تأويلات أهل السنّة - ج ٢

أبي منصور محمّد بن محمّد بن محمود الماتريدي

تأويلات أهل السنّة - ج ٢

المؤلف:

أبي منصور محمّد بن محمّد بن محمود الماتريدي


المحقق: الدكتور مجدي باسلّوم
الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: دار الكتب العلميّة
الطبعة: ١
ISBN الدورة:
2-7451-4716-1

الصفحات: ٥٧٣

وعلى هذا روى عن ابن مسعود ، رضى الله تعالى عنه ، فى ذلك ، وقام معقل بن سنان (١) فقال : «نشهد أن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم قضى فى بروع بنت واشق (٢) بمثل الذى قضيت أنت». فسر به عبد الله لموافقة رأيه ما روى له عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم (٣).

وإذا ثبت ذلك فعلى ذلك ، إذ المعقول بالنكاح أن تبذل المرأة نفسها له ليستمتع بها ، فإذا جاءت الخلوة وجد تمام المقصود منها بالنكاح ، على ما وجد فى موت أحدهما ، فيجب كمال المهر كما وجب بالأول ، ويستوى فى ذلك مهر المثل والمسمى. والله أعلم.

وعلى ذلك فيما لم يوجب جعله بذل المنفعة ، إذ هو قيمة البضع ، ويجب قيمة الأشياء بإتلافها ، ولم يوجد هاهنا. وعندنا : أنه وإن كانت قيمة ذلك فهى بدل ملك ذلك ، لا بدل الانتفاع نفسه ، إذ لا يجب فى الزنى ؛ ثبت أنه للملك يجب أو لشبهته ، وقد وجد فى الأول على تمام ما رجع إليه المقصود ، وجب على ما مر بيانه. والله أعلم.

وأوجب قوم فى المسماة بعد النكاح نصف المسمى إذا طلق قبل الدخول استدلالا بظاهر الآية. ولكن التسمية عند الناس إنما تكون فى العقد حتى لا يعرف لها وجود غيرها ، وهى التسمية فى العقد ، فهى المرادة فى الخطاب ، إذ هى المعروفة من الفرض ، ثم غيرها بحق الاستدلال ، فإن ألزم الدليل لها حق التسمية فى العقد لزم ، وإلا لا. ثم وجد جميع الأسباب التى تحتمل الاعتياض جعل ذكر الفرض بعد السبب كلا ذكر ، فمثله أمر النكاح ، فأوجب ذلك فساد التسمية ، فلم يجب المسمى من بعد إلا حيث يوجبه الدليل ، وقد قام دليل الوجوب عند وجود ما له حكم الدخول بها ، يجب عند ذلك ، وإلا لا.

ثم وجه لزوم القول بما يخرج على أحوال إحداهما أن لهذا التسمية إذا جازت بحق مهر المثل ، إذ كل سبب ليس له عوض بالحكم لم يجز. ثم كان مهر المثل يسقط قبل الدخول بها ، كذلك الواجب به. والله أعلم. وأيضا فإن الحكم يوجب تبيين مهر

__________________

(١) معقل بن سنان الأشجعى أبو محمد ، صحابى له أحاديث. وعنه علقمة ومسروق. قتل فى الحرة صبرا. ينظر : الخلاصة (٣ / ٤٥) (٧١١٢).

(٢) بروع بنت واشق الأشجعية مات عنها زوجها هلال بن مرة الأشجعى ، ولم يفرض لها صداقا. فقضى لها رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم بمثل صداق نسائها. ينظر : الاستيعاب (٤ / ٣٥٧) (٣٢٨٩).

(٣) أخرجه أحمد (٣ / ٤٨٠) ، (٤ / ٢٨٠) ، وأبو داود (١ / ٦٤٣) ، كتاب النكاح باب فيمن تزوج ولم يسم صداقا (٢١١٤ ، ٢١١٥) ، والترمذى (٢ / ٤٣٦) ، كتاب النكاح باب ما جاء فى الرجل يتزوج المرأة فيموت عنها (١١٤٥) والنسائى (٦ / ١٢١) كتاب النكاح ، باب إباحة التزويج بغير صداق وابن ماجه (٣ / ٣٣٥) ، كتاب النكاح باب الرجل يتزوج ولا يفرض لها فيموت على ذلك (١٨٩١).

٢٠١

المثل ليدفع إليها ، إذ لها حق الامتناع إلا به ، فاصطلاحها على ما سميا من بعد له حق ما فى الحكم ذلك وهو التبيين ، ولو بينه الحاكم لكان يسقط. فمثله هذا. والله أعلم.

والثالث : أنه معلوم أنه لو كان الذى فى علم الله تعالى من طلاقها ، لو كان ظاهرا وقت التسمية ، لكان حقها عليه المتعة ، ولم يكن (١) يجب النظر إلى مهر المثل إلا من وجه تحديد المتعة. فكذلك إذا ظهر ـ والله أعلم ـ وأمكن أن يقال : الأصل فى ذلك أن المتعة ليس يوجبها الطلاق ، ولكن النكاح يوجب ، ثم كان الواجب بالنكاح مجهول ، لا يدرى أهو مهر المثل أو المتعة؟ ؛ إذ لا يجوز أن يجبا ، ولا أن يوجب الطلاق أحدهما ، لما هو بيان ذلك ؛ فثبت أن الواجب فى الحقيقة أحدهما ، لكن لها مطالبة مهر المثل فى الظاهر ، ولها التسمية عنه بما العرف فى النكاح أنه للدوام ثم هو للاستمتاع ، فحمل الأمر على ذلك الظاهر وبه أجيزت التسمية. فلما ورد الطلاق قبل الدخول ظهر حقيقة الواجب ، فبطل الذى كان بحق المهر ، لما ظهر أن الواجب فى علم الله تعالى المتعة. والله أعلم.

وعلى أصل هذا المعتبر أمر المفروض الظاهر أنه نوع الإيمان ، وذلك مما لا يزداد ولا ينتقص ، فيجب بالطلاق نصف مهورهن. ثم إذا كان من نوع ما يزاد وينقص فيحدث أحد الوجهين ، فليس فى الكتاب تسمية ذلك النوع على المعروف ، ولا القضاء فيه بشيء. ومعلوم أن ذلك لو كان فى يدى الزوج ليجب نصف ذلك فيما كان الطلاق قبل الدخول بها ، فيصير بحكم المفروض. وإن لم يكن بما كان حدث من الحق ، أو بما كان فى علم الله تعالى أن الحق فى ذلك النصف ؛ إذ ذلك حكم الطلاق قبل الدخول بها على حق المنصوص ، فيكون الذى حدث من النصف حقه ، أو بما كان ذلك مهرا والحادث محتمل جعله مهرا ، فهو فيه على ما عليه معتبر الحقوق من لحوق الفروع الأصول. فإذا كان ذلك بعد القبض فقد انتهى أمر الحق ، وحدث ما حدث على ملكها ، إذ على ذلك يحدث.

فقلنا : لو نقص المهر فى العين لكان يصير النصف له بحق بعض القبض فيه ، ثم نقض العقد ، وإذا كان كذلك لا يخلو أمر الزيادة من أن يرد عليه فيرجع بشيء لم يسلم إليها ، وذلك فضل على ما أخذ من الحق يأخذه بالحكم ، فيكون ربا ؛ لأنه لم يسمه ، ولا يسلم إليه ، فزال المعنى الذى هو لها فيه ، فيكون أخذه بلا عوض فى عقد التبادل ، فيصير ربا ، ولو أبقى له على فسخ القبض فى المهر والعقد فيصير ذلك لما فضل من أصل قد فسخ العقد فيه مما لم يكن لها إلا ببدل بلا بدل ، وذلك وصف الربا ، وقد حرم الله الربا ؛

__________________

(١) فى أ : ولو لم يكن.

٢٠٢

فيجب بالضرورة جعل المفروض كالهالك ، فيجب نصف القيمة ليزول معنى الربا. والله أعلم.

وعلى ما ذكرت يخرج قول أبى يوسف ، رحمه‌الله تعالى ، فى العلة والهيئة (١) : أنه يظهر الواجب فى الحكم.

وعند أبى حنيفة ، رضى الله تعالى عنه ، ذلك فى حق النقض يصير كذلك ، دليله : ما لم يكن يجوز فيه تقلب الزوج ، لو كان منه ، ثم النقض لا يرد على ما ليس له حكم المهر ، فيبقى ذلك للمرأة على ما كان لها قبل الطلاق ؛ إذ الطلاق نقض الملك فى المهر ، وليس ذلك بمهر. والله أعلم.

قال الشيخ ـ رحمه‌الله تعالى ـ : والمذكور من المتعة فيما فيه الدخول يحتمل ما عليه فى حال النكاح من الكسوة والنفقة ، إلى تمام العدة ، فتكون الآية فى ذكر النفقة بعد الفراق ؛ إذ لا يجوز أن يكون الطلاق سببا لإيجاد حق غير واجب قبله. ويحتمل أن يكون فى حق المتبرع شرط عليه ليكون تسريحا بالإحسان على ما رغب فى غير المدخول بها من الإتمام ؛ إذ لا يجوز أن يكون ذلك بدلا فيكون لملك واحد بدلين ، مع ما جعل الله تعالى الطلاق سببا لتخفيف الحقوق على الزوج ، ورفع المؤنة ، ورد الأمر إلى الغناء بالآخر بقوله تعالى : (وَإِنْ يَتَفَرَّقا يُغْنِ اللهُ كُلًّا مِنْ سَعَتِهِ) [النساء : ١٣٠] ، لم يحتمل به الوجوب ، فيصير سببا لإلزام المؤنة. ولا قوة إلا بالله.

وقوله تعالى : (حَقًّا عَلَى الْمُحْسِنِينَ).

فيه دليل لأبى حنيفة ، رضى الله تعالى عنه ، حيث قال : إن الذمى إذا تزوج امرأة ولم يسم لها صداقا ، ثم طلقها قبل أن يدخل بها ، لا متعة لها ؛ لأن الله تعالى إنما أوجب المتعة على المحسنين ، والذمى ليس بمحسن. والدليل على أن المتعة إنما أوجبت تخفيفا ، ومهر المثل لا ؛ لأن مهر المثل أوجب على المرء احتمله ملكه أو لم يحتمل ، والمتعة لم تلزم إلا ما احتمله ملكه ؛ فبان أنها أوجبت تخفيفا فإذا كان تخفيفا ؛ لم يزد على مهر المثل.

والثانى : أن المتعة أوجبت بدلا عن نصف مهر المثل ، ثم لا جائز أن يراد بالبدل المبدل ، كما قيل فى سائر الأبدال. والله أعلم.

والمتعة ـ هى ثلاثة أثواب ؛ لأنه يخرجها من المنزل ، وأقل ما تخرج المرأة من المنزل إنما تخرج بثلاثة أثواب.

__________________

(١) فى أ : والهبة.

٢٠٣

فإن قال لنا قائل : إن الكتاب ذكر المتعة للمطلقة قبل المماسة إذا لم يفرض لها فرض ، وذكر أنه فى نصف المفروض إذا طلقها قبل المماسة ، وأنتم أوجبتم كل المسمى وكل مهر المثل إذا خلا بها ولم يمسسها.

قيل له : فى الآية بيان وجوب المتعة فى حال وبيان وجوب نصف المهر فى حال ، وليس فى بيان وجوب النصف نفى وجوب الكل ؛ لأنه إذا قيل : «لفلان نصف هذا الشىء» ، ليس فيه دليل أن النصف الآخر ليس له ، فإذا كان ما ذكرنا ليس لمخالفنا الاحتجاج علينا بظاهر الكتاب ، ولا السنة إلى مخالفة الآية ، فصار معرفة ذلك بتدبير آخر من جهة الكتاب ، مع ما أنه لا يوجب المهر كله لعين المسيس ، فكانا ـ نحن وهو ـ اتفقنا جميعا على إيجابه لا بالكتاب. والله أعلم.

وإن شئت قلت : إن الخلوة لا توجب كمال الصداق ، وإنما يوجبه صحة العقد. دليله : مطالبة المرأة الزوج بكماله بعد صحة النكاح ؛ فدل أن وجوبه لا بالخلوة ، ولكن بصحة العقد ، فالكلام إنما وقع فى إسقاط البعض ، فيسقط إذا قام دليل الإسقاط. والله أعلم.

وإن شئت قلت : إن المرأة لا تملك سوى تسليم نفسها إليه ، فالعقد إنما وقع على ما يقدر على تسليمه إليه ، ليس على ما لا تقدر ؛ لأنها لا تقدر على تسليم الاستمتاع إليه ؛ إذ لو كان العقد واقعا على ذلك لكان يبطل ؛ لأن من باع ما لا يقدر على تسليمه إلى المشترى لبطل العقد بأصله ، فعلى ذلك عقد النكاح إذا جعل واقعا على تسليم الاستمتاع إليه كان باطلا كالبيع للمعنى الذى وصفناه. والله أعلم.

ثم اختلف فى المرأة التى مات عنها زوجها ولم يدخل بها ولا فرض لها مهرا :

روى عن عبد الله بن مسعود ، رضى الله تعالى عنه ، أنه قال : لها مهر مثلها ، وروى عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم «أنه قضى لبروع بنت واشق بمهر مثلها» (١).

وروى عن على بن أبى طالب رضى الله تعالى عنه (٢) ، أنه قال : لها المتعة بكتاب الله تعالى. وقال : لا ندع كتاب الله بقول أعرابى. ذهب ـ والله أعلم ـ إلى أن الكتاب ذكر المتعة فى الطلاق ، ثم كان ذلك الحكم فى غير الطلاق كهو فى الطلاق ؛ فعلى ذلك الفرقة التى وقعت بالموت توجب المتعة كوجوبها فى الفرقة الواقعة فى غير الطلاق ، كقوله تعالى : (وَالْمُطَلَّقاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلاثَةَ قُرُوءٍ) [البقرة : ٢٢٨] ، ذكر (المطلقات) ، ثم

__________________

(١) تقدم.

(٢) أخرجه سعيد بن منصور وابن أبى شيبة والبيهقى كما فى الدر المنثور (١ / ٥٢٢).

٢٠٤

كانت التى وقعت الفرقة عليها بغير طلاق يلزمها ما يلزم المطلقة ، ومثل ذلك كثير مما يكثر ذكره. والله أعلم.

وأما عندنا فإنه لا تلزم المتعة ، ولكن يلزم مهر المثل لوجوه :

أحدها : قوله تعالى : (وَإِنْ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ وَقَدْ فَرَضْتُمْ لَهُنَّ فَرِيضَةً فَنِصْفُ ما فَرَضْتُمْ) ، ذكر فى الطلاق قبل الدخول نصف المفروض ، وفى الدخول كل المفروض ؛ فعلى ذلك ما أوجب من الحكم فى التى لم يدخل بها ولم يسم لها مهرا دون ما أوجب فى حكم الدخول. والله أعلم.

والثانى : أن المقصود بالنكاح إنما يكون إلى موت أحد الزوجين ، فإذا كان كذلك لزم كل المسمى أو كل مهر المثل. والله أعلم.

والثالث : الخبر الذى ذكرنا : أنه قضى بمهر المثل ، وخبر أمثال هؤلاء مقبول إذا كانت البلية فى مثله بلية خاصة ، إذ بمثل هذا لا يبلى إلا الخواص من الناس ؛ لذلك كان ما ذكرنا.

وقوله : (وَإِنْ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ وَقَدْ فَرَضْتُمْ لَهُنَّ فَرِيضَةً فَنِصْفُ ما فَرَضْتُمْ إِلَّا أَنْ يَعْفُونَ أَوْ يَعْفُوَا الَّذِي بِيَدِهِ عُقْدَةُ النِّكاحِ وَأَنْ تَعْفُوا أَقْرَبُ لِلتَّقْوى وَلا تَنْسَوُا الْفَضْلَ بَيْنَكُمْ إِنَّ اللهَ بِما تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ).

ذهب قوم إلى ظاهر الآية ـ أنه ذكر فيها (وَقَدْ فَرَضْتُمْ لَهُنَّ فَرِيضَةً فَنِصْفُ ما فَرَضْتُمْ) ، ولم يخص المفروض فى العقد دون المفروض بعد العقد ، فكله مفروض ، فلها نصف المفروض سواء كان المفروض فى العقد أو بعد العقد.

وعلى ذلك قال قوم : إن الرجل إذا تزوج امرأة على جارية ودفعها إليها ، فولدت عندها ولدا ، ثم طلقها قبل الدخول بها ، أن لها نصف الجارية ؛ لأن الله تعالى قال : (فَنِصْفُ ما فَرَضْتُمْ) ، وأنتم لا تجعلون له نصف ما فرضتم ، فخالفتم ظاهر الكتاب.

أما الجواب لمن جعل المفروض بعد العقد كهو فى العقد فيما جعل لها نصف ما فرض ، فإن الخطاب من الله تعالى إنما خرج فى المفروض فى العقد لا فى المفروض بعد العقد ؛ [لأنه لم يتعارف الفرض بعد العقد ، فإذا لم يتعارف فى الناس الفرض بعد العقد](١) إنما يتعارف فى العقد ، خرج الخطاب على هذا المتعارف فيهم ، وهو المفروض فى العقد ، فيجعل لها نصف ذلك وما يفرض بعد العقد وإنما يفرض بحق مهر المثل ، فإذا وجد الدخول وجب ذلك ، وإلا لم يجب.

__________________

(١) ما بين المعقوفين سقط فى ط.

٢٠٥

وأما جواب من قال : بأنه إذا تزوجها على جارية ودفعها إليها ، فولدت ولدا ، أن له نصف ما فرض ـ فإنا نقول : إن الآية ليست فى الفرض الذى معه آخر ولدا أو غيره ؛ ألا ترى أن الجارية إذا كانت عند الزوج فولدت ولدا فإن لها نصف الجارية ونصف الولد ، والولد لم يكن فى الفرض وقت العقد؟ فعلى ذلك الآية ليست فى الجارية التى ولدت عندها ، ولكن فى الفرض الذى لا زيادة معه. ثم لا يخلو إما أن يجعل نصف الجارية لها دون الولد ، فقد فسخ العقد فى الأصل فبقى الولد بلا أصل ، فذلك ربا. أو يجعل له نصف الجارية مع نصف الولد ، وهو غير مفروض ، والله تبارك وتعالى إنما جعل له نصف ما فرض ؛ فبطل قول من قال ذلك. والله أعلم.

قال الشيخ ، رضى الله تعالى عنه ، فى قوله : (حَقًّا عَلَى الْمُحْسِنِينَ) ، قيل : يريد به المؤمنين فيكون فى هذا التأويل دلالة على ما قاله أبو حنيفة. رضى الله تعالى عنه : أن لا تلزم الذمى المتعة.

وقيل : على من قصدهم الإحسان إلى الأزواج ويتقون الخلاف ، لما كان عليه النكاح من إمساك بمعروف أو تسريح بإحسان. والله الموفق.

واعتل قوم فى حق العدة وكمال المهر ، أنه ذكر فيه الطلاق لا على تخصيص الحكم له ، بل بكل ما يكون (١) به تسريحها فمثله يكون ذكر المماسة ـ لا على تخصيص ، ولكن بكل ما يكون به تحقيقها. ولا قوة إلا بالله.

قال : وقدرت المتعة فى الاختيار بالقدر الذى كان يمتعها بالإمساك ، إذ لا بد من كسوتها ، ليعلم أن ليس للفرار عن ذلك الحق يطلق ، أو بما به يخرجها من منزله فأمر أن يمتعها بما به التى تخرج من المنازل. وأقل ذلك ثلاثة أثواب. والله أعلم.

وفى هذه الآيات دلالة واضحة على أن الشىء التافه لا يحتمل أن يكون مهرا ؛ لما أوجب عند العدم ، فيما لا تسمية فيه ، الشىء الخطير ، وهو الذى يمتعها ، وأقل ما تمتع هى له فيه ثلاثة أثواب وفيما سمى أمرا عند ذلك بالعفو وجب ، لا يحث على العفو عنها ، ولا يرغب بين الزوجين إلا الأخذ بالفضل بمثله دل أن لذلك حدّا قد يجرى بمثله التنازع ، فيرغبون فى إبقاء ذلك واختيار ما به التآلف على أن الله ـ جل ثناؤه ـ قد جعل بناء النكاح بالأموال وبها أحل ، وقال فى ذى العذر : (وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ مِنْكُمْ طَوْلاً أَنْ يَنْكِحَ ..). [النساء : ٢٥] ، الآية ، ولو كان بحبة طول حرة لكان لا أحد يعجز عنها فيشترط ذلك فى

__________________

(١) فى أ : يكون بكل ما صح.

٢٠٦

تزويج المملوكة وبخاصة على قول من لا يبيح إلا بالضرورة ، فمن رأى يضطر إلى حبة يتوق إلى الاستمتاع فضلا من أن يتخير ، ثم على ذلك قال فى الإماء : (وَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ) والحبة معلوم أنها أنكر من المنكر ؛ فثبت أن مهر الحرائر بيّن ويظهر فى أهل الحاجة ، وأن القول بجعل الحبة مهرا تامّا ووصف ملكها بملك الطول قولا مهجورا ، لا معنى له. وبعد فإن الناس قد أجمعوا على أنها لا تملك (المعروف) ببضعها ، والبدل للزوج بلا بدل يلزمه ، فصار كمتولى العقد على ما ليس لها ، وحظ القليل فى مثله والكثير فى المنع واحد. فقياس ذلك ألا يكون الحط من مهر مثلها ، والحبة لا تكون مهر مثل أخبث امرأة فى العالم ، فلا يجىء أن يجوز الحط ولكن أجيز العشرة بالاتفاق ، ولم يجز الأكثر للتنازع ، وقد بينا الفساد من طريق التدبير. والله أعلم.

وقوله تعالى : (إِلَّا أَنْ يَعْفُونَ)

قيل (١) : المرأة.

وقوله : (أَوْ يَعْفُوَا الَّذِي بِيَدِهِ عُقْدَةُ النِّكاحِ).

اختلف أهل التأويل فيه :

قال على وابن عباس (٢) ـ رضى الله تعالى عنهما هو : الزوج ـ وقال قوم : هو الولى. وأمكن أن يكون قول من قال بأنه الولى ؛ لما أن المهور فى الابتداء كانت للأولياء.

دليل ذلك قول شعيب لموسى : (إِنِّي أُرِيدُ أَنْ أُنْكِحَكَ إِحْدَى ابْنَتَيَّ هاتَيْنِ عَلى أَنْ تَأْجُرَنِي ثَمانِيَ حِجَجٍ) [القصص : ٢٧] شرط المهر لنفسه ، وكما روى من الشغار ، ثم نسخ من بعد وصار ذلك للنساء بقوله تعالى : (وَلا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَأْخُذُوا مِمَّا آتَيْتُمُوهُنَّ شَيْئاً) [البقرة : ٢٢٩] ، وقوله : (وَآتُوا النِّساءَ صَدُقاتِهِنَّ نِحْلَةً فَإِنْ طِبْنَ لَكُمْ عَنْ شَيْءٍ مِنْهُ نَفْساً فَكُلُوهُ هَنِيئاً مَرِيئاً) (٤) [النساء] ، وقوله : (وَإِنْ أَرَدْتُمُ اسْتِبْدالَ زَوْجٍ مَكانَ زَوْجٍ وَآتَيْتُمْ إِحْداهُنَّ قِنْطاراً فَلا تَأْخُذُوا مِنْهُ شَيْئاً) [النساء : ٢٠] ، ولأنهم أجمعوا على ألا يجوز لأحد المعروف فى ملك الآخر إلا بإذنه ؛ فعلى ذلك لما ثبت أن المهر لها لا يجوز للولى المعروف فيه.

وقوله : (إِلَّا أَنْ يَعْفُونَ) ، يعنى المرأة تترك النصف ولا تأخذ منه شيئا. وقوله : (أَوْ يَعْفُوَا الَّذِي بِيَدِهِ عُقْدَةُ النِّكاحِ) ، يعنى الزوج يجعل لها كل الصداق ، يقول : كانت فى

__________________

(١) قاله ابن عباس وعكرمة والضحاك ومجاهد والربيع وغيرهم ، أخرجه ابن جرير عنهم (٥٢٥٥ ، ٥٢٥٦ ، ٥٢٥٧ ، ٥٢٥٨ ، ٥٢٦٠) ، وانظر الدر المنثور (١ / ٥٢١).

(٢) أخرجه ابن جرير (٥٣٠٤) ، وانظر الدر المنثور (١ / ٥٢١).

٢٠٧

حبالتى ومنعتها من الأزواج. وتترك المرأة له النصف ، فتقول : لم ينظر إلى عورتى ، ولا تمتع (١) بى. وهو على الإفضال ، وعلى ذلك يخرج قوله تعالى : (وَلا تَنْسَوُا الْفَضْلَ بَيْنَكُمْ) ، [أن يتفضل أحدهما على الآخر بترك النصف أو بإتمام الكل ، ومعنى قوله (وَلا تَنْسَوُا الْفَضْلَ بَيْنَكُمْ)](٢) أى لا تنسوا الفضل الذى فى ابتداء الأمر ؛ لأن أمر النكاح فى الابتداء مبنى على التشفع والإفضال ، فرغبهما عزوجل على ختم ذلك على الإفضال على ما بنى عليه. والله تعالى أعلم.

وفيه دلالة على أن (العفو) هو الفضل فى اللغة ، وهو البذل ، تقول العرب : عفوت لك ، أى : بذلته. فإن كان (العفو) هو البذل فكأن قوله : (فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ) [البقرة : ١٧٨] ، أى ترك له وبذل ، (فَاتِّباعٌ بِالْمَعْرُوفِ) [البقرة : ١٧٨] ، يكون فيه دليل لقول أصحابنا ـ رحمهم‌الله تعالى ـ فى ذلك.

وقوله تعالى : (وَأَنْ تَعْفُوا أَقْرَبُ لِلتَّقْوى).

معناه ـ والله أعلم ـ : حق على المتقى أن يرغب فيه ، وكذا قوله : (حَقًّا عَلَى الْمُحْسِنِينَ) ، أن يرغب فيه.

ثم لإضافة ذلك إلى الرجال وجهان :

أحدهما : لما أنهم هم الذين تركوا حقهم ، ومن عندهم جاء هذا التقصير.

والثانى : أن فى تسليم ذلك من الرجال الكمال ، وهم فى الأصل موصوفون بالكمال ، ومن عندهم يستوفى ما فيه الكمال.

قال الشيخ ـ رحمه‌الله تعالى ـ فى قوله : (وَأَنْ تَعْفُوا أَقْرَبُ لِلتَّقْوى) : يحتمل اشتراك الزوجين فى ذلك ، لا معنى الأخذ بالعفو والفضل أولى لمن يريد اتقاء دناءة الأخلاق ، أو أولى الفضل ممن أكرم باتقاء الخلاف لله تعالى.

ويحتمل : الأزواج بما قد ضمنوا الإمساك بالمعروف والتسريح بالإحسان ، فهو أقرب إلى وفاء ذلك واتقاء الخلاف له ، على أن سبب الفراق جاء منه ، فذلك أقرب لاتقاء الجفاء منهم ، وأظهر للعذر لهم فيما اختاروا. والله أعلم.

وقوله تعالى : (إِنَّ اللهَ بِما تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ).

حرف وعيد عما فيه التعدى ومجاوزة الحدود (٣) والخلاف لأمره.

__________________

(١) فى أ : تمنع.

(٢) ما بين المعقوفين سقط فى ط.

(٣) فى أ : الحد.

٢٠٨

قوله تعالى : (حافِظُوا عَلَى الصَّلَواتِ وَالصَّلاةِ الْوُسْطى وَقُومُوا لِلَّهِ قانِتِينَ (٢٣٨) فَإِنْ خِفْتُمْ فَرِجالاً أَوْ رُكْباناً فَإِذا أَمِنْتُمْ فَاذْكُرُوا اللهَ كَما عَلَّمَكُمْ ما لَمْ تَكُونُوا تَعْلَمُونَ)(٢٣٩)

وقوله : (حافِظُوا عَلَى الصَّلَواتِ وَالصَّلاةِ الْوُسْطى وَقُومُوا لِلَّهِ قانِتِينَ).

و (المحافظة) هو المفاعلة والمفاعلة هى فعل اثنين. فهو ـ والله أعلم ـ أنه إذا حفظها على وقتها ولم يسهو عنها حفظته ، وهو كما ذكر فى آية أخرى : (إِنَّ الصَّلاةَ تَنْهى عَنِ الْفَحْشاءِ وَالْمُنْكَرِ) [العنكبوت : ٤٥]. وفى حرف ابن مسعود ـ رضى الله تعالى عنه ـ : إن الصلاة تأمر بالمعروف وتنهى عن الفحشاء والمنكر. فعلى ذلك إذا حفظها على أوقاتها مع أحكامها وسننها ، ولم يدخل ما ليس فيها ـ من الكلام ، والالتفات ، وغير ذلك مما نهى عنه ـ حفظته. وكذلك قوله تعالى : (وَسارِعُوا إِلى مَغْفِرَةٍ) [آل عمران : ١٣٣] ، وقوله : (سابِقُوا إِلى مَغْفِرَةٍ) [الحديد : ٢١] ، من المفاعلة ، فإذا بادر إليها بدرت إليه. وبالله التوفيق.

وقوله عزوجل : (وَالصَّلاةِ الْوُسْطى).

اختلف أهل العلم فى تأويله :

قال بعضهم : (وَالصَّلاةِ الْوُسْطى) ، أراد كل الصلاة لا صلاة دون صلاة. وهو ـ والله أعلم ـ أن الصلاة هى الوسطى ، هى من الدين. وهو على ما جاء : الإيمان كذا كذا بضعة ، أعلاها كذا كذا ، وأدناها كذا ، فعلى ذلك قوله : والصلاة هى الوسطى من الدين ، ليست بأعلاها ولا بأدناها ، ولكنها الوسطى من الدين.

وقال آخرون : (وَالصَّلاةِ الْوُسْطى) ، هى صلاة العصر. وعلى ذلك روى عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم أنه قال : «هى العصر» (١). وذكر فى حرف حفصة (٢) ـ رضى الله تعالى عنها ـ :

__________________

(١) أخرجه مسلم (١ / ٤٣٧) كتاب المساجد ومواضع الصلاة ، باب الدليل لمن قال الصلاة الوسطى هى صلاة العصر (٢٠٦ / ٦٢٨) ، وأحمد (١ / ٣٩٢ ، ٤٠٤) ، وابن ماجه (٢ / ١٨) ، كتاب الصلاة ، باب المحافظة على صلاة العصر (٦٨٦) ، والترمذى (١ / ٢٢٢) كتاب الصلاة ، باب ما جاء فى الصلاة الوسطى أنها العصر ، (١٨١) عن ابن مسعود وفى الباب عن سمرة بن جندب.

أخرجه أحمد (٥ / ٧ ، ٨ ، ١٢) ، والترمذى (١٨٢) فى المصدر السابق.

(٢) هى : حفصة بنت عمر أمير المؤمنين وأمها زينب بنت مظعون روت عن النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم وعن عمر ، وروى عنها أخوها عبد الله وابنه حمزة وزوجته صفية بنت أبى عبيد وحارثة بن وهب والمطلب بن أبى وداعة وأم مبشر الأنصارية وعبد الرحمن بن الحارث بن هشام وغيرهم. وكانت قبل أن يتزوجها الرسول صلى‌الله‌عليه‌وسلم عند حصن بن حذافة وكان ممن شهد بدرا ومات بالمدينة فانقضت عدتها فتزوجها رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم بعد عائشة. وتوفيت رضى الله عنها سنة ٤١ ه‍ وقيل سنة ٤٥ ه‍ ، وقيل سنة ٢٧ ه‍ ، حكاه أبو بشر الدولابى وهو غلط. ينظر : الإصابة (٨ / ٥١) ت (٢٩٤) ، الاستيعاب (٢ / ٧٣٤) ت (٣٢٤٨).

٢٠٩

أنها هى صلاة العصر (١).

وقال قائلون : هى الفجر ؛ ذهبوا فى ذلك إلى أن النهار يجمع الصلاتين ، والليل بطرفيه كذلك ، فالفجر أوسطها. وكذلك روى عن ابن عباس (٢) ـ رضى الله تعالى عنه ـ أنه قال : هى الفجر.

وقال آخرون : هى الظهر ؛ ذهبوا فى ذلك إلى أنها إنما تقام وسط النهار ، فسميت بذلك. وكذلك روى عن ابن عمر (٣) ـ رضى الله تعالى عنه ـ أنه قال : هى صلاة الظهر.

ومن قال : هى العصر ، ذهب فى ذلك إلى ما روى من الخبر ، وإلى أن العصر هى الواسطة من صلاتى النهار وصلاتى الليل ؛ لأن صلاتين بالنهار قبلها ، وصلاتين بالليل بعدها ، فهى الواسطة.

والقياس : أن تكون هى المغرب ؛ لأن الظهر سميت أولى ، والعصر تكون الثانية ، فالمغرب هى الواسطة. لكن لم يقولوا به.

وفيه دلالة أن الصلاة وتر ؛ لأن الشفع مما لا وسطى له.

ثم جهة الخصوصية ـ أيها كانت؟ فإن كانت عصرا : فهو ما ذكر أن الكفرة حملوا على أصحاب رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم فى صلاة العصر (٤) ، فلم يتهيأ لهم إقامتها ، فقالوا : احفظوا عليهم صلاة هى أكرم عليهم من أنفسهم وأموالهم. فظهر بهذا أن لها فضلا وخصوصية من عند الله ورسوله. وما روى فى الخبر أيضا من قوله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «من فاتته العصر وتر أهله وماله» (٥).

فإن كانت فجرا ؛ فلأن الكتاب ذكرها بقوله : (وَقُرْآنَ الْفَجْرِ إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كانَ مَشْهُوداً) [الإسراء : ٧٨] ، ولما قيل : إن ملائكة الليل والنهار يشهدونها (٦) ، فظهرت لها الخصوصية والفضل.

__________________

(١) أخرجه ابن جرير من (٥٤٦٤) إلى (٥٤٦٨) ، وانظر الدر المنثور (١ / ٥٣٧).

(٢) أخرجه ابن جرير من (٥٤٧٥) إلى (٥٤٨٢) ، وانظر الدر المنثور (١ / ٥٣٥).

(٣) أخرجه ابن جرير (٥٤٥٨ ، ٥٤٥٩ ، ٥٤٦٠) ، وانظر الدر المنثور (١ / ٥٣٧).

(٤) فى أ : الظهر.

(٥) أخرجه البخارى (٢ / ٣٠) كتاب الصلاة باب إثم من فاتته العصر (٥٥٢) ، ومسلم (١ / ٤٣٥) ، كتاب المساجد باب التغليظ فى تفويت العصر (٢٠٠ / ٦٢٦).

(٦) ورد فى معناه حديث عن أبى هريرة أن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال : «يتعاقبون فيكم ملائكة بالليل وملائكة بالنهار ، ويجتمعون فى صلاة الفجر وصلاة العصر ، ثم يعرج الذين باتوا فيكم فيسألهم ـ وهو أعلم بهم ـ كيف تركتم عبادى؟ فيقولون : تركناهم وهم يصلون وأتيناهم وهم يصلون».

أخرجه البخارى (١ / ٢٢١) كتاب مواقيت الصلاة ، باب فضل صلاة العصر (٥٥٥) ، ومسلم (١ / ٤٣٩) كتاب المساجد ، باب فضل صلاة الصبح والعصر (٢١٠ / ٦٣٢).

٢١٠

ومن قال : إنها ظهر ، ذهب إلى خصوصيتها وفضيلتها ما جاء عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم أنه كان يصلى قبل الظهر أربعا إذا زالت الشمس ، وقال : إن أبواب السماء تفتح فى ذلك الوقت (١).

قال الشيخ ـ رحمه‌الله تعالى ـ فى قوله : (وَالصَّلاةِ الْوُسْطى) : تكلم فيه بوجهين :

أحدهما : أن الصلاة هى الوسطى ، من أمر الدين فهى على أن الأرفع من أمر الدين (٢) هو التوحيد والإيمان وذلك هو الذى لا يرتفع بعذر ، ولا يسقط بسقوط المحنة ، إذ ذلك فى الدارين جميعا وهو الإخلاص ، ونفى جميع معانى الخلق به عمن يوحده ويؤمن به وسائر العبادات قد يقدم مع وجود أمور الدنيا والدين والمعاش معها وفى حالها بالذى به قوامها ، والتوحيد لا ، ثم الصلاة مما بها ترك جميع ما ذكرت فى حال فعلها فيما به فعلها ، فهى تشبه الإيمان من هذا الوجه ، ثم تسقط هى للأعذار ، ولا تجب فى غير دار المحنة على ما عليه أمر غيرها من العبادات ؛ فصارت بذلك الوسطى من أمر الدين. والله الموفق.

والثانى : أن تكون هى صلاة من جملتها ، فتذكر بحرف التخصيص لها من الجملة ، لوجهين :

أحدهما : لبيان جملة الفرائض أنها وتر ، لا الشفع ؛ إذ لا وسطى للشفع ، فيكون فى ذلك بطلان قول قوم أنكروا العدد لها ، وقوم زعموا أنها صلاتان فى الجملة. والله أعلم.

والثانى : أن يراد بذلك التفضيل للصلاة من الصلوات (٣) فى الحث على فعلها والترغيب فى محافظتها ، ويجىء أن تكون تلك معروفة عند الذين خوطبوا ، إما بالاسم أو بحال من النوازل ؛ لأنه لا يحتمل أن يرغب فى فعل لا يعلم حقيقة ذلك. والله أعلم.

ثم يكون لاختلاف من لم يشهد النوازل التى عرفت المراد ، فقال كل مبلغ جهده فيما أدى إليه رأيه من الترغيب فى الفعل أنه على ذلك ، لكنهم اختلفوا :

فمنهم من اعتبر بالركعات ، فقال : أكثرها أربع ، وأقلها ركعتان ، والوسطى منها ثلاث ، فصرف التأويل إلى المغرب. واستدل فى الترغيب [بما جاء «إن الله وتر يحب الوتر» وبما جاء من الترغيب](٤) فى تعجيلها والمبادرة فى فعلها ، حتى لم يؤذن بالاشتغال عنها عند

__________________

(١) أخرجه أحمد (٣ / ٤١١) ، والترمذى (١ / ٤٨٨) كتاب الصلاة ، باب ما جاء فى الصلاة عند الزوال (٤٧٨) ، والبغوى فى شرح السنة (٢ / ٤٣٤ ـ ٤٣٥).

(٢) فى ب : المؤمنين.

(٣) فى أ : الصلاة من الصلاة.

(٤) سقط فى ط.

٢١١

هجوم وقتها لنافلة وللحاجة. وذلك بعض ما يعرف من معنى المحافظة ، وهى أن الصلوات جعلن متصلات الأوقات ، وهى الوسطى منهن. والله أعلم.

وقوم ردوا إلى صلاة الفجر بما فى ذلك من الترغيب والتخصيص بالأمر ، كقوله : (وَقُرْآنَ الْفَجْرِ إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كانَ مَشْهُوداً) [الإسراء : ٧٨] ، وما أخبر من شهود ملائكة الليل والنهار ، ولأن وقتها الوسط من أحوال الخلق ، إذ أحوالهم تكون سكونا مرة ، وانتشارا ثانيا ، وبذلك ختم أوقات السكون وافتتاح أحوال الانتشار ، ووسط الشىء : هو الذى فيه حظ الحواشى ، وقد وجد ذلك فى وقت هذه الصلاة. والله أعلم.

ومنهم من صرف إلى العصر بما جاء فى ذلك من الترغيب ومن الوعيد فى ترك ذلك ، وبها ختم أحوال الزلات التى تدخل فى المكاسب ، فتكون بها التوبة عنها والاستغفار منها. ولا قوة إلا بالله.

وقوله تعالى : (حافِظُوا) على مخاطبة الجملة على الاشتراك ؛ إذ المفاعلة اسم (١) ذلك على تضمن الترغيب فى الجماعات ، أو على لزوم كثرة عدد الصلاة ، أو على ما خرج الأمر بالمسارعة (٢) إلى الخيرات والمسابقة لها ، وكل فى ذلك ـ والله أعلم ـ على أن الظهر سميت أولى ، فعلى ذلك تكون المغرب الوسطى.

وقوله تعالى : (وَقُومُوا لِلَّهِ قانِتِينَ).

قيل : خاشعين خاضعين فيها (٣) ، لا يدخل فيها ما ليس منها ؛ وعلى ذلك روى عن زيد ابن أرقم ، أنه قال : كنا نتكلم فى الصلاة على عهد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، فلما نزل قوله : (وَقُومُوا لِلَّهِ قانِتِينَ) ، [مطيعين](٤) أمرنا بالسكوت فى صلاتهم خاضعين خاشعين ، ونهينا عن الكلام (٥) ؛ وعلى ذلك سمى الدعاء قنوتا.

وقال آخرون (٦) : (قانِتِينَ) ، أى مطيعين. وذلك ما قيل : إن أهل الأديان يقومون فى

__________________

(١) فى أ : هم.

(٢) فى أ : بالمنازعة.

(٣) قاله مجاهد ، أخرجه ابن جرير عنه من (٥٥٣١) إلى (٥٥٣٤) انظر الدر المنثور (١ / ٥٤٤).

(٤) سقط فى ط.

(٥) أخرجه البخارى (٨ / ٤٦) كتاب التفسير ، باب (وَقُومُوا لِلَّهِ قانِتِينَ) (٤٥٣٤) ، ومسلم (١ / ٣٨٣) ، كتاب المساجد ، باب تحريم الكلام فى الصلاة (٣٥ / ٥٣٩) ، وأحمد (٤ / ٣٦٨) ، وأبو داود (١ / ٣١٣) ، كتاب الصلاة ، باب النهى عن الكلام فى الصلاة (٩٤٩) ، والترمذى (١ / ٤٣٠) كتاب الصلاة ، باب فى نسخ الكلام فى الصلاة (٤٠٥) ، والنسائى (٣ / ١٨) كتاب السهو باب الكلام فى الصلاة ، وابن خزيمة (٨٥٦ ، ٨٥٧) ، وابن حبان (٢٢٤٥ ، ٢٢٤٦ ، ٢٢٥٠) ، والبيهقى (٢ / ٢٤٨).

(٦) قاله ابن عباس والشعبى وجابر بن زيد وعطاء وسعيد بن جبير وغيرهم ، أخرجه ابن جرير عنهم ـ

٢١٢

صلاتهم خاضعين ساهين ، فأمر أهل الإسلام أن يقوموا مطيعين.

و «القنوت» هو القيام ، على ما روى عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، أنه سئل عن أفضل الصلوات ، فقال : طول القنوت (١). وأصل القنوت ـ ما ذكرنا ـ هو القيام ، غير الذى يقوم لآخر ، يقوم على الخضوع والخشوع والسكوت. وليس فى الآية أنه أمر بذلك فى الصلاة ، غير أن أهل التأويل صرفوا إلى ذلك ؛ لأنها ذكرت على أثر ذكر الصلاة. وكذلك قوله : (فَإِنْ خِفْتُمْ فَرِجالاً أَوْ رُكْباناً) ليس فيه أن ذلك فى الصلاة ، لكنهم صرفوا إليها ذلك ؛ لأنه ذكر على أثر ذلك الصلاة. ثم اختلف فيه :

قالوا : (رُكْباناً) على الدواب (٢) ، حيثما توجهت بهم الدواب يصلون عليها فى حال السير والوقوف. وعلى ذلك جاءت الآثار من فعل رسول الله (٣) صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، وفعل الصحابة ، رضوان الله تعالى عليهم أجمعين ، فى النوافل ، فتكون الفرائض عند العذر به مرادة بالآية ، بل على ما ظهر فعل النوافل فى غيره بالسنة.

وأما قوله : (فَرِجالاً) فمما اختلف فيه :

قال : ما يكون (فَرِجالاً) ، فمشاة (٤) ، وهو من الرجل وترجّل : مشى راجلا.

وأما عندنا : فهو على المعروف من الصلاة على الأرجل والأقدام قياما وقعودا ، لا يزال عن الظاهر. والمعروف الذى عرف الفعل به على ما عرف من الصلاة على الأرجل.

__________________

 ـ (٥٥٠١ ، ٥٥٠٣ ، ٥٥٠٤ ، ٥٥٠٥ ، ٥٥١١) ، وانظر الدر المنثور (١ / ٥٤٣ ، ٥٤٤).

(١) أخرجه مسلم (١ / ٥٣٠) فى صلاة المسافرين ، باب أفضل الصلاة طول القنوت (١٦٤ ـ ١٦٥ / ٧٥٦) ، والترمذى (٢ / ٢٢٩) فى أبواب الصلاة ، باب ما جاء فى طول القيام فى الصلاة (٣٨٧) ، وابن ماجه (١ / ٤٥٦) فى إقامة الصلاة ، باب ما جاء فى طول القيام فى الصلوات (١٤٢١) ، وأحمد (٣ / ٣٠٢ ، ٣٩١) ، والحميدى برقم (١٢٧٦) ، والطيالسى (١ / ٢٤) برقم (٢٩) ، وأبو يعلى (٢١٣١) عن جابر قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «أفضل الصلاة طول القنوت».

وفى رواية سئل رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : أى الصلاة أفضل؟ قال : «طول القنوت».

وقال النووى فى شرح مسلم (٢ / ٤٠٦) : المراد بالقنوت هنا القيام باتفاق العلماء فيما علمت ، وقال أبو بكر بن العربى فى عارضة الأحوزى (٢ / ١٧٨ ـ ١٧٩) : تتبعت موارد القنوت فوجدتها عشرة : الطاعة ، والعبادة ، ودوام الطاعة ، والصلاة ، والقيام ، وطول القيام ، والدعاء ، والخشوع ، والسكوت ، وترك الالتفات ، كلها محتملة. أولاها : السكوت والخشوع والقيام. وأحدها فى هذا الحديث القيام. وهو فى النافلة بالليل أفضل ، والسجود والركوع بالنهار أفضل.

(٢) قاله البغوى فى تفسيره (١ / ٢٢١).

(٣) فى الباب عن ابن عمر :

أخرجه البخارى (٢ / ٥٦٧) فى الوتر ، باب الوتر فى السفر (١٠٠٠) ، ومسلم (١ / ٤٨٦) كتاب صلاة المسافرين ، باب جواز صلاة النافلة (٣١ / ٧٠٠).

(٤) قاله البغوى فى تفسيره (١ / ٢٢١).

٢١٣

وقوله : (رُكْباناً) على ما عرف عن الركوب ، وهو فى حال السير ، ولم نر الصلاة تقوم مع المشى فيها.

فإن قيل : صلاة الخوف فيها مشى ، فقامت.

قيل : إن المشى ليس فى فعل الصلاة ؛ لأنهم فى الوقت الذى يمشون لا يفعلون فعل الصلاة ، وهو كما يقال : إن الصلاة لا تقوم مع الحدث ، فإذا أحدث فيها فذهب ليتوضأ ، ليس هو فى وقت الحدث مصليا ، وإن بقى فى حكم الصلاة. فعلى ذلك المشى فى صلاة ، ليس هو فى فعل الصلاة ، وإن كان باقيا على حكم الصلاة ؛ والله أعلم.

وقوله : (فَإِذا أَمِنْتُمْ فَاذْكُرُوا اللهَ كَما عَلَّمَكُمْ ما لَمْ تَكُونُوا تَعْلَمُونَ)

يحتمل : قوله (كَما عَلَّمَكُمْ ما لَمْ تَكُونُوا تَعْلَمُونَ) وقوله (فَاذْكُرُوا) يحتمل : أن يصرف إلى الصلاة ، أى : صلوا كما علمكم أن تصلوا فى حال الأمر.

ويحتمل : أن يصرف إلى غيره من الأذكار ، كقوله تعالى : (وَلَذِكْرُ اللهِ أَكْبَرُ) [العنكبوت : ٤٥].

ويحتمل : أن يصرف إلى الشكر ، أى : اذكروا نعمتى التى أنعمت عليكم ، واشكروها بى ، كقوله تعالى : (فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ) [البقرة : ١٥٢]. والله أعلم.

وفى قوله : (عَلَّمَ الْإِنْسانَ ما لَمْ يَعْلَمْ) [الفلق : ٥] ، وقوله : (عَلَّمَ الْقُرْآنَ) [الرحمن : ٢] ، و (عَلَّمَهُ الْبَيانَ) ، دليل أن الله تعالى صنع فى فعل العباد حيث أضاف التعليم إلى نفسه ، وهو أن خلق فعل التعليم منه ؛ إذ لو لم يكن منه فيه صنع لكان أضيف ذلك المعلم دون البيان ؛ فدل إضافته إليه على أن له فيه فعلا. نعوذ بالله من السرف فى القول والزيغ عن الهدى.

قال الشيخ ، رحمه‌الله تعالى ، فى قوله : (فَاذْكُرُوا اللهَ كَما عَلَّمَكُمْ). أى : صلوا له كما علمكم من الصلاة فى حال الأمن ، إذ معلوم تقدم الأمر بالصلاة وتعليم حدودها. (وَقُومُوا) فى الرخصة فى التخفيف بحال العذر.

ويحتمل : اذكروا الله بشكر أنما أمنكم كما علمكم من الشكر له فى النعم ، وأى ذلك كان فهو الذى علمهم (١) بعد أن كانوا غير عالمين به. والله أعلم. ودل إضافة التعليم فى هذه الآية (٢) ، وكذلك فى قوله : (عَلَّمَهُ الْبَيانَ) [الرحمن : ٤] ، وقوله : (وَما عَلَّمْناهُ الشِّعْرَ) [يس : ٦٩] ، إليه على وجود الأسباب من الله تعالى له فى الأمرين على أن كان من الله تعالى فى أحد الأمرين ما ليس منه فى الآخر ، ومعنى الأسباب فيهما واحد ؛ ثبت

__________________

(١) فى أ : علمتم.

(٢) فى أ : هذا إليه.

٢١٤

أنه على خلق فعل التعليم ونفيه. والله تعالى أعلم.

قوله تعالى : (وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْواجاً وَصِيَّةً لِأَزْواجِهِمْ مَتاعاً إِلَى الْحَوْلِ غَيْرَ إِخْراجٍ فَإِنْ خَرَجْنَ فَلا جُناحَ عَلَيْكُمْ فِي ما فَعَلْنَ فِي أَنْفُسِهِنَّ مِنْ مَعْرُوفٍ وَاللهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (٢٤٠) وَلِلْمُطَلَّقاتِ مَتاعٌ بِالْمَعْرُوفِ حَقًّا عَلَى الْمُتَّقِينَ (٢٤١) كَذلِكَ يُبَيِّنُ اللهُ لَكُمْ آياتِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ)(٢٤٢)

وقوله : (وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْواجاً وَصِيَّةً لِأَزْواجِهِمْ مَتاعاً إِلَى الْحَوْلِ غَيْرَ إِخْراجٍ فَإِنْ خَرَجْنَ فَلا جُناحَ عَلَيْكُمْ فِي ما فَعَلْنَ فِي أَنْفُسِهِنَّ مِنْ مَعْرُوفٍ وَاللهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ).

قد ذكرنا فيما تقدم أنها تخرج على وجهين :

على النسخ بقوله تعالى : (وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْواجاً يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْراً) [البقرة : ٢٣٤].

ويحتمل : على نسخ الوصية خاصة دون نسخ العدة ، وأن الأمر بالاعتداد فى الآيتين أمر واحد ـ أربعة أشهر وعشرا ، ونسخ الوصية بآية الميراث وبقول رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «لا وصية لوارث» (١).

وفيه دلالة : أن للموصى له خيارا بين قبول الوصية وبين ردها.

وفيه أيضا : أن له أن يردها إذا قبل بقوله تعالى : (غَيْرَ إِخْراجٍ فَإِنْ خَرَجْنَ فَلا جُناحَ عَلَيْكُمْ) ، إذ فى الخروج ردها وذلك بعد القبول.

وقوله : (فَلا جُناحَ عَلَيْكُمْ فِي ما فَعَلْنَ فِي أَنْفُسِهِنَّ مِنْ مَعْرُوفٍ وَاللهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ) ، قد ذكرنا فيما تقدم أنها تحتمل وجهين :

تحتمل : ما فعلن فى أنفسهن من معروف ، من التشويف والتزيين. وكذلك روى فى حرف ابن مسعود ـ رضى الله تعالى عنه ـ : «لا جناح عليهن أن يتشوفن ويتزين ويلتمسن الأزواج».

ويحتمل : وضعهن أنفسهن فى الأكفاء (٢) بمهر مثلهن. والله أعلم.

وقوله : (وَلِلْمُطَلَّقاتِ مَتاعٌ بِالْمَعْرُوفِ حَقًّا عَلَى الْمُتَّقِينَ).

تحتمل الآية أن تكون فى المطلقات المدخولات بهن وقد فرض لهن أن يأمر الأزواج

__________________

(١) تقدم.

(٢) فى أ : كفء.

٢١٥

بالمتعة ندبا ، لا وجوبا ، على ما روى عن الحسن بن على (١) ـ رضى الله تعالى عنهما ـ أنه متع بعشرة آلاف ، على ما روى عن ابن عباس وابن عمر (٢) ، رضى الله تعالى عنهما ، أنهما قالا : إن كنت من المتقين ومن المحسنين فمتعها. فهو أمر ندب ، لا أمر إيجاب يجبر على ذلك.

وإن كانت فى المطلقة التى لم يدخل بها ولا فرض لها صداقا فهو على ما يقوله ـ وهى واجبة يجبر على ذلك ؛ فتخرج هذه الآية والتى قبلها ، قوله تعالى : (وَمَتِّعُوهُنَّ عَلَى الْمُوسِعِ قَدَرُهُ وَعَلَى الْمُقْتِرِ قَدَرُهُ) ، على مخرج واحد ، غير أن فى إحداهما بيان قدر المتعة ، وليس فى الأخرى سوى ما ذكر.

ويحتمل وجه آخر : وهو أن الأمر بالمتعة أمر بالإنفاق عليها والكسوة لها إذا دخل بها ، ما دامت فى العدة. أو على الاختيار على ما ذكرنا ، لا على الإيجاب ؛ إذ لو كان على الوجوب لكان فى ذلك إيجاب بدلين ـ الصداق والمتعة ـ ولم يعرف عقد من العقود أوجب بدلين ؛ فكذلك هذا. والله أعلم.

والثانى : أن الطلاق سبب إسقاط ، لا سبب إيجاب. فإذا كان كذلك لم يجز أن يوجب السبب الذى هو سبب الإسقاط ؛ لذلك لم يجب. والله أعلم.

وقوله : (كَذلِكَ يُبَيِّنُ اللهُ لَكُمْ آياتِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ).

ما سبق ذكره من الأحكام من الأمر بالاعتداد ، والإنفاق عليهن ، والتمتع وغير ذلك (لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ) ، أمره ونهيه.

قال الشيخ ، رحمه‌الله تعالى ، فى قوله : (كَذلِكَ يُبَيِّنُ اللهُ لَكُمْ آياتِهِ) : أى كما يبين فى هذا يبين فى جميع ما يعلم لكم إلى بيان ذلك حاجة على قدر ما أراد من البيان ـ من بيان كفاية أو مبالغة ـ ليعلم أن جميع ما إليه بالخلق حاجة داخل تحت البيان ، يوصل إلى ذلك بقدر ما تحتمله العقول على ما يكرم الله المجاهدين فيه فى طلب مرضاته.

__________________

(١) ذكره المزى فى ترجمته فى التهذيب (٢ / ١٤٧) وهو : الحسن بن على بن أبى طالب الهاشمى أبو محمد المدنى سبط رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم وريحانته. عن جده صلى‌الله‌عليه‌وسلم له ثلاثة عشر حديثا ، وأبيه وخاله هند. وعنه ابنه الحسن ، وأبو الحوراء ربيعة وأبو وائل وابن سيرين. ولد سنة ثلاث فى رمضان. قال أنس : كان أشبههم برسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم وقال النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «الحسن والحسين سيدا شباب أهل الجنة» مات رضى الله عنه مسموما سنة تسع وأربعين أو سنة خمسين أو بعدها. ينظر : الخلاصة (١ / ٢١٦) (١٣٦١).

(٢) أخرجه مالك وعبد الرزاق والشافعى وعبد بن حميد والنحاس فى ناسخه وابن المنذر والبيهقى عنه بنحوه كما فى الدر المنثور (١ / ٥٥٠).

٢١٦

ولا قوة إلا بالله.

قوله تعالى : (أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ خَرَجُوا مِنْ دِيارِهِمْ وَهُمْ أُلُوفٌ حَذَرَ الْمَوْتِ فَقالَ لَهُمُ اللهُ مُوتُوا ثُمَّ أَحْياهُمْ إِنَّ اللهَ لَذُو فَضْلٍ عَلَى النَّاسِ وَلكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَشْكُرُونَ (٢٤٣) وَقاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللهِ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (٢٤٤) مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللهَ قَرْضاً حَسَناً فَيُضاعِفَهُ لَهُ أَضْعافاً كَثِيرَةً وَاللهُ يَقْبِضُ وَيَبْصُطُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ)(٢٤٥)

وقوله : (أَلَمْ تَرَ) ، حرف تعجب وتنبيه ، ليتأمل فيما يلقى إليه مما أريد الإنباء عنه ، أو فيما قد كان سبق الإنباء عنه ، ليتجدد بالنظر فيه عهدا. وعلى ذلك المعروف من استعمال هذه الكلمة ، وكذلك وجه تأويله إلى الخبر (١) مرة وإلى العلم به ثانية ، وإلى النظر فيه ثالثا ، على اختلاف ما قيل. وفيه كل ذلك. والله تعالى أعلم.

قوله : (أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ خَرَجُوا مِنْ دِيارِهِمْ وَهُمْ أُلُوفٌ حَذَرَ الْمَوْتِ) ، «ألم تخبر» ، و «ألم تنظر» ، ومثل هذا إنما يقال عن أعجوبة.

فالقصد فيه ـ والله تعالى أعلم ـ أنه جواب قوله : (لَوْ كانُوا عِنْدَنا ما ماتُوا وَما قُتِلُوا) ، أخبرهم الله عزوجل عن قصة هؤلاء : أن جهلهم بآجال أولئك حملهم على هذا القول ؛ مثل جهل بنى إسرائيل بآجالهم حملهم على الخروج من ديارهم حذر الموت ، ثم لم ينفعهم ذلك بل أميتوا. كذلك هذا.

ثم اختلف فى قصة هذه : ـ

قال بعضهم (٢) : أخرجوا فرارا من الجهاد فى سبيل الله ، فأماتهم الله ، ثم أحياهم ، وأمرهم أن يخرجوا إلى الجهاد فى سبيل الله.

وقال آخرون (٣) : وقع الطاعون فى قريتهم ، فخرج أناس وبقى أناس ، فمن خرج أكبر (٤) ممن بقى ، فنجا الخارجون ، وهلك الباقون ، فلما كانت الثانية خرجوا بأجمعهم إلا قليلا ، فأماتهم الله ، ثم أحياهم.

فلا تدرى كيف كانت القصة. فإن كانت القصة فى الفرار من الجهاد فى سبيل الله ، وله نظير فى الآيات ، قوله تعالى : (قُلْ لَوْ كُنْتُمْ فِي بُيُوتِكُمْ لَبَرَزَ الَّذِينَ كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقَتْلُ إِلى

__________________

(١) فى أ : الجبر.

(٢) قاله ابن عباس ، أخرجه ابن جرير عنه (٥٦٠٨) ، وابن المنذر كما فى الدر المنثور (١ / ٥٥٣).

(٣) قاله ابن زيد ، أخرجه ابن جرير عنه (٥٦١١) ، وعن عمرو بن دينار (٥٦١٤ ، ٥٦١٥) ، وانظر الدر المنثور (١ / ٥٥٣).

(٤) فى أ : أكثر.

٢١٧

مَضاجِعِهِمْ) [آل عمران : ١٥٤] ، وقوله : (قُلْ لَنْ يَنْفَعَكُمُ الْفِرارُ إِنْ فَرَرْتُمْ مِنَ الْمَوْتِ أَوِ الْقَتْلِ) [الأحزاب : ١٦] ، وقوله : (قُلْ إِنَّ الْمَوْتَ الَّذِي تَفِرُّونَ مِنْهُ فَإِنَّهُ مُلاقِيكُمْ) [الجمعة : ٨] ، وقوله : (أَيْنَما تَكُونُوا يُدْرِكْكُمُ الْمَوْتُ وَلَوْ كُنْتُمْ فِي بُرُوجٍ مُشَيَّدَةٍ) [النساء : ٧٨] ، ومثله كثير فى القرآن.

وإن كانت القصة فى الطاعون ، فقد جاء الخبر عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، أنه قال : «إذا كنتم فى أرض وفيها وباء فلا تخرجوا فرارا منها». [وإذا لم تكونوا فيها فلا تدخلوها» (١).

ومعناه والله أعلم : أنهم إذا كانوا فيها يخرجوا مخرج الفرار إن تحولوا ،](٢) أو أن الفرار أنجاهم إن لم يكونوا فيها فدخلوا فأصابهم فأماتهم الله ، يظنون أنهم إذا لم يكونوا فيها لم يصبهم ذلك. ففى الوجهين سيان (٣) القضاء. وقد جاء : «أن لا عدوى ولا هامة».

فإن قيل : روى عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : أنه كان إذا مر على حائط مائل أسرع المشى ، (٤) كيف نهى عن الخروج عن أرض فيها وباء وطاعون؟

قيل : إن كل ما كان مخرجه مخرج آية وفيها إهلاكهم فذلك لا يكون إلا بأمر سبق

__________________

(١) أخرجه البخارى (١٠ / ١٨٩) فى الطب ، باب ما يذكر فى الطاعون (٥٧٢٩) ، ومسلم (٤ / ١٧٤٠ ـ ١٧٤٢) فى السلام ، باب الطاعون والطيرة والكهانة (٩٨ / ٩٩ / ٢٢١٩) ، وأبو داود (٢ / ٢٠٣ ـ ٢٠٤) فى الجنائز ، باب الخروج من الطاعون (٣١٠٣) ، والنسائى فى الكبرى (٤ / ٣٦٢) فى الطب ، باب الخروج من الأرض التى لا تلائمه (٢ / ٧٢٥٥) ، وأحمد (١ / ١٩٤) ، ومالك (٢ / ٨٩٤ ـ ٨٩٦) فى الجامع ، باب ما جاء فى الطاعون (٢٤) عن الزهرى عن عبد الحميد بن عبد الرحمن بن زيد ابن الخطاب عن عبد الله بن عبد الله بن الحارث بن نوفل عن عبد الله بن عباس أن عمر بن الخطاب خرج إلى الشام ...) فذكر حديثا طويلا .. وفيه : فجاء عبد الرحمن بن عوف ، وكان غائبا فى بعض حاجته فقال : إن عندى من هذا علما ، سمعت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم يقول : «إذا سمعتم به بأرض فلا تقدموا عليه وإذا وقع بأرض وأنتم بها ، فلا تخرجوا فرارا منه» فحمد عمر ، ثم انصرف.

وأخرجه البخارى (١٠ / ١٩٠) فى الطب ، باب ما يذكر فى الطاعون (٥٧٣٠) ، (١٢ / ٣٦٠) فى الحيل ، باب ما يكره من الاحتيال فى الفرار من الطاعون (٦٩٧٣) ، ومسلم (١٠٠ / ٢٢١٩) ، والنسائى فى الكبرى (٧٥٢١ / ٢) ، ومالك (٢٤) ، وأحمد (١ / ١٩٤) عن الزهرى عن عبد الله ابن عامر عن عبد الرحمن بن عوف به.

وله طرق أخرى عند أحمد (١ / ١٩٢ ، ١٩٤).

ويشهد له حديث أسامة بن زيد رواه البخارى فى الطب (٥٧٢٨) ، وفى الحيل (٦٩٧٤) ، ومسلم فى حديث السلام (٩٢ ـ ٩٧ / ٢٢١٨) ، والنسائى فى الكبرى (٧٥٢٣ ـ ٧٥٢٥) ، ومالك فى الجامع (٢٣) ، وأحمد (٥ / ٢٠٠ ، ٢٠١ ، ٢٠٦ ، ٢٠٧ ، ٢٠٩ ، ٢١٠) ، والطبرانى فى الكبير (٢٧٣ ـ ٢٧٧).

(٢) ما بين المعقوفين سقط فى ط.

(٣) فى أ : نسيان.

(٤) أخرجه أحمد (٢ / ٣٥٦) ، وابن حبان فى المجروحين (١ / ١٠٥) ، والعقيلى (١ / ٦١) عن أبى هريرة ، وفى إسناده إبراهيم بن الفضل المخزومى ، وهو متروك.

٢١٨

منهم ، فحق مثله الفرار إلى الله ، لا إلى غيره. وأما انكسار الحائط فليس لأمر سبق منه ، فجائز أن يأخذ منه حذره. هذا هو الفرق بينهما. والله تعالى أعلم.

قال الشيخ ـ رحمه‌الله تعالى ـ : ويجوز أن يكون فعله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ليعلم أن مثله من الخوف لا يعد نقصانا فى الدين ؛ وذلك كالعدة تتخذ للحرب والأغذية للبدن ، لا على ظن بالله أنه لا يملك الحياة دونها أو قهر العدو ، ولكن على التأهب والائتمار ؛ إذ قد جعل الذى خيف فيه والذى رجى. والله تعالى أعلم.

وقوله : (إِنَّ اللهَ لَذُو فَضْلٍ عَلَى النَّاسِ) ، حين أحياهم بعد ما أماتهم ، وذلك فضل منه. و (لَذُو فَضْلٍ عَلَى النَّاسِ) ، بكل نعمة أنعمها عليهم ، يستحق الشكر من الخلق بذلك.

هذه الآية على المعتزلة إذ قالوا : ليس لله أن يفعل بخلقه إلا الأصلح لهم فى الدين ، ولو فعل غير ذلك كان جائزا. فإذا كان هذا عليه ، فأنى يكون الأفضل (١)؟ وإنما يقال (ذو فضل) ، و (ذو من) (٢) ، إذا أعطى ما ليس عليه. وأما من أعطى ما كان عليه لا يقال : إنه (تفضل) أو (من) ، كمن يقضى دينا عليه لآخر لا يستوجب الشكر بذلك ، لأنه قضى ما كان عليه قضاؤه ؛ فكذلك الله تعالى إذا أخبر أنه (ذو فضل) و (ذو من) لم يكن ذلك عليه ، فاستوجب الشكر على الخلق بذلك. وبالله التوفيق.

ثم الكلام فى أن أولئك ماتوا بآجالهم ، أو لا بآجالهم؟

قالت المعتزلة : لم تكن آجالهم. ومن قولهم : أن لكل أحد أجلين : إن قتل فأجله كذا ، وإن مات فكذا.

قيل : ذلك تأجيل من لا يعلم أنه يقتل أو يموت ، فإذا علم الله أنه يموت لم يكتب له أجل القتل. وكذلك ما روى فى الخبر : «أن صلة الرحم تزيد فى العمر» (٣). إذا كان فى علم الله تعالى فى الأول (٤) أنه يصل الرحم فكتب عمره أزيد ممن يعلم فى الأول (٥) أنه

__________________

(١) فى أ : الإفضال.

(٢) فى أ : منة.

(٣) أخرجه القضاعى فى «مسند الشهاب» (١٠٠) من حديث ابن مسعود.

قال الحافظ فى «التلخيص» (٣ / ١١٥) : وفى إسناده من لا يعرف والحديث ذكره السيوطى فى «الجامع الصغير» (٥٠٠٢) ورمز لحسنه.

وتعقبه المناوى فى «فيض القدير» (٤ / ١٩٦) بكلام ابن حجر المتقدم.

(٤) فى أ : الأزل.

(٥) فى أ : الأزل.

٢١٩

يقطع ولا يصل ؛ إذ لو حمل ذلك على ما يقولون هم لخرج فعله فعل من يجهل العواقب.

فإن قيل : فلم يلام القاتل إذا قتل غيره بغير حق؟

قيل له : لأنه كتب أجل المقتول بقتل هو معصية بما علم الله أنه ينقضى به. وكتاب الآجال هو بيان النهايات والأعمار.

وقوله : (وَقاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللهِ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ).

قد ذكرناه متضمنا فيما تقدم.

وقوله : (مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللهَ قَرْضاً حَسَناً فَيُضاعِفَهُ لَهُ أَضْعافاً كَثِيرَةً وَاللهُ يَقْبِضُ وَيَبْصُطُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ).

عامل الله تعالى بلطفه وكرمه الخلق معاملة من لا حق له فى أموالهم ، لا كمعاملة العباد بعضهم بعضا ، وإن كان العبيد وأموالهم كلهم له حيث طلب منهم الإقراض لبعضهم من بعض ثم وعد لهم الثواب على ذلك فقال : (فَيُضاعِفَهُ لَهُ أَضْعافاً كَثِيرَةً). ثم لما سمع اليهود ذلك قالوا : إن إله محمد فقير ، وهو قوله : (لَقَدْ سَمِعَ اللهُ قَوْلَ الَّذِينَ قالُوا إِنَّ اللهَ فَقِيرٌ وَنَحْنُ أَغْنِياءُ) [آل عمران : ١٨١]. ومرة قالوا لما رأوا الشدة على بعض الناس فقالوا : إنما يفعل ذلك ببخله حيث قالوا : (يَدُ اللهِ مَغْلُولَةٌ) [المائدة : ٦٤]. فرأوا المنع إما للبخل وإما للفقر. فأكذبهم الله فى قولهم ذلك فقال : (وَاللهُ يَقْبِضُ وَيَبْصُطُ).

قيل : (يَقْبِضُ) ، أى يقتر ، و (وَيَبْصُطُ) ، أى يوسع.

وقيل : (يَقْبِضُ) ما أعطى ، أى يأخذ. و (وَيَبْصُطُ) ويترك ما أعطى ، ولا يأخذ منه شيئا.

وقيل (١) : إنها نزلت فى أبى الدحداح (٢) ؛ وذلك أن النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال : «من تصدق بصدقة فله مثلها فى الجنة. فقال أبو الدحداح : إن تصدقت بحديقتى ، فلى مثلها فى الجنة؟ فقال : نعم. وقال : وأم الدحداح معى؟ قال : نعم. وقال : والصبية معى؟ قال : نعم. فرجع أبو الدحداح فوجد أم الدحداح والصبية فيها ، فقام على باب الحديقة ، فنادى : يا أم الدحداح إنى جعلت حديقتى هذه صدقة ، واشترطت مثيلتها فى الجنة ، وأم الدحداح

__________________

(١) أخرجه سعيد بن منصور وابن سعد والبزار وابن جرير (٥٦٢٣) ، وابن المنذر وابن أبى حاتم والحكيم الترمذى فى نوادر الأصول والطبرانى والبيهقى فى الشعب عن ابن مسعود كما فى الدر المنثور (١ / ٥٥٥).

(٢) أبو الدحداح الأنصارى : حليف لهم. قال أبو عمر : لم أقف على اسمه ولا نسبه ، أكثر من أنه من الأنصار ، حليف لهم ، وقال البغوى : أبو الدحداح الأنصارى ولم يزد. ينظر : الإصابة (٧ / ١٠٠) (٩٨٦٧).

٢٢٠