تأويلات أهل السنّة - ج ٢

أبي منصور محمّد بن محمّد بن محمود الماتريدي

تأويلات أهل السنّة - ج ٢

المؤلف:

أبي منصور محمّد بن محمّد بن محمود الماتريدي


المحقق: الدكتور مجدي باسلّوم
الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: دار الكتب العلميّة
الطبعة: ١
ISBN الدورة:
2-7451-4716-1

الصفحات: ٥٧٣

وصف ذلك ـ انقطع عنه الطمع ، واضمحل الرجاء.

وبعد ، فإن ثم دارا أخرى سوى الجنة ، فأوجب ذلك نهاية الجنة من حيث العرض.

إذ كان غير الجنة دار أخرى مثلها في ارتفاع نهاية الوقت ، وجائز وجود أمرين مختلفين على اتفاق في الوقت ، ومحال وجودهما في مكان واحد اتفاق بمكان ؛ لذلك لزم نهايتهما ، وإن زالت عنهما نهاية الوقت (١).

وقوله : ـ عزوجل ـ : (أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ) :

والاتقاء : هو من الطاعة في كل أمره ونهيه ، وترك مخالفته في ذلك كله ، ثم سبب التقوى يكون بوجوه ثلاثة : بذكر عظمته وجلاله ورفعته عن مخالفة أمره ونهيه ؛ فيذله (٢) ذلك ويحقره ، فيمنعه عن مخالفته.

أو بذكر نعمته وإحسانه ، فيمنعه ذلك عن ارتكاب ما نهي عنه حياء منهم.

والثالث : بذكر نقمته وعذابه في مخالفة أمره ونهيه ؛ فيتقي بذلك عذاب الله ونقمته.

قال الشيخ ـ رحمه‌الله ـ : وقوله ـ عزوجل ـ : (أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ) ، ثم فسّر الذين يتقون إلى آخر ذلك ، فهو يحتمل وجهين :

أحدهما : أن يكون المراد : من (٣) أعدت له ، [له](٤) من جميع الذي ذكر.

والثاني : أن يريد ب (أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ. الَّذِينَ) اتقوا الشرك بالذي أخبر ـ عزوجل ـ بقوله : (إِنْ يَنْتَهُوا يُغْفَرْ لَهُمْ ما قَدْ سَلَفَ) [الأنفال : ٣٨]. ثم وصفهم بالذي ذكر من الأفعال المحمودة ؛ لا أن ذلك بكليته شرط لأن يعد له الجنة حتى يحرم من لم يبلغ ذلك ، فإن كان على الأول ـ فكأنه وصف النهاية لمن أعدّت الجنة ، وقد يجوز أن يكون لهم أتباع

__________________

(١) قال القرطبي : ونبه تعالى بالعرض على الطول ؛ لأن الغالب أن الطول يكون أكثر من العرض ، والطول إذا ذكر لا يدل على قدر العرض. قال الزهري : إنما وصف عرضها ، فأما طولها فلا يعلمه إلا الله. وهذا كقوله تعالى : (مُتَّكِئِينَ عَلى فُرُشٍ بَطائِنُها مِنْ إِسْتَبْرَقٍ) [الرحمن : ٥٤] ، فوصف البطانة بأحسن ما يعلم من الزينة ؛ إذ معلوم الظواهر تكون أحسن وأتقن من البطائن ، وتقول العرب : بلاد عريضة ، وفلاة عريضة : أي واسعة.

وقال قوم : الكلام جار على مقطع العرب من الاستعارة ، فلما كانت الجنة من الاتساع والانفساح في غاية قصوى حسنت العبارة عنها بعرض السموات والأرض ، كما تقول للرجل : هذا بحر ، ولشخص كبير من الحيوان : هذا جبل. ولم تقصد الآية تحديد العرض ، ولكن أراد بذلك أنها أوسع شيء رأيتموه.

ينظر : تفسير القرطبي (٤ / ١٣٢).

(٢) في ب : فيذلّله.

(٣) في ب : ممن.

(٤) سقط من ب.

٤٨١

في الشركة ، وإن لم يبلغوا تلك الرتبة بفضل الله ، أو بما أعطى من ذكر فيهم من الشفاعة ، أو بما شاركوا أولئك في أصل الاعتقاد بقبول ذلك ، وإن كان منهم تقصير على أنه قد يذكر في [كل](١) أمر من الأمور العظيمة ، والنهاية في ذلك على مشاركة من دونهم لهم في ذلك ، وعلى ذلك ما ذكر من بعث الرسل إلى الفراعنة على دخول من دونه في ذلك ، وعلى مخاطبة أهل الجلال في ذلك ، ودخول من دونهم في الحق ؛ وكذلك ذكر الخطاب في أهل الرفعة والعلو على تضمين من دون ذلك ؛ فكذلك الأول ؛ وكذلك الله ـ سبحانه ـ ذكر في القرآن من الكفرة الذين جمعوا مع الكفر العناد والتمرد ، وذكر أهل الإيمان الذين لهم مع ذلك الخيرات منّا منه ، إن ذكر هؤلاء بأعلى [ما استحقوا من الثناء ، والأول](٢) بأعلى ما به يصير لمقته ، من غير تخصيص في أصل له الوعد والوعيد ، إلا من حيث التشديد والتفضيل ، فمثله الأوّل ؛ أيد ذلك قسمته أهل الجنة قسمين : السابقين ، ـ وأصحاب اليمين ، ثم قال في الذين من ذكر : الذين (خَلَطُوا عَمَلاً صالِحاً وَآخَرَ سَيِّئاً) [التوبة : ١٠٢] ، وقد بين في آخر ذلك ما يدل على ذلك ، وهو من ذكر من الذين يأتون الفواحش والظلم ، ثم (وَلَمْ يُصِرُّوا عَلى ما فَعَلُوا) ، ويكون في ذلك وجهان :

أحدهما : أن الله ـ تعالى ـ بمنّه يوفقه لما يرضيه في آخر أمره ؛ ليختمه به ؛ إذ كان في وقت ارتكابه ما ارتكب ، وتقصيره فيما قصر ـ معتقدا جلال ربّه ، خائفا عظمته ، راجيا رحمته ، متعرضا لما عرفه من الكرم والعفو ، فيكون هو شريك من ذكر في الخاتمة ، وإن كان منه تخلف عنه في الابتداء ، والله أعلم.

أو أن يكون يجزيه عما قصر وفرط ؛ حتى يطهره مما كان من الخلط ؛ فيرجع إلى ما وافق الأول في جملة الاعتقاد ، فتكون معدة لمن جمع ذلك ، والجمع يكون بالذي ذكر ، أو بالعفو والجود ؛ إذ جعل الجزاء طريقه الجود والكرم ، لا الاستحقاق ، والله أعلم.

وإن كان على معنى الثاني ـ فالآية تخرج مخرج الترغيب في جميع تلك الأوصاف ، وتكون الجنة في الإطلاق معدّة للمتقين ، الذين اتقوا الشركة والدرجات وما فيها من الفضائل والمراتب ، على قدر ما يبقى من أنواع الخلاف في الأفعال ، ويتوسل إلى الله ـ تعالى ـ بالمبادرة والمسارعة إلى ما فيه الرغائب ؛ وعلى ذلك أمر الوعد بتفضيل الدّرجات في الجنة ، وتفريق الدركات في النار ، على ما أعدت النار في الجملة للكفرة ، ويتفاوت أهلها بتفاوت الأفعال من الخلاف والتمرد ، والله الموفق.

__________________

(١) سقط من ب.

(٢) ما بين المعقوفين سقط من ب.

٤٨٢

ثم السّبب الذي به يستعان على التقوى ثلاثة :

أحدها : أن يذكر المرء عظمته وجلاله وقدرته عليه في كل أحواله ؛ فيتقى مخالفته بالهيبة والإجلال.

والثاني : أن يذكر عظم (١) منّته عليه ، ونعمه عنده ، وأياديه التي فيها يتقلب ، وبها يتمتع ؛ فيتقيه حياء منه.

والثالث : أن يذكر نفسه عظم (٢) نقمته الموعودة ، وعذابه المعد لأهل الخلاف له ؛ فيتقيه إشفاقا على نفسه ، والله الموفق.

وجملة ذلك : أن من تأمل ما إليه مرجعه ، والذي منه بدؤه وما فيه متقلبه ، من أول أحواله إلى منتهي آجاله ، حتى صيّر ذلك كله كالعيان لقلبه ـ سهل عليه وجه التقوى ؛ لما عند ذلك تذهب شهواته ، وتضمحل أمانيه ، والله الموفق.

قوله تعالى : (الَّذِينَ يُنْفِقُونَ فِي السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ وَالْكاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ (١٣٤) وَالَّذِينَ إِذا فَعَلُوا فاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ وَمَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلاَّ اللهُ وَلَمْ يُصِرُّوا عَلى ما فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ (١٣٥) أُولئِكَ جَزاؤُهُمْ مَغْفِرَةٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَجَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها وَنِعْمَ أَجْرُ الْعامِلِينَ)(١٣٦)

وقوله : ـ عزوجل ـ : (الَّذِينَ يُنْفِقُونَ فِي السَّرَّاءِ).

قيل : السرّاء : الرخاء ، والضراء : الشدة (٣).

وقيل : السراء : السعة ، والضراء : الضيق (٤) ؛ وهو واحد.

وقيل : السراء : ما يسرهم الإنفاق ؛ من نحو الولد وغيره ، يسرّه الإنفاق عليه ، والأجنبي يضره (٥).

وعلى تأويل الأول : أن الإنفاق في حال الرخاء والسعة ـ أيسر وأهون على المرء من الإنفاق في حال الضيق والفقر ، فإذا أنفق في الأحوال استوجب بذلك المدح ، والله أعلم.

والسبب الذي ييسّر عليه الأمر وجهان :

__________________

(١) في ب : عظيم.

(٢) في ب : عظيم.

(٣) قاله سعيد بن جبير أخرجه عنه ابن أبي حاتم (٢ / ٥٤٨) (١٤٣١ ، ١٤٣٤).

(٤) قاله ابن عباس ولفظه «في العسر واليسر» ، أخرجه عنه الطبري (٧ / ٢١٤) (٧٨٣٨) ، وابن أبي حاتم (٢ / ٥٤٧) (١٤٣٠).

(٥) ذكره الفخر الرازي في تفسيره (٩ / ٧).

٤٨٣

أحدهما : علمه بأن الذي في يديه (١) في الحقيقة في يد الله ؛ فهو يصرف ذلك حيث يصرفه ، لم يخرجه من يد من يده فى يده ، كأنه يعد في يده.

والثاني : بعلمه بجود (٢) ربه وقدرته ، حيث يكون ذلك فيما به قضاء حاجته ، والوصول إلى منفعته مع ما يعلم بالجود (٣) ، وكثرة الانتفاع بما لا ملك للمنتفع به ، وحرمان ذي الملك ذلك فيه.

قال الشيخ ـ رحمه‌الله ـ في قوله : (الَّذِينَ يُنْفِقُونَ فِي السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ) : يحتمل فيما يسرّهم ويضرّهم ، أو في حال يسر وعسر ، أو حال بلاء ونعمة.

ثم السبب الذي يسهل سبيل الإنفاق في تلك الأحوال ـ وإن كان بالذي ذكر في تسهيل التقوى ـ هذا وجوه ثلاثة :

أحدها : أن ترى مالك لمن له يد امتحنك بحق ذلك وحفظه ، وأنك إذا بذلته ارتفعت عنك مئونة الحفظ ، ومراعاة الحق على ما لم يكن ذاك عنك نفعه الذي كان له وقت كونه في يدك ؛ إذ هو بعد البذل في يد من يدك قبله في يده ، فكأنه لم يخرج من يدك بحيث النفع ، وإنما سقطت عنك ما ذكرت من المئونة ؛ إذ معلوم وجودها لك في الظاهر ؛ لا منتفع به ، ومن لا ملك له في الشيء منتفع به ، على العلم باستواء الأمر على من له بذلت ، والله أعلم.

والثاني : أن تشعر قلبك جوده بمن آثره على ما عنده ، وقدرته على إعطائه إياه من خزائنه التي لا تنفد ، ولا يتعذر عليه ، فتيقن بذلك ، وتعلم أنه لك على الإيصال إليه ؛ فيما لم يكن أوصله ، وعلى ذلك فيما أعطاه في القدرة واحد ؛ فيهون عليه ذلك ؛ والله أعلم.

والثالث : أن تعلم أنّ الذي عليه جبل وإليه دفع ؛ ليس للوقت الذي فيه ؛ ولكن ليتزود لمعاده ، ويكتسب به الحياة الدائمة ، والمنفعة التي لا تنفد ، فيصير كبائع الشيء بأضعاف ثمنه ، أو كباذل ما فيه فكاك رقبته ، أو كمقدم ما يمتهن إلى مكان مهنته ، أو كمن يعدّ الشيء في مسكنه لوقت حاجته ، فإن مثله آثر الشيء على الطبيعة ، وألذ شيء في العقل. ولا قوة إلا بالله.

ثم الأصل في قوله : (أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ) أي : من لم يبلغ بما يرتكب من المعاصي ـ الكفر ، لم يمتنع من احتمال التسمية المتقين على إرادة خصوص التقوى ؛ وهو ممتنع

__________________

(١) في ب : يده.

(٢) في ب : بوجود.

(٣) في ب : بالوجود.

٤٨٤

عن (١) احتمال التسمية بالكفر على صرف الآية في إعداد النار إلى خصوص (٢) أو عموم (٣) ، فثبت به خروج صاحب الكبائر عن (٤) أهل الاسم الذي أعدّت له النار ، ولم يثبت خروجه عن أهل الاسم الذي له أعدت الجنة ، [فالقول فيه ، وإنما ذلك في الجنة فاسد بأوجه :

أحدها : مع الإشكال فيما يحرم الجنة](٥) والإحاطة بأنّ النار لم يذكر أنها أعدت له أدخل فيها ، فيكون في ذلك إسقاط [شهادة تثبت بيقين بالشك ، وإيجاب شهادة لم تجب بالخيال.

والثاني : أن يكون في ذلك إسقاط](٦) اسم العفو والرحمة ؛ إذ لو لم يجعل لمثله ـ لبطل أن يكون له موضع لما في غيره استحقاق ، والله أعلم.

والثالث : ما فيه إسقاط الموازنة والمقابلة مع مجىء الآيات بالكتب التي تقرأ الموازين التي توزن ؛ مع ما في ذلك مخالفته التوهم بالكريم الذي أمرنا أن نسمّيه بها ؛ مع ما قد جاء من التجاوز عن السيئات والتقبل للحسنات من واحد ، وفي ذلك قلب ذلك ، والله أعلم.

وقوله ـ عزوجل ـ : (وَالْكاظِمِينَ الْغَيْظَ).

روى عن رسول (٧) الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال : «من كظم غيظا ـ وهو يقدر على إنفاذه ـ ملأه الله أمنا وإيمانا» (٨).

والغيظ متردد بين الحزن والغضب ، والحزن على من فوقه ، والغضب على من دونه ، والغيظ بين ذلك ، مدحهم ـ عزوجل ـ بترديد حزنهم وغيظهم في أجوافهم.

__________________

(١) في ب : على.

(٢) الخصوص : كون اللفظ متبادلا لبعض ما يصلح له لا لجميعه. ويقال : خصوص في كون اللفظ متناولا للواحد المعين الذي لا يصلح إلا له.

راجع : البحر المحيط للزركشي (٣ / ٢٤٠) ، التمهيد للإسنوي (ص ٣٦٨) ، نهاية السول (٢ / ٣٧٤) ، المستصفى (٢ / ٣٢).

(٣) العموم ـ لغة ـ : جمع عام : وهو في اللغة شمول أمر لمتعدد ، سواء كان الأمر لفظا أو غيره.

واصطلاحا : اللفظ المستغرق لجميع ما يصلح له من غير حصر. راجع : البحر المحيط للزركشي (٣ / ٥) ، نهاية السول (٢ / ٣١٢) ، غاية الوصول للشيخ زكريا ص (٦٩).

(٤) في ب : على.

(٥) ما بين المعقوفين سقط من ب.

(٦) ما بين المعقوفين سقط من ب.

(٧) في ب : نبي.

(٨) أخرجه الطبري (٧٨٤٢) من طريق عبد الرزاق قال أخبرنا داود بن قيس عن زيد بن أسلم عن رجل من أهل الشام يقال له عبد الجليل عن عمّ له عن أبي هريرة عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم به. وهذا إسناد ضعيف.

لجهالة اثنين من رواته. وذكره السيوطي في الدر (٢ / ١٣٠) وزاد نسبته إلى عبد الرزاق وابن المنذر.

٤٨٥

وقوله ـ عزوجل ـ (وَالْعافِينَ عَنِ النَّاسِ).

أي : عمّن ظلم.

وروي عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم [أنه](١) قال : «ما عفا رجل عمّن ظلمه إلّا زاده الله بها عزّا» (٢) ومن عفا عن الناس عن مظلمة ـ فقد أحسن بذلك ؛ كما يقال : فلان يحسن بكذا ؛ ولا يحسن.

وقوله ـ عزوجل ـ : (وَاللهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ).

والإحسان يحتمل وجهين :

يحتمل : العلم والمعرفة (٣) :

ويحتمل : أن يفعل فعلا ليس عليه من نحو المعروف والأيادى الذي ليس عليه ، إنما فعله الإفضال ، ذكر ـ هاهنا ـ المحسنين وحبّه ، وأخبر في الآية الأولى أنّ الجنة أعدت للمتقين بقوله ـ عزوجل ـ : (وَسارِعُوا إِلى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّماواتُ وَالْأَرْضُ) ثم قال : (أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ) ، وأخبر أنّ النار أعدت للكافرين.

ثم اختلفوا فيه : قال بعضهم : من لم يكن من المتقين لم تعدّ الجنة له ، فهو ممّن أعدّت له النار ، وهو قول الخوارج والبغاة (٤).

وقال آخرون : إنه أخبر أن النّار أعدت للكافرين ، فهو إذا لم يكن كافرا ـ ليس ممّن أعدّت له النّار ، فهو ممّن أعدّت له الجنة.

وقال غيرهم : أخبر أن النار أعدّت للكافرين وأخبر أنّ الجنة أعدّت للمتقين ، فوصف المتقين : فهم الذين اتقوا معاصيه ، وتركوا مخالفة أمره ونهيه ، فإذا كان قوم لهم مساوئ ـ

__________________

(١) سقط من ب.

(٢) أخرجه أحمد (٢ / ٢٣٥ ، ٣٨٦ ، ٤٣٨) ، ومسلم (٤ / ٢٠٠١) : كتاب البرّ والصلة والآداب ، (٦٩ ـ ٢٥٨٨) ، والترمذي (٣ / ٥٥٢) : أبواب البرّ والصلة (٢٠٢٩) ، وابن خزيمة (٢٤٣٨) ، وأبو يعلى (٦٤٥٨) ، وابن حبان (٣٢٤٨) ، والبيهقي (٤ / ١٨٧) ، (٨ / ١٦٢) ، (١٠ / ٢٣٥) من طريق العلاء ابن عبد الرحمن عن أبيه عن أبي هريرة عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «ما نقصت صدقة من مال وما زاد الله عبدا بعفو إلا عزّا ، وما تواضع أحد لله إلا رفعه الله».

(٣) العلم والمعرفة معناهما واحد عند المصنف وأتباعه ، فالعلم عند عامة أهل السنة والجماعة إدراك المعلوم على ما هو به ، وبعضهم عرفه بقوله : معرفة المعلوم على ما هو به. ينظر : أصول الدين للبزدوي (ص ١٠).

(٤) البغاة : يقال في اللغة : بغى على الناس بغيا ، أي : ظلم واعتدى فهو باغ ، والجمع : بغاة ، وبغى : سعى بالفساد ، والبغاة : هم الخارجون من المسلمين عن طاعة الإمام الحق بتأويل ، ولهم شوكة.

راجع : اللسان (١ / ٣٢٣) (بغى) ، المصباح المنير (بغى) ، حاشية ابن عابدين (٣ / ٣٠٨) ، مواهب الجليل (٦ / ٢٧٨) ، كشاف القناع (٦ / ١٥٨).

٤٨٦

لم يدخلوا في إطلاق قوله ـ عزوجل ـ : (أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ) ولا دخلوا في قوله : (أُعِدَّتْ لِلْكافِرِينَ) فيكون لهم موضعا بالنار.

وأما عندنا : فإنه يرجى دخول من ارتكب المساوئ من المؤمنين في قوله ـ عزوجل ـ : (وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّماواتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ) ، بقوله ـ عزوجل ـ : (اعْتَرَفُوا بِذُنُوبِهِمْ خَلَطُوا عَمَلاً صالِحاً وَآخَرَ سَيِّئاً عَسَى اللهُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ) [التوبة : ١٠٢] ذكر خلط عمل الصالح مع السيئ ، ثم وعد لهم التوبة بقوله ـ عزوجل ـ : (عَسَى اللهُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ) والعسى من الله واجب.

والثاني : قوله ـ عزوجل ـ : (أُولئِكَ الَّذِينَ نَتَقَبَّلُ عَنْهُمْ أَحْسَنَ ما عَمِلُوا وَنَتَجاوَزُ عَنْ سَيِّئاتِهِمْ) [الأحقاف : ١٦] فإذا تجاوز لم يبق لهم مساوئ ؛ فصاروا من أهل هذه الآية : (أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ).

وقوله ـ أيضا ـ : (وَالَّذِينَ إِذا فَعَلُوا فاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ) قالوا : (وَمَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا اللهُ وَلَمْ يُصِرُّوا عَلى ما فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ).

أخبر أنهم (إِذا فَعَلُوا فاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ) : وقد ذكرنا فيما تقدم أنهم لأي معنى ظلموا أنفسهم ، حيث لم يسلموا أنفسهم لله خالصين ، والظلم : هو وضع الشيء في غير موضعه ، فإذا لم يسلموا له ـ وضعوا أنفسهم في غير موضعها ، لذلك صاروا ظلمة أنفسهم.

(ذَكَرُوا اللهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ) أي : طلبوا لذنوبهم مغفرة ، وأقرّوا أنه لا يغفر الذنوب إلا الله.

(وَلَمْ يُصِرُّوا) على ذنوبهم ، والإصرار : هو الدوام عليه ، ثم أخبر أن جزاء هؤلاء المغفرة من ربهم ؛ (وَجَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها ...) ، إلى آخر ما ذكر.

دلّت هذه الآيات على تأييد قولنا : إن أهل المساوئ والفواحش إذا تابوا صاروا ممن أعدّت لهم الجنة ، وإن لم يكونوا من المتقين من قبل ، فمثله إذا تجاوز الله عن سيئاتهم ؛ وعفا عنهم بما هو عفو غفور ، والله أعلم.

قال الشيخ ـ رحمه‌الله ـ في قوله ـ عزوجل ـ : (وَالَّذِينَ إِذا فَعَلُوا فاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ..). الآية :

يحتمل أن يكون الظلم غير الفاحشة.

ويحتمل أن يكون واحدا (١) في المراد ؛ إذ قد يكون في المعنى أن كل عاص ظالم

__________________

(١) في ب : واحدا واحدا.

٤٨٧

لنفسه ، بمعنى ضرّها ؛ ونحس (١) لحظّها ؛ إذا فعل ما ليس له الفعل ووضع اختياره في غير موضعه ، وهما معنيا الظلم ، وكذلك من تعدى حدّ الله أو آثر ما يزجره العقل والشرع ـ فقد فحش فعله ، وذلك معنى الظلم الذي وصفت ؛ إذ فعل ما ليس له ، واختياره غير الذي له ـ هو الذي يزجره العقل والشرع ، والله أعلم.

ويحتمل وجها آخر غير هذين : وهو أن الظلم يجمع كل وجوه الخلاف ؛ عظم أو صغر ، ولذلك قد نسب ذلك إلى زلات الأخيار ، نحو ما قيل لآدم ـ عليه‌السلام ـ في أكل الشجرة : (فَتَكُونا مِنَ الظَّالِمِينَ) [البقرة : ٣٥] ، وقيل في الشرك : (إِنَّ اللهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ) [المائدة : ٥١].

والفواحش : ما [ظهر وتبين](٢) قبحه ؛ لا ما قلّ أو كثر في الذنوب ، وعلى ذلك النقصان ظلما بقوله ـ عزوجل ـ : (وَلَمْ تَظْلِمْ مِنْهُ شَيْئاً) [الكهف : ٣٣] ، وقد يوصف العيب والنقصان بالفحش ؛ لكنه إذا كثر وظهر فمثله في الزلات ، ويكون كالطيب في المحلّلات من المباح ونحوه في الدرجة ، والله أعلم.

ثم ليس بنا حاجة إلى معرفة المقصود بالذكر في الآية ؛ لما فيها الرجوع عن ذلك ، وطلب المغفرة ، وكل أنواع المآثم بالتوبة تغفر بما وعد الله في الشرك ، والزنا ، والقتل ؛ فما دونه ـ بقوله : (يُضاعَفْ لَهُ الْعَذابُ يَوْمَ الْقِيامَةِ ..). [الفرقان : ٦٩] إلى تمام (٣) الآية ، والله أعلم.

وقوله : (إِذا فَعَلُوا فاحِشَةً).

يحتمل الفاحشة : ما فحش في العقل وقبح.

وقال آخرون : كل محرم منهيّ فهو فاحشة.

والأول كأنه أقرب ؛ لأن الشيء ما لم يبلغ في الفحش والقبح غايته ؛ فإنه لا يقال : فاحشة ، وإذا بلغ الغاية ـ فحينئذ كالطيب ، أنه إنما يقال ذلك إذا بلغ غايته في الحل واللّذة ، فأما أن يقال لكل حل في الإطلاق طيبا ـ فلا ، فعلى ذلك : الفواحش ؛ لا يقال لكل محظور محرم ، إنما يقال ما بلغ في القبح والفحش غايته ، فأما أن يقال ذلك لكل محرم منهي ـ فلا ، وبالله التوفيق (٤).

__________________

(١) النحس : الجهد والضّرّ ، والنحس : خلاف السعد من النجوم وغيرها. ينظر : اللسان (٦ / ٤٣٦٦) (نحس).

(٢) بدل ما بين المعقوفين في ب : يظهر ويتبين.

(٣) في ب : آخر.

(٤) قال القرطبي : والفاحشة تطلق على كل معصية ، وقد كثر اختصاصها بالزنا حتى فسر جابر بن عبد الله والسديّ هذه الآية بالزنا.

ينظر : تفسير القرطبي (٤ / ١٣٥).

٤٨٨

والطيب : ما استطابه الطبع ؛ فإذا بلغ طيبه غايته في الطبع ؛ فهو طيب ، والله أعلم.

وقوله ـ عزوجل ـ : (وَهُمْ يَعْلَمُونَ) أنها معصية فلا يقيمون عليها ، ولكن يتوبون ، فمن تاب من ذنبه فجزاؤه ما ذكر (١).

قوله تعالى : (قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِكُمْ سُنَنٌ فَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانْظُروا كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ (١٣٧) هذا بَيانٌ لِلنَّاسِ وَهُدىً وَمَوْعِظَةٌ لِلْمُتَّقِينَ (١٣٨) وَلا تَهِنُوا وَلا تَحْزَنُوا وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ)(١٣٩)

وقوله ـ عزوجل ـ : (قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِكُمْ سُنَنٌ).

يحتمل أحكاما ، والأحكام تكون على وجهين : حكم يجب لهم ، وهو الثواب عند الطاعة ، واتباع الحق ، وعذاب يحل بهم عند الخلاف والمعصية.

ويحتمل «السنن» : الأحكام المشروعة.

(فَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ) حتى تروا آثار من كذب الرسل وما حلّ بهم من العذاب ؛ بالتكذيب.

أو (فَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ) : أي سلوا من يعلم ما الذي حل بهم حتى يخبروكم (٢) ما مضى من الهلاك في الأمم الخالية ، فهذا تنبيه من الله ـ عزوجل ـ إياهم أنكم إن كذبتم الرسول ـ فيحل بكم ما قد حلّ بمن قد كان قبلكم ، وإن أطعتم الرسول صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ فلكم من الثواب ما لهم ، فاعتبروا به كيف كان جزاؤهم بالتكذيب.

وما في القرآن مثل هذا فمعناه : لو سألت لأخبروك.

وقيل : (فَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ) : أي : تفكروا في القرآن يخبركم عن الأمم الماضية ؛ فكأنكم سرتم في الأرض ، وما في القرآن مثل هذا ـ فمعناه : لو سألت لأخبروك ؛ فإن فيه خبر من كان قبلكم من الأمم ، وما لهم من الثواب بالتصديق والطاعة ، وما عليهم من العقاب بالتكذيب ، والله أعلم.

__________________

(١) قال القرطبي : الذنوب التي يتاب منها إما كفر أو غيره ، فتوبة الكافر : إيمانه مع ندمه على ما سلف من كفره ، وليس مجرد الإيمان نفسه توبة. وغير الكفر : إما حق لله ـ تعالى ـ وإما حق لغيره : فحق الله ـ تعالى ـ يكفي في التوبة منه الترك غير أن منها ما لم يكتف الشرع فيها بمجرد الترك ، بل أضاف إلى ذلك في بعضها قضاء : كالصلاة والصوم ، ومنها ما أضاف إليها كالحنث في الأيمان والظهار وغير ذلك. وأما حقوق الآدميين فلا بد من إيصالها إلى مستحقيها ، فإن لم يوجدوا تصدق عنهم ، ومن لم يجد السبيل لخروج ما عليه لإعسار فعفو الله مأمول ، وفضله مبذول ؛ فكم ضمن من التبعات وبدل من السيئات بالحسنات!

ينظر : تفسير القرطبي (٤ / ١٣٧).

(٢) في ب : يخرجوكم.

٤٨٩

وفي قوله ـ عزوجل ـ : (قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِكُمْ سُنَنٌ) يحتمل في المكذبين بالرسل والمصدقين ، (فَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ) يحتمل : لو سرتم فيها لرأيتم آثارهم ، ولعرفتم بذلك ما إليه ترجع عواقب الفريقين.

ويحتمل : الأمر بالتأمّل في آثارهم ، والنظر في الأنباء عنهم ؛ ليكون لهم به العبر ، وعما هم عليه مزدجر (١).

ويحتمل «السنن» : الموضوع من الأحكام ، وبما به امتحن من قبلهم ؛ ليعلموا أن الذي بلوا به ليس ببديع ؛ بل على ذلك أمر من تقدمهم ؛ كقوله : (قُلْ ما كُنْتُ بِدْعاً مِنَ الرُّسُلِ) [الأحقاف : ٩] ، وكقوله ـ عزوجل ـ : (وَما مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ) [آل عمران : ١٤٤] ، والله أعلم.

وقوله : (هذا بَيانٌ لِلنَّاسِ).

يحتمل قوله : (هذا بَيانٌ) يعني : القرآن ؛ هو بيان للناس ، وهدى من الضلالة. (وَمَوْعِظَةٌ لِلْمُتَّقِينَ) أي : يتعظ به المتقون.

ويحتمل (بَيانٌ لِلنَّاسِ) : ما ذكر من السنن التي في الأمم الخالية.

دل قوله ـ عزوجل ـ : (وَتِلْكَ الْأَيَّامُ نُداوِلُها بَيْنَ النَّاسِ) [آل عمران : ١٤٠] أن لله في صرف الدولة (٢) إلى أهل الشرك فعل وتدبير ؛ إذ أضاف ذلك إليه ما به الدولة ، ثم ذلك معصية وقهر وتذليل ، فثبت جواز كون ما هو فعل معصية إلى الله من طريق التخليق والتقدير ، والله أعلم ؛ إذ ذلك لهم بما هم عصاة به ـ عزوجل ـ والله أعلم.

وقوله : (وَلا تَهِنُوا) :

ولا تضعفوا في محاربة العدو ، ولا تحزنوا بما يصيبكم من الجراحات والقروح ؛ كقوله ـ تعالى ـ : (إِنْ يَمْسَسْكُمْ قَرْحٌ فَقَدْ مَسَّ الْقَوْمَ قَرْحٌ مِثْلُهُ) [آل عمران : ١٤٠] ويحتمل قوله ـ عزوجل ـ : (وَلا تَهِنُوا) : في الحرب وأنتم تعملون (٣) لله ؛ إذ هم لا

__________________

(١) ليس المراد بقوله : (فَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانْظُروا) الأمر بذلك لا محالة ، بل المقصود تعرف أحوالهم ، فإن حصلت هذه المعرفة بغير المسير في الأرض كان المقصود حاصلا. ولا يمتنع أن يقال أيضا : إن لمشاهد آثار المتقدمين أثرا أقوى من أثر السماع ؛ كما قال الشاعر :

إن آثارنا تدل علينا

فانظروا بعدنا إلى الآثار

قاله الفخر الرازي. ينظر : مفاتيح الغيب (٧ / ١١).

(٢) الدّولة : انقلاب الزمان ، والعقبة في المال. ويضمّ ، أو الضم فيه ، والفتح في الحرب ، أو هما سواء ، أو الضم في الآخرة ، والفتح في الدنيا. راجع : القاموس المحيط (ص : ٩٠٠) (دول).

(٣) في ب : تعلمون.

٤٩٠

يضعفون فيها ، وهم يعملون للشيطان.

وقوله ـ عزوجل ـ : (وَلا تَحْزَنُوا) على ما فاتكم من إخوانكم الذين قتلوا.

ويحتمل : ما أصابكم من القروح ؛ أي : تلك القروح والجراحات لا تمنعكم عن قتال العدو ؛ ولكم الآخرة والشهادة.

وقوله ـ عزوجل ـ : (وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ).

قيل فيه بوجوه :

قيل : (وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ) في الآخرة.

وقيل : (الْأَعْلَوْنَ) المحقون بالحجج.

وقيل : (وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ) في النصر ؛ أي : ترجع عاقبة الأمر إليكم.

ويحتمل أن النصر لكم إن لم تضعفوا في الحرب ، ولم تعصوا الله ـ عزوجل ـ ورسوله صلى‌الله‌عليه‌وسلم.

ويحتمل : (وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ) :

لكم الشهادة إذا قتلتم ؛ وأحياء عند الله ، وهم أموات (١).

وقوله ـ عزوجل ـ : [(إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ)](٢).

ليس على الشرط ؛ ولكن على الخبر ؛ كقوله ـ عزوجل ـ : (وَلا يَحِلُّ لَهُنَّ أَنْ يَكْتُمْنَ ما خَلَقَ اللهُ فِي أَرْحامِهِنَّ إِنْ كُنَّ يُؤْمِنَّ بِاللهِ) [البقرة : ٢٢٨] أي : إذ كن يؤمن [بالله](٣) ، وإن كنتم مؤمنين بالوعد والخبر.

قوله تعالى : (إِنْ يَمْسَسْكُمْ قَرْحٌ فَقَدْ مَسَّ الْقَوْمَ قَرْحٌ مِثْلُهُ وَتِلْكَ الْأَيَّامُ نُداوِلُها بَيْنَ النَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَيَتَّخِذَ مِنْكُمْ شُهَداءَ وَاللهُ لا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ (١٤٠) وَلِيُمَحِّصَ اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَيَمْحَقَ الْكافِرِينَ (١٤١) أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَعْلَمِ اللهُ الَّذِينَ جاهَدُوا مِنْكُمْ وَيَعْلَمَ الصَّابِرِينَ) (١٤٢)

وقوله : (إِنْ يَمْسَسْكُمْ قَرْحٌ فَقَدْ مَسَّ الْقَوْمَ قَرْحٌ مِثْلُهُ).

اختلف فيه : قيل : (إِنْ يَمْسَسْكُمْ قَرْحٌ) في آخر الأمر (٤) ؛ يعني في أحد ؛ فقد مسّ المشركين قرح مثله يوم بدر ، يذكر هذا ـ والله أعلم ـ على التسكين ؛ ليعلموا أنهم لم يخصوا بذلك.

__________________

(١) ينظر : تفسير الرازي (٧ / ١٢).

(٢) بدل ما بين المعقوفين في ب : «إن كنتم» : إذ كنتم مؤمنين.

(٣) سقط من ب.

(٤) في ب : الآية.

٤٩١

وقوله ـ عزوجل ـ : (وَتِلْكَ الْأَيَّامُ نُداوِلُها بَيْنَ النَّاسِ).

تحتمل الآية وجوها : يوما للمؤمنين ويوما عليهم ، وذلك أن الأمر بمجاهدة العدو والقتال معهم محنة من الله ـ تعالى ـ إياهم يمتحنهم ويبتليهم ؛ مرة بالظفر لهم والنصر على عدوهم ، ومرة بالظفر (١) [للعدوّ عليهم ؛ كقوله ـ عزوجل ـ : (وَنَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً) [الأنبياء : ٣٥] ، وكقوله : (وَبَلَوْناهُمْ بِالْحَسَناتِ وَالسَّيِّئاتِ) [الأعراف : ١٦٨] يمتحن عباده](٢) بجميع أنواع المحن ، بالخير مرة ، وبالشر ثانيا.

ويحتمل المداولة ـ أيضا وجها آخر : وهو أن الظفر والنصر لو كان أبدا للمؤمنين ـ لكان الكفار إذا أسلموا لم يسلموا إسلام اختيار ؛ ولكن إنما آمنوا إيمان قهر وكره وجبر ؛ لما يخافون على أنفسهم من الهلاك إذا رأوا الدولة والظفر للمؤمنين ، وإن كان الظفر والنصر أبدا للكفار ؛ فلعلهم يظنون أنهم المحقون فيمنعهم ذلك عن الإسلام.

ويحتمل أن ما يصيب ، [بمعصية](٣) ، المؤمنين إنما يصيب بمعصية سبقت منهم ، أو خلاف كان منهم ؛ من ترك أمر أو ارتكاب نهي ، والله أعلم.

فإن طعن طاعن من الملاحدة في قوله ـ عزوجل ـ : (إِنْ تَنْصُرُوا اللهَ يَنْصُرْكُمْ) [محمد : ٧] ، وقوله ـ عزوجل ـ : (إِنْ يَنْصُرْكُمُ اللهُ فَلا غالِبَ لَكُمْ) [آل عمران : ١٦٠] أليس وعد أنكم إن نصرتم دينه ينصركم ، وأخبر ـ أيضا ـ أنه إن نصركم فلا غالب لكم ، فإذا نصرتم دينه فلم ينصركم ؛ أليس يكون خلفا في الوعد؟ أو إن نصركم فغلبتم يكون كذبا في الخبر.

قيل : لهذا جواب من أوجه :

قيل : يحتمل قوله ـ عزوجل ـ : إن تنصروا دين الله في الدنيا ينصركم في الآخرة بالحجج ؛ كقوله : (إِنَّا لَنَنْصُرُ رُسُلَنا وَالَّذِينَ آمَنُوا ..). الآية [غافر : ٥١] ، وكقوله ـ عزوجل ـ : (وَلَنْ يَجْعَلَ اللهُ لِلْكافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلاً) [النساء : ١٤١].

وقيل : إن تنصروا دين الله ولم تعصوا الله فيه ـ ينصركم ؛ فلا غالب لكم.

وقيل : يحتمل : إن تنصروا دين الله جملة ـ ينصركم ؛ كقوله ـ عليه‌السلام ـ : «لن يغلب اثنا عشر ألفا من قلّة ، كلمتهم واحدة» (٤) وكقوله ـ عزوجل ـ : (وَآتاكُمْ مِنْ كُلِ

__________________

(١) في ب : بالظفر بالنصر.

(٢) ما بين المعقوفين سقط من ب.

(٣) سقط من ب.

(٤) أخرجه أحمد (١ / ٢٩٤ ، ٢٩٩) ، وعبد بن حميد (٦٥٢) ، وأبو داود (٢٦١١) ، والترمذي (١٥٥٥) ، وابن خزيمة (٢٥٣٨) ، وأبو يعلى (٢٥٨٧) ، والطحاوي في شرح مشكل الآثار (٥٧٢) ، ـ

٤٩٢

ما سَأَلْتُمُوهُ) [إبراهيم : ٣٤].

وقيل : إن تنصروا دين الله ينصركم ؛ أي : يجعل الظفر ؛ والنصر في العاقبة لكم ، وكذلك : وإن كان في ابتداء الأمر الغلبة على المؤمنين ؛ فإن العاقبة لهم في الحروب كلّها ، ومقدار ما كان عليهم إنما كان لأمر سبق منهم : إمّا إعجابا بالكثرة ؛ كقوله ـ تعالى ـ : (إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ فَلَمْ تُغْنِ عَنْكُمْ شَيْئاً) [التوبة : ٢٥] ، وإمّا خلافا لرسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم.

وفي قوله ـ عزوجل ـ : (وَتِلْكَ الْأَيَّامُ نُداوِلُها بَيْنَ النَّاسِ) دلالة أن كان من الله معنى لديه تكون الغلبة لهم ؛ بقوله ـ عزوجل ـ : (إِنْ يَنْصُرْكُمُ اللهُ فَلا غالِبَ لَكُمْ) ولكان هو يجعل أبدا الدولة لأحد الفريقين ، وقد أخبر أنه يجعل لهما ، ومعلوم إن كانت الدولة بالغلبة ، فثبت أن من الله في صنع العباد ـ صنع له أضيف [إليه صنيعهم](١) ، والله أعلم.

ثم معلوم أن الغلبة لو كانت للمسلمين ـ كان ذلك ألزم للحجّة ، وأظهر للدعوة ، وأدعى [إلى الإجابة](٢) ، وفيها كل صلاح ، فثبت أن ليس في المحنة شرط إعطاء الأصلح ، والله أعلم.

وفي قوله ـ عزوجل ـ : (وَتِلْكَ الْأَيَّامُ نُداوِلُها بَيْنَ النَّاسِ) ردّ قول الأصلح ؛ حيث قالوا : إن الله لا يفعل إلا الأصلح في الدين ، يقال لهم : أي صلاح للمؤمنين في مداولة الكافرين على المؤمنين؟!.

وقوله ـ عزوجل ـ : (وَلِيَعْلَمَ اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا) :

أي : ليعلم ما قد علم بالغيب أنه يؤمن بالامتحان مؤمنا شاهدا ، وليعلم ما قد علم أنه يكون كائنا.

وجائز أن يراد بالعلم : المعلوم ؛ كقوله : الصلاة أمر الله ، أي : بأمر الله.

وفي قوله ـ عزوجل ـ : (وَلِيَعْلَمَ اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا ..). الآية ، تخرج على أوجه :

__________________

 ـ وابن حبان (٤٧١٧) ، والحاكم (١ / ٤٤٣) (٢ / ١٠١) ، والبيهقي (٩ / ١٥٦) من طريق الزهري عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة عن ابن عباس مرفوعا : «خير الصحابة أربعة ، وخير السرايا أربعمائة ، وخير الجيوش أربعة ألاف ، ولا يغلب اثنا عشر ألفا من قلة».

وأخرجه عبد الرزاق (٩٦٩٩) ، وسعيد بن منصور (٢٣٨٧) وأبو داود (٣١٣ ، ٣١٤) ، والطحاوي شرح المشكل (١ / ٢٣٩) من طريق الزهري قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ... فذكره كذا منقطعا.

وقال أبو داود : والصحيح أنه مرسل.

(١) بدل ما بين المعقوفين في ب : إليهم صنعهم.

(٢) بدل ما بين المعقوفين في ب : للإجابة.

٤٩٣

أحدها : أن ما وصفت الله به إذا ذكرت معه الخلق ـ تذكر وقت كون الخلق ؛ لئلا يتوهم قدمه ، وإذا وصفت الله ـ تعالى ـ بلا ذكر الخلق وصفته به في الأزل ؛ نحو أن تقول : عالم ، قادر ، سميع ـ في الأزل ، فإذا ذكرت المسموع والمقدور عليه والمعلوم ـ ذكرت وقت كونه ؛ لتزيل توهم القدم على الآخر ؛ وعلى هذا عندنا القول ب «خالق» «رازق» ونحو ذلك ، والله أعلم.

والثاني : على تسمية معلومة علما في مجاز اللغة ؛ وذلك كما سمّى عذاب الله في القرآن أمره ، وسمى الناس الصلاة ـ وغيرها من العبادات ـ أمره ، على معنى أنها تفعل بأمره ؛ وكذلك ما سميت الجنة رحمته ، على أن كان فيها (١) ؛ فيكون : (وَلِيَعْلَمَ اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا) : أي : ليكون الذين آمنوا على ما علمه يكون ، والله أعلم.

والثالث : (وَلِيَعْلَمَ اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا) في الغيب شهودا ؛ إذ هو عالم الغيب والشهادة ، وتحقيق ذلك لا يكون بحادث العلم ، وذلك نحو من يعلم الغد يكون ؛ يعلمه بعد الغد ، وإن لم يكن له حدوث العلم قد كان ؛ وعلى هذا قيل : ليعلمه كائنا لوقت كونه ما قد علمه يكون قبل كونه ، والله أعلم.

وقال بعض أهل التأويل : ليكون الذي علمه يكون بالمحنة ظاهرا موجودا ، وهو يرجع إلى ما بيّنا.

وقال بعضهم : ليراه ، وهذا من صاحبه ظن أن الكلام في الرؤية لعله أيسر ، وعن التشبيه أبعد ، وعند من يعرف الله حق المعرفة : هما واحد (٢)

والأصل في هذا ونحوه في الإضافات إلى الله : أنها كانت بالأحرف المجعولة المتعارف في الخلق ، ثم هي تؤدي عن كل ما يضاف إليه ، ويشار إليه ما كان عرف من حال ذلك قبل الإضافة ، لا أن يقدر عند الإضافة معنى لا نعرفه به لو لا ذلك ، على ما عرف من الاشتراك في اللفظ (٣) والاختلاف في المعنى ؛ فعلى ذلك أمر الإضافة إلى الله ـ تعالى ـ ويوضح ذلك ما لم يفهم أحد من قوله ـ عزوجل ـ : (وَتِلْكَ حُدُودُ اللهِ) [البقرة : ٢٣٠] ما فهم من إضافة الحدود إلى غيره ؛ وكذلك بيوت الله ، وعباد الله ، وروح

__________________

(١) في ب : بها.

(٢) انظر : بعض هذه الأقوال في اللباب لابن عادل (٥ / ٥٥٩).

(٣) الاشتراك في اللفظ ، أو المشترك : هو اللفظ الواحد المتناول لعدة معان ، من حيث هي كذلك ، بطريق الحقيقة.

راجع : البحر المحيط للزركشي (٢ / ١٢٢) ، ونهاية السول للإسنوي (٢ / ١١٤) ، تيسير التحرير لأميربادشاه (١ / ١٨١) ، التقرير والتحبير لابن أمير الحاج (١ / ٢١٣).

٤٩٤

الله وكلمته ، ونحو ذلك ، فمثله الذي نحن فيه.

وجائز ـ في الجملة ـ أن يوصف الله بأنه لم يزل عالما بكون كل ما يكون كيف يكون؟ وفي وقت كونه كائنا ؛ وبعد كونه قد مضى كونه ؛ على تحقيق التغير في أحوال الذي يكون لا في الله ـ سبحانه وتعالى ـ إذ تغير الأحوال واستحالتها من آيات الحدث وأمارات الصنعة.

قال الشيخ ـ رحمه‌الله ـ في قوله ـ عزوجل ـ : (وَلَمَّا يَعْلَمِ اللهُ الَّذِينَ جاهَدُوا مِنْكُمْ) : قيل فيه بوجهين :

أحدهما : «ولم يعلم» ، وهو يخرج على وجهين :

أحدهما : على إثبات أنه علم أنهم لم يجاهدوا ؛ كقول الناس : ما شاء الله كان ، [وما لم يشأ لم يكن](١) ، أي : شاء ألا يكون ، لا يكون.

والثاني : أنه عالم بكل شيء ، فلو كان منكم جهاد لكان يعلمه ، وإنما لم يعلمه ؛ لأنه لم يكن ؛ وعلى ذلك قوله ـ عزوجل ـ : (فَما تَنْفَعُهُمْ شَفاعَةُ الشَّافِعِينَ) [المدثر : ٤٨] أي : ليس لهم.

والثاني : قوله ـ عزوجل ـ : (وَلَمَّا يَعْلَمِ) بمعنى : إلا ؛ كقوله : (لَمَّا عَلَيْها حافِظٌ) [الطارق : ٤] ـ بالتشديد (٢) ـ بمعنى : إلا عليها حافظ ؛ فيكون معنى الآية : (أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ)؟! لا تدخلوها إلا أن يعلم الله مجاهدتكم ، أي : حتى تجاهدوا فيعلم الله ذلك منكم موجودا ، والله أعلم.

وكذلك قوله ـ عزوجل ـ : (وَيَعْلَمَ الصَّابِرِينَ) أي : ليعلم ما قد علم أنه يصير صابرا ؛ وكذلك قوله : (فَلَيَعْلَمَنَّ اللهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكاذِبِينَ) [العنكبوت : ٣] أي : ليعلمن الذين قد علم أنهم يصدقون ـ صادقين ، وليعلمن الذين قد علم أنهم يكذبون ـ كاذبين ، وكذلك قوله ـ عزوجل ـ : (حَتَّى نَعْلَمَ الْمُجاهِدِينَ) [محمد : ٣١] أي : حتى يعلم ما قد علم أنهم يجاهدون ـ مجاهدين ، وأصله : قوله ـ عزوجل ـ : (عالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهادَةِ) [الحشر : ٢٢] ليعلم شاهدا ما قد علم غائبا ، والله أعلم.

وقوله ـ عزوجل ـ : (وَيَتَّخِذَ مِنْكُمْ شُهَداءَ) أي : يستشهدون في سبيل الله بأيدي عدوهم.

__________________

(١) بدل ما بين المعقوفين في ب : وما لا يشاء لا يكون.

(٢) قرأ بالتخفيف (لما) أبو عمرو ونافع والكسائي وابن كثير ، وقرأ باقى السبعة (لمّا) بالتشديد ينظر : الإتحاف (٢ / ٦٠٢) ، الحجة لابن خالويه (ص : ٣٦٨) ، السبعة ص (٦٧٨) ، النشر (٢ / ٢٩١).

٤٩٥

ويحتمل : ويتخذ منكم شهداء على الناس ؛ كقوله ـ عزوجل ـ : (وَكَذلِكَ جَعَلْناكُمْ أُمَّةً وَسَطاً لِتَكُونُوا شُهَداءَ عَلَى النَّاسِ) [البقرة : ١٤٣] ، وفيه دلالة أنهم لا يستوجبون بنفس الإيمان الشهادة على الناس ، حتى تظهر الصيانة والعدالة في أنفسهم.

وقوله ـ عزوجل ـ : (وَلِيُمَحِّصَ اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا) : أي : يمحص ذنوبهم وسيئاتهم.

وقوله : ـ عزوجل ـ (وَيَمْحَقَ الْكافِرِينَ) : أي : يهلكهم ويستأصلهم.

وقوله ـ عزوجل ـ : (وَلِيُمَحِّصَ اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا) : ما ذكرنا من تمحيص الذنوب على ما روي عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «السّيف محّاء للذّنوب» (١).

(وَيَمْحَقَ الْكافِرِينَ) : أي : يهلكهم ، ولا يكون السيف تمحيصا لهم من الكفر ، بل يهلكهم في النار.

وقوله ـ عزوجل ـ : (أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ) :

قيل : بل حسبتم أن تدخلوا الجنة (٢).

(وَلَمَّا يَعْلَمِ اللهُ الَّذِينَ جاهَدُوا مِنْكُمْ).

قيل فيه بوجهين :

قيل : (وَلَمَّا يَعْلَمِ اللهُ) : أي : ولم يعلم الله الذين جاهدوا منكم ؛ أي : لم يجاهدوا (٣).

وقيل : (وَلَمَّا يَعْلَمِ اللهُ الَّذِينَ جاهَدُوا مِنْكُمْ) ، و «لما» بمعنى : «إلا يعلم» ، بمعنى : لا تدخلون (٤) الجنة إلا أن يعلم الله الذين جاهدوا منكم ؛ وهو كقوله ـ عزوجل ـ : (إِنْ كُلُّ نَفْسٍ لَمَّا عَلَيْها حافِظٌ) [الطارق : ٤] : من قرأ بالتشديد ؛ فكان معناه : «إلا عليها حافظ» ، ومن قرأ بالتخفيف ؛ فمعناه : لعليها حافظ ، و «ما» صلة.

وفي قوله ـ عزوجل ـ : (أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ) ، أي : ظننتم ذلك ، (وَلَمَّا يَعْلَمِ اللهُ الَّذِينَ جاهَدُوا مِنْكُمْ) ، وقال في [موضع آخر](٥) : (أَوَلَمَّا أَصابَتْكُمْ مُصِيبَةٌ) الآية

__________________

(١) أخرجه ابن المبارك في «الجهاد» (٧) ومن طريقه الطيالسي (١٢٦٧) ، وابن حبان (٤٦٦٣) ، والبيهقي (٩ / ١٦٤) ، وأخرجه أحمد (٤ / ١٨٥ ـ ١٨٦) ، والدارمي (٢ / ٢٠٦) ، والطبراني في الكبير (١٧ / ٣١٠ ، ٣١١) من حديث عتبة بن عبد السلمي مرفوعا مطولا.

وفيه : «إن السيف محاء للخطايا».

(٢) ذكره أبو حيان في تفسيره (٣ / ٧١) ، والقرطبي في تفسيره (٤ / ١٤٢) ، وابن عادل في اللباب (٥ / ٥٦٢).

(٣) ذكره الزمخشري في تفسيره (١ / ٤٢٠) ، وأبو حيان (٣ / ٧٢) ، ونسبه للزمخشري ، وذكره القرطبي في تفسيره (٢ / ١٤٢) ، وابن عادل في اللباب (٥ / ٥٦٣).

(٤) في ب : تدخلوا.

(٥) بدل ما بين المعقوفين في ب : مواضع أخر.

٤٩٦

[آل عمران : ١٦٥] ، بمعنى : ولم تجاهدوا ، ولم يصبكم مثل الذي ذكر ؛ ففي ذلك وعد أن يصيب أولئك الذين خاطبهم به ما أصاب من تقدمهم ، وأن الله قد يعلم أنهم يجاهدون قبل الموت ؛ وعلى هذا قال قوم في تأويل قوله ـ عزوجل ـ : (صَدَقُوا ما عاهَدُوا اللهَ عَلَيْهِ) [الأحزاب : ٢٣] ـ : أن يدخلوا الجنة إذا أصابهم مثل الذي أصاب من تقدمهم ، والله أعلم. فيكون تأويل (وَلَمَّا) : ولم ، والألف صلة.

وقيل : يحتمل بالتشديد منه : إلا ؛ كما قيل في تأويل قوله ـ عزوجل ـ : (إِنْ كُلُّ نَفْسٍ لَمَّا عَلَيْها حافِظٌ) بالتشديد : «إلا عليها حافظ» ؛ فيكون بمعنى الإضمار : لا تدخلوا إلا أن يعلم الله الذين جاهدوا منكم ، وقد بيّنا ما في العلم في الحرف الأوّل على أنه له وجهان ـ أيضا ـ :

أحدهما : أن الله لم يعلم بذلك ، وهو العالم بكل شيء فلو كان : لكان يعلمه.

والثاني : أن يعلموا أن يكونوا لم يجاهدوا بعد ، وسيجاهدون على ما بيّنا ، والله أعلم.

قوله تعالى : (وَلَقَدْ كُنْتُمْ تَمَنَّوْنَ الْمَوْتَ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَلْقَوْهُ فَقَدْ رَأَيْتُمُوهُ وَأَنْتُمْ تَنْظُرُونَ (١٤٣) وَما مُحَمَّدٌ إِلاَّ رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِنْ ماتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلى أَعْقابِكُمْ وَمَنْ يَنْقَلِبْ عَلى عَقِبَيْهِ فَلَنْ يَضُرَّ اللهَ شَيْئاً وَسَيَجْزِي اللهُ الشَّاكِرِينَ (١٤٤) وَما كانَ لِنَفْسٍ أَنْ تَمُوتَ إِلاَّ بِإِذْنِ اللهِ كِتاباً مُؤَجَّلاً وَمَنْ يُرِدْ ثَوابَ الدُّنْيا نُؤْتِهِ مِنْها وَمَنْ يُرِدْ ثَوابَ الْآخِرَةِ نُؤْتِهِ مِنْها وَسَنَجْزِي الشَّاكِرِينَ)(١٤٥)

وقوله : (وَلَقَدْ كُنْتُمْ تَمَنَّوْنَ الْمَوْتَ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَلْقَوْهُ) :

قيل فيه بوجهين :

قيل : قوله ـ عزوجل ـ : تمنون ما فيه الموت ، وهو القتال (١).

وقيل : تمنون الموت نفس الموت (٢).

ثم يحتمل وجوها :

يحتمل : يتمنون إشفاقا على دينهم الإسلام ؛ لئلا يخرجوا من الدنيا على غير دينهم الذي هم عليه ، ويحتمل أن يكونوا تمنوا الموت ، لينجوا أو يتخلصوا من تعذيب الكفار إيّاهم وتغييرهم ؛ على ما قيل : إن أهل مكة كانوا يعذبونهم ، طلبوا النجاة منهم

__________________

(١) أخرجه ابن أبي حاتم بمعناه (٢ / ٥٧٧) (١٥٣٨) عن عبد الرحمن بن عوف ، وبرقم (١٥٤٨) عن الحسن البصري.

(٢) ذكره الزمخشري في تفسيره (١ / ٤٢١) ، والقرطبي في تفسيره (٤ / ١٤٢) ، وابن عادل في اللباب (٥ / ٥٦٥).

٤٩٧

والخلاص ، والله أعلم.

وقيل : يتمنون الموت ، أي : يتمنون الشهادة (١) ؛ لما سمعوا لها من عظيم الثواب وجزيل الأجر ، تمنوا أن يكونوا شهداء لله ـ عزوجل ـ أحياء عند ربهم ، والله أعلم.

وقيل : في قوله ـ عزوجل ـ : (تَمَنَّوْنَ الْمَوْتَ) : وذلك حين أخبر الله ـ عزوجل ـ عن قتلى بدر ، وما هم فيه من الخير ؛ فتمنوا يوما مثل يوم بدر ؛ فأراهم الله يوم أحد [فانهزموا](٢) ، فعوتبوا على ذلك بقوله : (تَمَنَّوْنَ الْمَوْتَ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَلْقَوْهُ فَقَدْ رَأَيْتُمُوهُ) ، يعني : يوم أحد (٣).

وقوله : ـ عزوجل ـ : (فَقَدْ رَأَيْتُمُوهُ).

يحتمل [أيضا](٤) وجوها :

يحتمل : فقد رأيتم أسباب الموت وأهواله.

ويحتمل : فقد رأيتم أصحابكم الذين قتلوا بين أيديكم ، على تأويل من صرف قوله ـ عزوجل ـ : (تَمَنَّوْنَ الْمَوْتَ) إلى القتال ، والله أعلم.

وقوله ـ عزوجل ـ : (وَأَنْتُمْ تَنْظُرُونَ).

يحتمل : (وَأَنْتُمْ تَنْظُرُونَ) إلى الموت ، يعني : إلى موت أصحابكم أو إلى القتال.

ويحتمل : (وَأَنْتُمْ تَنْظُرُونَ) ، أي : تعلمون أنكم كنتم تمنون الموت ، والله أعلم.

وقوله ـ عزوجل ـ : (وَما مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِنْ ماتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلى أَعْقابِكُمْ) :

يحتمل هذا وجهين :

يحتمل ـ والله أعلم ـ : أن يقول لهم : إنكم لما آمنتم بمحمّد صلى‌الله‌عليه‌وسلم قبل أن يبعث لم تؤمنوا به ؛ لأنّه محمّد [رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم](٥) ، ولكن آمنتم بالذي أرسله إليكم ، والمرسل حي ، وإن كان محمد صلى‌الله‌عليه‌وسلم قتل أو مات على زعمكم ؛ فكيف انقلبتم على أعقابكم؟!.

__________________

(١) أخرجه ابن جرير (٧ / ٢٥٠) (٧٩٣٧) ، وابن أبي حاتم (٢ / ٧٨) (١٥٤٧) عن محمد بن إسحاق ، وذكره الزمخشري في تفسيره (١ / ٤٢١) ، والقرطبي في تفسيره (٤ / ١٤٢).

(٢) سقط من ب.

(٣) أخرجه الطبري عن مجاهد (٧ / ٢٤٨) (٧٩٣٠) ، (٧ / ٢٤٩) (٧٩٣١) ، وعن قتادة (٧ / ٢٤٩) (٧٩٣٢) (٧٩٣٣) ، وعن الربيع بن أنس (٧ / ٢٤٩) (٧٩٣٤) ، وعن السدي (٧ / ٢٥٠) (٧٩٣٦) ، وعن ابن عباس أخرجه ابن أبي حاتم (٢ / ٥٧٧) (١٥٣٩) ونسبه إلى هؤلاء جميعا وزاد نسبته إلى محمد بن كعب ، والحسن البصري ، ومقاتل بن حيان. ،

(٤) سقط من ب.

(٥) ما بين المعقوفين سقط من ب.

٤٩٨

قال الشيخ ـ رحمه‌الله ـ : في الآية خبر بانقلاب من علم الله أنه يرتد بموت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم كقوله ـ عزوجل ـ : (وَمَنْ يَرْتَدِدْ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ) [البقرة : ٢١٧].

والشاكرون : الذين جاهدوهم ، قد أخبر الله ـ تعالى ـ أنه يحبّهم ويحبّونه.

وقال الحسن : إن أبا بكر الصّديق ـ رضي الله عنه ـ كان ـ والله ـ إمام الشاكرين (١).

ويحتمل وجها آخر ، وهو أن من كان قبلكم من قوم موسى وعيسى ـ عليهما‌السلام ـ كانوا يكذبون رسلهم ما داموا أحياء ؛ حتى قال لهم موسى ـ عليه‌السلام ـ (يا قَوْمِ لِمَ تُؤْذُونَنِي وَقَدْ تَعْلَمُونَ أَنِّي رَسُولُ اللهِ إِلَيْكُمْ) [الصف : ٥] ، وكذلك قال عيسى ـ عليه‌السلام ـ : (يا بَنِي إِسْرائِيلَ إِنِّي رَسُولُ اللهِ إِلَيْكُمْ مُصَدِّقاً) الآية [الصف : ٦] ، فإذا ماتوا ادعوا أنهم على دينهم ، وأنهم صدقوهم فيما دعوهم إليه ، وإن لم يكونوا على ذلك ، فلم ينقلبوا على أعقابهم ؛ فكيف تنقلبون أنتم على أعقابكم إن مات محمد صلى‌الله‌عليه‌وسلم أو قتل؟!.

والانقلاب على الأعقاب : على الكناية (٢) والتمثيل ، ليس على التصريح ، وهو الرجوع إلى ما كانوا عليه من قبل من الدين.

وقوله ـ عزوجل ـ : (وَمَنْ يَنْقَلِبْ عَلى عَقِبَيْهِ فَلَنْ يَضُرَّ اللهَ شَيْئاً) :

أي : من ارتدّ بعد الإسلام فلن يضرّ الله شيئا ؛ لأنه لم يستعملهم لنفسه ، ولكن إنما استعملهم لأنفسهم ؛ ليستوجبوا بذلك الثواب الجزيل في الآخرة ، فإنما يضرون بذلك أنفسهم ، لا الله ـ تعالى.

والثاني : أنه إنما يأمرهم ويكلفهم ؛ لحاجة أنفسهم ، لا أنه يأمر لحاجة نفسه ، ومن أمر آخر في الشاهد : إنما يأمر لحاجة نفس الآمر ، فإذا لم يأتمر لحق ضرر نفس ذلك الآمر ، فإذا كان الله ـ سبحانه ـ يتعالى عن أن يأمر لحاجته ؛ وإنما يأمر لحاجة المأمور ، فإذا ترك أمره ـ ضر نفسه ، وبالله التوفيق.

(وَسَيَجْزِي اللهُ الشَّاكِرِينَ) :

قيل : الموحّدين لله.

__________________

(١) أخرجه ابن جرير (٧ / ٢٥٢) (٧٩٣٨) عن على بن أبي طالب ، وعن العلاء بن بدر (٧ / ٢٥٢) (٧٩٣٩) ، وذكره السيوطي في الدر (٢ / ١٤٥) ، وعزاه لابن جرير عن على ، وذكره أيضا أبو حيان في تفسيره (٣ / ٧٥) ، وابن عادل في اللباب (٥ / ٥٧٤).

(٢) الكناية : هو أن يكنى عن الشيء ويعرّض به ، ولا يصرح على حسب ما علموا باللحن والتورية عن الشيء. وقيل : هي إثبات معنى من المعاني ، فلا يذكره باللفظ الموضوع له في اللغة ، ولكن يجىء إلى معنى هو ردفه في الوجود فيومئ إليه ويجعله دليلا عليه. راجع : المعجم المفصل في علوم البلاغة د. إنعام فوال عكاوى ص (٦٢٨).

٤٩٩

وقيل : الذين آمنوا وجاهدوا يجزيهم في الآخرة (١) ، وكل متمسك بأمر الله ومؤتمر بأمره فهو شاكر.

وقوله ـ عزوجل ـ : (وَما كانَ لِنَفْسٍ أَنْ تَمُوتَ إِلَّا بِإِذْنِ اللهِ) :

يحتمل قوله : (إِلَّا بِإِذْنِ اللهِ) ، أي : لا يموت إلا بقبض المسلط على قبض الأرواح ـ روحه ؛ كقوله : (قُلْ يَتَوَفَّاكُمْ مَلَكُ الْمَوْتِ الَّذِي وُكِّلَ بِكُمْ) [السجدة : ١١] : إن مات أو قتل.

ويحتمل : (إِلَّا بِإِذْنِ اللهِ) : إلا بعلم الله.

(كِتاباً مُؤَجَّلاً) :

قيل : وقتا موقتا ، لا يتقدم ولا يتأخر (٢) ، مات أو قتل ، ما لم تستوف رزقها وأجلها.

وقيل : (كِتاباً مُؤَجَّلاً) ، أي : مبينا في اللوح المحفوظ ، مكتوبا فيه (٣).

وقوله : (وَمَنْ يُرِدْ ثَوابَ الدُّنْيا نُؤْتِهِ مِنْها) :

أي : من أراد بمحاسن أعماله الدنيا نؤته منها.

(وَمَنْ يُرِدْ ثَوابَ الْآخِرَةِ نُؤْتِهِ مِنْها) :

أي : من يرد بأعماله الصّالحات ومحاسنه الآخرة نؤته منها.

(وَسَيَجْزِي اللهُ الشَّاكِرِينَ) :

وهو كقوله : (مَنْ كانَ يُرِيدُ حَرْثَ الْآخِرَةِ نَزِدْ لَهُ فِي حَرْثِهِ وَمَنْ كانَ يُرِيدُ حَرْثَ الدُّنْيا نُؤْتِهِ مِنْها) على قدر ما قدّر (وَما لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِنْ نَصِيبٍ) [الشورى : ٢٠] ؛ فكذلك هذا ـ أيضا ـ والله أعلم.

قوله تعالى : (وَكَأَيِّنْ مِنْ نَبِيٍّ قاتَلَ مَعَهُ رِبِّيُّونَ كَثِيرٌ فَما وَهَنُوا لِما أَصابَهُمْ فِي سَبِيلِ اللهِ وَما ضَعُفُوا وَمَا اسْتَكانُوا وَاللهُ يُحِبُّ الصَّابِرِينَ (١٤٦) وَما كانَ قَوْلَهُمْ إِلاَّ أَنْ قالُوا رَبَّنَا اغْفِرْ لَنا ذُنُوبَنا وَإِسْرافَنا فِي أَمْرِنا وَثَبِّتْ أَقْدامَنا وَانْصُرْنا عَلَى الْقَوْمِ الْكافِرِينَ (١٤٧) فَآتاهُمُ اللهُ ثَوابَ الدُّنْيا وَحُسْنَ ثَوابِ الْآخِرَةِ وَاللهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ)(١٤٨)

وقوله : (وَكَأَيِّنْ مِنْ نَبِيٍّ قاتَلَ مَعَهُ رِبِّيُّونَ كَثِيرٌ) :

__________________

(١) ذكره القرطبي في تفسيره (٤ / ١٤٦) ، وأبو حيان في البحر (٣ / ٧٥).

(٢) ذكره الزمخشري في تفسيره (١ / ٤٢٤) ، وأبو حيان في البحر (٣ / ٧٦) ، وابن عادل في اللباب (٥ / ٥٧٧) ، والقرطبي في تفسيره (٤ / ١٤٦).

(٣) ذكره الواحدي في الوسيط (١ / ٥٠٠) ، وأبو حيان في البحر (٣ / ٧٦) ، وابن عادل في اللباب (٥ / ٥٧٧).

٥٠٠