إمارة موسم الحجّ وتجرّد عن ذكره سائرهم ، وبناء عليه قال ابن عبّاد : أأحبّ من قتل الوصيّ وتالييه علانية؟! كما في ترجمة الصاحب بن عبّاد في يتيمة الدهر للثعالبي.

٤٠٥

وأمّا النسل ففي يزيد وعبد الله ما يقرّ عيني وحسبي بهما ، فسقاه الدواء ، فلم يولد له بعد ذلك (١) ، ثمّ أمر ببناء العمارة المقصورة لمحرابه وأوقف الحرّاس في جوانبها (٢) فكان أول من فعل ذلك.

فنجا معاوية ونجا عمرو :

وكما نجا معاوية من الهلكة العاجلة ، كذلك أيضا نجا صاحبه ابن العاص ، والموعد هو الموعد ، ولا يتّحد الموعد القمريّ إلّا بضميمة تعيين الليلة من الأسبوع ، وفيها ذكر المفيد : ليلة الأربعاء (٣) والأمويّ : ليلة الجمعة عن أبي مخنف (٤) ولا تتعيّن إلّا أن يكون الموعد ليلة الجمعة ليلة بدر (٥) أو أوّل ليلة جمعة بعدها.

ووجد ابن العاص تلك الليلة بطنه قد عصت عليه بعلّة ، فعصى بدوره على الحضور لصلاة الفجر ، واستخلف لها صاحب شرطته خارجة بن حذافة العامري القرشي ، فخرج الرجل للصلاة ، وحسبه عمرو التميمي : عمرو العاص فضربه بسيفه ضربة قاضية ، وحمل إلى داره وهو يجود بنفسه فعاده ابن العاص ، فلمّا رآه خارجة قال له : يا أبا عبد الله أما والله ما أراد غيرك! فقال عمرو : ولكنّ الله أراد خارجة (٦)!

__________________

(١) مقاتل الطالبيين : ١٧ ـ ١٨.

(٢) أنساب الأشراف ٢ : ٣٩٢ ، الحديث ٥٥٣ ، والإمامة والسياسة ١ : ١٦١ ، والطبري ٥ : ١٤٩.

(٣) الإرشاد ١ : ١٩.

(٤) مقاتل الطالبيين : ٢٠.

(٥) كما في مقاتل الطالبيين : ٢٥ وط ٢ : ٤٠ ، الحديث ٥.

(٦) مقاتل الطالبيين : ١٨.

٤٠٦

وأخذ الناس القاتل التميمي الكوفي فانطلقوا به إلى عمرو ، فلمّا سمعهم يسلّمون عليه بالإمرة سألهم : من هذا؟ قالوا : عمرو! قال : فمن قتلت؟ قالوا : خارجة بن حذافة! فالتفت الرجل إلى ابن العاص وقال له : أما والله يا فاسق ، ما ظننته غيرك! فقال عمرو : أنت أردتني وأراد الله خارجة! ثمّ أمر بقتله فقتل (١) ومات خارجة في اليوم التالي (٢).

المرادي وصاحباه والأشعث :

تواعد أولئك الثلاثة لليلة التاسع عشر من شهر رمضان وتفرّقوا (٣) وقدم ابن ملجم الكوفة إلى أصحابه في العشرين من شعبان سنة أربعين ونزل على الأشعث بن قيس الكندي شهرا (٤).

وكان من أصحابه رجل من تيم الرباب ، وكان قد قتل منهم يوم النهروان عشرة (٥) منهم الأخضر بن شجنة وابنه (٦) وقد بقي من الأخضر ابنته قطام وكانت ذات مسحة من الجمال. وزار المرادي ذلك الرجل من تيم فصادف عنده قطام فلمّا رآها اشتدّ إعجابه بها حتّى التبست بعقله ونسي حاجته التي جاء لها.

وخطبها فقالت له : لا أتزوّجك حتّى تشفي لي! قال لها : وما يشفيك؟ قالت : ثلاثة آلاف ، وعبد ، وقينة ، وقتل عليّ بن أبي طالب!

__________________

(١) تاريخ الطبري ٥ : ١٤٩.

(٢) الإرشاد ١ : ٢٣.

(٣) الإرشاد ١ : ١٨.

(٤) تاريخ اليعقوبي ٢ : ٢١٢.

(٥) الطبري ٥ : ١٤٤.

(٦) مقاتل الطالبيين : ١٩.

٤٠٧

فقال لها : هو مهر لك ، ولكن لا أراك ذكرت لي قتل عليّ وأنت تريدينني! قالت : بلى ، التمس غرّته ، فإن أصبت شفيت نفسك ونفسي ويهنئك العيش معي! وإن قتلت فما عند الله خير لك من الدنيا وزينتها وزينة أهلها (١).

فحينئذ قال لها : أما والله لقد كنت هاربا من هذا المصر لا آمن مع أهله ، وما أقدمني إليه إلّا ما سألتيني من قتل علي بن أبي طالب! فلك ما سألت! قالت : فأنا طالبة لك بعض من يساعدك على ذلك ويقوّيك. ثمّ فاتحت في ذلك وردان بن مجالد أو مجاشع بن وردان بن علقمة من قومها فأجابها إلى ذلك (٢).

وحيث كان صاحباه المتواعدان معه لقتل معاوية وابن العاص من تميم الكوفة ، وحيث وفّرت له قطام مساعدا له من قومها وردان ، ذهب المرادي إلى رجل من بني الأشجع من تميم كان على رأي الخوارج يدعى شبيب بن بجرة ، فقال له : يا شبيب ، هل لك في شرف الدنيا والآخرة؟! قال : وما ذاك؟ قال : تساعدني على قتل عليّ بن أبي طالب! فقال له : يا ابن ملجم ، هبلتك الهبول! لقد جئت شيئا إدّا! وكيف نقدر على ذلك؟! قال : نكمن له في المسجد الأعظم عند صلاة الفجر ، فإذا خرج للصلاة فتكنا به! فإن نحن قتلناه أدركنا ثأرنا وشفينا أنفسنا ، وإن قتلنا فما عند الله خير من الدنيا وما فيها! قال : ويحك! لو كان غير عليّ كان أهون عليّ ، قد عرفت بلاءه في الإسلام وسابقته مع النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله فما أجدني أنشرح لقتله!

__________________

(١) تاريخ الطبري ٥ : ١٤٤.

(٢) الإرشاد ١ : ١٨ ، ومقاتل الطالبيين : ١٩ ، وفي الإمامة والسياسة ١ : ١٥٩ : أنّها قطام بنت علقمة! وأنّه تزوّجها على أن يقتل الإمام عليه‌السلام ، فأخبرها بموعوده ، وكذا في أنساب الأشراف ٢ : ٣٨٩ خ ٥٤٨ عن الشعبي ، وفي مروج الذهب ٢ : ٤١١ : أنّها كانت ابنة عمّه من مراد! وسمّي وردان : مجاشع بن وردان بن علقمة.

٤٠٨

قال : أما تعلم أنّه قتل أهل النهر العبّاد الصالحين؟! قال : بلى ، قال : فنقتله بمن قتل من إخواننا! ولم يزل به حتّى أجابه ، وأخبرا قطام بذلك ، وأخبرتهم أنّها تضرب قبّة (خيمة) للاعتكاف في شهر رمضان في المسجد الأعظم (١).

وكان الأشعث الكندي جاء يوما ليدخل على الإمام عليه‌السلام فردّه غلامه قنبر ، فرفع الكنديّ يده ولطم وجه قنبر فأدمى أنفه ، وارتفع صوتهما ، فخرج الإمام إليه وقال له : ما لي ولك يا أشعث! أما والله لو تمرّست بغلام ثقيف لاقشعرّت شعيراتك!

فلمّا أغلظ له الإمام عرّض الأشعث له بأن يفتك به! فأجابه الإمام عليه‌السلام : أبا لموت تهدّدني؟ فو الله ما أبالي وقعت على الموت أو وقع الموت عليّ (٢)!

لذلك التقى به هؤلاء فألقوا إليه ما في أنفسهم من العزم على قتل الإمام عليه‌السلام فواطأهم عليه (٣)!

ابن ملجم وبيعته الإمام لغزو الشام :

مرّ خبر خطبة الإمام عليه‌السلام وإعلانه غزو الشام وعقده له الرايات لأكثر من ثلاثين ألفا ، وطبيعي أن يكون في هذه الأيّام يبايعه الناس لذلك ، وحشر المراديّ نفسه فيهم فجاء ليبايعه متظاهرا بذلك متستّرا بها على نفسه ، فردّه الإمام كما رووا

__________________

(١) تاريخ الطبري ٥ : ١٤٤ ـ ١٤٥.

(٢) مقاتل الطالبيين : ٢٠ ـ ٢١ في خبرين ، وقال في الأول : قيل : يا أمير المؤمنين ومن غلام ثقيف؟ قال : غلام يليهم لا يبقى أهل بيت من العرب إلّا أدخلهم ذلّا! قيل : يا أمير المؤمنين ، كم يلي أو كم يمكث؟ قال : عشرين ، ثمّ قال : إن بلغها. فهو الحجّاج بن يوسف الثقفي عبد بني علاج من ثقيف.

(٣) الإرشاد ١ : ١٩ ، وفي مقاتل الطالبيين أنّ لقاء المرادي بالكندي كان في المسجد تلك الليلة.

٤٠٩

ولم يرووا بأية حجّة ، فعاد المرادي مصرّا ، فردّه الإمام كذلك ، فعاود المرادي ثالثة ملحّا ، فلم يردّه الإمام وقبل بيعته ولكنّه قال عندها : ما يحبس أشقاها؟! فوالذي نفسي بيده لتخضبنّ هذه ـ وأشار إلى لحيته ـ من هذه وأشار إلى رأسه! وأنشد :

حيازيمك (١) للموت فإنّ الموت لاقيك

ولا تجزع من الموت إذا حلّ بواديك

 كما أضحكك الدهر كذاك الدّهر يبكيك!

فلمّا أدبر ابن ملجم منصرفا عنه عليه‌السلام دعاه فتوثّق منه وأكّد عليه أن لا ينكث ولا يغدر! ففعل! ثمّ أدبر عنه ، فدعاه الثانية فتوثّق منه وأكّد عليه أن لا ينكث ولا يغدر! ففعل! ثمّ أدبر عنه ، فدعاه الثالثة فتوثّق منه وأكّد عليه أن لا ينكث ولا يغدر! فقال ابن ملجم : يا أمير المؤمنين! ما رأيتك فعلت هذا بأحد غيري!

فقال له : امض يا ابن ملجم ، فو الله ما أرى أن تفي بما قلت!

فطلب ابن ملجم من الإمام أن يأمر له بفرس يركبه! فنادى غلامه غزوان : يا غزوان ، احمله على الأشقر! فجاء غزوان إليه بفرسه الأشقر فحباه لابن ملجم حبوة (عطيّة) فأخذ ابن ملجم بعنانه وركبه وولى ، فتمثل الإمام منشدا شعر معد يكرب :

اريد حباءه ويريد قتلي

عذيرك من خليلك من مراد (٢)

__________________

(١) هنا زيادة كلمة : اشدد ، وهي زيادة على الوزن الشعري وليس من الضروري ، بل هي مضمرة مقدّرة.

(٢) الإرشاد ١ : ١١ ـ ١٣ بطرق ثلاثة وبهامشها مصادر اخرى عديدة ، وتمام الأخير قال : ولمّا ضرب أمير المؤمنين وخرج من المسجد قبض عليه وجيء به إليه فقال له فيما قال : والله لقد كنت أصنع إليك ما أصنع وأنا أعلم أنّك قاتلي ولكنّي كنت أفعل ذلك بك لأستظهر بالله عليك.

٤١٠

وقبل مقتل الإمام بليلتين فجرا ناوله ابن ملجم كتابا ملفوفا فتحه الإمام ليقرأه فلم يستبنه للظلمة ، فلمّا صلّى فتحه فإذا فيه : أدعوك إلى التوبة من الشرك! أو أنابذك على سواء (أَنَّ اللهَ لا يَهْدِي كَيْدَ الْخائِنِينَ)(١) فسأل عن صاحبها فلم يجبه أحد ، فقال : عليه لعنة الله! وبصق فيه ومحا الآية ثمّ رمى بالصحيفة (٢).

فجر مقتل الإمام عليه‌السلام :

مكث الثلاثة أيّاما حتّى كانت ليلة الأربعاء (٣) أو ليلة الجمعة (٤) التاسع عشر من شهر رمضان (٥) فقال المرادي لقطام : هذه الليلة التي واعدت فيها صاحبيّ وواعداني أن يقتل كلّ واحد منّا صاحبه الذي يتوجّه إليه (٦)! وكانت قد أعدّت لثلاثتهم ثلاث قطع من الحرير فأخرجتها وألقتها إليهم ليعصّبوا صدورهم ، تقوية وتشجيعا كما كان يقال ، فتعصّبوا بها ، وتقلّدوا سيوفهم.

__________________

(١) يوسف : ٥٢.

(٢) مقتل الإمام لابن أبي الدنيا : ٣٣٠ عن الكلبي عن النخعي عن ابن ميثم التمار عن أبيه ظ ، عملا بظاهر لفظ الآية ٥٨ من الأنفال : (وَإِمَّا تَخافَنَّ مِنْ قَوْمٍ خِيانَةً فَانْبِذْ إِلَيْهِمْ عَلى سَواءٍ) وكأنّه كان يرى أنّه قد أنذره بهذا فلا يكون قتله غيلة وفتكا وغدرا وخيانة محرّمة في الشريعة ؛ لأنّه قد أنذر ومن أنذر فقد أعذر! كما قالوا!

(٣) الإرشاد ١ : ١٩.

(٤) الطبري ٥ : ١٤٥ ، ومقاتل الطالبيين : ٢٠ عن أبي مخنف.

(٥) مقاتل الطالبيين : ٢٠ عن أبي مخنف ، وما اختاره واختاره المفيد في الإرشاد ١ : ١٩.

(٦) مقاتل الطالبيين : ٢٠ ، وذلك يعني أنّه كان أخبرهم عن المؤامرة ولم يخبرهم عن موعدها إلّا الليلة!

٤١١

وكان سيف المراديّ سيفا خاصّا قال فيه : إنّه اشتراه بألف (درهم) وسمّه بألف درهم وأنّ ضربته به لو قسّمت على أهل الأرض لأهلكتهم (١)!

وكان الإمام عليه‌السلام يدخل المسجد من سدّة باب كندة ممّا يلي دار الإمارة في يمين القبلة ، فمضى هؤلاء حتّى جلسوا في ما يلي ذلك الباب (٢) بل قاموا يصلّون مع سائر الناس هناك (٣) كانوا يصلّون في ذلك الشهر من أوّله إلى آخره (٣) قياما وقعودا وركوعا وسجودا ما يسأمون (٥) وكأنّه كان نهي الإمام عليه‌السلام لهم عن الجماعة في تلك النوافل قد أثّر فيهم يومئذ فكانوا يصلّونها فرادى فلم يذكر لهم إمام يؤمّهم.

ويظهر أنّ الإمام عليه‌السلام لم يكن يغلّس بصلاته أوّل وقت الفجر ، بل كان مؤذّنه عامر ابن النبّاح يؤذّن ثمّ يذهب فيطرق عليه الباب ويؤذنه بالصلاة فيخرج إليهم (٦) وقد انجلى الظلام شيئا ، وكأنّ المرادي كان قد تواعد مع الأشعث الكندي أن يشير إليه بدنوّ دخول الإمام المسجد ، فحضره وقال له : النجاء النجاء لحاجتك فقد فضحك الصبح! وكانت عين الأشعث عوراء ، وسمعه مؤمن قومه حجر بن عديّ وأحسّ بشرّه ، فقال له : قتلته يا أعور (٧)! وبادر فخرج من المسجد إلى دابّته مبادرا إلى الإمام عليه‌السلام ليخبره ويحذّره من شرّهم (٨) ولكنّه لم يلقه!

__________________

(١) الإرشاد ١ : ٢١ ، ومقاتل الطالبيين : ٢٢ عن أبي مخنف ، والطبري ٥ : ١٤٦ ، وفي مقتل الإمام لابن أبي الدنيا : ٣٩ : أنّه كان سيفا صغيرا.

(٢) الإرشاد ١ : ١٩ ، ومقاتل الطالبيين : ٢٠.

(٣) الإرشاد ١ : ٢٠ ، ومقاتل الطالبيين : ٢١.

(٣) الإرشاد ١ : ٢٠ ، ومقاتل الطالبيين : ٢١.

(٥) مقاتل الطالبيين : ٢١ ، والطبري ٥ : ١٤٦ عن ابن الحنفية.

(٦) الإرشاد ١ : ١٦ ، ومقاتل الطالبيين : ٢٥.

(٧) الإرشاد ١ : ١٩ ـ ٢٠.

(٨) مقاتل الطالبيين : ٢٠ ، والإرشاد ١ : ٢٠ بدون الدابّة.

٤١٢

الإمام عليه‌السلام ليلة مقتله :

مرّ الخبر عن حاجب الإمام نوف البكالي الحميري عن خطبته عليه‌السلام في الجمعة السابقة لإعلان الاستعداد لقتال الشام ، وعقده عدّة رايات لها ومنها للحسين (١) دون الحسن عليهما‌السلام.

وسهر الإمام عليه‌السلام في ليلة مقتله التاسع عشر من شهر رمضان بل وأسهر أهله ، وكان من عادته سابقا أن يخرج إلى المسجد لصلاة الليل ، ففي تلك الليلة لم يخرج على عادته ، وكان يكثر الخروج من البيت إلى صحن الدار فينظر في أطراف السماء ويقول : والله ما كذبت ولا كذبت! وإنّها الليلة التي وعدت بها (٢).

وقالت له ابنته (٣) : ما هذا الذي قد أسهرك؟ فقال : إنّي مقتول لو أصبحت (٤).

ومع استحباب طعام السحر للصوم وكراهة تركه لم يذكر شيء عن سحور الإمام عليه‌السلام وطلع الفجر فأذّن عامر ابن النبّاح وكان ملتزما في الحيّعلات بحيّ على خير العمل ، ولذلك كان الإمام يقول له :

فمرحبا بالقائلين عدلا

وبالصلاة مرحبا وأهلا (٥)

وبعد أذانه جاء إلى الإمام عليه‌السلام فآذنه بالصلاة. فقالت له ابنته (٦) مر جعدة

__________________

(١) فلم يكن يفطر عنده كما روي في الإرشاد ١ : ١٤ و ٣٢٠.

(٢) الإرشاد ١ : ١٦ وبعده : ثمّ يعاود إلى مضجعه! منافيا لما مرّ من سهره عليه‌السلام ، خطأ.

(٣) الإرشاد ١ : ١٦ عن الحسن البصري! وفيه : ابنته أمّ كلثوم! وقد توفيت في عهد عثمان ، فهي زينب وكانت أمّ كلثوم أكبر وأشهر يومئذ.

(٤) فلعلّه من علمه عليه‌السلام بمواقع النجوم ودلالاتها ، أو كونها علامة معلّمة من النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله للوصي عليه‌السلام.

(٥) الفقيه ١ : ٢٨٧ ، الحديث ٨٩٠.

(٦) وهنا أيضا زيادة أمّ كلثوم في خبر حسن البصري ، والكلام فيه كسابقه.

٤١٣

فليصلّ بالناس فقال عليه‌السلام : نعم ، مروا جعدة فليصلّ. ثمّ قال : لا مفرّ من الأجل (١) فشدّ إزاره وهو يقول :

حيازيمك للموت فإنّ الموت لاقيك

ولا تجزع من الموت إذا حلّ بواديك (٢)

وكان في صحن الدار إوزّ فلمّا رأينه ارتفع أصواتهنّ ، وكان معه من حاول إسكاتهنّ فقال لهم : دعوهنّ فإنّهنّ نوائح (٣).

وكان معه ابنه الحسن عليه‌السلام فقال له وهو في طريقه إلى المسجد : يا بني ، إنّ الليلة كانت ليلة الجمعة وصبيحتها يوم بدر (أو قدر) فبتّ اوقظ أهلي [للصلاة ، ثمّ] ملكتني عيناي فسنح لي رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، فقلت له : يا رسول الله ، ما ذا لقيت من أمّتك من الأود واللدد (٤)! فقال لي : ادع عليهم! فقلت : اللهم أبدلني بهم من هو خير لي منهم ، وأبدلهم بي من هو شرّ لهم مني (٥)! وخالف حجر الكندي مسير عليّ عليه‌السلام وخالفه الإمام فلم يلقه (٦).

__________________

(١) لا زال الخبر عن الحسن البصري وفيه : أنّه خرج إلى المسجد وكان المراديّ نائما فحرّكه برجله فقام فضربه! وهذا ينافي ما مرّ من اشتغاله وأصحابه مع الناس بالنوافل ، وهو أيضا مستبعد جدا.

(٢) الإرشاد ١ : ١٦ ، وأنساب الأشراف ٢ : ٤٠٠ الحديث ٥٧٢ ، وفي مقاتل الطالبيين : ١٨ : قالهما عند بيعة ابن ملجم إيّاه ، وليس هنا ، وفي مروج الذهب ٢ : ٤١٧ ـ ٤١٨ ، وفي أنساب الأشراف ٢ : ٣٩٣ ، الحديث ٥٥٣ قال : ولم يكن نزل القصر وإنّما كان في أخصاص (بيوت سعف) في رحبة الكوفة ، وكان يقال لها : رحبة علي.

(٣) الإرشاد : ١٧.

(٤) الأود : العوج واللّدد : الخصومة.

(٥) مقاتل الطالبيين : ٢٥ بسنده عن الطبري وليس فيه ، عن أبي عبد الرحمن السلمي عن الحسن عليه‌السلام.

(٦) الإرشاد ١ : ٢٠ ، ومقاتل الطالبيين : ٢٠ عن أبي مخنف ، والإمامة والسياسة ١ : ١٦٠.

٤١٤

مقتل الإمام عليه‌السلام :

روى أبو مخنف عن أبيه يحيى الأزدي عن عبد الله بن محمد الأزدي ، وأرسله الطبري عن محمد بن الحنفية قال كلّ منهما : كنت تلك الليلة اصلّي في المسجد الأعظم مع أهل المصر ، إذ خرج علينا علي عليه‌السلام لصلاة الفجر وأقبل ينادي : أيّها الناس ، الصلاة الصلاة! ورأيت رجالا يصلّون قريبا من سدّة الباب (١).

ونبّه الأشعث ابن ملجم إلى دخول الإمام فتبادر هو وصاحباه إلى داخل سقيفة مدخل الباب فأمّا مجاشع بن وردان فقد هرب (٢) وضرب شبيب ابن بجرة بسيفه نحو الإمام إلّا أنّه أخطأ في ضربته فأصاب سقف المدخل (الطاق) فنادى ابن ملجم الإمام قائلا : الحكم لله يا علي لا لك ولا لأصحابك! وضربه على أمّ رأسه ، وسمع الإمام يقول : لا يفوتنّكم الرجل. وهرب القتلة نحو الباب يفرّون ، وتبادر الناس لأخذهم (٣) ونادى الإمام عليه‌السلام : فزت وربّ الكعبة (٤).

__________________

(١) تاريخ الطبري ٥ : ١٤٦ ، ومقاتل الطالبيين : ٢١ ، والإرشاد ١ : ٢٠ عن الأزدي.

(٢) مروج الذهب ٢ : ٤١٢ منفردا به ، وقال : ودخل بين الناس فنجا بنفسه.

(٣) مقاتل الطالبيين : ٢١ ، والإرشاد ١ : ٢٠ ، وتاريخ الطبري ٥ : ١٤٦ عن أبي مخنف.

(٤) مقتل الإمام لابن أبي الدنيا : ٣٩ الحديث ٢٠ ، وأنساب الأشراف ٢ : ٤٠٠ ، الحديث ٥٧٢ عن المدائني ، وفي : ٣٩٠ ، الحديث ٥٦٨ عنه عن الشعبي ، ومناقب الحلبي ٣ : ٣٥٧.

وهنا خبر يذكر : «اصطفقت أبواب الجامع ... وهبّت ريح عاصف سوداء مظلمة ، ونادى جبرئيل عليه‌السلام بين السماء والأرض بصوت يسمعه كلّ مستيقظ : تهدّمت والله أركان الهدى» إلى قوله : «فلمّا سمعت أمّ كلثوم ... أقبلت إلى أخويها الحسنين فأيقظتهما وقالت». ممّا هو باطل فاسد قطعا نقله المجلسي في بحار الأنوار ٤٢ : ٢٥٩ ـ ٣٠٠ ـ ٤٠ صفحة! ـ عن بعض الكتب القديمة! متقوّلا على أبي مخنف! عن أسلافه! وأشياخه! وهذه القطعة في : ٢٨٢ وفي : ٢٨٠ قال المجلسي : هذا الخبر غير صحيح وكتبناه كما وجدناه! هذا ولم أجد غيره أي مصدر له ، ولذا تركته.

٤١٥

وروى الكلبي عن ابني ميثم التمار عن أبيهما : أنّه عليه‌السلام خرج لصلاة الصبح ، فكبّر للصلاة (وبعد الفاتحة) قرأ من سورة الأنبياء إحدى عشرة آية ، وكان ابن ملجم في الصف (الأول خلفه) فضربه من صفّه على قرنه ، فانتزع الناس منه سيفه وهم قيام في الصلاة ، ولم يقطع عليّ صلاته بل ركع ثمّ سجد السجدتين وغيّر موضع سجوده في الثاني عن الأولى ، ثمّ قام إلى الركعة الثانية فقلب (ـ تهوّع) فخفّف القراءة وركع وسجد وجلس فتشهّد ثمّ سلّم ثمّ أسند ظهره إلى الحائط!

وعن الكلبي أيضا عن حفيد جعدة بن هبيرة المخزومي : أنّه لمّا ضربه ابن ملجم في الصلاة ، كان جعدة إلى جنبه ، فتأخر عليّ حتى دفع في ظهر جعدة قدّمه ليتمّ الصلاة بالناس ، فصلّى بهم (١).

__________________

(١) مقتل الإمام لابن أبي الدنيا : ٣٠ الحديث ٥ و ٦ والأوّل لا يوافق فتاوى أئمّة أهل البيت عليهم‌السلام ، والثاني انفرد به حفيد جعدة متّهما بدعوى فضل لفصيلته وجدّه جعدة بما لم يرد مثله عن غيره! بل يعارضه ما في كنز العمّال ١٥ : ١٧٠ ط ٢ الحديث ٤٩٧ عن أمالي عبد الرزاق عن الزهري : أنّ ابن ملجم طعن عليّا عليه‌السلام حين رفع رأسه من الركعة فانصرف ولم يقدّم أحدا بل قال لهم : أتمّوا صلاتكم! ولعلّ الزهري بلغه خبر حفيد جعدة أو سئل عنه فردّه بهذا. ولا يبقى إلّا ما في فضائل ابن حنبل بسنده عن معاصره تقريبا الليث بن سعد المصري (بعد المائتين) رفعه : أنّ ابن ملجم ضرب عليّا في صلاة الصبح على دهش ... أي على غفلة وغيلة ، وليس نصا صريحا في الاشتغال بالصلاة بل لعلّه يعني في وقت الصلاة وليس في نفسها ، وفي الخبر غرائب غير مقبولة أنّه مات من يومه وأنّه دفن بالكوفة! وعنه نقل ابن عساكر. وروى الطوسي في الأمالي : ٣٦٥ م ١٣ الحديث ١٩ / ٧٦٨

٤١٦

وقال الحلبي : بل الحسن عليه‌السلام (١).

ابن ملجم والإمام عليه‌السلام :

أجرم ابن ملجم إجرامه في الظلام وخرج من المسجد الجامع مخترطا سيفه ، وخرج نافع بن عقبة المنبهي (٢) أو رجل من همدان (٣) من أهله إلى المسجد وانتهى إلى باب كندة منه فإذا هو بابن ملجم خارجا مخترطا سيفه ، فعلم بجرمه ، وكان طيلسانه بيده (٤) أو قطيفة (٤) فضربها على وجهه وهجم عليه فانتزع السيف من يده ، ثمّ قادوه إلى المسجد.

__________________

ـ بسنده إلى علي بن علي الخزاعي أخي دعبل بن علي عن الرضا عن أبيه عن آبائه عن السجاد عليهم‌السلام قال : ضربه ابن ملجم فوقعت الضربة وهو ساجد على رأسه على الضربة التي كانت ، فخرج الحسن والحسين ... والحسين يومئذ كان في المدائن بجيشه العشرة آلاف كما مرّ ويأتي. وفي سند الخبر أنّه يرويه عن الرضا سنة ثمان وتسعين ومائة وقال : وأقمت أنا وأخي دعبل عنده إلى آخر سنة مائتين ثمّ خرجنا إلى قم! وهذه نقاط ضعف عديدة.

وأخيرا لا يبقى إلّا ما رواه الصدوق في عيون أخبار الرضا عنه عن أبيه عن آبائه عن النبي قال لعلي عليه‌السلام : «كأنّي بك وأنت تصلي لربّك وقد انبعث أشقاها شقيق عاقر ناقة صالح فضربك على قرنك» فهذا غاية ما في هذا الباب. وهو إخبار غيبيّ يمكن فيه البداء ، فليس دليلا على الوقوع.

(١) مناقب آل أبي طالب ٣ : ٣٥٨ ثمّ روى خبر صلاة جعدة.

(٢) مقتل الإمام لابن أبي الدنيا : ٣٧ الحديث ١٥.

(٣) الارشاد ١ : ٢١ ، وسمّاه الاصفهاني : أبا أدماء المرهبي. وقيل : أخذه المغيرة بن الحرث بن عبد المطلب وهو صاحب القطيفة ، مقاتل الطالبيين : ٢١. ونسب اليعقوبي ذلك إلى قثم بن العباس ٢ : ٢١٢ ولم يعهد قثم في الكوفة يومئذ.

(٤) و (٥) المصدر الأسبق.

٤١٧

وانصرف الناس من صلاتهم فتواثبوا إليه كأنّهم السباع ينادونه : يا عدوّ الله ما صنعت! لقد قتلت خير الناس وأهلكت الأمّة! وهو ساكت لا ينطق بكلمة! والناس في ضوضاء يقولون : قتل أمير المؤمنين! حتّى أوقفوه بين يديه فقال عليه‌السلام : احبسوه ، فإن أمت من جراحتي هذه فهو في أيديكم ، نفس بنفس فاقتلوه ، وإن أعش وأبرأ أرى فيه رأيي.

ورجع حجر الكندي إلى المسجد فسمعهم ينادون : ضرب أمير المؤمنين! فنظر حجر إلى الأشعث وقال له : أما رأيته معك وأنت تناجيه قلت له : النجاء فقد فضحك الصبح؟! والله لو أعلم ذلك حقّا لضربت أكثرك شعرا! فقال الأشعث : إنّك شيخ قد خرفت!

وانصرف إلى داره وأمر ابنه قيسا أن يرى الإمام كيف أصبح ، فأتى قيس حتّى رآه وعاد إلى أبيه وقال له : يا أبة! رأيت عينيه قد غارتا في أمّ رأسه! فقال الأشعث : فهما عينا دميغ (مضروب في دماغه) وربّ الكعبة (١)!

وجاء الطبيب ، وعاد الحسين عليه‌السلام :

كان خالد بن الوليد لمّا فتح عين التمر بالعراق أصاب فيها أربعين غلاما من غلمان كسرى فسباهم ، وكان منهم غلام من السكون أو من كندة يدعى أثير بن عمرو ، وكان متطبّبا يعالج الجراحات ، ولذا أسر مع جنود كسرى ، وانتهى به الأمر أن أصبح في الكوفة من أعلم أطبّائها.

__________________

(١) مقتل الإمام لابن أبي الدنيا : ٣٧ ـ ٣٨ ، الحديث ١٤ و ١٥ و ١٦ ، وأنساب الأشراف ٢ : ٣٩٧ ، الحديث ٥٦١.

٤١٨

فلمّا ضرب الإمام عليه‌السلام جمع له أطبّاء الكوفة وفي مقدمتهم هذا الكنديّ أو السكوني ، فدعا برية شاة حارّة (١) حديثة الذبح ، فاقتطع منها قطعة صغيرة فيها عروق ، فتتبّع عرقا منها فاستخرجه ثمّ أدخله في جراحة الإمام ثمّ نفخها ، ثمّ استخرجها فإذا عليها بياض دماغه ، فعرف أنّ الضربة قد وصلت إلى دماغه في أمّ رأسه (٢).

فقال له : يا أمير المؤمنين ، اعهد عهدك ، فإنّ عدوّ الله قد وصلت ضربته إلى أمّ رأسك (٣) فلا يعالج مثلك فإنّك ميّت!

فعند ذلك قال عليه‌السلام : إن أمت فاقتلوه فإنّها النفس بالنفس ، وإن عشت فسأرى رأيي (٤).

وكما اخذ ابن ملجم اخذ صاحبه الأشجعي التميمي شبيب بن بجرة وأخذ رجل منه سيفه وصرعه وجلس على صدره ليذبحه ، وقصد الناس فخافهم فوثب عن صدره وطرح سيفه من يده وخلّاه فهرب حتّى دخل منزله وأخذ يحلّ الحرير عن صدره ، فأتاه ابن عمّه وعلم بجرمه فمضى واشتمل على سيفه ودخل عليه فقتله (٥) وأفلت الثالث وردان التيمي فانسلّ بين الناس (٦).

__________________

(١) مقاتل الطالبيين : ٢٣ عن أبي مخنف.

(٢) عن الاستيعاب بهامش الإصابة ٣ : ٦٢.

(٣) مقاتل الطالبيين : ٢٣.

(٤) مقتل الإمام لابن أبي الدنيا : ٤٣ ، الحديث ٢٩ و ٢٨ و ٢٩.

(٥) مقاتل الطالبيين : ٢١ ـ ٢٢.

(٦) الارشاد ١ : ٢١ ، ويظهر أنّه نقل الخبر عن مقاتل الطالبيين وكانت عنده نسخة المؤلف ٢ : ١٩٠. وفي أنساب الأشراف ٢ : ٣٩٤ ، الحديث ٥٥٣ : أنّ وردان هو الذي قتله ابن عمّه عبد الله بن نجبة التيمي.

٤١٩

ونقل ابن أبي الدنيا خبرين يبدو منهما أنّ ابن ملجم لم يواجه الإمام قبلهما :

الأوّل : عن الشعبي : أنّ الإمام سألهم : ما فعل ضاربي؟ قالوا : قد أخذناه! قال : أطعموه من طعامي وأسقوه من شرابي ، فإن أنا عشت رأيت فيه رأيي ، وإن أنا مت فاضربوه ضربة لا تزيدوه عليها.

والثاني : عن عبيد الله بن العباس ـ وقد مرّ أنّه أفلت من بسر ـ قال : أتي أمير المؤمنين بابن ملجم فقيل له : يا أمير المؤمنين ما تقول في هذا الأسير؟ فقال عليه‌السلام : أرى أن تحسنوا ضيافته حتّى تنظروا على أيّ حال أكون ، فإن أهلك فلا تلبثوه بعدي ساعة (١)! فذهبوا به إلى الحبس (٢)!

وقد مرّ الخبر أنّ الإمام عليه‌السلام كان قد قدّم الحسين مع عشرة آلاف إلى المدائن يريد العود لحرب العدوّ الشامي. فروى ابن أبي الدنيا عن ابن الكلبي ، عن زحر بن قيس الجعفي قال : بعثني الحسن إلى أخيه الحسين عليهما‌السلام بالمدائن بكتابه إليه يخبره فيه عن أبيه (٣).

قال : فركبت بغلتي ومضيت نحو المدائن ، فلمّا قربتها تلقّاني بعض مسلمي أهلها فسألوني : من أين أقبل الرجل؟ قلت : من الكوفة. فقالوا : فما الخبر؟ قلت : خرج أمير المؤمنين لصلاة الغداة ، فتلقاه رجلان فضربه أحدهما فأخطأه وضربه الآخر فأصابه بشجّة ، قد يموت الرجل ممّا هو أدنى منها ، وقد يعيش

__________________

(١) مقتل الإمام لابن أبي الدنيا : ٤٠ ، الحديث ٢٢ و ٢٣.

(٢) الإرشاد ١ : ٢١.

(٣) مقتل الإمام لابن أبي الدنيا : ٩٦ ، الحديث ٩١ ، ومختصره في أنساب الأشراف ٢ : ٣٩٦ ، الحديث ٥٦٧. وأصل كتاب الحسن إلى الحسين بالمدائن ، وحديث الحسين عليه‌السلام عن جدّه النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله جاء في فروع الكافي ٣ : ٢٢٠ ، كما عنه في بحار الأنوار ٤٢ : ٢٤٧.

٤٢٠