موسوعة التاريخ الإسلامي - ج ٨

الشيخ محمّد هادي اليوسفي الغروي

موسوعة التاريخ الإسلامي - ج ٨

المؤلف:

الشيخ محمّد هادي اليوسفي الغروي


الموضوع : التاريخ والجغرافيا
الناشر: أضواء الحوزة ـ لبنان
الطبعة: ٠
الصفحات: ٦٣٧

١
٢

٣
٤

٥
٦

وَلاية العهد

للرضا عليه‌السلام

٧
٨

حمل الإمام إلى خراسان :

قالوا : كان أبو الفضل بن سهل قد أسلم على يد محمّد المهدي العباسي ، وله ابنان الفضل والحسن ، وكان هارون الرشيد قد أوكل حضانة ابنه عبد الله المأمون إلى وزيره يحيى البرمكي ، فاختار البرمكي الفضل بن سهل وضمّه إلى المأمون لخدمته (١).

فلمّا جهّز الأمين قائده علي بن ماهان بأربعين إلى خمسين ألفاً لخلع المأمون جهّز الفضلُ طاهرَ بن الحسين بأربعة آلاف! لقتاله فقتله وفرّق جمعه! ثمّ أرسله إلى بغداد لخلع الأمين ، وأردفه بهرثمة بن أعين ، فقاتلا قوات الأمين حتّى قُتل. ثمّ أرسل الفضل أخاه الحسن بن سهل لولاية العراق فجهّز هرثمة بن أعيَن لقتال أبي السرايا فقاتله حتّى تغلّب عليه وأسقط حكمه. ثمّ أرسل الحسن بن سهل عيسى بن يزيد الجلودي لإزالة الدويلات الطالبية العلوية

__________________

(١) عيون أخبار الرضا عليه‌السلام ٢ : ١٦٥ عن أخبار خراسان للحسين بن أحمد السلامي.

٩

في الحرمين مكة والمدينة وسائر المدن فأزالها وجاء ببقاياهم إلى الحسن بن سهل في بغداد فأرسلهم إلى المأمون في مرو خراسان ، فكان المأمون يرى كل ذلك من فعل الفضل.

فنقل الصدوق هنا عن السلامي في «أخبار خراسان» : أنّ الفضل قال يوماً لرجل ممّن يعاشره : أين يقع فعلي من فعال أبي مسلم الخراساني فيما أتاه؟ فقال الرجل : إنّ أبا مسلم حوّلها من قبيلة إلى قبيلة ، وأنت حوّلتها من أخ إلى أخ! وبين الحالتين ما تعلمه! فقال الفضل : فإنّي ساحوّلها من قبيلة إلى قبيلة (١)!

ثمّ أشار على المأمون أن يتقرّب إلى الله عزوجل وإلى رسوله بصلة رحمه بالعهد إلى علي بن موسى عليه‌السلام ليمحو ما كان من أمر الرشيد فيهم (٢) فقبل المأمون بذلك.

فأخذ يكاتب الرضا عليه‌السلام يستقدمه إليه إلى خراسان ، والرضا عليه‌السلام يعتلّ عليه فما زال المأمون يكاتبه ويسأله ذلك حتّى علم الرضا أنّه لا يكفّ عنه (٣) فوافق مكرهاً.

فوجّه المأمون بخادمه ياسر ووجّه الفضلُ معه ابنَ عمهّ رجاءَ بن أبي الضحاك الخراساني ، ليُشخصا إليه الرضا عليه‌السلام وذلك في سنة مئتين (٤). ومعهم أبوالصلت عبد السلام بن صالح الهروي (٥).

__________________

(١) عيون أخبار الرضا عليه‌السلام ٢ : ١٦٥.

(٢) عيون أخبار الرضا عليه‌السلام ٢ : ١٤٢.

(٣) عيون أخبار الرضا عليه‌السلام ٢ : ١٤٩.

(٤) عيون أخبار الرضا عليه‌السلام ٢ : ١٦٠ وهنا عطف عليه عمّه محمّد بن جعفر ، مما لم يذكر في أي مصدر آخر ، بل كان ذلك قبل هذا.

(٥) عيون أخبار الرضا عليه‌السلام ٢ : ١٣٤.

١٠

من المدينة إلى مرو مكرهاً :

مرّ الخبر عن الطبري أنّ محمّد بن جعفر الطالبي العلوي استسلم لأمان المأمون في العشرين من ذي الحجة عام (٢٠٠ ه‍) ، ويظهر من خبر الإربليّ عن الحميري أنّ الرضا عليه‌السلام كان قد حجّ تلك السنة مستصحباً معه ابنه الجواد عليه‌السلام ، وطاف طواف الوداع ثمّ صلّى عند المقام ، وطاف موفّق خادم الرضا عليه‌السلام بالجواد على عنقه ثمّ صار إلى حِجر إسماعيل فجلس فيه وأبى أن يقوم ، فجاء موفق إلى أبي الحسن وقال له : جعلت فداك ، إنّ أبا جعفر قد جلس في الحِجر ويأبى أن يقوم ، فجاءه أبوه الإمام وقال له : قُم يا حبيبي! قال : ما أُريد أن أبرح من مكاني هذا! قال : بلى يا حبيبي قُم! فقال : كيف أقوم وقد ودّعتَ البيت وداعاً لا ترجع إليه (١)!

ثمّ لمّا وصل الوفد المأموني إلى المدينة لحمل الرضا عليه‌السلام إلى خراسان ، دخل المسجد النبوي ليودّع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله فودّعه مراراً ، كل ذلك يرجع إلى القبر ويعلو صوته بالبكاء والنحيب. وكان مخوّل السجستاني من شيعته حاضراً قال : فتقدمت إليه وسلّمت عليه فردّ عليَّ السلام وقال لي : زُرني فإنّني أخرج من جوار جدي فأموت في غربة وادفن إلى جنب هارون (٢).

ثمّ جمع عياله وفرّق فيهم اثني عشر ديناراً وقال لهم : أما إني لا أرجع إلى عيالي أبداً ، وأذن لهم أن يبكوا عليه حتّى يسمعهم (٣) تأكيداً على كراهيته وإكراهه.

__________________

(١) كشف الغمة ٣ : ٥١٤ عن دلائل الحميري.

(٢) عيون أخبار الرضا عليه‌السلام ٢ : ٢١٧ ، الحديث ٢٦.

(٣) عيون أخبار الرضا عليه‌السلام ٢ : ٢١٧ ، الحديث ٢٨.

١١

ثمّ حُمل على طريق البصرة إلى الأهواز إلى فارس إلى مرو (١) مع رجاء بن أبي الضحاك الخراساني ابن عم الفضل بن سهل ، وتأكّد إكراهه للإمام لشيعته حتّى أنّ أحدهم خرج معه يستأذنه أن يقتل حامله ابن أبي ضحاك! فقال له الإمام : أتريد أن تقتل نفساً مؤمنة بنفس كافرة (٢)! يعني أنّ حامله كافر فإذا قتله يُقتل به وهو مؤمن.

ونقل الحلبي عن كتاب «الوسيلة» للموصلي عمر الملّا روى عن ابن علوان قال : رأيت في منامي كأنّ قائلاً يقول : قد جاء رسول الله إلى البصرة! فقلت له : وأين نزل؟ فقيل : في حائط بني فلان (وفي خبر : في النباج منزل الحاج) قال : فجئت الحائط فوجدت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله جالساً ومعه أصحابه وبين يديه أطباق فيها رطب بَرني (٣) فقبض بيده كفّاً من الرطب وأعطاني ، فعددتها فإذا هي ثماني عشرة رطبة. ثمّ انتبهت. فتوضّأت وصلّيت ، وجئت إلى الحائط فعرفت المكان الذي رأيت فيه رسول الله.

وبعد ذلك سمعت الناس يقولون : قد جاء علي بن موسى! فقلت : أين نزل؟ فقيل : في حائط بني فلان ، فذهبت فوجدته في الموضع الذي رأيت فيه النبيّ ، وبين يديه أطباق فيها رطب وناولني ثماني عشرة رطبة! فقلت له : يابن رسول الله زدني! فقال : لو زادك جدّي لزدتك!

وبعد أيام بعث إليّ يطلب مني رداءً كذا طوله وعرضه ، فقلت ليس عندي هذا. فقال : بلى هو في السفط الفلاني بعثت به امرأتك معك! فذكرت ووجدته كما قال (٤).

__________________

(١) عيون أخبار الرضا عليه‌السلام ٢ : ١٤١ و ١٤٩ ، ١٦٥.

(٢) عيون أخبار الرضا عليه‌السلام ٢ : ٢٠٥.

(٣) في القاموس : البَرني تمر معروف معرّب أصله : بَرنيك ، أي : الحمل الجيّد!

(٤) مناقب آل أبي طالب : ٣٧١.

١٢

ولما وصل إلى الأهواز ، كان أبو هاشم الجعفري في قرية ايذج (ايذه) قال : فلمّا سمعت به سرت إليه وانتسبت له ، وكان في القيظ مريضاً فقال لي : ابغني طبيباً فأتيت بطبيب ، فقال له الرضا عليه‌السلام : ابغ لي قصب السكّر! فقال الطبيب : ما هذا بزمانه! فقال له الرضا عليه‌السلام وأشار إليّ : هذا معك فامضيا إلى شاد روان الماء واعبراه فيرفع لكم جوخانه (محل الشعير / البيدر) فاقصداه فستجدان فيه رجلاً أسود فقولا له : أين منبت قصب السكر. ثمّ قال لي : يا أبا هاشم! دونك القوم.

قال أبو هاشم : فقمت مع الطبيب وإذا الجوخانة والرجل الأسود ، فسألناه فأومأ إلى ورائه فإذا فيه قصب السكر فأخذنا منه حاجتنا ورجعنا إلى الجوخانة فلم نر فيه صاحبه ، فرجعنا إلى الرضا. فحمد الله فقال لي الطبيب : هل عند هذا شيء من أقاليد النبوة! قلت : نعم وقد شهدت بعضها ، وليس بنبيّ. فقال : فهو وصي نبيّ؟ قلت : أمّا هذا فنعم.

وبلغ هذا إلى رجاء ابن أبي الضحاك فقال لأصحابه : لئن أقام هذا بعد هذا لتُمدنّ إليه الرقاب! فارتحل به من الأهواز على فارس (١).

أبو الصلت والمأمون والرضا عليه‌السلام :

فُتحت هراة عام (٣٣ ه‍) (٢) ومن نسل سبيها أبو الصلت عبد السلام بن صالح بن سليمان بن أيوب بن ميسرة الهروي مولى عبد الرحمن بن سمرة القرشي العبشمي. ولد في المدينة وسمع الحديث من أبي معاوية الضرير وجعفر بن سليمان وحماد بن زيد وشريك بن عبد الله العامري وعبّاد بن العوّام وعبد الرزاق بن همّام

__________________

(١) الخرائج والجرائح ٢ : ٦٦١ ، الحديث ٤.

(٢) تاريخ خليفة : ٩٧ ، وتاريخ الطبري ٤ : ٣١٦.

١٣

وعبد الله بن إدريس وعبد الوارث بن سعيد ومالك بن أنس الأصبحي ، ورحل للحديث إلى اليمن والبصرة والكوفة ، وبغداد وحدّث بها فروى عنه منها جماعة (١).

وأكثر سماعه بالمدينة من سفيان بن عُيينة إلى ثلاثين سنة! كما حُكي عنه.

ومن حديثه عن أبي معاوية الضرير عن سليمان بن مهران الأعمش عن مجاهد عن ابن عباس عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله قال : «أنا مدينة العلم وعلي بابها» (٢).

وله أحاديث في المثالب نحو ما جاء في أبي موسى الأشعري وما روى في معاوية (٣).

ونقل الخطيب عن البرغاني عن الدار قطني البغدادي عن أبي الصلت قال : كلب للعلوية خير من جميع بني أُمية! فقيل له : فيهم عثمان! قال : نعم فيهم عثمان (٤)! وكذا نقله الذهبي (٥) ونقل عن «تاريخ مرو» لأحمد بن سيّار : أن أبا الصلت قدم مرو غازياً ، فلمّا رآه المأمون وسمع كلامه جعله من خاصته (٦) ثمّ بعثه في وفده إلى المدينة ليَقدِموا بالرضا عليه‌السلام إليه في مرو خراسان.

فلمّا وصلوا إلى نيشابور قصد الرضا عليه‌السلام ناحية منها كانت تُعرف باسم «لاش آباد» في محلة الفرويني ارتضى النزول في دار رجل يدعى حمدان ، ولأنّه ارتضاه الرضا عليه‌السلام من بين الناس سمي «پسنديده» ، وهي كلمة فارسية معناها : مرضي (٧).

__________________

(١) تاريخ بغداد ١١ : ٤٦.

(٢) تاريخ بغداد ١١ : ٤٨ ، وتاريخ دمشق لابن عساكر ٢ : ٤٧٥ ، الحديث ٩٩٤.

(٣) تاريخ بغداد ١١ : ٤٨.

(٤) تاريخ بغداد ١١ : ٥١.

(٥) ثقات الرواة ٢ : ٢٥٦.

(٦) قاموس الرجال ٦ : ١٦٥ برقم ٤٠٩٦.

(٧) عيون أخبار الرضا عليه‌السلام ٢ : ١٣٢ الباب ٣٦ ، الحديث ١.

١٤

وكأنّه عليه‌السلام ارتضاه لقربه من حمّام هناك دخلها فعُرفت بعدها بحمام الرضا ، وكانت هناك عين ماء تُعرف بعين كهلان وقد قلّ ماؤها فأقام الرضا عليه‌السلام عليها مَن أخرج ماءها حتّى كثر وتوفّر ، واتخذ من هذه العين حوضاً خارج الدرب يُنزل إليه بالدرج ، ودخله الرضا عليه‌السلام واغتسل فيه وصلّى على ظهره ، فأخذ الناس يتناوبون على ذلك الحوض يغتسلون فيه ويصلون على ظهره ويدعون الله لحوائجهم (١).

وكانت نيشابور يومئذٍ حاضرة علمية يحضرها كثير من روّاد علم الحديث ، ومقدّمهم إسحاق بن إبراهيم المعروف براهويه لولادته في طريق مرو! الحنظلي التميمي المروزي النيشابوري ، رحل في طلب علم الحديث وورد بغداد مراراً وعاد إلى خراسان فاستوطن نيشابور فانتشر علمه بها وروى عنه أحمد بن حنبل ومسلم بن الحجاج النيشابوري ومحمّد بن إسماعيل البخاري صاحبا الجامعين الصحيحين (٢).

وعلم علماء الحديث بحلول الرضا عليه‌السلام في مدينتهم ، ثمّ علموا بأنّ الركب المأموني يتهيّؤون للخروج منها إلى المأمون ، فاجتمعوا إليه وفيهم إسحاق بن راهويه وإذا بالرضا عليه‌السلام قد اركب في العمارية على الراحلة فقالوا له : يابن رسول الله! أترحل عنّا ولا تحدّثنا بحديث نستفيده منك؟! فأطلع رأسه وقال :

سمعت أبي موسى بن جعفر يقول : سمعت أبي جعفر بن محمّد يقول : سمعت أبي محمّد بن علي يقول : سمعت أبي علي بن الحسين يقول : سمعت أبي الحسين بن علي يقول : سمعت أبي أمير المؤمنين علي بن أبي طالب يقول : سمعت النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله يقول : سمعت الله عزوجل يقول : «لا إله إلّاالله حصني ، فمن دخل حصني أمِن من عذابي».

__________________

(١) المصدر السابق ٢ : ١٣٦ ، الباب ٣٧.

(٢) تاريخ بغداد ٦ : ٣٤٥ وانظر قاموس الرجال ١ : ٧٤٩ برقم ٧٠٥.

١٥

قال إسحاق بن راهويه : ثمّ مرّت الراحلة ، فنادانا : «بشروطها ، وأنا من شروطها ...».

رواه الصدوق فقال : أي إن من شروطها : الإقرار للرضا عليه‌السلام بأنّه إمام من قِبل الله عزوجل على العباد مفترض الطاعة عليهم (١) وكان يحجزه هذا القول عمّا حرّم الله عزوجل (٢).

أما أبو الصلت عبد السلام بن صالح الهروي فسمّى مع إسحاق بن راهويه : أحمد بن الحرث ومحمّد بن رافع ويحيى بن يحيى ثمّ قال : وعدة من أهل العلم قد تعلقوا بلجام بغلته (كذا) في المَربعة (مفترق الطرق) وقالوا له : عليك بحق آبائك الطاهرين حدّثنا بحديث سمعته من أبيك! ثمّ قال : فأخرج رأسه من العمارية! وعليه مِطرف خزّ ذو وجهين .. وفيه : سمعت النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله يقول : سمعت جبرئيل يقول : قال الله جل جلاله : «إنّي أنا الله لا إله إلّاأنا ، فاعبدوني ، من جاء منكم بشهادة أن لا إله إلّاالله بالإخلاص دخل حصني ، ومن دخل حصني أمِن مِن عذابي» (٣) فهو جمع بين البغلة والعمارية ، وهي إنّما تُشد على الراحلة البعير لا البغلة!

وفي خبر آخر عبّر عن العمارية بالهودج ومع ذلك قال : وهو راكب بغلة شهباء! ثمّ قال : وقد خرج علماء نيشابور لاستقباله لما دخلها ، فلمّا سار إلى المَربعة تعلقوا بلجام بغلته وقالوا .. بزيادة : قالوا : يابن رسول الله ، وما إخلاص الشهادة لله؟ قال : طاعة الله ورسوله وولاية أهل بيته (٤)! فجعله في استقبالهم له ،

__________________

(١) عيون أخبار الرضا عليه‌السلام ٢ : ١٣٥ ، الباب ٣٧ ، ذيل الحديث ٤.

(٢) المصدر ٢ : ١٣٧ ، الباب ٣٩ ، ذيل الحديث ٢.

(٣) عيون أخبار الرضا عليه‌السلام ٢ : ١٣٤ ، الحديث ١.

(٤) أمالي الطوسي : ٥٨٨ ، الحديث ٩ ، المجلس ١٠.

١٦

وهو وَهم ناتج عن تصحيف قوله : حين رحل من نيشابور ، إلى : حين دخل في نيشابور! وهما قريبان في الخط القديم بلا إعجام. ولعله من كتاب الليث بن محمّد العنبري الذي نقله عنه الطوسي.

كما يُستبعد جداً دعوى عُبيد الضبّي النيشابوري : أنّه لما قدم الرضا عليه‌السلام إلى نيشابور قام في حوائجه مادام بها ، فلمّا خرج إلى مرو شيّعه إلى مرحلة بعد سَرخْس ، فأخرج الإمام رأسه إليه وقال له : يا أبا عبد الله انصرف راشداً فقد قمت بالواجب! وليس للتشييع غاية! فأقسم عُبيد عليه بحق المصطفى والمرتضى والزهراء أن يحدّثه بحديث فحدّثه بالحديث السابق (١)! إذ لو كان معه عليه‌السلام حين خروجه من نيشابور فقد سمعه ، اللهم إلّاأن يقال باحتمال غيابه عنه حينئذٍ مما يُستبعد جداً ، ويُحمل على الفخر بالتحديث الخاص!

وليس في الخبر بين الله ورسوله سوى جبرئيل ، وزيد في خبر : عن ميكائيل عن إسرافيل عن اللوح عن القلم قال : يقول الله عزوجل : «ولاية علي بن أبي طالب حصني فمن دخل حصني أمِن مِن عذابي» ممّا لم يُعهد مثله في الأحاديث. رواه الصدوق عن علي بن بلال عن الرضا عليه‌السلام (٢) وعلي بن بلال من أصحاب الجواد عليه‌السلام ولا يروي عن الرضا عليه‌السلام إلّابواسطة (٣) فالخبر مرسل.

ثمّ قرية الحمراء وسناباد وطوس :

روى الصدوق بسنده عن أبي الصلت الهروي : أنّ الرضا عليه‌السلام خرج من نيشابور إلى مرو ، فلمّا بلغوا قرية الحمراء (؟) كان قد نفد ماؤهم وزالت الشمس ،

__________________

(١) عيون أخبار الرضا عليه‌السلام ٢ : ١٣٧ ، الباب ٣٩ ، الحديث ٢.

(٢) عيون أخبار الرضا عليه‌السلام ٢ : ١٣٦ ، الباب ٣٨ ، الحديث ١.

(٣) انظر قاموس الرجال ٧ : ٣٧٨ برقم ٥٠٥٥.

١٧

فقيل له : يابن رسول الله ، قد زالت الشمس أفلا نصلّي؟ فنزل وطلب الماء فقيل له : ما معنا ماء. فبحث بيده الأرض فنبع من الماء ما توضّأ به هو ومن معه وصلّوا ، وبقي أثره ، وركبوا حتّى وصلوا إلى قرية سناباد.

وكان فيها جبل استند الرضا عليه‌السلام إليه ودعا له فقال : اللهم انفع به وبارك في ما يُنحت منه وفيما يُجعل فيه! ثمّ أمر أن تنُحت له منه قدور وقال : لا يُطبخ ما آكله إلّافيها. وظهرت بركة دعائه فيه واهتدى الناس إليه.

وكان في سناباد دار حُميد بن قحطبة الطائي القائد العباسي ، وفي قبة فيه دُفن هارون الرشيد ، فدخل الرضا عليه‌السلام إلى تلك القبة وأهوى إلى جانب قبر هارون وخطّ بيده الأرض وقال لمن حضره : «هذه تربتي وفيها ادفن! وسيجعل الله هذا المكان مختلف «شيعتي» وأهل محبّتي ، والله ما يزورني منهم زائر ، ولا يسلّم عليَّ منهم مسلّم ، إلّاأوجب الله له غفرانه ورحمته بشفاعتنا «أهل البيت» ...» ثمّ استقبل القبلة فصلّى ركعات ودعا بدعوات ، فلمّا فرغ سجد سجدة سبّح فيها خمسمئة تسبيحة (١).

ثمّ ركبوا إلى مرو.

ولما أشرف على حيطان طوس أبصر جنازة ، قال موسى بن يسار : كنت مع أبي الحسن عليه‌السلام رأيت سيّدي لما بصر بها ثنى رجله عن فرسه (كذا) ثمّ أقبل نحو الجنازة فرفعها وأقبل عليَّ وقال لي : «يا موسى ، من شيّع جنازة وليّ من أوليائنا خرج من ذنوبه كيوم ولدته أُمه لا ذنب عليه»!

فلما وُضعت جنازة الرجل على شفير قبره وضع سيّدي يده على صدر الميت ثمّ قال له : يا فلان بن فلان! أبشر بالجنة فلا خوف عليك بعد هذه الساعة!

__________________

(١) عيون أخبار الرضا عليه‌السلام ٢ : ١٣٦ ـ ١٣٧.

١٨

(فلما انصرفنا) قلت له : جعلت فداك! هل تعرف الرجل؟ فوالله إنها بقعة لم تطأها قبل يومك هذا! قال : «يا موسى بن يسار! أما علمت أنا معاشر الأئمة تُعرض علينا أعمال شيعتنا صباحاً ومساءً ، فما كان في أعمالهم من التقصير سألنا الله تعالى الصفح لصاحبه ، وما كان من العلو سألنا الله الشكر لصاحبه» (١)

عباداته من المدينة إلى مرو :

أسند الصدوق عن رجاء بن أبي الضحاك الخراساني ابن عم الفضل بن سهل قال : لما بعثني المأمون لإشخاص الرضا عليه‌السلام أمرني أن أحفظه بنفسي بالليل والنهار حتّى أقدم به عليه ، فكنت معه من المدينة إلى مرو .. فلمّا وردت به على المأمون سألني عن حاله في طريقه ، فأخبرته بما شاهدته منه في ليله ونهاره وظعنه وإقامته.

قال : كانت قراءته في مفروضاته في الأُولى الحمد وإنا أنزلناه ، وفي الثانية الحمد وقل هو الله أحد ، إلّافي صلاة الفجر والظهر والعصر يوم الجمعة فإنه كان يقرأ فيها بالحمد وسورة الجمعة والمنافقين وفي صلاة العشاء في ليلة الجمعة يقرأ في الأُولى الحمد والجمعة وفي الثانية الحمد وسبّح اسم ربك الأعلى. وفي صلاة الفجر يوم الاثنين والخميس في الأُولى الحمد وهل أتى على الإنسان ، وفي الثانية الحمد وهل أتاك حديث الغاشية.

وكان يجهر بالقراءة في المغرب والعشاء وصلاة الليل والشفع والوتر والفجر ، ويُخفت في الظهر والعصر. وكان قنوته في جميع صلواته : «ربّ اغفر وارحم وتجاوز عما تعلم ، إنك أنت الأعز الأجل الأكرم» وكان في الطريق يصلي

__________________

(١) مناقب آل أبي طالب ٤ : ٣٧٠.

١٩

فرائضه ركعتين ركعتين إلّاالمغرب فإنه كان يصليها ثلاثاً ، ولا يدع نافلتها ؛ ولا يدع صلاة الليل والشفع والوتر وركعتي نافلة الفجر في سفر ولا حضر ، نعم كان لا يصلّي من نوافل النهار في السفر شيئاً ، وكان يقول بعد كل صلاة يقصرها : «سبحان الله والحمد لله ولا إله إلّاالله والله أكبر» ثلاثين مرة ويقول : «هذا تمام الصلاة» وكان يسبّح في الأُخراوين يقول : «سبحان الله والحمد لله ولا إله إلّاالله والله أكبر» ثلاث مرات. وما رأيته صلّى الضحى في سفر ولا حضر ، وكان لا يصوم في السفر شيئاً. وكان إذا أقام في بلدة عشرة أيام أقام صائماً لا يفطر ، فإذا جنّ الليل بدأ بالصلاة قبل الإفطار.

وكان يُكثر بالليل في فراشه من تلاوة القرآن ، فإذا مرّ بآية فيها ذكر جنة أو نار بكى وسأل الله الجنة وتعوّذ به من النار! وكان يجهر ببسم الله الرحمن الرحيم في جميع صلواته بالليل والنهار. وكان إذا قرأ قل هو الله أحد قال سرّاً : الله أحد ، فإذا فرغ منها قال ثلاثاً : كذلك الله ربنا ، وكان إذا قرأ سورة الجحد قال سرّاً : يا أيها الكافرون ، فإذا فرغ منها قال ثلاثاً : ربي الله وديني الإسلام. وكان إذا قرأ (وَالتِّينِ وَالزَّيْتُونِ) قال عند الفراغ منها : بلى وأنا على ذلك من الشاهدين ، وكان إذا قرأ لا اقسم بيوم القيامة قال عند الفراغ منها : سبحانك اللهم بلى ، وكان إذا فرغ من الفاتحة قال : الحمد لله رب العالمين ، وإذا قرأ سبّح اسم ربك الأعلى قال سرّاً : سبحان ربي الأعلى ، وإذا قرأ يا أيها الذين آمنوا قال سراً : لبيك اللهم لبيك.

لا ينزل بلداً إلّاقصده الناس يستفتونه في معالم دينهم ، فيجيبهم ويحدثهم الكثير عن أبيه عن آبائه عن علي عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله.

وكان إذا أصبح صلّى الغداة (الفجر) فإذا سلّم جلس في مصلّاه يسبّح الله ويحمده ويكبّره ويهلّله ويصلّي على النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله حتّى تطلع الشمس ، ثمّ يسجد سجدة يبقى فيها حتّى يتعالى النهار ، ثمّ يقبل على الناس يحدثهم ويعظهم إلى قرب الزوال.

٢٠