موسوعة التاريخ الإسلامي - ج ٤

الشيخ محمّد هادي اليوسفي الغروي

موسوعة التاريخ الإسلامي - ج ٤

المؤلف:

الشيخ محمّد هادي اليوسفي الغروي


الموضوع : التاريخ والجغرافيا
الناشر: أضواء الحوزة ـ لبنان
الطبعة: ٠
الصفحات: ٦٧٢

١
٢

٣
٤

٥
٦

حوادث السنة الحادية عشرة

رحيل الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله واختلاف الأمة

٧
٨

بعض وصايا النبيّ للوصيّ :

روى سليم بن قيس الهلالي العامري (م ٧٦ ه‍) عن علي عليه‌السلام عن النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله قال لي : يا علي ، إنه ما اختلفت أمة بعد نبيّها إلّا ظهر أهل باطلها على أهل حقها ، وإن الله قضى الفرقة والاختلاف على هذه الأمة ، ولو شاء لجمعهم على الهدى حتى لا يختلف اثنان من خلقه ، ولا يتنازع في شيء من أمره ، ولا يجحد المفضول ذا الفضل فضله ، ولو شاء عجّل النقمة فكان التغيير حتى يكذّب الظالم ويعلم أين مصير الحق ، ولكن جعل الدنيا دار الأعمال ، وجعل الآخرة دار القرار (لِيَجْزِيَ الَّذِينَ أَساؤُا بِما عَمِلُوا وَيَجْزِيَ الَّذِينَ أَحْسَنُوا بِالْحُسْنَى)(١).

وإنك مني بمنزلة هارون من موسى ، فلك بهارون أسوة حسنة إذ استضعفه قومه وكادوا يقتلونه ، فاصبر لظلم قريش إياك وتظاهرهم عليك ، فإنك بمنزلة هارون من موسى ، وهم بمنزلة العجل ومن تبعه ، وإن موسى أمر هارون حين

__________________

(١) النجم : ٣١.

٩

استخلفه عليهم : إن ضلّوا فوجد أعوانا أن يجاهدهم بهم ، وإن لم يجد أعوانا أن يكفّ يده ويحقن دمه ، ولا يفرّق بينهم (١).

ورواه عنه عليه‌السلام بتفصيل أكثر قال : قال لي رسول الله : يا أخي .. إن الناس يدعون بعدي ما أمرهم الله به وما أمرتهم فيك من ولايتك ، وما أظهرت من حجتك متعمدين ـ غير جاهلين ـ مخالفة ما أنزل الله فيك ، فإن وجدت أعوانا عليهم فجاهدهم ، وإن لم تجد أعوانا فاكفف يدك واحقن دمك ، فإنك إن نابذتهم قتلوك ، فإن تبعوك وأطاعوك فاحملهم على الحق ، وإلّا فدع .. واعلم أنك إن دعوتهم لم يستجيبوا لك ، فلا تدعنّ أن تجعل الحجة عليهم .. إني قد أقمت حجتك وأظهرت لهم ما أنزل الله فيك ، وإنه لم يعلم أني رسول الله وأن حقي وطاعتي واجبان حتى أظهرت (ذلك) لك .. فإن سكتّ عنهم لم تأثم ، غير أني أحبّ أن تدعوهم. وان لم يستجيبوا لك ولم يقبلوا منك ، وتظاهرت عليك ظلمة قريش فإني أخاف عليك ـ إن ناهضت القوم ونابذتهم وجاهدتهم من غير أن يكون معك فئة تقوى بهم ـ أن يقتلوك ، والتقية من دين الله ولا دين لمن لا تقية له.

وإن الله قد قضى الفرقة والاختلاف بين هذه الأمة ، ولو شاء لجمعهم على الهدى ولم يختلف اثنان منهم ولا من (سائر) خلقه ، ولم ينازع في شيء من أمره ، ولم يجحد المفضول ذا الفضل فضله ، ولو شاء عجّل منهم النقمة وكان التغيير حتى يكذّب الظالم ويعلم أين مصير الحق ، و(لكن) الله جعل الدنيا دار الأعمال ، وجعل الآخرة دار الثواب والعقاب (لِيَجْزِيَ الَّذِينَ أَساؤُا بِما عَمِلُوا وَيَجْزِيَ الَّذِينَ أَحْسَنُوا بِالْحُسْنَى)(٢).

__________________

(١) كتاب سليم بن قيس ٢ : ٥٦٩ ـ ٥٧٠.

(٢) النجم : ٣١.

١٠

ثم قال صلى‌الله‌عليه‌وآله : يا أخي أبشر .. أنت مني بمنزلة هارون من موسى ، ولك بهارون أسوة حسنة إذ استضعفه أهله وتظاهروا عليه وكادوا أن يقتلوه ، فاصبر لظلم قريش إياك وتظاهرهم عليك ، فإنها ضغائن في صدور قوم أحقاد بدر وترات أحد. وإن موسى أمر هارون حين استخلفه في قومه : إن ضلوا فوجد أعوانا أن يجاهدهم بهم ، وإن لم يجد أعوانا : أن يكفّ يده ويحقن دمه ، ولا يفرّق بينهم ، فافعل أنت كذلك : إن وجدت عليهم أعوانا فجاهدهم ، وإن لم تجد أعوانا فاكفف يدك واحقن دمك ، فإنك إن نابذتهم قتلوك ، واعلم أنك إن لم تكف يدك وتحقن دمك إذا لم تجد أعوانا أتخوّف أن يرجع الناس إلى عبادة الأصنام والجحود بأني رسول الله ، فاستظهر بالحجة عليهم وادعهم ليهلك الناصبون لك والباغون عليك ويسلم العامة والخاصة ، فإذا وجدت يوما أعوانا على إقامة الكتاب والسنة فقاتل على تأويل القرآن كما قاتلت على تنزيله (١).

وروى عنه عليه‌السلام قال : أخبرني رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : أن الأمة ستخذلني وتبايع وتتبع غيري ، وبما الأمة صانعة بي بعده ...

فقلت : يا رسول الله فما تعهد إليّ إذا كان ذلك؟

قال : إن وجدت أعوانا فانبذ إليهم وجاهدهم ، وإن لم تجد أعوانا فاكفف يدك واحقن دمك ، حتى تجد على إقامة الدين وكتاب الله وسنّتي أعوانا ، وأخبرني : أني منه بمنزلة هارون من موسى ، وأن الأمة سيصيرون من بعده بمنزلة هارون ومن تبعه والعجل ومن تبعه إذ قال له موسى : (... يا هارُونُ ما مَنَعَكَ إِذْ رَأَيْتَهُمْ ضَلُّوا* أَلَّا تَتَّبِعَنِ أَفَعَصَيْتَ أَمْرِي)(٢)؟! (... قالَ ابْنَ أُمَّ إِنَّ الْقَوْمَ اسْتَضْعَفُونِي

__________________

(١) كتاب سليم بن قيس ٢ : ٧٦٧ ، ٧٧٠.

(٢) طه : ٩٢ ـ ٩٣.

١١

وَكادُوا يَقْتُلُونَنِي)(١) ، وقال : (... يَا بْنَ أُمَّ لا تَأْخُذْ بِلِحْيَتِي وَلا بِرَأْسِي إِنِّي خَشِيتُ أَنْ تَقُولَ فَرَّقْتَ بَيْنَ بَنِي إِسْرائِيلَ وَلَمْ تَرْقُبْ قَوْلِي)(٢).

وروى عن سلمان الفارسي عنه صلى‌الله‌عليه‌وآله قال : يا علي ، إنك ستلقى بعدي من قريش شدة من تظاهرهم عليك وظلمهم لك ، فإن وجدت أعوانا عليهم فجاهدهم ، وقاتل من خالفك بمن وافقك ، وإن لم تجد أعوانا فاصبر وكفّ يدك ، ولا تلق بيدك إلى التهلكة ، فإنك مني بمنزلة هارون من موسى ، ولك بهارون أسوة حسنة إذ قال لأخيه موسى : (... إِنَّ الْقَوْمَ اسْتَضْعَفُونِي وَكادُوا يَقْتُلُونَنِي)(٣).

وروى عنه عن علي عليه‌السلام قال : أخبرني رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله قال : يبايع الناس أبا بكر في ظلّة بني ساعدة بعد تخاصمهم بحقّنا وحجتنا (٤).

أحداث عند الوفاة :

روى ابن سعد قال : ودّع أسامة بن زيد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ليخرج إلى معسكره ، فبينا هو يريد الركوب للخروج إذا رسول أمّه (أمّ أيمن) جاءه يقول له عنها : إن رسول الله يموت ... (٥).

ويبدو أن أسامة آثر امتثال أمر الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله فلم يطع المخلوق مع أمر الخالق ومضى إلى معسكره في الجرف ، وفيه روى ابن سعد أيضا عن عروة بن الزبير :

__________________

(١) الأعراف : ١٥٠. والخبر في كتاب سليم بن قيس ٢ : ٦٦٤.

(٢) طه : ٩٤.

(٣) الأعراف : ١٥٠. والخبر في كتاب سليم بن قيس ٢ : ٥٦٨ ، ورواه عنه بسنده الصدوق في كمال الدين : ٢٦٢ ، الباب ٢٤ ، الحديث ١٠.

(٤) كتاب سليم بن قيس ٢ : ٥٧٩.

(٥) الطبقات الكبرى ٢ ق ١ : ١٣٦.

١٢

أن فاطمة بنت قيس امرأة أسامة كتبت إليه : «إن رسول الله قد ثقل ، وإني لا أدري ما يحدث ، فإن رأيت أن تقيم فأقم» فأقام أسامة بالجرف حتى مات رسول الله (١).

هذا إذا كنا نحن وأخبار ابن سعد ، إلّا أن المعتزليّ في «شرح النهج» اضطرب المطلب لديه إذ قال : أخذ المسلمون يودّعون نبيّهم ويمضون إلى معسكر الجرف ، وثقل رسول الله واشتد ما يجده ، وأسامة في معسكره ، فأرسل بعض نساء الرسول إليه وإلى بعض من كان معه (؟) يعلمونهم بذلك ، فرحل أسامة من معسكره فدخل والنبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله مغمور .. فأشار له بالرجوع إلى معسكره فرجع أسامة إلى المعسكر.

فأرسل إليه نساء الرسول يقلن له : إن رسول الله أصبح بارئا ويأمرنه بالدخول! وذلك يوم الاثنين الثاني عشر من شهر ربيع الأول.

فدخل أسامة من معسكره فوجد رسول الله مفيقا ، فأمره بالخروج والتعجيل وقال له : أغد على بركة الله! وجعل يكرّر : أنفذوا بعث أسامة. فودّعه وخرج ومعه أبو بكر وعمر (كذا).

فلما ركب جاءه رسول أمه (أم أيمن) وقال له عنها : إن رسول الله يموت! فأقبل راجعا ومعه أبو بكر وعمر وأبو عبيدة فانتهوا إلى رسول الله عند زوال الشمس من ذلك اليوم الاثنين وقد مات صلى‌الله‌عليه‌وآله والباب مغلق. هذا ولواء أسامة مع بريدة بن الحصيب الأسلمي وهو معه فركزه عند باب رسول الله ، هذا وعلي عليه‌السلام وبعض بني هاشم مشتغلون بغسله وإعداد جهازه (٢).

__________________

(١) الطبقات الكبرى ٤ ق ١ : ٤٧.

(٢) شرح نهج البلاغة للمعتزلي ١ : ١٦٠ ، وروى الخبر الأخير في ٦ : ٥٢ عن الجوهري بسنده عن عبد الله بن عبد الرحمن بن أبي عمرة ، بشير بن عمرو بن محصن الأنصاري الخزرجي.

١٣

ونقل عن الجوهري في «السقيفة» عن النميري البصري بسنده قال : حين قبض النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله مرّ المغيرة بن شعبة الثقفي بأبي بكر وعمر وهما جالسان على بابه صلى‌الله‌عليه‌وآله ، فقال لهما : ما يقعدكما هنا؟ قالا : ننتظر هذا الرجل ـ يعنيان عليا عليه‌السلام ـ يخرج فنبايعه! فقال لهما : أتريدون أن تنظروا حبل الحبلة من أهل هذا البيت (١) وسّعوها في قريش تتّسع (٢).

سعد بن عبادة زعيم الخزرج :

نقل الكشي عن كتاب يونس بن عبد الرحمن : أن سعد بن عبادة بن دليم الخزرجي كان أحد العشرة الذين لحقهم النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله من العصر الأول ممّن كان طولهم عشرة أشبار بأشبار أنفسهم .. وكان من العشرة خمسة من الأنصار أربعة من الخزرج كلها منهم سعد وابنه قيس ، ورجل واحد من الأوس وهو وأبوه وجدّه وجدّ جده لم يزل فيهم الشرف والسؤدد يجير فيجار ، ولم يزل هو وأبوه أصحاب إطعام في الجاهلية والإسلام (٣).

حتى أن جدّه دليم كان له يوم في كل سنة ينادي فيه مناديه : من أراد اللحم والشحم فليأت دار دليم ، فلما مات دليم نادى منادي عبادة بن دليم بمثل ذلك ، ولما مات عبادة نادى منادي سعد بن عبادة بمثل ذلك.

__________________

(١) قيل معناه : حمل الكرمة قبل أن تبلغ ، كناية عن صغر سنّ علي عليه‌السلام.

(٢) عن الجوهري في شرح نهج البلاغة ٢ : ٤٣ ، وفي كتاب السقيفة : ٦٨ وفي أمالي الطوسي : ١٧٧ ، الحديث ٢٩٨ عن جابر الأنصاري : أن ذلك كان إبليس تمثل بصورة المغيرة فنادى في الناس : أيها الناس لا تجعلوها كسروانية ولا قيصرانية ، بل وسّعوها تتّسع ولا تردّوها في بني هاشم ينتظر بها الحبالى! وليس معناه أنه هو الذي ابتكر هذه الفكرة بل وافقهم.

(٣) رجال الكشي : ١١٠ ، الحديث ١٧٧.

١٤

وكان جدّه دليم يهدي كل عام عشر بدنات إلى صنم مناة ، وبعده ابنه عبادة وبعده ابنه سعد حتى أسلم فأخذ يهديها إلى الكعبة (١).

وكان من النقباء في بيعتي العقبة ، وأدركه المشركون في الثانية في رحله فربطوه بحبله وجرّوه إلى مكة يضربونه حتى خلّصه الحارث أخو أبي سفيان وجبير بن مطعم (٢).

ولما دخل الرسول إلى المدينة كان يبعث إليه بجفنة طعام كل يوم ، مرة بلحم وأخرى بشحم وأخرى بلبن ، وأهدى إليه ثلاث لقائح للّبن ، ولما بدأ بالحرب أهدى إليه سيفه العضب ودرعه فضّة أو ذات الفضول (٣).

ولما كاتب سلمان الفارسيّ صاحبه بمائة وستين فسيل نخل أعانه سعد بستين منها (٤).

وفي السنة السابعة بعد فتح خيبر لما أقبل كثير من الناس الفقراء إلى المدينة مسلمين فمكثوا في صفّة المسجد النبوي الشريف ، كان إذا أمسى وصلى العشاء ذهب بعض أصحابه ببعضهم ليطعمه ، أما سعد فإنه كان يرجع كل ليلة إلى أهله بثمانين يعشّيهم (٥).

وفي غزوة ودّان ذكر البلاذري أن النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله خلّفه على المدينة (٦).

__________________

(١) عن الاستيعاب في قاموس الرجال ٥ : ٥٤.

(٢) راجع موسوعة التاريخ الاسلامي ١ : ٦٩٦.

(٣) عن أنساب الأشراف ١ : ٤٦٣ و٥١٢ و٥٢١.

(٤) عن أنساب الأشراف ١ : ٤٨٧.

(٥) عن حلية الأولياء ١ : ٣٤١.

(٦) عن أنساب الأشراف ١ : ٢٨٧.

١٥

وروى عنه عن النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله قال له : إذا أنا متّ ضلت الأهواء ويرجع الناس على أعقابهم ، فالحق يومئذ مع علي ومعه كتاب الله ، فلا تبايع أحدا غيره! ولكنه يقول : سمع هذا الخبر منه صلى‌الله‌عليه‌وآله سائر الناس إلّا أن في قلوبهم أحقادا وضغائن (١) ولذلك كان من قولهم لهم : أما إذا لم تسلموها لعليّ ، فصاحبنا أحق بها من غيره (٢). لذلك اعتزلوا بسيّدهم سعد ليبايعوه للخلافة وهم يرتجزون ارتجاز الجاهلية :

يا سعد أنت المرجّى

وشعرك المرجّل

وفحلك المرجّم (٣)!

وذكر البلاذري : أن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله كان قد آخى بين عمر بن الخطاب وبين عويم بن ساعدة الأوسي (٤) وكان عمر يثنى عليه (٥) ومن حلفاء الأوس معن بن عديّ البلوي (٦) وكان صديقا لعويم الأوسي ، واتفق بين هذين الرجلين وبين ابن عبادة الخزرجي ما أثار بينهما بغضا وشحناء شرحه أبو عبيدة معمّر بن المثنّى في «كتاب القبائل» وأشار إليه المعتزلي (٧).

__________________

(١) عن مجالس المؤمنين ١ : ٢٣٤ ، عن الطبري في كتاب الولاية ، بل روى بمعناه المعتزلي عن الجوهري ٦ : ٤٤. وفي كتاب السقيفة : ٦٨.

(٢) قاموس الرجال ٥ : ٤٩ عن رسائل الأئمة للكليني.

(٣) روضة الكافي : ٢٤٦ ، الحديث ٤٥٥. ويأتي عن الجوهري : ونجلك المرجّى ، وهو أولى ، وفحلك : عدوّك.

(٤) عن أنساب الأشراف ١ : ٢٧١.

(٥) عن أسد الغابة في قاموس الرجال ٨ : ٢٩٠.

(٦) ابن اسحاق في السيرة ٢ : ٣٤٥.

(٧) شرح نهج البلاغة للمعتزلي ٦ : ١٩.

١٦

أخبار سقيفة بني ساعدة :

من أعمام النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله المقوّم بن عبد المطّلب ، ومن أصهاره أبو عمرة بشير بن عمر وبن محصن الأنصاري الخزرجي (١) ، كان من أوائل من أسلم من قومه الخزرج وشهد مشاهد النبيّ كلها. ثم كان من أوائل من أناب إلى أمير المؤمنين عليه‌السلام كما عن الباقر (٢) والصادق عليهما‌السلام (٣) ولكنه قبل أن يلحق بعلي عليه‌السلام كان مع قومه الخزرج في سقيفتهم ، فروى أخبارها عنه حفيده أبو عوف عبد الله بن عبد الرحمن بن أبي عمرة أبو طوالة ، الذي كان يروي عن الباقر عليه‌السلام (٤) وكان قاضيا لعمر بن عبد العزيز (٥).

وعنه روى أخبار السقيفة أبو مخنف في كتابه في السقيفة الذي نراه في صدر قائمة كتبه (٦) ورواه عنه روايته هشام الكلبي وعنه الطبري في تاريخه (٧).

وكذلك رواها عن عبد الله : سعيد بن كثير بن عفير الأنصاري وعنه ابن قتيبة الدينوري (م ٢٧٦ ه‍) في «تاريخ الخلفاء الامامة والسياسة» (٨).

__________________

(١) عن الاستيعاب في قاموس الرجال ٢ : ٤٨٧ في ثعلبة ، وذكره في بشير ، وهو الصحيح وانظر الكنى في الإصابة : ٨٠١ ـ ٨٠٥ ، ووقعة صفين : ١٨٥ متنا وحاشية.

(٢) رجال الكشي : ١١ ، الحديث ٢٤.

(٣) رجال الكشي : ٧ ، الحديث ١٤ ، وانظر : ٣٣ ، الحديث ٦١.

(٤) خبر حمل علي عليه‌السلام لفاطمة على حمار ، كما في شرح المعتزلي ٦ : ١٣ عن السقيفة للجوهري.

(٥) عن ابن حجر في قاموس الرجال ٦ : ٤٩٦ برقم ٤٣٨٧.

(٦) رجال النجاشي : ٣٢٠ برقم ٨٧٥.

(٧) تاريخ الطبري ٣ : ٢١٨ ـ ٢٢٢.

(٨) الإمامة والسياسة : ٤ فما بعدها.

١٧

وكذلك عن ابن كثير هذا : الجوهري (م ٣٢٣ ه‍) في كتابه : السقيفة وعنه المعتزلي في شرح نهج البلاغة (١).

وعليه فالراوي الأول هو أبو عمرة بشير بن عمرو بن محصن الأنصاري الخزرجي قال :

لما قبض النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله اجتمعت الأنصار في سقيفة بني ساعدة (٢) فقالوا : نولّي هذا الأمر بعد محمد عليه‌السلام سعد بن عبادة : فأخرجوا سعدا إليهم وهو مريض ، فقالوا له : إن رسول الله قد قبض. فلما اجتمعوا قال سعد لابنه قيس (٣) أو بعض بنيه (٤) أو بعض بني عمّه (٥) : إني لا أقدر أن أسمع الناس كلاما لمرضي ، ولكن تلقّ مني قولي فأسمعهم. فكان يتكلم ويحفظ الرجل (٦) ابنه (٧) قوله فيرفع به صوته ليسمع قومه. فحمد الله وأثنى عليه ثم قال :

يا معشر الأنصار ؛ إن لكم سابقة في الدين وفضيلة في الإسلام ليست لقبيلة من العرب : إن محمدا صلى‌الله‌عليه‌وآله لبث بضع عشرة سنة في قومه يدعوهم إلى عبادة الرحمن

__________________

(١) شرح نهج البلاغة ٦ : ٥ ـ ١٢ ، وفي ما جمعه الأميني عن السقيفة وفدك : ٥٤ ـ ٥٩.

(٢) نقل اليعقوبي عن الخوارزمي المنجم أن وفاته صلى‌الله‌عليه‌وآله كان والشمس في برج الجوزاء ، وهو الشهر الثالث من الربيع ، ووفاة الرسول كان عند الزوال ، فيبدو أنّ الاجتماع كان بعد صلاة الظهر ، ولم يذكر من أمّهم يومئذ؟ وليس أبو بكر إذ كان غائبا بالعوالي.

(٣) الإمامة والسياسة : ٥.

(٤) شرح النهج ٦ : ٥.

(٥) تاريخ الطبري ٣ : ٢١٨ ، ويبدو أن أبا عمرة روى الخبر لحفيده عبد الله في كبره ولذلك نسي بعض الجزئيات.

(٦) الطبري ، نفسه.

(٧) الإمامة والسياسة ، والجوهري.

١٨

وخلع الأنداد والأوثان ، فما آمن به من قومه إلّا رجال قليل ، والله ما كانوا يقدرون على أن يمنعوا رسول الله ولا أن يعزّوا دينه ، ولا أن يدفعوا عن أنفسهم ضيما غمّوا به.

حتى إذا أراد بكم الفضيلة ساق إليكم الكرامة وخصكم بالنعمة ، فرزقكم الله الإيمان به وبرسوله ، والمنع له ولأصحابه ، والإعزاز له ولدينه ، والجهاد لأعدائه.

فكنتم أشدّ الناس على من تخلف عنه منكم ، وأثقله على عدوّه من غيركم ، حتى استقامت العرب لأمر الله طوعا وكرها ، وأعطى البعيد المقادة صاغرا داخرا ، حتى أنجز الله لنبيّكم الوعد ودانت بأسيافكم له العرب ، وتوفاه الله وهو عنكم راض وبكم قرير عين. استبدّوا أو : فشدوا يديكم ، أو : أيديكم بهذا الأمر فإنه لكم دون الناس ، أو : فإنكم أحق الناس وأولاهم به.

فأجابوه جميعا : أن قد وفّقت في الرأي وأصبت في القول ، ولن نعدو ما رأيت : نولّيك هذا الأمر ، فإنك فينا مقنع ولصالح المؤمنين رضا!

ثم إنهم ترادوا الكلام بينهم فقالوا : فإن أبت مهاجرة قريش فقالوا : نحن المهاجرون وأصحاب رسول الله الأولون ونحن عشيرته وأولياؤه ، فعلام تنازعوننا هذا الأمر من بعده؟!

فقالت طائفة منهم : إذا نقول : منّا أمير ومنكم أمير ، ولن نرضى بدون هذا منهم أبدا ، لنا في الإيواء والنصرة ما لهم من الهجرة ، ولنا في كتاب الله ما لهم ، فليسوا يعدّون شيئا إلّا ونعدّ مثله ، وليس من رأينا الاستيثار عليهم ، فمنّا أمير ومنهم أمير!

فحين سمعها سعد بن عبادة قال : هذا أوّل الوهن (١)!

وكأن كلمة الوهن هذه مهّدت وساعدت عويم بن ساعدة الأوسي أن يقول لهم :

__________________

(١) عن المصادر الثلاثة ، واللفظ الأخير للمعتزلي عن الجوهري.

١٩

يا معشر الخزرج ؛ إن كان هذا الأمر فيكم دون قريش فعرّفونا ذلك وبرهنوا (كذا؟!) حتى نبايعكم (الأوس) عليه ، وإن كان لهم دونكم فسلّموه إليهم.

فشتمه الأنصار وأخرجوه من بينهم ، فانطلق مسرعا (١).

فصادف في طريقه صديقه البلويّ معن بن عديّ فيما ذكر المدائني والواقدي فاتفقا على تحريض أبي بكر وعمر وصرفه عن الأنصار (٢).

فأتى معن بن عدي إلى عمر العدوي وأخذ بيده وقال له : قم يا عمر ؛ فقال عمر ؛ أنا مشغول عنك! فقال : لا بدّ من قيام! فقام معه ، فقال له :

إن هذا الحيّ من الأنصار قد اجتمعوا في سقيفة بني ساعدة حول سعد بن عبادة يقولون له : أنت المرجّى ونجلك المرجّى ، وقد خشيت الفتنة (٣) فانظر ما ترى يا عمر! واذكر (هذا الأمر) لاخوتك المهاجرين واختاروا لأنفسكم ، فإني أنظر إلى باب الفتنة قد فتحت الساعة ، إلّا أن يغلقها الله!

ففزع عمر ، وأتى إلى أبي بكر فأخذ بيده وقال له : قم ، فقال أبو بكر : أين نبرح؟! أنا مشغول عنك حتى نواري رسول الله! فقال عمر : لا بدّ من قيام وسنرجع إن شاء الله (٤). وفي خبر أبي مخنف : لما أتى الخبر عمر أقبل إلى منزل النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله ، وأبو بكر في الدار ، وعلي بن أبي طالب عليه‌السلام دائب في جهاز رسول الله ، فأرسل عمر إلى أبي بكر : أن اخرج إليّ! فأرسل إليه : إني مشتغل! فأرسل إليه : أن قد حدث أمر لا بدّ لك من حضوره! فخرج إليه فقال له : إن الأنصار قد اجتمعت

__________________

(١) عن الموفّقيات في شرح النهج للمعتزلي ٦ : ١٩.

(٢) شرح النهج للمعتزلي ٦ : ١٩ عن المدائني والواقدي. وفي أنساب الأشراف ١ : ٥٨١.

(٣) وسيأتي في خطبة فاطمة عليها‌السلام : ابتدارا زعمتم خوف الفتنة ، ألا في الفتنة سقطوا وإن جهنم لمحيطة بالكافرين!

(٤) عن الجوهري في شرح النهج للمعتزلي ٦ : ٧٢٦.

٢٠