تأويلات أهل السنّة - ج ٢

أبي منصور محمّد بن محمّد بن محمود الماتريدي

تأويلات أهل السنّة - ج ٢

المؤلف:

أبي منصور محمّد بن محمّد بن محمود الماتريدي


المحقق: الدكتور مجدي باسلّوم
الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: دار الكتب العلميّة
الطبعة: ١
ISBN الدورة:
2-7451-4716-1

الصفحات: ٥٧٣

والصدقة : هى ثلاثة آصع على ستة مساكين ، على ما ذكر فى خبر كعب بن عجرة ، رضى الله تعالى عنه.

فأما الصوم : فإن المتمتع إذا لم يجد هديا ، صام ثلاثة أيام فى الحج وسبعة إذا رجع [إلى أهله](١). فأجمعوا على أن له أن يصوم السبعة بمكة وفى غيرها. فصوم الفدية كذلك. وكذلك الثلاثة الأيام إذا صامها بعد إحرامه بالعمرة عندنا ، وبعد إحرامه بالحج عند مخالفينا بمكة أو بغيرها ، فهى مجزئة. وكذلك صيام الفدية تجزئه حيث صامه قياسا على صوم المتمتع.

فأما الصدقة : فإن الشافعى رحمه‌الله ذكر أنها لا تجزئ إلا بمكة.

وقال : لأن أهل الحرم ينتفعون بها كما ينتفعون بالهدى.

فيقال له : أرأيت إن ذبح الهدى بغير مكة ، ثم تصدق به على أهل الحرم هل يجزئه ذلك؟ فإن قال : لا ، قيل له : قد بطلت علتك حيث لم يجز التصدق على أهل الحرم ، وبان أن الدم خص بأن يهراق فى الحرم ؛ لأن الله تعالى قال : (حَتَّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ). فأما الصدقة فهى مجزئة حيث كانت.

ثم اختلف فى الذى يحلق قبل أن يذبح بغير أذى :

فقال أبو حنيفة ـ رضى الله تعالى عنه ـ : يجب عليه دم. والحجة له : بأن الله ـ تبارك وتعالى ـ منع المحصر من الحلق (حَتَّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ) ، فإن حلق رأسه لأذى فعليه دم آخر ؛ لأن الآية الكريمة فى الحلق فى المحصر ، فإذا كان الذى يصيبه الأذى فى رأسه قبل الوقت الذى أذن له فيه فدية ، بل الذى يحلق رأسه بغير أذى أحرى أن يكون عليه الفدية. وأبو حنيفة ، رضى الله تعالى عنه ، يزيد فى التغليظ عليه ، فيقول : لا يجزئه غير الدم ، ويخبر صاحب الأذى بين الدم ، والصدقة ، والإطعام ، كما أخبر الله تعالى. فدليل القرآن شهد لمذهبه.

وخالفه جماعة من أهل العلم فيمن حلق قبل أن يذبح وليس بمحصر ، ووافقوه فى المحصر. واحتجوا بما روى عن النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، أنه لما سئل عن رجل حلق قبل أن يذبح فقال : «اذبح ولا حرج» (٢). لكن قوله : «افعل ولا حرج» ، يرجع إلى الإثم ، دون الكفارة ،

__________________

(١) سقط فى ط.

(٢) أخرجه مالك (١ / ٤٢١) كتاب : الحج ، باب : جامع الحج ، حديث (٢٤٢) ، والبخارى (٣ / ٥٦٩) كتاب : الحج ، باب : الفتيا على الدابة عند الجمرة ، حديث (١٧٣٦) ، ومسلم (٢ / ٩٤٨) كتاب : الحج ، باب : من حلق قبل النحر ، أو نحر قبل الرمى ، حديث (٣٢٧ / ١٣٠٦) ، وأبو داود (٢ / ٥١٦ ، ٥١٧) كتاب : المناسك (الحج) باب فيمن قدم شيئا قبل شىء فى حجه ، حديث (٢٠١٤) ، ـ

٨١

افعل : أى لو فعلت لم يكن عليك حرج ؛ لأن الكفارة قد تجب (١) فى أشياء يفعلها الرجل خطأ وعلى جهة الجهل ، إنما تجب فى ذلك ؛ فلا حجة لمن احتج بهذا الحديث فى زوال الكفارة.

وأصله فى ذلك : أن أحوال الضرورة سبب تخفيف الحكم وتيسيره ، لم يجز إيجاب ذلك الحكم فى غير أحوال الضرورة والعذر. وعلى هذا يخرج قولهم فى جميع الأصول : إن الحكم فى حال الاضطرار والعذر خلاف ما هو فى حال الاختيار. ولهم على هذا مسائل مما يكثر عددها.

وفى الآية دليل لزوم الفداء على المتدهن ؛ لأن الله تعالى قال : (فَمَنْ كانَ مِنْكُمْ مَرِيضاً) ، وقد ذكرنا أن فيه إضمارا. ثم معروف حاجة المريض فى حال مرضه إلى الدهن ، فصار كأنه مذكور فى الآية. والله أعلم.

وقوله : (فَإِذا أَمِنْتُمْ فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ).

وقد ذكرنا هذا وأقاويلهم.

وقوله : (فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيامُ ثَلاثَةِ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ).

اختلف أهل التأويل فيه :

قال بعضهم : من حين يحرم آخرها يوم عرفة.

وعن ابن عمر ، رضى الله تعالى عنهما ، قال : «ولا تصومهن حتى تحرم» (٢).

__________________

 ـ والترمذى (٣ / ٢٥٨) كتاب : الحج ، باب : ما جاء فيمن حلق قبل أن يذبح ، أو نحر قبل أن يرمى ، حديث (٩١٦) ، وابن ماجه (٢ / ١٠١٤) كتاب : المناسك ، باب : من قدم نسكا قبل نسك ، حديث (٣٠٥١) ، والشافعى (١ / ٣٧٨) كتاب : الحج : الباب السابع فى الإفراد والقران والتمتع ، حديث (٩٧٤) ، والطيالسى (١ / ٢٢٤) كتاب : الحج والعمرة ، باب : النحر والحلق والتقصير ، وحل ما يحرم على المحرم بعد ذلك ما عدا النساء ، حديث (١٠٨٣) ، وأحمد (٢ / ١٥٩) ، والدارمى (٢ / ٦٤) كتاب : المناسك ، باب : من قال : ليس على النساء حلق ، وابن الجارود (ص : ١٠١٤) كتاب : المناسك ، حديث (٤٨٧) ، والطحاوى فى شرح معانى الآثار (٢ / ٢٣٧) كتاب : مناسك الحج ، باب : من قدم فى حجه نسكا قبل نسك ، والبيهقى (٥ / ١٤١) كتاب : الحج ، باب : التقديم والتأخير فى عمل يوم النحر ، والحميدى (١ / ٢٦٤) رقم (٥٨٠) ، والنسائى فى الكبرى (٢ / ٤٤٧) من طرق عن الزهرى عن عيسى بن طلحة عن عبد الله بن عمرو أن النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم سأله رجل فقال : ذبحت قبل أن أحلق قال : «احلق ولا حرج» فسأله آخر فقال : حلقت قبل أن أذبح قال : «اذبح ولا حرج» ، قال آخر : ذبحت قبل أن أرمى قال : «ارم ولا حرج».

وقال الترمذى : حسن صحيح.

(١) فى ط : تحجب.

(٢) أخرجه ابن جرير (٣٤٨٨).

٨٢

وعن ابن عباس ، رضى الله تعالى عنه ، قال : «ما بين الهلال ويوم عرفة» (١) ، وعن على ، رضى الله تعالى عنه ، قال : «فصيام ثلاثة أيام فى الحج» ، اختلف أهل التأويل فيه قبل يوم التروية بيوم ، ويوم التروية ، ويوم عرفة (٢). فإن فات ذلك صام ثلاثة أيام بعد أيام التشريق.

أما تأخيره الصوم [حتى يكون آخره يوم عرفة لما لعله يجد الهدى ، ومثال ذلك ما أمر المتيمم عن تأخير الصلاة](٣) رجاء أن يجد الماء فيغنيه عن التيمم ، فعلى ذلك يؤخر الصوم حتى يكون آخره يوم عرفة رجاء أن يجد الهدى.

وأما ما اختلفوا فيه من صيامهن حلالا بعد العمرة ، فإن من لم يجوز ذلك ذهب إلى أن الله تعالى قال : (ثَلاثَةِ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ) ، فتأول ذلك على الإحرام. وقد يجوز أن يكون الأمر كما قال ، ويجوز أن يكون معناه : فى أشهر الحج.

ألا ترى أن الله تعالى يقول : (الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُوماتٌ) ، ، ومعناه ـ والله أعلم ـ : أن الحج يفعل فى هذه الأشهر ، ولفعله أشهر معلومات. فلما احتملت الآية ما ذكرنا وجدنا السنة فى المتمتع أن يحرم بالحج عشية التروية (٤) ، كذلك روى عن جابر بن عبد الله (٥) ، رضى الله تعالى عنه ، أنه قال : «قدمنا مكة مع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم مهلين بالحج لأربع ليال مضين من ذى الحجة ، فطاف بالبيت سبعا ، وسعى بين الصفا والمروة ، ولم يحل ؛ لأنه كان ساق الهدى وأمر من لم يسق الهدى أن يطوف ويسعى ويقصر ثم يحل.

فلما كان يوم التروية أمرهم أن يلبوا بالحج ، فإذا كنا نأمر المتمتع أن يحرم بالحج عشية التروية ، فكيف يصوم الثلاثة الأيام بعد ذلك ، وإنما بقى له يوم واحد؟ فدل ما وصفناه : أنه يجوز له أن يصومهن حلالا بعد العمرة. والله أعلم.

وقوله : (وَسَبْعَةٍ إِذا رَجَعْتُمْ).

اختلف فيه :

قيل : إذا رجع من منى.

__________________

(١) أخرجه ابن جرير (٣٤٤٤ ، ٣٤٨٩) ، وانظر الدر المنثور (١ / ٣٨٧).

(٢) أخرجه ابن جرير (٣٤٤٣) ، وانظر الدر المنثور (١ / ٣٨٧).

(٣) سقط فى ط.

(٤) وهو يوم الثامن من ذى الحجة ، وينطلق فيه الحجاج إلى منى ، ويحرم المتمتع بالحج ، أما المفرد والقارن فهما على إحرامهما ، ويبيتون بمنى اتباعا للسنة ، ويصلون فيها خمس صلوات : الظهر والعصر والمغرب والعشاء والفجر. وهذا فجر يوم عرفة.

(٥) أخرجه أحمد (٣ / ٣٦٦ ، ٣٨١).

٨٣

وقيل : إذا أتى وقت الرجوع.

وقيل (١) : إذا رجعتم إلى أهليكم.

وقوله : (تِلْكَ عَشَرَةٌ كامِلَةٌ).

قيل : تلك العشرة وإن كانت متفرقة ، فهى كالموصولة فى حق الحج.

وقيل (٢) : (تِلْكَ عَشَرَةٌ كامِلَةٌ) ، عن الهدى وافية ، أى : يكمل بها حق الدم.

وقيل (٣) : (تِلْكَ عَشَرَةٌ كامِلَةٌ) ، فى حق الثواب ، أى : ثوابها كثواب الهدى. والله أعلم.

وقوله : (ذلِكَ لِمَنْ لَمْ يَكُنْ أَهْلُهُ حاضِرِي الْمَسْجِدِ الْحَرامِ وَاتَّقُوا اللهَ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللهَ شَدِيدُ الْعِقابِ).

جعل الحكم الذى ذكره فى المتمتع والمحصر ، لمن لا يحضر أهله المسجد الحرام ؛ عن ابن عباس ، رضى الله تعالى عنه ، أنه قال : «ليس على أهل مكة هدى فى المتعة».

ولأن أهل مكة لو كانوا كغيرهم لم يكن للمخصوص معنى.

وإذا كان المعتمر فى أشهر الحج إذا رجع إلى أهله ثم حج من عامه ذلك فلا هدى عليه ، فالمكى مقيم فى منزله بعد عمرته فهو أحرى ألا يجب عليه دم المتعة إن حج من عامه ذلك ، ولكنه إن تمتع فعليه دم الحلال ؛ لأنه منهى (٤) عن التمتع.

ثم اختلف أهل التأويل فى (حاضِرِي الْمَسْجِدِ الْحَرامِ) ، من هم؟

قال أصحابنا ـ رحمهم‌الله تعالى ـ : كل من كان من أهل المواقيت فما دونها إلى مكة ، فلهم أن يدخلوها بغير إحرام ، فلهم جميعا حكم حاضرى المسجد الحرام.

وروى عن ابن عمر ، رضى الله تعالى عنه : أنه خرج من مكة يريد المدينة ، فلما بلغ قديدا بلغه أن بالمدينة جيشين من جيوش الفتنة ، فرجع ودخلها بغير إحرام.

وعندنا : إذا جاوز جميع المواقيت ثم رجع فعليه الإحرام.

وقال آخرون : ليس حاضرى المسجد الحرام.

وأما [الدليل](٥) لأصحابنا ، رحمهم‌الله تعالى ، ما ذكرنا.

__________________

(١) قاله مجاهد ، أخرجه ابن جرير عنه (٣٤٩٥) ، وعن عطاء (٣٤٩٦ ، ٣٤٩٨) ، وإبراهيم (٣٤٩٧) ، وغيرهم وانظر الدر المنثور (١ / ٣٨٩).

(٢) قاله الحسن ، أخرجه ابن جرير عنه (٣٥٠٢ ، ٣٥٠٣) ، وانظر الدر المنثور (١ / ٣٨٩).

(٣) قاله البغوى فى تفسيره (١ / ١٧٠).

(٤) فى ط : منتهى.

(٥) سقط فى ط.

٨٤

وأما قولنا : ليس عليهم إحصار ؛ لأن الإحصار هو الجيش والحيلولة بينهم وبين دخولهم مكة ، فإذا كانوا هم فيها قادرون على الطواف بالبيت فى كل وقت ، كذلك بطل الإحصار.

وقوله تعالى : (الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُوماتٌ).

عن ابن عمر (١) ، رضى الله تعالى عنه ، أنه قال : (الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُوماتٌ) : شوال ، وذو القعدة ، وعشر من ذى الحجة (٢).

__________________

(١) أخرجه ابن جرير (٣٥٣٥ ، ٣٥٣٦) ، وانظر الدر المنثور (١ / ٣٩٣).

(٢) ذهب الأئمة الثلاثة ـ أبو حنيفة والشافعى وأحمد ـ وأصحابهم إلى أن وقت الإحرام بالحج : شوال وذو القعدة وعشر من ذى الحجة. وهو مذهب جمهور الصحابة والتابعين ومن بعدهم. وذهب مالك إلى أن وقت الحج شوال وذو القعدة وشهر ذى الحجة إلى آخره. وليس المراد أن جميع هذا الزمن الذى ذكروه وقت لجواز الإحرام ، بل المراد أن بعض هذا الزمن وقت لجواز ابتداء الإحرام ، وهو من شوال لطلوع فجر يوم النحر ، وبعضه وقت لجواز التحلل ، وهو من فجر يوم النحر لآخر ذى الحجة. وعلى هذا فالميقات الزمانى بالنسبة للإحرام متفق عليه ، إنما مرتب على مذهب المالكية جواز تأخير الإحلال إلى آخر ذى الحجة. وهذا الذى ذهب إليه المالكية قد حكى أيضا عن طاوس ، ومجاهد ، وعروة بن الزبير ، والربيع بن أنس ، وقتادة.

والأصل للفريقين قوله تعالى : (الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُوماتٌ فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلا رَفَثَ وَلا فُسُوقَ وَلا جِدالَ فِي الْحَجِ) فالجمهور فسروا الآية بأن المراد شهران وبعض الثالث. واستدلوا بالآثار عن الصحابة. كما يدل لهم أن أركان الحج تؤدى خلال تلك الفترة. وأما المالكية فدليلهم واضح ، وهو ظاهر الآية ؛ لأنها عبرت بالجمع (أشهر) ، وأقل الجمع ثلاث ؛ فلا بد من دخول ذى الحجة بكماله. ثم اختلف الجمهور فى نهار يوم النحر هل هو من أشهر الحج أو لا : فقال الحنفية والحنابلة : هو من أشهر الحج. وقال الشافعية : آخر أشهر الحج ليلة يوم النحر. وهو مروى عن أبى يوسف. وفى وجه عند الشافعية فى ليلة النحر : أنها ليست من أشهر الحج. والأول هو الصحيح المشهور.

وقد استدل الحنفية والحنابلة بحديث ابن عمر أن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم وقف يوم النحر بين الجمرات فى الحجة التى حج فقال : «أى يوم هذا؟» قالوا : يوم النحر. قال : «هذا يوم الحج الأكبر» أخرجه أبو داود وابن ماجه. قالوا : ولا يجوز أن يكون يوم الحج الأكبر ليس من أشهره. ويشهد له حديث بعث أبى بكر أبا هريرة يؤذن فى الناس يوم النحر : ألا يحج بعد العام مشرك ؛ فإنه امتثال لقوله تعالى : (وَأَذانٌ مِنَ اللهِ وَرَسُولِهِ إِلَى النَّاسِ يَوْمَ الْحَجِّ الْأَكْبَرِ ..). الآية والحديث متفق عليه. واحتجوا بالدليل المعقول ؛ لأن يوم النحر فيه ركن الحج ، وهو طواف الزيارة ، وفيه كثير من أفعال الحج ، منها : رمى جمرة العقبة ، والنحر ، والحلق ، والطواف ، والسعى ، والرجوع إلى منى. ومستبعد أن يوضع لأداء ركن عبادة وقت ليس وقتها ، ولا هو منه. واستدل الشافعية برواية نافع عن ابن عمر أنه قال : «أشهر الحج شوال وذو القعدة وعشر من ذى الحجة» أى عشر ليال. وعن ابن مسعود وابن عباس وابن الزبير مثله. رواها كلها البيهقى ، وصحح الرواية عن ابن عباس. ورواية ابن عمر صحيحة.

ينظر : غاية المنتهى (٢ / ٢٩٥ ، ٢٩٦) ، الهداية (٢ / ٢٢٠) ، رد المحتار (٢ / ٢٠٦ ، ٢٠٧) ، شرح المحلى على المنهاج (٢ / ٩١) ، نهاية المحتاج (٢ / ٣٨٧) ، المغنى (٣ / ٢٩٥).

٨٥

وعن ابن عباس (١) ، رضى الله تعالى عنه [...](٢) ، وعن الحسن (٣) ، والشعبى (٤) ، ومجاهد (٥) ، وابن جبير ، وإبراهيم (٦) ، وعطاء (٧) مثله.

وعن عبد الله بن مسعود (٨) ، رضى الله تعالى عنه ، أنه قال : إنها شوال ، وذو القعدة ، وذو الحجة.

ونرى أن عبد الله بن مسعود ، رضى الله تعالى عنه ، أراد ما أراده الأولون ؛ لأنه لا يبقى بعد أيام منى [شىء] من مناسك الحج ، فكيف تكون الأيام التى بعد النفر من أيام الحج ، ولا عمل فيها للحجاج؟

ثم المسألة ـ فيمن يحرم بالحج قبل أشهر الحج ، ما عليه (٩)؟ وهل يجوز إحرامه؟

__________________

(١) أخرجه ابن جرير من (٣٥٢٣) إلى (٣٥٢٧) ، وانظر الدر المنثور (١ / ٣٩٣).

(٢) سقط فى ط.

(٣) أخرجه ابن أبى شيبة كما فى الدر المنثور (١ / ٣٩٣).

(٤) أخرجه ابن جرير (٣٥٣١) والشعبى هو : أبو عمرو عامر بن شراحيل بن عبد بن ذى كبار ولد لست سنين خلت من خلافة عمر رضى الله عنه ، وتوفى بالكوفة سنة أربع وقيل ثلاث ، وقيل ست ، وقيل سبع وقيل خمس ومائة. ينظر : وفيات الأعيان (٣ / ١٢).

(٥) أخرجه ابن جرير (٣٥٣٣ ، ٣٥٤٥) وهو : مجاهد بن جبر بإسكان الموحدة مولى السائب بن أبى السائب أبو الحجاج المكى المقرئ الإمام المفسر عن ابن عباس وقرأ عليه. قال مجاهد : عرضت على ابن عباس القرآن ثلاثين مرة ، وأم سلمة وأبى هريرة وجابر وعن عائشة فى البخارى ومسلم قال شعبة والقطان وابن معين وأبو حاتم الرازي : لم يسمع منها. لكن قد صرح مجاهد فى بعض رواياته بسماعه منها وعنه عكرمة وعطاء وقتادة والحكم بن عتيبة وأيوب وخلق. وثقة ابن معين وأبو زرعة. قال ابن حبان مات بمكة سنة اثنتين أو ثلاث ومائة وهو ساجد ومولده سنة إحدى وعشرين.

ينظر : تهذيب التهذيب (١٠ / ٤٢) ، تقريب التهذيب (٢ / ٢٢٩) ، خلاصة تهذيب الكمال : (٣ / ١٠) ، الكاشف : (٣ / ١٢٠) ، تاريخ البخارى الكبير : (٧ / ٤١١) ، الجرح والتعديل : (٨ / ١٤٦٩).

(٦) أخرجه ابن جرير (٣٥٢٨ ، ٣٥٣٠).

(٧) أخرجه ابن جرير (٣٥٤٢) ، وانظر الدر المنثور (١ / ٣٩٣) وهو : عطاء بن أبى رباح بن صفوان الفهرى ، من كبار التابعين ، وأجلاء الفقهاء ، ولد باليمين سنة (٢٧ ه‍ ـ ٦٤٨ م) ، ونشأ بمكة ، وسمع العبادلة الأربعة ، ورافع بن خديج ، وجماعات آخرين من الصحابة ، وروى عن جماعات من التابعين ، كالزهرى ، وقتادة ، وغيرهم ، وخلائق من غيرهم وانتهت فتوى أهل مكة إليه وإلى مجاهد فى زمانهما ، وتوفى رحمه‌الله سنة (١١٥ ه‍ ـ ٧٣٤ م).

انظر ترجمته فى : تهذيب التهذيب (٧ / ١٩٩) ، تذكرة الحفاظ (١ / ٩٨) ، ميزان الاعتدال ، طبعة عيسى الحلبى (٣ / ٧٠) ، تهذيب الأسماء (١ / ٣٣٣) ، حلية الأولياء (٣ / ٣١٠) ، وفيات الأعيان (٣ / ٢٦١).

(٨) أخرجه ابن جرير (٣٥٢٢) ، وانظر الدر المنثور (١ / ٣٩٣).

(٩) ذهب الحنفية والمالكية والحنابلة إلى أنه يصح الإحرام بالحج قبل أشهر الحج ، وينعقد حجا ، لكن مع الكراهة. وهو قول إبراهيم النخعى ، وسفيان الثورى ، وإسحاق بن راهويه ، والليث بن سعد. وذهب الشافعية إلى أنه لا ينعقد الإحرام بالحج قبل أشهره ؛ فلو أحرم به قبل هلال شوال لم ينعقد ـ

٨٦

عن ابن عباس (١) ، رضى الله تعالى عنه ، أنه قال : من سنة الحج ألا يحرم بالحج إلا فى أشهر الحج.

وعن جابر (٢) ، رضى الله تعالى عنه ، أنه قال : لا يحرم بالحج قبل أشهر الحج.

فأصحابنا ، رحمهم‌الله تعالى ، يكرهون الإحرام قبل أشهر الحج ، واتبعوا فى كراهيتهم ما روى عن السلف النهى عن ذلك ، لكنهم يقولون : إن أحرم يجوز.

واحتج بعض أصحابنا فى ذلك بأن قال : للحج ميقات ووقت ، وأجمعوا أن من أحرم بالحج قبل الميقات فإحرامه صحيح [، فعل ذلك من أحرم قبل وقته فإحرامه صحيح](٣).

وقال بعضهم : (الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُوماتٌ) ، الأشهر كلها ، كقوله تعالى : (إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ اللهِ اثْنا عَشَرَ شَهْراً) [التوبة : ٣٦] ، وهى الأشهر كلها ، وهى معلومة ؛ [وهى](٤) كقوله تعالى : (يَسْئَلُونَكَ عَنِ الْأَهِلَّةِ قُلْ هِيَ مَواقِيتُ لِلنَّاسِ وَالْحَجِ) [البقرة : ١٨٩]. فإن كان هذا تأويل الآية ، ففيه دليل جواز الإحرام بالحج فى الأشهر كلها.

وقال آخرون : (الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُوماتٌ) ، [أى فى أشهر معلومات](٥) وهو ما ذكرنا من قول جماعة من السلف ، قالوا : إنها شوال ، وذو القعدة ، وعشر من ذى الحجة ، غير أنه يتوجه وجهين :

أحدهما : أن لفعل الحج أشهر معلومات ، دليله قوله تعالى : (فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ) ، سماه حجّا بعد سبب الإلزام ، فثبت أن ما بعد الإحرام حج.

والوجه الثانى : أن للحج أشهر معلومات ، لا يدخل فيها غيره ، ثم أدخل فيها العمرة رخصة ، دليله : قوله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «دخلت العمرة فى الحج [إلى يوم القيامة] هكذا ، [وشبك بين أصابعه]» (٦) ، فيكون معناه : أن للحج أشهر ، أى : لفعله أشهر معلومات. والله أعلم.

__________________

 ـ حجا ، وانعقد عمرة على الصحيح عندهم. وبه قال عطاء وطاووس ومجاهد وأبو ثور.

(١) أخرجه الشافعى فى الأم ، وابن أبى حاتم وابن مردويه ومن طريق آخر عنه أخرجه ابن أبى شيبة وابن خزيمة والحاكم وصححه ، والبيهقى كما فى الدر المنثور (١ / ٣٩٤).

(٢) أخرجه ابن مردويه عنه مرفوعا بنحوه كما فى الدر المنثور (١ / ٣٩٤).

(٣) سقط فى ط.

(٤) سقط فى ط.

(٥) سقط فى ط.

(٦) أخرجه مسلم (٢ / ٨٨٦ ـ ٨٩٢) كتاب الحج باب حجة النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم (١٤٧ / ١٢١٨) من حديث جابر ، وأخرجه الترمذى (٢ / ٢٥٩) أبواب الحج (٩٣٢) من حديث ابن عباس وأخرجه (٤ / ٤٥٤) كتاب المناسك باب التمتع بالعمرة إلى الحج (٢٩٧٧) من حديث سراقة بن جعشم.

٨٧

وقوله : (فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ).

اختلف فيما به فرض الحج؟

قال بعضهم : إذا نوى الحج صار محرما ، لبى أو لم يلب.

وقال آخرون : إذا نوى أن يعمل بجميع ما أمر وأن ينتهى عن جميع ما نهى ، صار بذلك محرما.

وأما عندنا : فإن تأويل قوله : (فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ) ، أى : لبى فيهن بالحج.

دليله ما روى عن ابن مسعود (١) ، وابن عباس (٢) ، وابن عمر (٣) ، رضوان الله تعالى عليهم أجمعين ، أنهم قالوا : (فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ) ، أى : لبى. وأما بالنية مجردا فإنه لا يكون محرما.

وما روى أيضا عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، أنه قال لعائشة ، رضى الله تعالى عنها ، وقد رآها حزينة : «ما لك؟ فقالت : أنا قضيت عمرتى ، وألفانى الحج عاركا. فقال : ذلك شىء كتبه الله تعالى على بنات آدم ، فحجى وقولى ما يقول المسلمون فى حجهم» (٤).

فبين قول رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم لعائشة ، رضى الله تعالى عنها ، [رد حجى وقولى ما يقول المسلمون فى حجهم أن التلبية واجبة إذ كان المسلمون يفعلونها وأمر عائشة رضى الله عنها](٥) باتباعهم فيها.

وعن عائشة ، رضى الله تعالى عنها ، أنها قالت : «لا يحرم إلا من أهل أو لبى».

فدلت هذه الأحاديث النبوية على أن التلبية فرض الحج ، وعن هؤلاء الأئمة وأمثالهم الذين نأخذ منهم الدين فلا تجوز مخالفتهم ولا العدول عن سبيلهم (٦).

__________________

(١) أخرجه ابن أبى شيبة كما فى الدر المنثور (١ / ٣٩٤).

(٢) أخرجه ابن أبى حاتم كما فى الدر المنثور (١ / ٣٩٤).

(٣) أخرجه ابن جرير (٣٥٥٧ ، ٣٥٦١) ، وانظر الدر المنثور (١ / ٣٩٤).

(٤) أخرجه البخارى (١ / ٥٣٢) كتاب الحيض ، باب الأمر بالنفساء إذا نفسن (٢٩٤) ، ومسلم (٢ / ٨٧٣) ، كتاب الحج ، باب بيان وجوه الإحرام (١١٩ / ١٢١١) بنحوه.

(٥) سقط فى ط.

(٦) التلبية شرط فى الإحرام عند أبى حنيفة ومحمد وابن حبيب من المالكية ؛ فلا يصح الإحرام بمجرد النية ، حتى يقرنها بالتلبية أو ما يقوم مقامها مما يدل على التعظيم من ذكر ودعاء أو سوق الهدى.

فإذا نوى النسك الذى يريده من حج أو عمرة أو هما معا ولبى فقد أحرم ، ولزمه كل أحكام الإحرام ، وأن يمضى فى أداء ما أحرم به. والمعتمد عندهم أنه يصير محرما بالنية لكن عند التلبية ، كما يصير شارعا فى الصلاة بالنية ، لكن بشرط التكبير ، لا بالتكبير. وقد نقل هذا المذهب عن عبد الله بن مسعود ، وابن عمر ، وعائشة ، وإبراهيم النخعى ، وطاوس ومجاهد ، وعطاء بل ادعى فيه اتفاق السلف. وذهب غيرهم إلى أن التلبية لا تشترط فى الإحرام ، فإذا نوى فقد أحرم بمجرد النية ، ـ

٨٨

وقال أصحابنا ـ رحمهم‌الله تعالى ـ : إن خرج رجل مع بدنته وقلدها ونوى الإحرام فهو محرم ، ويقوم ذلك الفعل منه مقام التلبية.

والحجة لذلك : أن النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال لأصحابه ، رضوان الله تعالى عليهم أجمعين ، فى حجته لما أمرهم بأن يحلوا العمرة ، فقالوا له : إنك لم تحل. قال «إنى قلدت الهدى ، فلا أحل من إحرامى إلى يوم النحر» (١).

وقال : «لو استقبلت من أمرى ما استدبرت ، ما سقت الهدى» (٢). فأخبر النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم أن الذى منعه من الحل تقليده الهدى ، وأن ذلك قام مقام الإحرام لو جدده بعد الطواف.

وروى عن على ، وعبد الله بن مسعود ، وجابر ، رضى الله تعالى عنهم ، أنهم قالوا : إذا قلد فقد أحرم.

وكذلك قال عبد الله بن عباس (٣) ـ رضى الله تعالى عنه ـ : إذا قلد ـ [وهو](٤) يريد الحج أو العمرة ـ فقد أحرم.

وما روى عن عائشة ـ رضى الله تعالى عنها ـ : لا يحرم إلا من أهل أو لبى (٥) ، فذلك

__________________

 ـ ولزمته أحكام الإحرام ، والمضى فى أداء ما أحرم به. ثم اختلفوا : فقال المالكية : هى واجبة فى الأصل ، والسنة قرنها بالإحرام. ويلزم الدم بطول فصلها عن النية. ولو رجع ولبى لا يسقط عنه الدم. وسواء أكان الترك أو طول الفصل عمدا أم نسيانا. وذهب الشافعية والحنابلة ـ وهو منقول عن أبى يوسف ـ إلى أن التلبية سنة فى الإحرام مطلقا.

ينظر : متن الكنز (١ / ٩٠) ، رد المحتار (٢ / ٢١٣ ، ٢١٤) ، المبسوط (٤ / ٦) (١٨٧) ، الشرح الكبير (٢ / ٤٠) ، المجموع (٧ / ٢٢٦ ، ٢٢٧) ، المغنى (٣ / ٢٨٨).

(١) أخرجه البخارى (٣ / ٥٦٠) كتاب : الحج ، باب : من لبد رأسه عند الإحرام وحلق ، حديث (١٧٢٥) ، ومسلم (٢ / ٩٠٢) كتاب : الحج ، باب : بيان أن القارن لا يتحلل إلا فى وقت تحلل الحاج المفرد ، حديث (١٧٦ ، ١٢٢٩) ، وأبو داود (٢ / ٣٩٨) كتاب : المناسك (الحج) ، باب : فى الإقران ، حديث (١٨٠٦) ، وابن ماجه (٢ / ١٠١٢ ، ١٠١٣) كتاب : المناسك ، باب : من لبد رأسه ، حديث (٣٠٤٦) ، والنسائى (٥ / ١٣٦) كتاب : الحج ، باب : التلبيد عند الإحرام ، والبيهقى (٥ / ١٣٤) كتاب : الحج ، باب : من لبد أو ضفر أو عقص حلق ، وأحمد (٦ / ٢٨٣) ، وأبو يعلى (١٢ / ٤٧٧) ، رقم (٧٠٥٠) ، وابن حبان (٣٩٣٣ ، الإحسان) ، والطحاوى (٢ / ١٤٤) ، والبغوى فى شرح السنة (٢ / ٤٧) ، عن حفصة أنها قالت : يا رسول الله ما شأن الناس حلوا بعمرة ولم تحلل أنت من عمرتك؟ قال : «إنى لبدت رأسى وقلدت هديى ، فلا أحلل حتى أنحر».

(٢) أخرجه البخارى (٤ / ٣١٢) كتاب الحج ، باب تقضى الحائض المناسك كلها (١٦٥١) ، ومسلم (٢ / ٨٨٣) ، كتاب الحج ، باب بيان وجوه الإحرام (١٤١ / ١٢١٦) ، وأبو داود (١ / ٥٥٦) ، كتاب المناسك ، باب فى إفراد الحج (١٧٨٩) ، والنسائى (٥ / ١٤٣) ، كتاب المناسك ، باب الكراهية فى الثياب المصبغة للمحرم.

(٣) أخرجه ابن أبى شيبة (١٢٦٩٩ ، ١٢٧٠٥ ، ١٢٧٠٦) ، وأخرجه أيضا عن ابن عمر (١٢٧١١).

(٤) سقط فى ط.

(٥) أخرجه ابن أبى شيبة (١٢٧١٦).

٨٩

عندنا فى الذى يقلد بدنته ولا يخرج معها ، لا يصير محرما.

ألا ترى ما روى عن عائشة ، رضى الله تعالى عنها ، أنها قالت : كان النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم يبعث بهديه ويقيم ، فلا يحرم عليه شىء (١).

وقوله : (فَلا رَفَثَ).

قيل : (الرَّفَثُ) ، جميع حاجات الرجال إلى النساء.

وقال ابن عباس (٢) ـ رضى الله تعالى عنه ـ : (الرَّفَثُ) ، الجماع. وعن عبد الله بن عمر (٣) ، رضى الله تعالى عنه ، مثله.

وأجمع أهل العلم أن المحرم لا يجوز له أن يقبل امرأته ، ولا يمسها بشهوة (٤). ويوجبون على من فعل ذلك دما.

روى عن ابن عمر (٥) ـ رضى الله تعالى عنه ـ : إذا باشر المحرم امرأته أهرق دما.

وعن على (٦) ـ رضى الله تعالى عنه ـ قال : إذا قبل المحرم امرأته فعليه دم.

وسئلت عائشة ، رضى الله تعالى عنها ، عما يحل للمحرم من امرأته؟ فقالت : يحرم عليه كل شىء سوى الكلام.

وقوله : (وَلا فُسُوقَ).

قيل (٧) : الفسوق ، السب (٨).

__________________

(١) أخرجه البخارى (٤ / ٣٦٨) ، كتاب الحج ، باب تقليد الغنم (١٧٠١ ، ١٧٠٢ ، ١٧٠٣ ، ١٧٠٤) ، ومسلم (٢ / ٩٥٧) كتاب الحج ، باب استحباب بعث الهدى (٣٥٩ / ١٣٢١) ، من طرق عنها بألفاظ متقاربة.

(٢) أخرجه ابن جرير من (٣٥٩٧) إلى (٣٦٠٣) ، وانظر الدر المنثور (١ / ٣٩٦).

(٣) أخرجه ابن جرير (٣٦٢١ ، ٣٦٢٩) ، وانظر الدر المنثور (١ / ٣٩٦).

(٤) المقدمات المباشرة أو القريبة ، كاللمس بشهوة ، والتقبيل ، والمباشرة بغير جماع : يجب على من فعل شيئا منها الدم سواء أنزل منيّا أو لم ينزل. ولا يفسد حجه اتفاقا بين الحنفية والشافعية والحنابلة ، إلا أن الحنابلة قالوا : إن أنزل وجب عليه بدنة. ومذهب المالكية : إن أنزل بمقدمات الجماع منيّا فحكمه حكم الجماع فى إفساد الحج ، وعليه ما على المجامع ، وإن لم ينزل فليهد بدنة.

ينظر : الهداية (٢ / ٢٣٧ ، ٢٣٨) ، حاشية العدوى (١ / ٤٨٩) ، نهاية المحتاج (٢ / ٤٥٦) ، المغنى (٣ / ٣٣٨).

(٥) أخرجه ابن أبى شيبة (١٣٨٠٥) بنحوه.

(٦) أخرجه ابن أبى شيبة (١٣٨٠٣) بنحوه.

(٧) قاله ابن عمر ، أخرجه ابن جرير عنه (٣٦٦٠ ، ٣٦٦٢) ، وعن ابن عباس (٣٦٦١ ، ٣٦٦٨) ، ومجاهد (٣٦٦٣ ، ٣٦٦٩) ، وغيرهم ، وانظر الدر المنثور (١ / ٣٩٦).

(٨) فى أ ، ط : السباب.

٩٠

وقيل : هو كل فسق ، والفسق حقيقة الخروج من أمر الله تعالى ، قال الله تعالى : (فَفَسَقَ عَنْ أَمْرِ رَبِّهِ) [الكهف : ٥٠] ، أى : خرج.

وقوله : (وَلا جِدالَ فِي الْحَجِّ).

قيل (١) : «الجدال» ، المراء. وذلك أن العرب كانت تؤخر الأشهر الحرم وتعجل ، وفى ذلك نزل قوله : (إِنَّمَا النَّسِيءُ زِيادَةٌ فِي الْكُفْرِ) [التوبة : ٣٧] ، فبين رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، وقال : «إن السّنة قد استدارت كهيئتها يوم خلق السموات والأرض» (٢) ، فعلى ذلك استدار وقت الحج إلى حيث جعل ، لا يتقدم أبدا ولا يتأخر ، فلا تماروا فيه.

وعن ابن عباس (٣) ، رضى الله تعالى عنه ، أنه قال : لا تجادل صاحبك حتى تغضبه.

وأشبه الأمور ـ والله أعلم ـ بتأويل الآية : أن الله سبحانه وتعالى [أمر بحفظ](٤) اللسان والفرج فى الإحرام عن كل ما يذكر من فسوق ، ومعصية ، ومجادلة ، ومخاصمة ، وعن الرفث بالفعل والقول ؛ لأنه يروى أن الفضل بن عباس (٥) كان رديف (٦) رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم [من المزدلفة إلى منى](٧) ، وكان الفتى يلاحظ النساء وينظر إليهن ، فجعل النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم يصرف وجهه بيده من خلفه ، فقال النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «إن هذا يوم من ملك سمعه ، وبصره ، ولسانه غفر له ، أو كما قال» (٨).

وروى عنه صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، أنه قال : «من حج فلم يرفث ولم يفسق ، رجع كيوم ولدته أمه» (٩).

__________________

(١) قاله ابن عباس ، أخرجه ابن جرير عنه (٣٦٩٥ ، ٣٦٩٦) ، وعن مجاهد (٣٦٨٣) ، وإبراهيم (٣٦٨٧) ، وقتادة والزهرى (٣٦٩٣ ، ٣٦٩٨) ، وغيرهم. وانظر الدر المنثور (١ / ٣٩٦).

(٢) يأتى تخريجه.

(٣) أخرجه ابن جرير (٣٦٧٤ ، ٣٦٧٥ ، ٣٦٨١) ، وانظر الدر المنثور (١ / ٣٩٦).

(٤) فى ط : يحفظ.

(٥) الفضل بن العباس بن عبد المطلب الهاشمى ، ابن عم النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، كان وسيما جميلا. له أربعة وعشرون حديثا ، اتفقا على حديثين. وعنه : أخوه وأبو هريرة وكريب. قال ابن سعد : شهد الفتح وحنينا. قال الواقدى : مات فى طاعون عمواس سنة ثمانى عشرة ، وقيل : قتل يوم اليرموك. وقيل : بدمشق ، وعليه درع النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم.

ينظر : الخلاصة (٢ / ٣٣٥ ، ٣٣٦) ، (٥٧١٦) ، تهذيب الكمال (٢ / ١٠٩٥) تهذيب التهذيب (٨ / ٢٨٠) ، (٥١٢) ، الكاشف (٢ / ٣٨٢) ، تاريخ البخارى الكبير (٧ / ١١٤).

(٦) فى أ ، ب : ردف.

(٧) سقط فى أ.

(٨) أخرجه أحمد (١ / ٣٢٩ ، ٣٥٦) ، وابن خزيمة (٢٨٣٣ ، ٢٨٣٤) ، وله طريق أخرى ، أخرجه الطبرانى فى الكبير (١٢ / ٢٣٢) (١٢٩٧٤) عن ابن عباس.

(٩) أخرجه البخارى (٣ / ٣٨٢) كتاب الحج : باب فضل الحج المبرور حديث (١٥٢١) ، (٤ / ٢٥) كتاب المحصر : باب قول الله تعالى ( فَلا رَفَثَ ) حديث (١٨١٩) ، وباب قول الله عزوجل (وَلا فُسُوقَ ـ

٩١

وقوله : (وَما تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ يَعْلَمْهُ اللهُ).

ويجزيه ؛ [وفيه](١) ترغيب منه فى كل خير.

وقوله : (وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوى).

قيل (٢) : (وَتَزَوَّدُوا) للحج والعمرة ما تكفون به وجوهكم عن المسألة ، ولا تخرجوا بلا زاد لتكونوا عيالا على الناس.

ويحتمل : أن يكون الأمر بالتزود للمعاد ، يدل عليه قوله : (فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوى) ، يقول : إن تقوى الله خير زاد من زاد الدنيا.

وقوله : (وَاتَّقُونِ يا أُولِي الْأَلْبابِ).

يحتمل : (وَاتَّقُونِ) ، المعاصى والمناهى وكل فسق.

ويحتمل : على التقديم والتأخير ، كأنه قال : «تزودوا يا أولى الألباب» ، (وَاتَّقُونِ) فى المسألة من الناس.

قوله تعالى : (لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُناحٌ أَنْ تَبْتَغُوا فَضْلاً مِنْ رَبِّكُمْ فَإِذا أَفَضْتُمْ مِنْ عَرَفاتٍ فَاذْكُرُوا اللهَ عِنْدَ الْمَشْعَرِ الْحَرامِ وَاذْكُرُوهُ كَما هَداكُمْ وَإِنْ كُنْتُمْ مِنْ قَبْلِهِ لَمِنَ الضَّالِّينَ (١٩٨) ثُمَّ أَفِيضُوا مِنْ حَيْثُ أَفاضَ النَّاسُ وَاسْتَغْفِرُوا اللهَ إِنَّ اللهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (١٩٩) فَإِذا قَضَيْتُمْ مَناسِكَكُمْ فَاذْكُرُوا اللهَ كَذِكْرِكُمْ آباءَكُمْ أَوْ أَشَدَّ ذِكْراً فَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ رَبَّنا آتِنا فِي الدُّنْيا وَما لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِنْ خَلاقٍ (٢٠٠) وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ رَبَّنا آتِنا فِي الدُّنْيا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنا عَذابَ النَّارِ (٢٠١) أُولئِكَ لَهُمْ نَصِيبٌ مِمَّا

__________________

 ـ وَلا جِدالَ فِي الْحَجِّ) حديث (١٨٢٠) ، ومسلم (٢ / ٩٨٣) كتاب الحج : باب فى فضل الحج والعمرة حديث (٤٣٨ / ١٣٥٠) ، والنسائى (٥ / ١١٤) ، كتاب الحج : باب فضل الحج ، والترمذى (٣ / ١٧٦) ، كتاب الحج : باب ما جاء فى ثواب الحج والعمرة حديث (٨١١) ، وابن ماجه (٢ / ٩٦٤ ـ ٩٦٥) كتاب المناسك : باب فضل الحج والعمرة حديث (٢٨٨٩) ، وأحمد (٢ / ٢٤٨ ، ٤١٠ ، ٤٨٤) ، والطيالسى (١ / ٢٠٢ ـ منحة) رقم (٩٧٥) ، والدارمى (٢ / ٣١) كتاب المناسك : باب فى فضل الحج والعمرة ، وأبو يعلى (١١ / ٦١) رقم (٦١٩٨) ، وأبو نعيم فى الحلية (٨ / ٣١٦) ، وابن خزيمة (٤ / ١٣١) رقم (٢٥١٤) ، وابن حبان رقم (٣٧٠٢ ـ الإحسان) ، والبيهقى (٥ / ٦٧) ، كتاب الحج : باب لا رفث ولا فسوق ولا جدال فى الحج ، والخطيب فى تاريخ بغداد (١١ / ٢٢٢) ، والحميدى (٢ / ٤٤٠) رقم (١٠٠٤) ، والبغوى فى شرح السنة (٤ / ٤) كلهم من طريق أبى حازم عن أبى هريرة مرفوعا.

وقال الترمذى : حديث أبى هريرة حديث حسن صحيح.

(١) سقط فى أ.

(٢) قاله ابن عباس ، أخرجه ابن جرير عنه (٣٧٥٢) ، ومن طريق أخرى أخرجه البخارى (١٥٢٣) ، وعبد ابن حميد وأبو داود ، والنسائى وابن المنذر وابن حبان والبيهقى كما فى الدر المنثور (١ / ٣٩٨).

٩٢

كَسَبُوا وَاللهُ سَرِيعُ الْحِسابِ (٢٠٢) وَاذْكُرُوا اللهَ فِي أَيَّامٍ مَعْدُوداتٍ فَمَنْ تَعَجَّلَ فِي يَوْمَيْنِ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ وَمَنْ تَأَخَّرَ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ لِمَنِ اتَّقى وَاتَّقُوا اللهَ وَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ)(٢٠٣)

وقوله : (لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُناحٌ أَنْ تَبْتَغُوا فَضْلاً مِنْ رَبِّكُمْ).

قيل (١) : التجارة ، وذلك أن أهل الجاهلية كانوا يتحرجون من التجارة فى عشر من ذى الحجة ، فلما أن كان الإسلام امتنع أهل الإسلام عن التجارة ، وأحبوا أن يكون خروجهم للحج خاصة ، دون أن يختلط غيره من الأعمال ، فرخص الله عزوجل للحاج وطلب الفضل.

وروى عن ابن عمر ـ رضى الله تعالى عنه ـ : أن رجلا سأله ، فقال : إنا قوم نكرى ، ويزعمون أنه ليس لنا حج ، [فهل لنا حج]؟ فقال : ألستم تحرمون وتقفون؟ فقال : بلى. قال : فأنتم حجاج. وقال : جاء رجل إلى النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، فسأله عما سألتنى عنه مثله ، فلم يجبه حتى أنزل الله تعالى هذه الآية : (لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُناحٌ أَنْ تَبْتَغُوا فَضْلاً مِنْ رَبِّكُمْ) ، فقال النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «أنتم حجاج» (٢) [وروى عن ابن عباس رضى الله عنه مثله](٣).

وأصحابنا ، رحمهم‌الله تعالى ، يرون حج الأجير والتاجر تامّا ، وظاهر القرآن يدل على ذلك. وكان عند القوم أن الاستئجار على الطاعة لا يجوز أمرا ظاهرا حتى سألوا فى هذا.

وأصله : أن الحج لا يمنع أفعال غيره ، فأشبه الصوم ، ويجوز فيه الإجارة ، كذا فى هذا.

وأما الصلاة فهى مانعة لما سواها من الأفعال ؛ فاختلفا.

وقوله : (فَإِذا أَفَضْتُمْ مِنْ عَرَفاتٍ).

قيل : إن أهل الجاهلية كانوا يفيضون من عرفات قبل غروب الشمس ، ومن مزدلفة بعد طلوع الشمس ، فأمر أهل الإسلام بالخلاف فى الحالين جميعا : أن يجعلوا الإفاضة من عرفة بعد الغروب ، ومن المزدلفة قبل طلوع الشمس. والله أعلم.

__________________

(١) قاله ابن عباس بنحوه ، أخرجه البخارى (٤٥١٩) ، وابن جرير (٣٧٧٢) ، وسفيان وسعيد بن منصور وابن المنذر وابن أبى حاتم والبيهقى فى سننه كما فى الدر المنثور (١ / ٤٠٠).

(٢) أخرجه ابن جرير (٣٧٦٨) ، وعبد الرزاق ، وسعيد بن منصور وابن أبى شيبة وأحمد وعبد بن حميد وأبو داود وابن المنذر وابن أبى حاتم والحاكم وصححه والبيهقى عن أبى أمامة التميمى عنه كما فى الدر المنثور (١ / ٤٠١).

(٣) سقط فى ط.

٩٣

وفى الخبر : «خالفوهم فى الرجعتين جميعا» (١).

والإفاضة : هى الإسراع فى المشى فى اللغة.

وقيل : الإفاضة : الانحدار.

وقوله : (فَاذْكُرُوا اللهَ عِنْدَ الْمَشْعَرِ الْحَرامِ).

يعنى المزدلفة.

[ويحتمل قوله (فَاذْكُرُوا اللهَ) وجهين :

يحتمل : صلاة المغرب والعشاء](٢)

ويحتمل : الدعاء (٣) فيهما جميعا.

وقال ابن عباس (٤) ـ رضى الله تعالى عنهما ـ : (الْمَشْعَرِ الْحَرامِ) ، الجبل وما حوله ، وهو الجبل الذى يوقف عليه يقال له : «قزح» ، وسمى «جمعا» ، أيضا [لأنه يجمع بين المغرب والعشاء فى وقت العشاء ، وقيل : يسمى جمعا](٥) لأنه اجتمع فيه آدم وحواء.

وروى عن ابن عباس ، رضى الله تعالى عنه ، أنه قال : سمى العرفات عرفات ؛ لأن جبريل ، صلوات الله تعالى عليه ، لما علّم إبراهيم ـ عليه‌السلام ـ المناسك كان يقول له : عرفت عرفت (٦). والله أعلم بذلك.

وقوله : (وَاذْكُرُوهُ كَما هَداكُمْ وَإِنْ كُنْتُمْ مِنْ قَبْلِهِ لَمِنَ الضَّالِّينَ)

يحتمل وجوها :

يحتمل : الأمر بالذكر أمر بالشكر له على ما أنعم عليهم من أنواع النعم.

ويحتمل : (وَاذْكُرُوهُ كَما هَداكُمْ) ، وأرشدكم لأمر المناسك.

ويحتمل : الأمر بالتوحيد ؛ كأنه قال : وحدوه كما وفقكم لدينه ، وعلى ذلك يخرج قوله : (وَإِنْ كُنْتُمْ مِنْ قَبْلِهِ لَمِنَ الضَّالِّينَ) عن الهدى ، وعن المناسك ، وعن معرفة النعم والشكر. والله أعلم.

__________________

(١) أخرجه الحاكم وابن مردويه والبيهقى فى سننه عن المسور بن مخرمة بنحوه كما فى الدر المنثور (١ / ٤٠٢).

(٢) سقط فى ط.

(٣) فى أ : الدماء.

(٤) أخرجه ابن جرير (٣٨٢٣ ، ٣٨٢٥) ، وانظر الدر المنثور (١ / ٤٠٤).

(٥) سقط فى ط.

(٦) أخرجه ابن جرير (٣٨٩٨) ، ووكيع كما فى الدر المنثور (١ / ٤٠١).

٩٤

قال الشيخ ـ رضى الله تعالى عنه ـ : الهدى على وجهين :

هدى : عرف ، ليوحدوه.

وهدى : وفق ، لطاعتهم.

وقوله : (ثُمَّ أَفِيضُوا مِنْ حَيْثُ أَفاضَ النَّاسُ وَاسْتَغْفِرُوا اللهَ إِنَّ اللهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ).

قيل (١) : إن أهل الحرم كانوا لا يقفون بعرفات ، ويقولون : [إنما] نحن أهل حرم الله ، لا نفيض كغيرنا ، ممن قصدنا ، فأنزل الله فيهم : (ثُمَّ أَفِيضُوا مِنْ حَيْثُ أَفاضَ النَّاسُ) ، أمرهم بالوقوف بعرفات ، والإفاضة منها من حيث أفاض غيرهم من الناس.

وذكر عن عائشة ، رضى الله تعالى عنها ، أنها قالت : كانت قريش ، ومن كان على دينها يقفون بالمزدلفة ولا يقفون بعرفة ، [وكان من سواهم يقفون بعرفة]. فأنزل الله تعالى : (ثُمَّ أَفِيضُوا مِنْ حَيْثُ أَفاضَ النَّاسُ)(٢).

وفيه دليل أن الوقوف بعرفة فرض (٣) ، وعلى ذلك جاءت الآثار ؛ روى عن رسول الله

__________________

(١) قاله قتادة بنحوه ، أخرجه ابن جرير عنه (٣٨٤٠) ، وعن السدى (٣٨٤١) ، والربيع (٣٨٤٢) ، وغيرهم ، ينظر : الدر المنثور (١ / ٤٠٩).

(٢) أخرجه البخارى (٤٥٢٠) ، ومسلم (١٥١ / ١٢١٩) ، وأبو داود (١٩١٠) ، والترمذى (٨٨٤) ، والنسائى (٥ / ٢٥٤) ، والطبرى (٣٨٣٤).

(٣) المراد من الوقوف بعرفة : وجود الحاج فى أرض (عرفة) ، بالشروط والأحكام المقررة. والوقوف بعرفة ركن أساسى من أركان الحج ، يختص بأنه من فاته فقد فاته الحج. وقد ثبتت ركنية الوقوف بعرفة بالأدلة القاطعة من الكتاب والسنة والإجماع : أما القرآن فقوله تعالى : (ثُمَّ أَفِيضُوا مِنْ حَيْثُ أَفاضَ النَّاسُ). فقد ثبت أنها نزلت تأمر بالوقوف بعرفة. وأما السنة : فعدة أحاديث ، أشهرها حديث : «الحج عرفة». وأما الإجماع : فقد صرح به عدد من العلماء ، وقال ابن رشد : أجمعوا على أنه ركن من أركان الحج ، وأنه من فاته فعليه حج قابل.

ويبدأ وقت الوقوف بعرفة من زوال الشمس يوم عرفة ـ وهو تاسع ذى الحجة ـ ويمتد إلى طلوع الفجر الصادق يوم عيد النحر حتى لو وقف بعرفة فى غير هذا الوقت كان وقوفه باطلا اتفاقا فى الجملة. وقد أجمعوا على أن آخر وقت وقوف عرفة هو طلوع الفجر يوم النحر. أما ابتداء وقت الوقوف بعرفة فقد وقع فيه اختلاف : فذهب الحنفية والشافعية إلى أن أوله زوال شمس يوم عرفة. وذهب مالك : إلى أن وقت الوقوف هو الليل ، فمن لم يقف جزءا من الليل لم يجزئ وقوفه وعليه الحج من قابل ، وأما الوقوف نهارا فواجب ينجبر بالدم بتركه عمدا بغير عذر. وعند الحنابلة : وقت الوقوف من طلوع الفجر يوم عرفة إلى طلوع الفجر من يوم النحر.

وقد قسم الحنفية والحنابلة زمان الوقوف إلى قسمين :

 ـ زمان الركن الذى تتأدى به فريضة الوقوف بعرفة : وهو أن يوجد فى عرفة خلال المدة التى عرفناها عند كلّ ، ولو زمانا قليلا جدا.

 ـ زمان الواجب : وهو أن يستمر من وقف بعد الزوال إلى أن تغرب الشمس ، فلا يجاوز حد عرفة إلا بعد الغروب ، ولو بلحظة. وهو المقصود بقولهم : أن يجمع بين الليل والنهار بعرفة. فلو فارق عرفة قبل الغروب وجب عليه دم عند الجمهور ، أما إذا لم يقف بعرفة إلا بعد المغرب فلا شىء ـ

٩٥

صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «الحج عرفة ، من أدرك عرفة بليل ، وصلى معنا بجمع ، فقد تم حجه» (١).

ويحتمل فى قوله : (ثُمَّ أَفِيضُوا مِنْ حَيْثُ أَفاضَ النَّاسُ) ، معنى آخر : وهو أنهم رأوا غيرهم من أهل الآفاق فإذا قصدوا على الإحرام من وراء الحرم ، وهم أمروا بالإحرام [فى الحرم](٢) ، فلما خصوهم بذلك ظنوا أن قضاء غيره من المناسك فى الحرم. والله أعلم.

قال الشيخ أبو منصور ـ رحمة الله تعالى عليه ـ : أمر بالإفاضة بحرف «ثم» ، بعد ذكر المزدلفة (٣) والإفاضة من عرفات بتقديم المزدلفة ، فبان أن حرف «ثم» مما قد يبتدأ به أيضا.

وقوله : (فَإِذا قَضَيْتُمْ مَناسِكَكُمْ فَاذْكُرُوا اللهَ كَذِكْرِكُمْ آباءَكُمْ أَوْ أَشَدَّ ذِكْراً).

قيل فيه بوجهين :

قيل (٤) : إنهم فى الجاهلية كانوا إذا قضوا المناسك يجتمعون فى مكان ويذكرون آباءهم ومناقبهم ويفتخرون بذلك ، فلما أن أسلموا أمرهم أن يذكروا ربهم فى الإسلام كذكرهم آباءهم فى الجاهلية أو أشد ذكرا ، فإنه أولى بذلك من الآباء.

وقيل : أن يكونوا يذكرون آباءهم ـ ما أنعم عليهم وأحسن إليهم ـ فقال : اذكروا لى

__________________

 ـ عليه.

وأما المالكية فزمان الركن عندهم هو الوقوف ليلا ، أما نهارا فواجب. وأما الشافعية : فالمعتمد عندهم أن الجمع بين الليل والنهار بعرفة سنة ليس واجبا ، لكن يستحب له بتركه الفداء استحبابا ، وفى أى وقت وقف بعرفة من بعد الزوال إلى فجر يوم النحر أجزأه.

ينظر : المسلك المتقسط ص (٥١ ، ٥٢ ، ١٢٩ ـ ١٣٩) ، شرح الزرقانى (٢ / ٢٦٩) ، شرح الرسالة وحاشية العدوى (١ / ٤٧٥) ، شرح المنهاج (٢ / ١١٤) ، نهاية المحتاج (٢ / ٤٢٢ ـ ٤٢٣) ، مغنى المحتاج (١ / ٤٩٦ ـ ٤٩٨) ، المغنى (٣ / ٤١٤ ـ ٤١٦).

(١) تقدم تخريجه.

(٢) سقط فى ط.

(٣) يسن للحاج أن يبيت بالمزدلفة ليلة عيد النحر ، ويمكث بها حتى يطلع الفجر ، ثم يقف للدعاء ويمكث فيها حتى يسفر جدا ، ثم يدفع إلى منى ، فهذا سنة عند الحنفية والشافعية ، مندوب عند المالكية ، مستحب عند الحنابلة. وذلك لفعله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، قال جابر : «حتى أتى المزدلفة ، فصلى بها المغرب والعشاء بأذان واحد وإقامتين ، ولم يسبح بينهما شيئا ، ثم اضطجع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم حتى طلع الفجر وصلى الفجر حين تبين له الصبح بأذان وإقامة ، ثم ركب القصواء حتى أتى المشعر الحرام ...».

ينظر : المسلك المتقسط ص (٥١ ، ٥٢) ، المجموع (٨ / ١٢٩) ، الشرح الكبير (٢ / ٤٤) ، المغنى (٣ / ٤٢٣).

(٤) قاله مجاهد ، أخرجه ابن جرير عنه (٣٨٥٦ ، ٣٨٥٧) ، وعن قتادة (٣٨٥٨ ، ٣٨٥٩) ، وأخرجه وكيع وعبد بن حميد عن عطاء كما فى الدر المنثور (١ / ٤١٧).

٩٦

فيما تذكرون آباءكم مكان آبائكم [فإنى أنا](١) الذى أنعمت عليكم [وعلى آبائكم](٢) ، فاجعلوا ذلك لى دون آبائكم.

وقوله : (فَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ رَبَّنا آتِنا فِي الدُّنْيا وَما لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِنْ خَلاقٍ).

[وقوله : (وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ رَبَّنا آتِنا فِي الدُّنْيا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنا عَذابَ النَّارِ)

وقوله : (أُولئِكَ لَهُمْ نَصِيبٌ مِمَّا كَسَبُوا وَاللهُ سَرِيعُ الْحِسابِ)](٣).

وقوله : (فَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ رَبَّنا آتِنا فِي الدُّنْيا وَما لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِنْ خَلاقٍ ..). الآية فى قوم لا يؤمنون بالبعث والإحياء بعد الموت ، [طلبوا](٤) خيرات الدنيا ، ولم يطلبوا الخيرات فى الآخرة ، فأعطوا ما سألوا من حسنات الدنيا ، وهو كقوله : (وَمَنْ كانَ يُرِيدُ حَرْثَ الدُّنْيا نُؤْتِهِ مِنْها وَما لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِنْ نَصِيبٍ) [الشورى : ٢٠] ، فأعطوا ما سألوا من نصيب ؛ (مَنْ كانَ يُرِيدُ حَرْثَ الْآخِرَةِ نَزِدْ لَهُ فِي حَرْثِهِ) [الشورى : ٢٠] ، أى يؤتى حرث الدنيا والآخرة ، فمن كان ركونهم إلى الدنيا وميلهم إليها لم يركنوا إلى دعاء غيرها ، وأما من آمن بالبعث والإحياء بعد الموت فإنهم سألوا خيرات الدنيا والآخرة جميعا بقوله : (رَبَّنا آتِنا فِي الدُّنْيا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنا عَذابَ النَّارِ) ، طلبوا حسنات الدنيا ؛ لأن الدنيا جعلها محل الزاد للآخرة ، لأنه جعلها لهم ، إنما خلقهم للآخرة ؛ كقوله : (وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوى) [البقرة : ١٩٧].

ثم اختلف فى (حَسَنَةً) فى الدنيا ، و (حَسَنَةً) فى الآخرة :

قيل (٥) : حسنة الدنيا : العلم والعبادة ، وحسنة الآخرة : الجنة والمغفرة.

وقيل (٦) : حسنة الدنيا : النصر والرزق ، وحسنة الآخرة : الرحمة والرضوان. وكله واحد.

وروى عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، أنه قال : «إن لله عبادا يحيون فى عافية ، ويموتون فى عافية ، ويدخلون الجنة فى عافية. قيل : يا رسول الله ، بم؟ قال : بكثرة قولهم : (رَبَّنا

__________________

(١) سقط فى أ ، ط.

(٢) سقط فى ط.

(٣) ما بين المعقوفين سقط فى أ.

(٤) سقط فى ط.

(٥) قاله الحسن ، أخرجه ابن جرير عنه (٣٨٨١ ، ٣٨٨٢ ، ٣٨٨٣) ، وابن أبى شيبة وعبد بن حميد والذهبى فى فضل العلم والبيهقى فى شعب الإيمان كما فى الدر المنثور (١ / ٤١٩).

(٦) قاله سفيان الثورى بنحوه ، أخرجه ابن جرير عنه (٣٨٨٤).

٩٧

آتِنا فِي الدُّنْيا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنا عَذابَ النَّارِ).(١)

وقوله : (وَاللهُ سَرِيعُ الْحِسابِ)

قيل فيه بوجوه :

قيل : فيه تقديم وتأخير ، كأنه قال : حسابه سريع.

وقيل (٢) : (سَرِيعُ) ، كما أن الإبطاء فى الحساب يكون للتفكر فيه والاستذكار وحفظ عقد الأصابع أو لشغل شغله ، فالله ـ تعالى ـ يتعالى عن ذلك أن يوصف به أو يشغله شىء.

وقيل : (سَرِيعُ) ، أى قريب ، كأن قد جاء ، كقوله : (اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ) [القمر : ١] ، وكقوله : (وَاقْتَرَبَ الْوَعْدُ الْحَقُ) [الأنبياء : ٩٧] ، وكقوله : (أَتى أَمْرُ اللهِ) [النحل : ١] ، أى قرب.

وقيل : كناية عن عذاب شديد ، أى شديد العقاب والعذاب ، [وهو كقوله : (أَتى أَمْرُ اللهِ) [النحل : ١]](٣) وهو كقوله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «من نوقش الحساب عذب» (٤).

وقوله : (وَاذْكُرُوا اللهَ فِي أَيَّامٍ مَعْدُوداتٍ).

قيل : إنه يحتمل وجهين :

قيل : إنه أراد بالأيام المعدودات أيام النحر والذبح ، أى : اذكروا الله بالنحر والذبح فى أيامكم. فهو عند أبى حنفية ، رحمه‌الله تعالى ، يوم النحر ويومان بعده.

وقيل (٥) : أراد بالأيام المعدودات أيام رمى الجمار ، دليله قوله تعالى : (فَمَنْ تَعَجَّلَ فِي يَوْمَيْنِ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ) ، وهى أيام التشريق ، وهى ثلاثة أيام بعد النحر.

وروى عن على (٦) ، رضى الله تعالى عنه ، أنه قال : «الأيام المعدودات : يوم النحر ويومان بعده ، اذبح فى أيها شئت ، وأفضلها أولها».

__________________

(١) أخرجه الطبرانى فى الأوسط عن ابن مسعود بدون ذكر الآية كما فى كنز العمال (١١٢٤٧).

(٢) قاله ابن جرير (٢ / ٣١٤) ، والبغوى (١ / ١٧٨).

(٣) سقط فى ط.

(٤) أخرجه البخارى (١٣ / ٢١٥) ، كتاب الرقاق باب من نوقش الحساب عذّب (٦٥٣٦) ، ومسلم (٤ / ٢٢٠٥) ، كتاب الجنة وصفة نعيمها وأهلها (٧٩ / ٢٨٧٦) (٦ / ٤٧ ، ١٠٨ ، ٩١ ، ١٢٧) ، وأبو داود (٢ / ٢٠١) كتاب الجنائز باب عيادة النساء (٣٠٩٣) ، والترمذى (٤ / ٢٢٣) كتاب صفة القيامة (٢٤٢٦).

(٥) قاله ابن عباس ، أخرجه ابن جرير عنه من (٣٨٨٩) إلى (٣٨٩٥) ، وعن عطاء (٣٨٩٦ ، ٣٨٩٧) ، ومجاهد (٣٨٩٨ ، ٣٨٩٩ ، ٣٩٠٠ ، ٣٩٠١) ، وغيرهم.

(٦) أخرجه عبد بن حميد وابن أبى الدنيا وابن أبى حاتم كما فى الدر المنثور (١ / ٤٢٠).

٩٨

وكذلك روى عن عمر ، رضى الله تعالى عنه. والله أعلم.

وقوله : (فَمَنْ تَعَجَّلَ فِي يَوْمَيْنِ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ وَمَنْ تَأَخَّرَ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ).

قيل (١) : (فَمَنْ تَعَجَّلَ فِي يَوْمَيْنِ) ، أى : بعد يوم النحر [بيومين](٢). يقول : من نفر من منى قبل غروب الشمس فى اليوم الثانى فلا إثم عليه ، ومن لم ينفر حتى غربت الشمس وأقام إلى الغد ـ اليوم الثالث ـ فيرمى الجمار ، ثم ينفر فلا إثم عليه.

وقيل : (فَمَنْ تَعَجَّلَ فِي يَوْمَيْنِ) ، من أيام التشريق فلا إثم عليه ، ومن تأخر إلى اليوم الثالث من أيام التشريق فلا إثم عليه.

ثم لا يحتمل قوله : (فَمَنْ تَعَجَّلَ فِي يَوْمَيْنِ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ وَمَنْ تَأَخَّرَ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ) ، أن يكونا جميعا على الرخصة ، التعجيل والتأخير جميعا ، فلا يلحقه الإثم بكليهما ؛ لأنه إذا كان التعجل هو الرخصة فالتأخر لا يكون رخصة ، وإذا كان التأخر هو الرخصة فالتعجل ليس برخصة ، لكن الوجه فيه ـ والله أعلم ـ ما روى عن ابن عباس (٣) ، رضى الله تعالى عنه ، أنه قال : (فَمَنْ تَعَجَّلَ فِي يَوْمَيْنِ) غفر له ، (وَمَنْ تَأَخَّرَ) غفر له ما كان له من الإثم والذنب فى اليوم الذى أخر. والله أعلم.

ويحتمل : أنه خيره ، أى : إن فعل ذا أو ذا فلا إثم عليه.

وعن ابن مسعود (٤) ، رضى الله تعالى عنه ، أنه قال فى قوله تعالى : (فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ) : رجع مغفورا له.

وقوله : (لِمَنِ اتَّقى وَاتَّقُوا اللهَ وَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ).

قيل فيه بوجوه :

قيل (٥) : (لِمَنِ اتَّقى) ، قتل الصيد فى الإحرام ، وعلى ذلك قوله : (وَاتَّقُوا اللهَ) أى فلا تستحلوا قتل الصيد فى الإحرام.

وقال (٦) ابن عباس ـ رضى الله تعالى عنه ـ : من اتقى معاصى الله جملة.

__________________

(١) قاله ابن عباس ، أخرجه ابن جرير عنه (٣٩٣٤) ، وعن عطاء والحسن وعكرمة ومجاهد والسدى وغيرهم (٣٩٢٠ ، ٣٩٢١ ، ٣٩٢٢ ، ٣٩٢٣ ، ٣٩٢٤) ، وانظر الدر المنثور (١ / ٤٢٣ ـ ٤٢٤).

(٢) سقط فى ط.

(٣) أخرجه ابن جرير (٣٩٤٤) ، وانظر الدر المنثور (١ / ٤٢٤).

(٤) أخرجه ابن جرير (٣٩٤٦) ، وانظر الدر المنثور (١ / ٤٢٤).

(٥) قاله ابن عباس ، أخرجه ابن جرير عنه (٣٩٥٧) ، وعن أبى صالح (٣٩٥٦) ، وانظر الدر المنثور (١ / ٤٢٣).

(٦) قاله ابن عباس ، أخرجه ابن جرير عنه (٣٩٥٥) ، وانظر الدر المنثور (١ / ٤٢٣).

٩٩

وقيل : (لِمَنِ اتَّقى) جميع ما يحرم عليه الإحرام من الرفث ، والفسوق ، والجدال وغيره ، وعلى ذلك قوله : (وَاتَّقُوا اللهَ وَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ) ، خوفهم عزوجل ليتقوا الله فى كل وقت كل معصية. خرج الخطاب فى الظاهر للمؤمنين ، ويحتمل أن يكون للكفار أيضا ، يأمرهم أن يتقوا الشرك وإشراك غيره فى أفعالهم ، لما أوعدهم بالحشر والجزاء لأعمالهم.

قوله تعالى : (وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُعْجِبُكَ قَوْلُهُ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَيُشْهِدُ اللهَ عَلى ما فِي قَلْبِهِ وَهُوَ أَلَدُّ الْخِصامِ (٢٠٤) وَإِذا تَوَلَّى سَعى فِي الْأَرْضِ لِيُفْسِدَ فِيها وَيُهْلِكَ الْحَرْثَ وَالنَّسْلَ وَاللهُ لا يُحِبُّ الْفَسادَ (٢٠٥) وَإِذا قِيلَ لَهُ اتَّقِ اللهَ أَخَذَتْهُ الْعِزَّةُ بِالْإِثْمِ فَحَسْبُهُ جَهَنَّمُ وَلَبِئْسَ الْمِهادُ (٢٠٦) وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغاءَ مَرْضاتِ اللهِ وَاللهُ رَؤُفٌ بِالْعِبادِ)(٢٠٧)

وقوله : (وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُعْجِبُكَ قَوْلُهُ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَيُشْهِدُ اللهَ عَلى ما فِي قَلْبِهِ).

قيل (١) : إن رجلا من الكفار كان يأتى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم فيخبره أنه يحبه وكان يعد له الإيمان والمتابعة له فى دينه ، ويحلف على ذلك ، وكان النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم يعجبه ذلك ويدنيه فى المجلس ، وفى قلبه خلاف ذلك ، فأنزل الله عزوجل : (وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُعْجِبُكَ قَوْلُهُ ..). الآية.

وقيل (٢) : إنها نزلت فى المنافقين ؛ لأنهم كانوا يرون من أنفسهم الموافقة له فى الدين ، ويظهرون أنهم على دينه ومذهبه ، ويضمرون الخلاف له فى السر والعداوة ، ويحلفون على ذلك ، فأنزل الله عزوجل : (وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُعْجِبُكَ قَوْلُهُ ..). الآية. والله أعلم.

وقوله : (وَهُوَ أَلَدُّ الْخِصامِ)

قيل (٣) : أشد الخصام.

وقيل (٤) : أجدل بالباطل.

وقيل (٥) : أظلم فى الخصومة ، لا يستقيم أبدا.

__________________

(١) قاله السدى بنحوه ، أخرجه ابن جرير عنه (٣٩٦٤) ، وابن المنذر وابن أبى حاتم كما فى الدر المنثور (١ / ٤٢٧).

(٢) قاله ابن عباس ، أخرجه ابن جرير عنه (٣٩٦٥) ، وابن إسحاق وابن المنذر وابن أبى حاتم كما فى الدر المنثور (١ / ٤٢٧).

(٣) قاله ابن عباس بنحوه ، أخرجه ابن أبى حاتم كما فى الدر المنثور (١ / ٤٢٨) ، وهو قول ابن جرير (٢ / ٣٢٧).

(٤) قاله ابن عباس ، أخرجه ابن جرير عنه (٣٩٧٦) ، وعن قتادة (٣٩٧٧ ، ٣٩٧٨) ، وانظر الدر المنثور (١ / ٤٢٨).

(٥) قاله مجاهد ، أخرجه ابن جرير عنه (٣٩٧٩ ، ٣٩٨٠) ، وعن السدى (٣٩٨١) ، وانظر الدر المنثور ـ

١٠٠