تأويلات أهل السنّة - ج ٢

أبي منصور محمّد بن محمّد بن محمود الماتريدي

تأويلات أهل السنّة - ج ٢

المؤلف:

أبي منصور محمّد بن محمّد بن محمود الماتريدي


المحقق: الدكتور مجدي باسلّوم
الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: دار الكتب العلميّة
الطبعة: ١
ISBN الدورة:
2-7451-4716-1

الصفحات: ٥٧٣

من الباطن (١) ؛ إلا بدليل على ما صرفت أشياء كثيرة عن حقائقها بالعرف ؛ من نحو : الإيمان ، وغيرها (٢).

وقوله : (أُولئِكَ الَّذِينَ حَبِطَتْ أَعْمالُهُمْ فِي الدُّنْيا وَالْآخِرَةِ) يحتمل وجوها :

يحتمل : أعمالهم التي فعلوا ؛ قبل أن يبعث محمد صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، فلما بعث كفروا به ، فبطلت تلك الأعمال.

ويحتمل : ما كان لهم من الأعمال : من صلة المحارم ، والقربات (٣) ، والصدقات ، فبطلت لما لا قوام لها إلا بالإيمان ، فلما لم يأتوا به ـ بطلت.

وقوله : (فِي الدُّنْيا وَالْآخِرَةِ) : أمّا في الآخرة : فثوابها ، وأمّا في الدنيا : فحمدها وثناؤها (٤).

ويحتمل في الدنيا : ثواب الدنيا ؛ كقوله : (مَنْ كانَ يُرِيدُ ثَوابَ الدُّنْيا فَعِنْدَ اللهِ ثَوابُ الدُّنْيا وَالْآخِرَةِ) [النساء : ١٣٤] ، والله أعلم.

قال الشيخ ـ رحمه‌الله ـ في قوله : (إِنَّ الَّذِينَ يَكْفُرُونَ بِآياتِ اللهِ) : فالآيات أعلام وحجج ، وهنّ (٥) أنواع :

منها حسّيات ، نحو : الخلائق ؛ في الدلالة على وحدانية الله تعالى. والخارجة منها عن احتمال وسع البشر يظهر عند أداء الرسل الرسالة ، يشهد على أن الذي أرسلهم هو الذي تولاها ؛ ليعلم بها محجة ويوضح بها رسالتهم.

ومنها : السمعيات : وهي التي جاءت بها الرسل من الأنباء ؛ عما لا سبيل إلى الوقوف عليها ، إلا بالتعلم بلا تقدم تعليم ، أو ما لا يعلم حقيقة ذلك إلا الله ؛ ليعلم أن الله هو الذي

__________________

 ـ السماع من غير تأمل.

ينظر : لسان العرب (٤ / ٢٧٦٧) (ظهر) ، ميزان الأصول للسمرقندي (١ / ٥٠٥).

(١) جمع بواطن والباطن : ما احتيج إلى تفسيره. انظر : لسان العرب (١ / ٣٠٤) (بطن).

(٢) تنقسم الحقيقة الشرعية إلى أقسام أربعة :

الأول : أن يكون اللفظ والمعنى معلومين لأهل اللغة ، لكنهم لم يضعوا ذلك الاسم لذلك المعنى. الثاني : أن يكونا غير معلومين لهم. الثالث : أن يكون اللفظ معلوما لهم ، والمعنى غير معلوم. الرابع : عكسه والمنقولة الشرعية أخص من الحقيقة الشرعية ، ثم من المنقولة ما نقل إلى الدين وأصوله كالإيمان والإسلام والكفر والفسق وتخص بالدينية ، وما نقل إلى فروعه كالصلاة والزكاة وتختص بالفرعية ، وقال الصفي الهندى : وهذه الأقسام الأربعة الأشبه وقوعها.

ينظر : البحر المحيط للزركشي (٢ / ١٥٨ ، ١٥٩).

(٣) في ب : والقرابات.

(٤) ينظر : تفسير الرازي (٧ / ١٨٧) ، تفسير البغوي (١ / ٢٨٨).

(٥) في ب : وهي.

٣٤١

أطلعهم عليها ؛ ليكون آية لهم ، والله أعلم.

ومنها العقليات : وهي التي تعرف بالمحن ، والبحث عنها مما بها يوصل إلى معرفة التوحيد والرسالة ونحوها ، ثم قد جعلها كلها لرسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، فمن يكفر بها يخرج على وجهين :

أحدهما : على الكفران بحقيقة الآيات ؛ أن يكون هن آيات لما أقيمت له ، وهن من الوجوه التي ذكرت ، فقضى الله ـ تعالى ـ لمن يكفر بها بما ذكرت ؛ لتعنتهم ومعاندتهم ، والله أعلم.

والثاني : أن يريد بالكفر بالآيات : الكفر بمن له الآيات ؛ فنسب إلى الآيات ؛ لما بها تعلم الحقيقة ، كما تنسب الأشياء إلى أسبابها التي بها يوصل إليها ، فذلك معنى الكفر بالآيات ، ثم كانت الكتب السماوية ، وما فيها من النعوت ، وما أعجزهم عن إتيان مثل القرآن ، وغير ذلك من الحسّيات ، والله أعلم.

فعلى ما ذكرنا يخرج معنى الكفر بالآيات ؛ لأنها بحيث يأخذها الحواس ، ويحيط بها الأوهام والعقول ؛ ولكن على أنهن آيات للذي دلّكم عليه ، أو على الكفر بالذي له آيات توجب تحقيقه ، والله أعلم (١).

وقوله : (فَكَيْفَ إِذا جَمَعْناهُمْ لِيَوْمٍ لا رَيْبَ فِيهِ)

وقال في ذلك الكتاب : (لا رَيْبَ فِيهِ) [البقرة : ٢] ، وقد ارتاب فيها أكثر أهل الأرض ؛ قيل : قوله : (لا رَيْبَ فِيهِ) قد يتكلم به على تثبيت المقول به عند قائله ، لا على نفي الشك عن كل من سمعه ؛ إرادة التأكيد ؛ فعلى ذلك أمكن أن يخرج معناه ؛ إذ هو مخاطبة على ما عليه كلامهم ؛ وكذلك قولهم أبدا على دوامه وامتداده ، لا على حقيقة الأبدية ؛ وكذلك يقولون : (هذا إِفْكٌ قَدِيمٌ) [الأحقاف : ١١] ، وأمر قديم : لا على حقيقة القدم ؛ التي تخرج على الكون بعد أن لم يكن ، والله الموفق.

والثاني : على أنه لا يرتاب فيه المتأمّل المنصف بما جعل الله لذلك من الآيات ، وعليه من الأدلة التي من تدبر فيها ـ أظهرته له ، حتى يصير كالمعاين ، ولا قوة إلا بالله.

والثالث : أن يخبر به رسوله صلى‌الله‌عليه‌وسلم عن قوم مخصوصين مما كانوا ينازعون فيه ، بعد علمهم بصدقه ؛ ليعرف به تعنتهم ، ويؤيسه عن الطمع فيهم ، ولا قوة إلا بالله.

قوله تعالى : (أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوْتُواْ نَصِيبًا مِّنَ الْكِتَابِ يُدْعَوْنَ إِلَى كِتَابِ اللّهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ

__________________

(١) في ب : الموفق.

٣٤٢

يَتَوَلَّى فَرِيقٌ مِّنْهُمْ وَهُم مُّعْرِضُونَ (٢٣) ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُواْ لَن تَمَسَّنَا النَّارُ إِلاَّ أَيَّامًا مَّعْدُودَاتٍ وَغَرَّهُمْ فِي دِينِهِم مَّا كَانُواْ يَفْتَرُونَ (٢٤) فَكَيْفَ إِذَا جَمَعْنَاهُمْ لِيَوْمٍ لاَّ رَيْبَ فِيهِ وَوُفِّيَتْ كُلُّ نَفْسٍ مَّا كَسَبَتْ وَهُمْ لاَ يُظْلَمُونَ) (٢٥)

وقوله (أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوْتُواْ نَصِيبًا مِّنَ الْكِتَابِ)

قوله : (أَلَمْ تَرَ) إنما يتكلم به لأحد معنيين :

إما للتعجب (١) من الأمر العظيم ؛ يقول الرجل لآخر : ألم تر فلانا يقول كذا ، أو يعمل كذا؟! يقول ذلك له ؛ لعظيم ما وقع عنده.

وإمّا للتنبيه.

فأيّهما كان ففيه تحذير للمؤمنين ؛ ليحذر المؤمنون عن مثل صنيعهم ؛ كقوله : (وَلا يَكُونُوا كَالَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ مِنْ قَبْلُ) [الحديد : ١٦] من قبل الآية ؛ حذر المؤمنين أن يكونوا مثل أولئك الذين أوتوا الكتاب ، ولا يخالفوا كتابهم كما خالفوا هم.

وقوله : (يُدْعَوْنَ إِلى كِتابِ اللهِ) :

يحتمل أن يكون أراد بالكتاب : التوراة (٢) ؛ على ما قيل : إن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال لهم : «أسلموا تهتدوا ، ولا تتكبّروا» فقالوا : نحن أهدى وأحق بالهدى منك. وما أرسل الله رسولا بعد موسى [عليه‌السلام](٣) فقال لهم النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «بينى وبينكم التّوراة والإنجيل ؛ فإنّه مكتوب فيهما» يعني : وإني رسول الله ، فأبوا ذلك خوفا وإشفاقا على ظهور كذبهم (٤).

وقيل : أراد بالكتاب : القرآن ، دعوا إليه (٥) ؛ لأنه مصدّق لما معهم من الكتاب ، فأبوا ذلك.

وقوله : (ذلِكَ بِأَنَّهُمْ قالُوا لَنْ تَمَسَّنَا النَّارُ إِلَّا أَيَّاماً مَعْدُوداتٍ)

__________________

(١) في ب : على التعجب.

(٢) أخرجه ابن أبي حاتم (٢ / ١٦٥) ، (٢٨٥) عن أبي مالك ، وذكره السيوطي في «الدر المنثور» (٢ / ٢٥) وعزاه إلى ابن أبي حاتم.

(٣) في ب : صلى‌الله‌عليه‌وسلم.

(٤) أخرجه الطبري في «تفسيره» (٦ / ٢٨٨ ، ٢٨٩) ، برقمي (٦٧٨١) ، (٦٧٨٢) وابن أبي حاتم (٢ / ١٦٥ ، ١٦٦) (٢٨٦) عن ابن عباس ، وذكره السيوطي في «الدر المنثور» (٢ / ٢٤) وزاد نسبته إلى ابن إسحاق.

(٥) وهو قول قتادة ، أخرجه الطبري (٦ / ٢٨٩ ، ٢٩٠) ، برقمي (٦٧٨٣ ، ٦٧٨٤) وابن أبي حاتم (٢ / ١٦٧) (٢٨٩) ، وذكره السيوطي في «الدر المنثور» (٢ / ٢٤) وزاد نسبته إلى عبد بن حميد وابن المنذر.

٣٤٣

الأيام التي عبد آباؤهم العجل ، فظنوا أنهم إنما يعذبون بقدر ما عبد آباؤهم العجل ، وأنهم لا يخلدون في النار ؛ لأنهم زعموا أنهم أبناء الله وأحبّاؤه (١).

ويحتمل أن يكون آباؤهم قالوا لهم : إنكم لا تعذبون في النار إلا قدر عبادتنا العجل ؛ فأخبر ـ عزوجل ـ أن قد غرهم في دينهم ما كانوا يفترون ، ثم خوفهم فقال : (فَكَيْفَ إِذا جَمَعْناهُمْ لِيَوْمٍ لا رَيْبَ فِيهِ).

قوله تعالى : (قُلِ اللهُمَّ مالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَنْ تَشاءُ وَتَنْزِعُ الْمُلْكَ مِمَّنْ تَشاءُ وَتُعِزُّ مَنْ تَشاءُ وَتُذِلُّ مَنْ تَشاءُ بِيَدِكَ الْخَيْرُ إِنَّكَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (٢٦) تُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهارِ وَتُولِجُ النَّهارَ فِي اللَّيْلِ وَتُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَتُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ وَتَرْزُقُ مَنْ تَشاءُ بِغَيْرِ حِسابٍ)(٢٧)

وقوله : (قُلِ اللهُمَّ مالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَنْ تَشاءُ وَتَنْزِعُ الْمُلْكَ مِمَّنْ تَشاءُ) الآية [آل عمران : ٢٦] : يحتمل قوله : (مالِكَ الْمُلْكِ) وجهين :

أحدهما : مالك ملك كل ملك في الدنيا له حقيقة الملك.

والثاني : أن الملك له ، يؤتي من يشاء من ملكه ، وينزع ممن يشاء الملك ، وهو المالك لذلك ، والقادر عليه.

والآية ترد على القدرية قولهم ؛ لأنهم يقولون : إن الله لا يعطي الكافر الملك ، وهو قد أخبر ـ عزوجل ـ أنه يؤتي (٢) من يشاء الملك ، وقد يؤتي الكافر به الملك ، فإن قالوا : أراد ب «الملك» : الدين ، فقد أخبر ـ عزوجل ـ أيضا أنه ينزع ، فكيف يستقيم على قولكم في الأصلح هذا.

ثم في الآية تقوية لمن قرأ : (مالِكِ يَوْمِ الدِّينِ) [الفاتحة : ٤] بالألف (٣) لأنه أعمّ وأجمع ؛ لأنه قال : (مالِكَ الْمُلْكِ) وهو أعمّ.

والثاني : أن «الملك» إنما يعبّر عن الولاية والسلطان ، و «المالك» : إنما يعبر عن حقيقة الملك ، ومن له في الشيء حقيقة الملك ـ فله ولاية التغلب والتصرف فيه ولاية (٤) السلطان ، ولا كل من له ولاية السّلطان يكون له ولاية التغلب فيه ؛ لذلك كان بالألف

__________________

(١) أخرجه الطبري (٦ / ٢٩٣) ، (٦٧٨٦) وابن أبي حاتم (٢ / ١٦٨) ، رقم (٢٩٣) عن قتادة ، وذكره السيوطي في «الدر المنثور» (٢ / ٢٥) وعزاه إلى عبد بن حميد وابن المنذر.

(٢) في ب : يعطي.

(٣) وهي قراءة عاصم والكسائي ، وقرأ باقى السبعة «ملك» بدون ألف.

راجع : الحجة لأبي زرعة (ص : ٧٧) ، الحجة لابن خالويه (ص : ١٢) ، السبعة لابن مجاهد (ص : ١٠٤) ، النشر لابن الجزري (١ / ٢٧١).

(٤) في ب : وولاية.

٣٤٤

أقرب ، ومن قرأ : ملك يوم الدين» (١) بغير ألف ذهب إلى أن هذا كقوله : (الْمُلْكُ يَوْمَئِذٍ لِلَّهِ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ) [الحج : ٥٦] ومن الملك يقال : ملك ؛ لا يقال : مالك ؛ لذلك كان ما ذكر ، والله أعلم.

والمالك ـ على الإطلاق ـ لا يقال إلا [على الله](٢) ؛ وكذلك الرب ـ على الإطلاق ـ لا يقال إلا [على الله](٣) ، وأما العبد فإنه يقرن الشيء إليه ؛ فيقال ربّ الدار ومالكها ، ورب الدابة (٤) ومالكها ، والله أعلم.

وقوله : (قُلِ اللهُمَّ مالِكَ الْمُلْكِ) :

قال قائلون : الخطاب لرسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم خاصّة.

وقال آخرون : الخطاب بذلك لكل عاقل ؛ وهو كقوله : (قُلْ هُوَ اللهُ أَحَدٌ) [الإخلاص : ١] إلى آخر الآية ، ذلك الخطاب لكل أحد لا لرسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم خاصّة.

وقال الشيخ ـ رحمه‌الله ـ : ليس هو خطاب ؛ ولكنه أمر بالبلاغ ليقوله كل أحد ؛ لأنه لو خوطب به لم يذكر «قل» عند قراءته.

وقوله : (اللهُمَّ) : قال قائلون : «اللهم» : يعني : يا آلهتهم.

وقال آخرون : «الله» ـ على القطع ـ «أمّنا» اقصدنا بالخير (٥) ، والله أعلم.

قال الشيخ ـ رحمه‌الله ـ في قوله : (قُلِ اللهُمَّ مالِكَ الْمُلْكِ) الآية : فكأنه ـ عزوجل ـ امتحن من رغب في الملك ، أو نال حظّا منه ـ أن يصرفوا وجه الرغبة إليه ، أو يروا حقيقة ما نالوه منه ؛ فيوجهون إليه الشكر ، ويخضعون له بالعبادة والطاعة فيما أمرهم به ؛ لينالوا شرفه ويدوم (٦) له عزّه ؛ وذلك كقوله : (مَنْ كانَ يُرِيدُ ثَوابَ الدُّنْيا فَعِنْدَ اللهِ ثَوابُ الدُّنْيا وَالْآخِرَةِ) [النساء : ١٣٤] ليريهم أن الذي يملك هذا النوع الذي رغبت فيه أنفسكم ، ومنعتكم عن القيام بحقه ـ هو الذي يملك ذلك ؛ فإليه فاصرفوا سعيكم ، وبشكره استديموا ، الذي له اخترتم جل كدحكم ؛ فإنه يملك ذلك دون غيره ؛ وجملة ذلك في قوله : (وَما بِكُمْ مِنْ نِعْمَةٍ فَمِنَ اللهِ) [النحل : ٥٣] ومعقول فيما عليه طبع البشر ، وإليه دعاهم عقولهم : أن كل شيء تؤثره أنفسهم ـ كان الذي يحق عليهم طلبه عند من به

__________________

(١) قرأ بها نافع وابن عامر وابن كثير وأبو عمرو وحمزة. راجع المصادر السابقة.

(٢) في ب : لله.

(٣) في ب : لله.

(٤) في ب : الدار.

(٥) قاله الفراء والكوفيون. راجع : تفسير الرازي (٨ / ٤) ، تفسير القرطبي (٤ / ٣٥).

(٦) في ب : أو يدوم.

٣٤٥

يوصل إليه ، واختيارهم ما به يبلغون ما يأملون من أنواع الحيل التي تقربهم إلى ذلك ، فمثله يلزم أمر الملك ولذّات الدّنيا ، وتقرر في قلوبهم وجود ذلك لقوم ؛ لو كان ينال بالتدبير أو بحسن السياسة ، وطلب ذلك من الوجوه التي يطلب بها البشر ـ لم (١) يكن الدين لهم ذلك بأحق من غيرهم ؛ بل كان فيمن حرموا من هم أولى بذلك ، وأحق أن يكون في ذلك متبوعا لا تابعا من الذين نالوه ؛ ليعلم أن الذي يملك دفع ذلك إلى أحد أو تمليكه أحدا ، غير الذين (٢) صرفوا كدحهم ، وجعلوا له سعيهم ؛ فيكون لله في كل أمر ممّا عليه أمر البشر آية عظيمة ، وعلامة لطيفة على تفرده بملك ذلك ، وتوحّده بالتدبير فيه لمن له بصيرة ولمن به يمتحن عباده.

وعلى ذلك إذ ثبتت في ذلك أدلة التوحيد ، ولزوم الاعتبار به ؛ ليعرف من له الحق ـ ثبت القول ببطلان ما ينكره كثير من المعتزلة ؛ أن الملك الذي ناله الجبابرة ، والسعة التي تصل إلى الكفرة ـ لم يكن نالوه بتقدير الله ، ولا وصلوا إليه بتدبيره ؛ إذ حقه ما ذكرت من عظيم ما فيه من النعم ؛ ليلزمهم به أرفع المحن وأعلى الشكر ، وله أن يبلو بالحسنات والسّيئات ؛ كما وعد عزوجل ؛ وجملته : أن الدنيا إذ هي دار محنة ومكان ابتلاء ، فليس الذي يعطي منه على الاستحقاق ، ولا ما يمنع على العقوبة (٣) ـ وإن احتمل الدفع والمنع لذلك ـ ولكن له وللمحن ، والمحنة أكثرها على مخالفة الأهواء ، وتحمل المكاره ، ويكون ذلك على إعطاء ما يعظم في أنفسهم ، أو التمكين ليمتحنوا ؛ فيتبين الإيثار (٤) والترك لوجه الله ، والرغبة فيمن إليه حقيقة ملك كل شيء ، أو الميل إلى من إليه أنواع التغرير والمخادعات من غير تحقيق ، ولا قوة إلا بالله.

وعلى ذلك قوله : (أَنْ آتاهُ اللهُ الْمُلْكَ) [البقرة : ٢٥٨] يبيّن ذلك احتجاجه على إبراهيم [ـ عليه‌السلام ـ] بالذي ذكر ، وإغضاء إبراهيم عنه ، ولو كان الذي آتاه [الله](٥) الملك إبراهيم [ـ عليه‌السلام ـ](٦) لم يكن ليجترئ على تلك المقالة بقوله : (أَنَا أُحْيِي

__________________

(١) في ب : فلم.

(٢) في ب : الذي.

(٣) العقوبة والعقاب والمعاقبة مختصة بالعذاب وهي أن تجزي الرجل بما فعل سوءا. انظر : لسان العرب (٤ / ٣٠٢٧) ، (عقب) ، عمدة الحفاظ (٣ / ١٢٢).

(٤) الإيثار لغة : للتفضل بمعنى التفضيل ، ومنه قوله ـ تعالى ـ : (وَيُؤْثِرُونَ عَلى أَنْفُسِهِمْ) [الحشر : ٩] أي : يفضلون غيرهم على أنفسهم.

ينظر : عمدة الحفاظ للسمين الحلبي (١ / ٦٣).

(٥) سقط من ب.

(٦) سقط من ب.

٣٤٦

وَأُمِيتُ) [البقرة : ٢٥٨] ، ولا قوة إلا بالله.

ثم على قول المعتزلة : إنّ الله ـ تعالى ـ إنما يشاء أن يؤتي الملك أولياءه ، وينزع عن أعدائه في الجملة ، فكيف ادعى لنفسه هذا السلطان والملك ، وكان الوجوب على ضدّ ذلك؟! أيظن المعتزلة أن الملحدة تطعن ما هو يوجب الشبهة في حجج التوحيد بأوضح مما أعطاهم المعتزلة بهذا القول ، أو يمكنهم من الطعن في نقض ما ادعت الموحدة من علو الرب وقدرته وجلاله بأبلغ مما لقنتهم المعتزلة بما لبست ثوب التوحيد ، واستترت بستره في الظاهر ، ثم أعطت للملحدة هذا ؛ ليظنوا أنهم بلغوا ما به نقض التوحيد ، ودفع حجج أهله ، جل الله عما وصفته الملحدة ، وتعالى ، فبه العصمة والنجاة.

ولما أعطتهم المعتزلة في الجملة سبقهم به إبليس ، حتى كانوا بمثله يحتجون ؛ فيظنون أنهم أحق بالنبوة منهم ، بما أعطوا من الملك والثروة في الدنيا ؛ فظنوا أنهم أجل عند الله ـ تعالى ـ وأرفع في المنزلة منهم ، من لم يكن ليؤثرهم بالرسالة عليهم ، لكن أولئك حققوا حقائق النعم لله ، ونيل ما نالوا من الملك والشرف به ، والمعتزلة رامت إزالة ذلك عن الله ؛ ليزيلوا عنهم ما لزمهم من الشكر له ، والطاعة لمن بعثه الله ، وأسأل الله تمام نعمه في الدين والدنيا.

وقوله : (تُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهارِ وَتُولِجُ النَّهارَ فِي اللَّيْلِ) ، وقوله : (وَتُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ) ونحو ذلك : وجوه من الأدلة :

أحدها : أن يعلم أن الله [ـ عزوجل ـ](١) فيما يخلق ـ لا يخلق على معونة الأسباب ، وتوليد الطبائع ؛ لأن الأسباب تكون بموضع الإشكال ؛ وكذلك الطباع تولد الذي في جوهره ؛ نحو : الحار يولد الحرارة ، والبارد [يولد](٢) البرودة ؛ فبين [الله ـ تعالى ـ](٣) الإنشاء على أحوال التضاد ؛ [ليعلم](٤) أنه القادر على اجتماع ما شاء مما شاء بلا معونة من ذلك ولا توليد ، ولا قوة إلا بالله.

والوجه الثاني : أنه جرى تقدير ذلك على ما لا تفاوت له ، ولا اختلاف في اختلاف الأعوام ؛ ليعلم أنها مسوّاة على التدبير ، أحكمه على ذلك العزيز الحكيم ، الذي لا يعجزه شيء ، ولا يخفى عليه أمر ؛ وليعلم أن الذي قدر على ذلك واحد ؛ إذ لم يختلف ولم

__________________

(١) في ب : جل ثناؤه.

(٢) سقط من ب.

(٣) في ب : جل ثناؤه.

(٤) سقط من ب.

٣٤٧

يتناقض ، ولا قوة إلا بالله.

وأيضا ، أنه قد صيّر كل جوهر (١) بأحداث الآخر ؛ كأنه لم يكن قط ، ولا كان بقى له أثر ، ثم رده بالوصف الذي كان ؛ حتى لا يفوت منه شيء ، حتى لا سبيل إلى العلم بالتفصيل بينهما ؛ ليعلم أن قدرته على البعث ، بعد أن يفنى كل الأجزاء والآثار ، على ما كان ، ولا قوة إلا بالله.

وأيضا ، أنه إذ بنى الأمر على ما فيه من عظيم الحكمة ، وعجيب التدبير ـ لم يجز أن يكون فعله خارجا على العبث ، ثم في رفع المحنة ، وإبطال الرسالة في تعليم ما في ذلك من الحكمة ، وما يلزم بمكان ذلك التدبير من الشكر والمعرفة ، ثم من الترغيب فيما يملك من النعمة ، والترهيب عما عنده من النقمة ـ إبطال الحكمة ، وتقرير العالم مع ما ذكرت على العبث ، وذلك فاسد في العقول ، وموجود في الجواهر عظيم حكمة منشئها ، ثبت بذلك العبادة والرسالة والجزاء ، ولا قوة إلا بالله.

وقوله : (تُؤْتِي الْمُلْكَ مَنْ تَشاءُ وَتَنْزِعُ الْمُلْكَ مِمَّنْ تَشاءُ) إلى آخره : يحتمل وجهين :

يحتمل أن تؤتي ابتداء من غير أن كان آتاهم مرة ؛ وكذلك تنزع ـ أي تمنع ـ ابتداء من غير أن كان آتاهم ، ثم ينزع ؛ كقوله : (رَفَعَ السَّماواتِ بِغَيْرِ عَمَدٍ) [الرعد : ٢] رفع ابتداء من غير أن كانت موضوعة فرفعها ؛ وكقوله : (يُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُماتِ إِلَى النُّورِ) [البقرة : ٢٥٧] إخراج الابتداء ، لا أن كانوا فيها ثم أخرجهم ، فعلى ذلك هذا ، وعلى ذلك قوله : (تُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهارِ وَتُولِجُ النَّهارَ فِي اللَّيْلِ) إيلاج ابتداء ، لا أن كان أحدهما في الآخر ؛ كقوله ـ تعالى ـ : (قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ جَعَلَ اللهُ عَلَيْكُمُ اللَّيْلَ سَرْمَداً إِلى يَوْمِ الْقِيامَةِ) [القصص : ٧١] و (النَّهارَ سَرْمَداً) [القصص : ٧٢] أخبر أنه لم يجعل واحدا منهما مؤبّدا ؛ وكذلك قوله : (وَتُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَتُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِ) إخراج ابتداء ؛ أن يخلق الحي من الميت

__________________

(١) لفظ الجوهر : يقال بالاشتراك اللفظى على معان أربعة :

الأول : الموجود الغنى عن المحل والواجب ـ تعالى ـ جوهر بهذا المعنى.

الثاني : الماهية التي إذا وجدت كانت لا في الموضوع ، وهذا المعنى يقتضى زيادة الوجود على الماهية ، وذهب ساجقلي زاده إلى أن وجوده ـ تعالى ـ عين ذاته ، فلا يطلق الجوهر عليه ، وذهب إلى أن وجوده زائد فيتناوله.

الثالث : القابل للصفة ، والحكماء اتفقوا على أنه ـ تعالى ـ ليس جوهرا بهذا المعنى بناء على استحالة قيام الصفات بذاته تعالى.

الرابع : الشيء الذي تتعاقب عليه الصفات والحكماء اتفقوا على امتناع تعاقب الصفات على ذات الواجب.

ينظر : حاشية نشر الطوالع ، للعلامة المرعشى ، الشهير بساجقلي زاده ص (٢٣٤ ، ٢٣٥).

٣٤٨

ابتداء ، ويخلق الميت من الحي من غير أن كان فيه ؛ ويحتمل هذا كله أن كان يؤتي الملك بعد أن لم يكن ، ويعزّ بعد الذل ، وينزع الملك بعد أن كان ، ويذل بعد أن كان العز ؛ [وكذا قوله : (تُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهارِ وَتُولِجُ النَّهارَ فِي اللَّيْلِ) : أن يدخل بعض هذا في هذا ، وهذا في هذا](١).

وقوله : (وَتُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَتُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ) : قيل : أن يخرج حي الأقوال من ميت الأفعال ، وميت الأفعال من حي الأقوال ، يخرج المؤمن من الكافر ، والكافر من المؤمن (٢) ؛ على ما سمى الله ـ تعالى ـ الكافر ميتا ، والمؤمن حيّا في غير موضع من القرآن (٣).

وقيل : يخرج حي الجوهر من ميت الجوهر ، وميت الجوهر من حي الجوهر.

وقيل : يخرج الحي من المني (٤) ، ويخرج المني من الحي (٥).

وقيل : البيضة من الحي ، والحي من البيضة (٦).

وقيل : النخلة من النواة ، والنواة من النخلة ، والحبة من السنبلة ، والسنبلة من الحبة (٧).

__________________

(١) ما بين المعقوفين سقط من ب.

(٢) أخرجه الطبري في «تفسيره» (٦ / ٣٠٦ ، ٣٠٧) (٦٨١٥ ، ٦٨١٦ ، ٦٨١٩) ، وذكره السيوطي في «الدر المنثور» (٢ / ٢٧) وزاد نسبته إلى أبي الشيخ عن الحسن البصري ، وأخرجه الطبري (٦ / ٣٠٧) (٦٨٢٠) ، وابن أبي حاتم (٢ / ١٧٨) (٣٢١) عن سلمان. لكن عند ابن أبي حاتم عن سلمان عن عمر. وذكره السيوطي في «الدر المنثور» (٢ / ٢٧) وزاد نسبته إلى سعيد بن منصور وابن المنذر والبيهقي في «الأسماء والصفات» وأبي الشيخ في «العظمة» ، عن سلمان.

(٣) كقوله تعالى : (أَوَمَنْ كانَ مَيْتاً فَأَحْيَيْناهُ وَجَعَلْنا لَهُ نُوراً يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ كَمَنْ مَثَلُهُ فِي الظُّلُماتِ لَيْسَ بِخارِجٍ مِنْها ...) [سورة الأنعام : ١٢٢].

(٤) المنيّ ـ مشدد لا غير ـ : وسمى منيّا لأنه يمنى ، أي : يراق ، ومنه : سميت البلد ، منى ، لما يراق فيها من الدماء ، يقال : مني الرجل وأمنى : إذا خرج منه ذلك. ينظر : النظم المستعذب لابن بطال (١ / ٤١).

(٥) أخرجه الطبري (٦ / ٣٠٤) ، (٦٨٠٤) ، وابن أبي حاتم (٢ / ١٨٠) ، (٣٢٥) ، عن ابن مسعود ، وأخرجه ابن أبي حاتم (٢ / ١٧٩) (٣٢٤) عن ابن عباس ، وذكره السيوطي في «الدر المنثور» (٢ / ٢٧) وزاد نسبته إلى ابن المنذر ، وأخرجه الطبري (٦ / ٣٠٤) (٦٨٠٥ ، ٦٨٠٦) ، وابن أبي حاتم (٢ / ١٨١) رقم (٣٢٧) ، عن مجاهد ، وعلقه البخاري (٨ / ٢٠٩) كتاب التفسير ، وذكره السيوطي في «الدر المنثور» (٢ / ٢٧) وزاد نسبته إلى عبد بن حميد وابن المنذر ، وأخرجه الطبري (٦ / ٣٠٥) (٦٨١١) عن سعيد بن جبير ، وأخرجه برقم (٦٨١٠) عن قتادة ، وبرقم (٦٨٠٧) عن الضحاك.

(٦) أخرجه الطبري (٦ / ٣٠٦) (٦٨١٣) وابن أبي حاتم (٢ / ١٨٢) ، (٣٣٢) عن عكرمة وذكره السيوطي في «الدر المنثور» (٢ / ٢٧) وزاد نسبته إلى ابن المنذر وأبي الشيخ.

(٧) أخرجه الطبري (٦ / ٣٠٦) (٦٨١٤) عن عكرمة وابن أبي حاتم (٢ / ١٨١) (٣٣١) عن أبي مالك وذكره السيوطي في «الدر المنثور» (٢ / ٢٧) عن أبي مالك وزاد نسبته إلى أبي الشيخ. ـ

٣٤٩

وقوله : (وَتَرْزُقُ مَنْ تَشاءُ بِغَيْرِ حِسابٍ).

قيل : (بِغَيْرِ حِسابٍ) : يعرف الخلق عدده ومقداره.

وقيل : بغير تبعة ولا طلبة ؛ أي : لا يحاسبهم فيما أعطاهم من بعد ما أعطاهم (١).

ويحتمل : (بِغَيْرِ حِسابٍ) ، أي : لا يعطيهم بحساب أعمالهم ، ولكن بتفضل ، خلافا للمعتزلة.

ويحتمل : (بِغَيْرِ حِسابٍ) : في الآخرة.

وعن ابن عباس ـ رضي الله عنه ـ : «بغير هنداز ـ فارسية معربة».

وعن مقاتل (٢) : «لا يقدر ذلك غيره ؛ يقول : ليس فوقى ملك يحاسبني ، أنا الملك أعطي من شئت بغير حساب ، لا أخاف من أحد يحاسبني» والله أعلم.

قوله تعالى : (لا يَتَّخِذِ الْمُؤْمِنُونَ الْكافِرِينَ أَوْلِياءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذلِكَ فَلَيْسَ مِنَ اللهِ فِي شَيْءٍ إِلاَّ أَنْ تَتَّقُوا مِنْهُمْ تُقاةً وَيُحَذِّرُكُمُ اللهُ نَفْسَهُ وَإِلَى اللهِ الْمَصِيرُ (٢٨) قُلْ إِنْ تُخْفُوا ما فِي صُدُورِكُمْ أَوْ تُبْدُوهُ يَعْلَمْهُ اللهُ وَيَعْلَمُ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ وَاللهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ)(٢٩)

وقوله : (لا يَتَّخِذِ الْمُؤْمِنُونَ الْكافِرِينَ أَوْلِياءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ) يحتمل وجهين :

يحتمل : (لا يَتَّخِذِ) ، أي : لا يكونون أولياء لهم ، وإن اتخذوا أولياء ؛ بل هم لهم أعداء ؛ كقوله : (لا تَجِدُ قَوْماً يُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ..). [المجادلة : ٢٢] إلى آخر الآية.

ويحتمل : على النهي ، أي : لا تتخذوا أولياء ؛ كقوله : (لا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِياءَ)

__________________

 ـ قال الطبري : وأولى التأويلات التي ذكرناها في هذه الآية بالصواب ـ تأويل من قال : «يخرج الإنسان الحي والأنعام والبهائم الأحياء من النطف الميتة ؛ وذلك إخراج الحي من الميت. ويخرج النطفة الميتة من الإنسان الحي والأنعام والبهائم الأحياء ؛ وذلك إخراج الميت من الحي ... وأما تأويل من تأوله بمعنى الحبة من السنبلة ، والسنبلة من الحبة ، والبيضة من الدجاجة ، والدجاجة من البيضة ، والمؤمن من الكافر ، والكافر من المؤمن ـ فإن ذلك ، وإن كان له وجه مفهوم ، فليس ذلك الأغلب الظاهر في استعمال الناس في الكلام ، وتوجيه معاني كتاب الله ـ عزوجل ـ إلى الظاهر المستعمل في الناس أولى من توجيهها إلى الخفي القليل في الاستعمال.

ينظر : جامع البيان (٦ / ٣٠٨).

(١) ينظر طرف من الأقوال السابقة في : تفسير الطبري (٦ / ٣١١) (٦٨٢٣) ، تفسير القرطبي (٤ / ٣٧) ، تفسير الرازي (٨ / ٩) ، المحرر الوجيز (١ / ٤١٨) ، تفسير البغوي (١ / ٢٩١).

(٢) هو مقاتل بن سليمان الأزدي ، أبو الحسن الخراساني المفسر ، روى عن الضحاك ومجاهد ، قال الشافعي : الناس عيال عليه في التفسير. مات سنة ١٥٠ ه‍.

راجع : تقريب التهذيب ترجمة (٦٩١٦) ، خلاصة الخزرجي (٣ / ٥٣ ، ٥٤) ، سير أعلام النبلاء (٧ / ٢٠١) رقم (٧٩).

٣٥٠

[الممتحنة : ١] ؛ وكقوله : (لا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصارى أَوْلِياءَ) [المائدة : ٥١].

وقوله : (إِلَّا أَنْ تَتَّقُوا مِنْهُمْ تُقاةً) : اختلف فيه : قيل : إلا أن يكون بينكم وبينهم قرابة ورحم ؛ فتصلون أرحامهم من غير أن تتولوهم في دينهم (١) ، على ما جاء عن علي ـ [رضي الله عنه](٢) ـ أنه قال لرسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم لما مات أبوه أبو طالب ـ : «إنّ عمّك الضّالّ توفيّ» ، فقال له رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «اذهب فواره» (٣).

ويحتمل قوله : (إِلَّا أَنْ تَتَّقُوا) على أنفسكم (مِنْهُمْ تُقاةً) ، إلا أن تخافوا منهم فتظهروا لهم ذلك مخافة الهلاك ، وقلوبكم على غير ذلك (٤).

وعن ابن عباس ـ رضي الله عنه ـ : «التّقيّة : التّكلّم باللّسان ، وقلبه مطمئنّ بالإيمان» (٥).

وقوله : (وَيُحَذِّرُكُمُ اللهُ نَفْسَهُ) :

قيل : عقوبته (٦).

[وقيل : نقمته (٧) ؛ يقول الرجل لآخر : احذر فلانا ، إنما يريد نقمته وبوائقه (٨) ؛ فعلى

__________________

(١) أخرجه الطبري (٦ / ٣١٦) ، (٦٨٣٦ ، ٦٨٣٧) ، وابن أبي حاتم (٢ / ١٩٢) (٣٦٣) وعبد الرزاق في تفسيره (١ / ١١٨) عن قتادة. وذكره السيوطي في «الدر المنثور» (٢ / ٢٩) وزاد نسبته إلى عبد بن حميد. وروى نحوه أيضا عن الحسن ، أخرجه الطبري (٦٨٣٨).

(٢) سقط من ب.

(٣) أخرجه أبو داود (٢ / ٢٣٢) كتاب الجنائز : باب الرجل يموت له قرابة مشرك حديث (٣٢١٤) ، والنسائي (١ / ١١٠) كتاب الطهارة : باب الغسل من مواراة المشرك ، وأحمد (١ / ٩٧ ، ١٣١) ، والطيالسي في مسنده (٢٣٢٧ ـ منحة المعبود) والبيهقي في «السنن الكبرى» (٣ / ٣٩٨) ، وفي «الدلائل» (٢ / ٣٤٩) من حديث علي ، وهو حديث صحيح.

(٤) وهذا ما رجحه الطبري في تفسيره (٦ / ٣١٥).

(٥) أخرجه الطبري (٦ / ٣١٥) (٦٨٣٥) ، وابن أبي حاتم (٢ / ١٨٩) (٣٥٦) من طريق العوفي عن ابن عباس. وأخرجه الحاكم (٢ / ٢٩١) من طريق ابن جريج عن عطاء عن ابن عباس. وصححه ووافقه الذهبي ، وأخرجه الطبري (٦ / ٣١٤) (٦٨٢٩) من طريق ابن جريج عمن حدثه عن ابن عباس ، وأثر ابن عباس ذكره السيوطي في «الدر المنثور» (٢ / ٢٩) وزاد نسبته إلى عبد بن حميد وابن المنذر.

(٦) ذكره البغوي في «تفسيره» (١ / ٢٩٢) والقرطبي (٤ / ٣٨) ، ولم ينسبه لأحد. وذكره ابن عطية في «المحرر الوجيز» (١ / ٤٢٠) ونسبه لابن عباس والحسن.

وقال الثوري : من رأفته بكم تحذيره إياكم نفسه. أخرجه ابن أبي حاتم (٢ / ١٩٣) (٣٦٤) ومثله عن الحسن البصري ، أخرجه ابن أبي حاتم (٢ / ٢٠١) (٣٧٥).

(٧) يقال : نقمت الشيء ونقمته ـ بالفتح والكسر ـ : أي : كرهته ، والفتح أفصح ، وقيل : نقمته : أنكرته إما باللسان أو بالعقوبة ، والنقمة والانتقام : العقوبة بإنكار.

ينظر : عمدة الحفاظ (٤ / ٢٤٨ ، ٢٤٩).

(٨) البائقة : الداهية ، والبلية تنزل بالقوم ، ومنه الحديث : «لا يدخل الجنة من لا يأمن جاره بوائقه».

أخرجه أحمد (٢ / ٢٨٨) ، ومسلم (١ / ٦٨) ، كتاب الإيمان : باب بيان تحريم إيذاء الجار ، رقم ـ

٣٥١

ذلك قوله : (وَيُحَذِّرُكُمُ اللهُ نَفْسَهُ) عقوبته](١). وبوائقه ، التي تكون من نفسه لما يكون ذلك به لا بغيره ، والله أعلم.

وقوله : (قُلْ إِنْ تُخْفُوا ما فِي صُدُورِكُمْ أَوْ تُبْدُوهُ) :

يحتمل : ما تخفوا من ولاية الكفار وتبدوه ـ يعلمه الله ، فيه إخبار أن في قلوبهم شيئا.

ويحتمل : أن يكون أراد جميع ما يخفون ويبدون (وَيَعْلَمُ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ) الآية.

قوله تعالى : (يَوْمَ تَجِدُ كُلُّ نَفْسٍ ما عَمِلَتْ مِنْ خَيْرٍ مُحْضَراً وَما عَمِلَتْ مِنْ سُوءٍ تَوَدُّ لَوْ أَنَّ بَيْنَها وَبَيْنَهُ أَمَداً بَعِيداً وَيُحَذِّرُكُمُ اللهُ نَفْسَهُ وَاللهُ رَؤُفٌ بِالْعِبادِ (٣٠) قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ (٣١) قُلْ أَطِيعُوا اللهَ وَالرَّسُولَ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّ اللهَ لا يُحِبُّ الْكافِرِينَ) (٣٢)

وقوله : (يَوْمَ تَجِدُ كُلُّ نَفْسٍ ما عَمِلَتْ مِنْ خَيْرٍ مُحْضَراً) :

قيل : تجد ثواب ما عملت من خير حاضرا ؛ لأن عمله إنما كان للثواب لا لنفس العمل (٢).

(وَما عَمِلَتْ مِنْ سُوءٍ تَوَدُّ لَوْ أَنَّ بَيْنَها وَبَيْنَهُ أَمَداً بَعِيداً) :

يحتمل : ما عملت من سوء تجده مكتوبا يتجاوز عنه ؛ لأن الله ـ عزوجل ـ وعد المؤمنين (٣) ، وأطمع لهم قبول حسناتهم ، والتجاوز عن سيئاتهم ؛ كقوله : (أُولئِكَ الَّذِينَ نَتَقَبَّلُ عَنْهُمْ أَحْسَنَ ما عَمِلُوا وَنَتَجاوَزُ عَنْ سَيِّئاتِهِمْ) [الأحقاف : ١٦] ؛ فيجد المؤمن ثواب ما عمل من خير حاضرا ، ويتجاوز عن مساوئه. وأمّا الكافر : فيجد عقاب ما عمل من سوء في الدنيا ؛ كقوله : (وَوَجَدُوا ما عَمِلُوا حاضِراً) [الكهف : ٤٩] فلا يتجاوز عنهم ، ويبطل خيراتهم.

وقوله : (أَمَداً بَعِيداً) :

قيل : بعيدا من حيث لا يرى (٤).

وقيل : بعيدا تودّ : ليت أن لم يكن ، ما من نفس مؤمنة ولا كافرة إلا ودّوا البعد عن

__________________

 ـ (٧٣ ـ ٤٦). وينظر : تاج العروس (٢٥ / ١٠٦) ، (بوق).

(١) ما بين المعقوفين سقط من ب.

(٢) ينظر : تفسير القرطبي (٤ / ٣٩) ، تفسير الرازي (٨ / ١٤ ـ ١٥).

(٣) في ب : للمؤمنين.

(٤) قال السدي : مكانا بعيدا. أخرجه الطبري (٦ / ٣٢٠) (٦٨٤٢) ، وابن أبي حاتم (٢ / ٢٠١) (٣٧٤) ، وذكره السيوطي في «الدر المنثور» (٢ / ٢٩) ونسبه إليهما.

٣٥٢

ذنبه ، وأنه لم يكن (١).

(وَيُحَذِّرُكُمُ اللهُ نَفْسَهُ) : قد ذكرناه (٢).

وقوله : (وَاللهُ رَؤُفٌ بِالْعِبادِ) :

إن أراد رأفة الآخرة ـ يعنى بالمؤمنين خاصّة ، وإن أراد رأفة الدنيا ـ فهو بالكل (٣).

قال الشيخ ـ رحمه‌الله ـ في قوله : (وَاللهُ رَؤُفٌ بِالْعِبادِ) : فالرحمة من الله ـ جلّ ثناؤه ـ والرأفة نوعان :

أحدهما : في حق الابتداء ، أن خلق خلقا ركب فيهم ما يميزون به بين مختلف الأمور ، ويجمعون بين المؤتلف ، ثم لم يأخذ كلا منهم بما استحق من العقوبة ؛ بل رحم وأمهل للتوبة والرجوع إليه ، وهذه الرحمة رحمة عامة لا يخلو عنها عبد. ورحمة في حق الجزاء ؛ من التجاوز والمغفرة وإيجاب الثواب للفعل ، فهذه لا ينالها أعداؤه ؛ لما يوجب التجهيل في التفريق بين الذي جعل في العقول التفريق ؛ ولما يكون وضع الإحسان في غير أهله ، والإكرام لمن لا يصرف الكرم (٤) به ؛ ولما في الحكمة تعذيبهم تخويفا وزجرا عما يختارون ، وينالها من تقرب واعتقد الموالاة ، وكان هو أعظم في قلوبهم وطاعته من جميع لذّات الدارين ، وإن كانوا يبلون بالمعاصي على الجهالة ، أو على رجاء الرحمة والعفو ؛ إذ هو كذلك في شرطهم الذي به والوه ، وبالغلبة ، والله أعلم ، فهي رحمة خاصّة ، أي : هي بالمؤمنين ، وبالعباد الذين بذلوا أنفسهم له بالعبودة بحق الاختيار ، وإن كانوا يغلبون على ذلك في أحوال ، والله الموفق (٥).

وقوله : (قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللهُ) قيل : إن ناسا كانوا يقولون في عهد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : إنا نحبّ الله حبّا شديدا ؛ فأنزل الله ـ عزوجل ـ هذه الآية ، وبين فيها لمحبته علما (٦).

__________________

(١) روي ذلك عن الحسن البصري ، أخرجه الطبري (٦ / ٣٢٠ ، ٣٢١) (٦٨٤٣) ، وابن أبي حاتم (٢ / ١٩٩ ، ٢٠٠) (٣٧١) ، وينظر : اللباب في علوم الكتاب لابن عادل (٥ / ١٥٦).

(٢) في الآية (٢٨) من سورة آل عمران.

(٣) ينظر : تفسير الرازي (٨ / ١٧).

(٤) في ب : المكرم.

(٥) قال الحسن : ومن رأفته بهم أن حذرهم نفسه ، أخرجه عنه الطبري (٦٨٣٩).

(٦) أخرجه الطبري في «تفسيره» (٦ / ٣٢٣) ، (٦٨٤٥ ، ٦٨٤٦) عن الحسن وذكره السيوطي في «الدر المنثور» (٢ / ٣٠) وزاد نسبته إلى ابن المنذر. وأخرجه الطبري (٦ / ٣٢٣) (٦٨٤٧) عن ابن جريج وذكره السيوطي في «الدر المنثور» (٢ / ٣٠) وزاد نسبته إلى ابن المنذر. وأخرجه الحكيم الترمذي عن يحيى بن أبي كثير كما في «الدر المنثور» (٢ / ٣٠). ينظر : تفسير البغوي (١ / ٢٩٣) ، وتفسير ـ

٣٥٣

وقيل : إنّ اليهود لما قالوا : نحن أبناء الله وأحبّاؤه ؛ فأنزل الله ـ تبارك وتعالى ـ : قل يا محمد : (إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللهُ) وذلك أنّ من أحبّ ملكا من الملوك يحبّ رسوله ، ويتبعه في أمره ، ويؤثر طاعته لحبّه ، فإذا أظهرتم أنتم بغضكم لرسولى ، وتركتم اتباعه في أمره ، وإيثار طاعته ـ ظهر أنكم تكذبون في مقالتكم : نحن أبناء الله وأحبّاؤه ؛ لأن من أحبّ آخر يحب المتصلين به ورسله وحشمه (١) ، والمحبّة ـ هاهنا ـ : الإيثار بالفعل طاعة من يحبّه فيما أحبّه وكرهه ، والطاعة له في جميع أمره ، والله أعلم.

وقوله : (قُلْ أَطِيعُوا اللهَ وَالرَّسُولَ ..). الآية : قد تقدم ذكرها.

قوله تعالى : (إِنَّ اللهَ اصْطَفى آدَمَ وَنُوحاً وَآلَ إِبْراهِيمَ وَآلَ عِمْرانَ عَلَى الْعالَمِينَ (٣٣) ذُرِّيَّةً بَعْضُها مِنْ بَعْضٍ وَاللهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (٣٤) إِذْ قالَتِ امْرَأَتُ عِمْرانَ رَبِّ إِنِّي نَذَرْتُ لَكَ ما فِي بَطْنِي مُحَرَّراً فَتَقَبَّلْ مِنِّي إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (٣٥) فَلَمَّا وَضَعَتْها قالَتْ رَبِّ إِنِّي وَضَعْتُها أُنْثى وَاللهُ أَعْلَمُ بِما وَضَعَتْ وَلَيْسَ الذَّكَرُ كَالْأُنْثى وَإِنِّي سَمَّيْتُها مَرْيَمَ وَإِنِّي أُعِيذُها بِكَ وَذُرِّيَّتَها مِنَ الشَّيْطانِ الرَّجِيمِ (٣٦) فَتَقَبَّلَها رَبُّها بِقَبُولٍ حَسَنٍ وَأَنْبَتَها نَباتاً حَسَناً وَكَفَّلَها زَكَرِيَّا كُلَّما دَخَلَ عَلَيْها زَكَرِيَّا الْمِحْرابَ وَجَدَ عِنْدَها رِزْقاً قالَ يا مَرْيَمُ أَنَّى لَكِ هذا قالَتْ هُوَ مِنْ عِنْدِ اللهِ إِنَّ اللهَ يَرْزُقُ مَنْ يَشاءُ بِغَيْرِ حِسابٍ)(٣٧)

وقوله : (إِنَّ اللهَ اصْطَفى آدَمَ) :

اختلف فيه ؛ قيل : (اصْطَفى آدَمَ وَنُوحاً) ومن ذكر لرسالته ولنبوته (٢).

وقيل : اختارهم لدينه ، وهو الإسلام.

وقيل : اختارهم في النية والعمل الصالح والإخلاص لله (٣).

قال الشيخ ـ رحمه‌الله ـ : الاصطفاء : أن يجعلهم أصفياء من غير تكدر بالدنيا ، وغيرهم اختارهم لأمرين : لأمر الآخرة ، ولأمر المعاش ؛ ألا ترى إلى قوله : «إنّا معاشر الأنبياء لا نورث ؛ نموت موت العبد لسيّده» (٤).

__________________

 ـ الرازي (٨ / ١٦) ، والمحرر الوجيز (١ / ٤٢٢) ، واللباب في علوم الكتاب (٥ / ١٥٧).

(١) يقال حشمة الرجل وحشمه وأحشامه : خاصته الذين يغضبون له من عبيد ، أو أهل ، أو جيرة إذا أصابه أمر ، وقيل : عياله وقرابته ، وقيل : خدم الرجل. ينظر : لسان العرب (٢ / ٨٨٩) (حشم).

(٢) قريب منه قول الحسن البصري : فضلهم الله على العالمين بالنبوة. أخرجه الطبري (٦ / ٣٢٧) (٦٨٥٤) ، وابن أبي حاتم (٢ / ٢٠٨) ، (٣٨٩).

(٣) أخرجه الطبري (٦ / ٣٢٨) (٦٨٥٥) ، وابن أبي حاتم (٢ / ٢١٢) (٣٩٦) عن قتادة ، وذكره السيوطي في «الدر المنثور» (٢ / ٣١ ـ ٣٢) وزاد نسبته إلى عبد بن حميد.

(٤) أخرجه ـ بالجزء الأول حتى : «لا نورث» ـ أحمد في المسند (١ / ٢٥ ، ٤٨ ، ١٦٢ ، ١٦٤ ، ١٧٩ ، ١٩١) ، وابن سعد في الطبقات الكبرى (٢ / ٨٥) وقوله نموت لم أقف عليه.

٣٥٤

وقال الشيخ [رحمه‌الله](١) أيضا في قوله : إن الله اصطفى من ذكر : فهو ـ والله أعلم ـ ذكر الله أولياءه وأهل صفوته ، ثم أعداءه وأهل الشقاء ؛ ترغيبا فيما استوجبوا الصفوة ؛ وتحذيرا عما به صاروا أهل الشقاء ؛ إذ هما أمران يتولّدان عن اختيار البشر ، ويقومان بأسبابهما أهل المحن ، لا بنفس الخلقة والجوهر ؛ فصار الذكر للمعنى الذي ذكرت ؛ وعلى [ذلك وجه ذكر](٢) عواقب الفريقين في الدنيا ، وما إليه يصير أمرهم في المعاد ؛ وعلى هذا ما ضرب الله من الأمثال بأنواع الجواهر الطيبة والخبيثة في العقول والطبائع ترغيبا وترهيبا ؛ وعلى هذا جميع أمور الدنيا ، أنها كلها عبر ومواعظ ، وإن كان فيها شهوات ولذات ، وآلام وأوجاع ؛ ليعلم أنها خلقت لا لها لكن لأمر عظيم ، كان ذلك هو المقصود من مدبر العالم [أن](٣) بالعواقب يذم أهل الاختبار ويحمدون ؛ فجعل الله عواقب الحكماء وأهل الإحسان حميدة لذيذة ؛ ترغيبا فيها ، وعواقب السفهاء وأهل الإساءة دميمة (٤) وجيفة (٥) ؛ تزهيدا فيها ؛ فخرج جميع فعل الله على الحكمة والإحسان ، وإن كانت مختلفة في اللذة والكراهة ؛ لأنه كذلك طريق الحكمة في الجزاء ، وفي ابتداء المحنة ، إلا أن المحنة تكون مختلفة ، والجزاء نوع لما هو كذلك في الحكمة والإحسان ؛ إذ كذلك سبق من أهله الاختيار والجزاء على ما اختاره من له وعليه حكمة وإحسان ؛ أعني : بالإحسان فيما يجوز الامتحان بلا جزاء بحق الشكر لما أولى وأبلى ، والحكمة فيما كان لازما ذلك في التدبير ، ولا قوة إلا بالله.

وقوله : (ذُرِّيَّةً بَعْضُها مِنْ بَعْضٍ) :

قيل : بعضها من بعض في النسب من ذرية آدم ، ثم من ذرية نوح ، ثم من ذرية إبراهيم ، عليهم‌السلام.

وقيل : بعضهم من ذرية بعض.

وقيل : بعضهم من جوهر بعض ؛ فلا تتكبروا ؛ كقوله : (وَاللهُ أَعْلَمُ بِإِيمانِكُمْ بَعْضُكُمْ مِنْ بَعْضٍ) [النساء : ٢٥] منع الحرّ عن التعظيم على العبد.

واختلف في الذرية : قال بعضهم : «الذرية» : الأولاد والآباء ؛ كقوله : (ذُرِّيَّةَ مَنْ حَمَلْنا مَعَ نُوحٍ) [الإسراء : ٣] ، وكانوا الأولاد والآباء ، والذريّة مأخوذة ، وهو الخلقة.

__________________

(١) سقط من ب.

(٢) في ب : هذا ذكر وجه ذكر.

(٣) سقط من ب.

(٤) دميمة : قبيحة. ينظر : اللسان (٢ / ١٤٢٧) (دمم).

(٥) الجيفة : جثة الميت إذا أنتنت. ينظر : اللسان (١ / ٧٣٩) (جيف).

٣٥٥

وقيل : «الذرية» : الأولاد خاصّة (١) ، يقال : ذرية فلان ، إنما يراد ، أولاده خاصّة ؛ دليله قوله : (هَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ ذُرِّيَّةً طَيِّبَةً) [آل عمران : ٣٨]. وقوله : (وَإِنِّي أُعِيذُها بِكَ وَذُرِّيَّتَها مِنَ الشَّيْطانِ).

واختلف في الآل (٢) ؛ قيل : آل الرجل : المتصلون به.

وقيل : آل الرجل : أتباعه.

وقيل : أقرباؤه.

وروى [أن النبي](٣) صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال : «كلّ تقىّ فهو من آلى» (٤).

وقيل : إن عمران من ولد سليمان بن داود (٥).

وقوله : (إِذْ قالَتِ امْرَأَتُ عِمْرانَ رَبِّ إِنِّي نَذَرْتُ لَكَ ما فِي بَطْنِي مُحَرَّراً).

لما أخبر ـ عزوجل ـ أنه اصطفى آل عمران واختارهم على سائر العالمين ، وكان أقل ما في صفوته واختياره أن جعلت امرأة عمران ما في بطنها محرّرا.

__________________

(١) راجع هذه الأقوال في : اللباب لابن عادل (٥ / ١٦٦).

(٢) لفظة «آل» : اسم ثلاثي. ومن علماء اللغة من ذهب بأن أصلها الواو ؛ مثل : قال وصال ، ومنهم من قال : إن أصلها الهاء وسهلت. وهذه اللفظة لها معان كثيرة :

فالآل : هو الشخص ، وهو ما تراه أول النهار وآخره مما يشبه السراب وليس هو السراب.

والآل : ما أشرف من البعير ، والخشب وعمد الخيمة ، واسم جبل وأطراف الجبل ونواصيه.

وآل الرجل : أصله وعياله ، وآله : أتباعه وأولياؤه ، وهذه هي المعاني المناسبة لما تكلم فيها الفقهاء والمفسرون.

وأما الآل عند الفقهاء ، فيرى أبو حنيفة وأتباعه أن آل محمد الذين حرمت عليهم الصدقة هم بنو هاشم بن عبد مناف إلا من ورد النص بنفي قرابتهم ، وهاشم لا ولد له إلا من ابنه عبد المطلب ، فمن يعتبرون آل محمد وقرابته في هذا الباب هم آل على وآل العباس وآل عقيل وآل جعفر وآل الحارث من أولاد عبد المطلب ، أما آل أبي لهب بن عبد المطلب فليس من آل محمد ، ولا تحرم عليهم الصدقة وإن كانوا مسلمين.

وما ذهب إليه الحنفية في هذا هو المشهور من مذهب مالك ، وإحدى الروايتين عن أحمد.

وقال الشافعى وابن حزم : إن آل محمد هنا هم بنو هاشم وبنو المطلب فقط. وهو مقابل المشهور من مذهب مالك وإحدى الروايتين عن أحمد.

ينظر : حاشية ابن عابدين (٣ / ٤٣٩) ، بدائع الصنائع (٧ / ٣٤٩) ، الشرح الكبير مع حاشية الدسوقي (٤ / ٩٣) ، نهاية المحتاج للرملي (٦ / ٨٢) ، حاشية الجمل على المنهج (٤ / ٦٠) ، كشاف القناع للبهوتي (٤ / ٢٤٢).

(٣) في ب : أنه.

(٤) أخرجه الطبراني في الصغير (١ / ١١٥) من حديث أنس ، وقال الهيثمي في «المجمع» (١٠ / ٢٧٢) : رواه الطبراني في الصغير والأوسط وفيه نوح بن أبي مريم وهو ضعيف. قلت : بل هو وضاع.

(٥) وهو قول الحسن البصري ووهب بن منبه وينظر البحر المحيط (٢ / ٤٩٣) ، واللباب في علوم الكتاب (٥ / ١٦٥).

٣٥٦

«والمحرّر» : هو العتيق عن المعاش بالعبادة (١).

وقيل : «المحرّر» هو الذي يعبد الله ـ تعالى ـ خالصا مطيعا ، لا يشغله شيء عن عبادته ، فارغا لذلك ، وهو قول ابن عباس ـ رضي الله عنه (٢).

وقيل : «المحرر» هو الذي يكون لله صافيا (٣).

وقيل : «المحرر» هو من خدم المسجد (٤).

وقوله : (إِنِّي نَذَرْتُ لَكَ ما فِي بَطْنِي مُحَرَّراً)

جعلت ما في بطنها لله خالصا ، لم تطلب منه الاستئناس به ، ولا ما يطمع الناس من أولادهم ، وذلك من الصفوة التي ذكر ـ عزوجل ـ وهكذا الواجب على كل أحد أنه إذا طلب ولدا أن يطلب للوجه الذي طلبت امرأة عمران وزكريّا ، حيث قال : (رَبِّ هَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ ذُرِّيَّةً طَيِّبَةً) [آل عمران : ٣٨] ، وما سأل إبراهيم ـ عليه‌السلام ـ : (رَبِّ هَبْ لِي مِنَ الصَّالِحِينَ) [الصافات : ١٠٠] ، وكقوله : (وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنا هَبْ لَنا مِنْ أَزْواجِنا ..). الآية [الفرقان : ٧٤] هكذا الواجب أن يطلب الولد لا ما يطلبون من الاستئناس والاستنصار والاستعانة بأمر المعاش بهم.

وقوله : (إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ).

أي : تقبل منى قربانى ، وما جعلت لك خالصا ، إنك أنت السميع لنذري ، العليم بقصدي في التحرير.

وقيل : (السَّمِيعُ) : المجيب لدعائي ، (الْعَلِيمُ) بنيتي (٥).

٣٦

وقوله : (فَلَمَّا وَضَعَتْها قالَتْ رَبِّ إِنِّي وَضَعْتُها أُنْثى).

ومعنى قولها : (إِنِّي وَضَعْتُها أُنْثى) ـ مع علمها أن الله عالم بما في بطنها وبما وضعتها ـ وجهان :

أحدهما : اعتذارا لما لم يكن يحرّر في ذلك الزمان إلى الذكور من الأولاد ؛ فاعتذرت :

__________________

(١) أخرجه الطبري (٦ / ٣٣١) ، (٦٨٦٧) ، وابن أبي حاتم (٢ / ٢١٤) ، (٤٠١) عن مجاهد ، وذكره السيوطي في «الدر المنثور» (٢ / ٣٣) وزاد نسبته إلى عبد بن حميد ، وأخرجه الطبري (٦٨٦٣) عن الشعبي ، ورقم (٦٨٦٨) عن سعيد بن جبير ، ورقم (٦٨٧٥) عن عكرمة ، ورقم (٦٨٧٤) عن الضحاك ، ورقم (٦٨٧٢) عن السدي ، وينظر الدر المنثور (٢ / ٣٣).

(٢) ذكره السيوطي في «الدر المنثور» (٢ / ٣٣) وعزاه إلى ابن المنذر.

(٣) تقدم نحوه عن مجاهد.

(٤) أخرجه الطبري (٦ / ٣٣٠) (٦٨٦٠) ، وابن أبي حاتم (٢ / ٢١٧) (٤٠٨) عن مجاهد ، وذكره السيوطي في الدر المنثور (٢ / ٣٣) وزاد نسبته إلى عبد بن حميد.

(٥) ينظر اللباب في علوم الكتاب (٥ / ١٧٢).

٣٥٧

إني ما وضعت لا يصلح للوجه الذي جعلت.

والثاني : أن الإنسان إذا رأى شيئا عجيبا قد ينطق بذلك ، وإن كان يعلم أن غيره علم ما علم هو ، وأنه رأى مثل ما رأى هو.

أو يحتمل أن طلبت ردّها إلى منافعها إذا وضعت الأنثى ؛ لما رأت الأنثى لا تصلح لذلك.

ويحتمل قولها : (إِنِّي وَضَعْتُها أُنْثى) : التعريض لإجابة الله ـ تعالى ـ لها فيما قصدت من طاعته بالنذور (١) إن لم تكن صلحت لما قصدت ، وقد أجيبت في ذلك بقوله : (فَتَقَبَّلَها رَبُّها بِقَبُولٍ حَسَنٍ) نحو ما يتقبل لو كان ذكرا في الاختيار والإكرام ، وجعلها خير نساء العالمين.

وقوله : (وَلَيْسَ الذَّكَرُ كَالْأُنْثى). اختلف فيه : قيل : إن ذلك قولها ، قالت : (وَلَيْسَ الذَّكَرُ كَالْأُنْثى) على إثر قولها : (إِنِّي وَضَعْتُها أُنْثى)؛(٢) لما تحتاج الأنثى إلى فضل حفظ وتعاهد ، والقيام بأسبابها ما لا يحتاج الذكر.

وقيل : إن ذلك قول قاله ـ عزوجل ـ لما قالت : (إِنِّي وَضَعْتُها أُنْثى) ، جوابا لها ، (وَلَيْسَ الذَّكَرُ كَالْأُنْثى) فيما قصدت ، والله أعلم.

وقوله : (وَإِنِّي سَمَّيْتُها مَرْيَمَ).

فيه دليل [على](٣) أن تسمية الأولاد إلى الأمهات في الإناث دون الآباء (٤) ، ثم التجأت إلى الله تعالى ، حيث أعاذتها به ـ وذرّيتها ـ من الشيطان الرجيم.

وفيه دلالة أن الذكور يكونون من ذرّية الإناث ؛ لأنه لم يكن منها إلا عيسى ، عليه‌السلام.

وقوله : (فَتَقَبَّلَها رَبُّها بِقَبُولٍ حَسَنٍ).

يحتمل قوله : (فَتَقَبَّلَها رَبُّها بِقَبُولٍ حَسَنٍ) : أن أعاذها وذرّيتها من الشيطان الرجيم على ما سألت.

__________________

(١) جمع نذر. وهو في اللغة : مشتق من الإنذار ، وهو : الإبلاغ والإعلام بالأمر المخوف ، كأن الناذر يعلم نفسه ، ويوجب عليها قربة يتخوف الإثم من تركها. وهو في الاصطلاح : إيجاب عبادة في الذمة بشرط وبغير شرط. وقيل : هو : إيجاب عين الفعل المباح على نفسه تعظيما لله تعالى.

ينظر : الصحاح (٢ / ٨٢٦) (نذر) ، والقاموس المحيط ص (٤٣٤) (نذر) ، وأنيس الفقهاء للشيخ قاسم القونوي (٣٠١) ، والنظم المستعذب لابن بطال (١ / ٢٢١).

(٢) أخرجه الطبري (٦ / ٣٣٥) رقم (٦٨٨٢) عن السدي.

(٣) سقط من ب.

(٤) قال السيوطي في : «الإكليل» : في الآية دليل على جواز تسمية الأطفال يوم الولادة وأنه لا يتعين يوم السابع ؛ لأنها إنما قالت هذا بأثر الوضع ، كما فيه مشروعية التسمية للأم وأنها لا تختص بالأب.

ينظر : محاسن التأويل للقاسمي (٤ / ٩١).

٣٥٨

ويحتمل أن جعلها تصلح للتحرير ولما جعلت ، وإن كانت أنثى (١).

وقوله : (وَأَنْبَتَها نَباتاً حَسَناً).

يحتمل ـ أيضا ـ نباتا حسنا ؛ أن لم يجعل للشيطان إليها سبيلا.

ويحتمل أن ربّاها تربية حسنة ؛ أن لم يجعل رزقها وكفايتها بيد أحد من الخلق ؛ بل هو الذي يتولى ذلك لما يبعث إليها من ألوان الرزق (٢) ، كقوله : (وَجَدَ عِنْدَها رِزْقاً) ، وكقوله : (وَهُزِّي إِلَيْكِ بِجِذْعِ النَّخْلَةِ تُساقِطْ عَلَيْكِ رُطَباً جَنِيًّا) [مريم : ٢٥].

وقوله : (وَكَفَّلَها زَكَرِيَّا).

فيه لغتان : إحداهما : بالتخفيف ، والأخرى : بالتشديد ؛ فمن قرأ بالتخفيف (٣) ؛ فمعناه ضمّها زكريّا إلى نفسه (٤) ، ومن قرأ بالتشديد (٥) ؛ فمعناه : أن الله ـ عزوجل ـ ضمّها إلى زكريا (٦).

وقوله : (كُلَّما دَخَلَ عَلَيْها زَكَرِيَّا الْمِحْرابَ وَجَدَ عِنْدَها رِزْقاً).

قيل : وجد عندها فاكهة الصيف في الشتاء ، وفاكهة الشتاء في الصيف (٧) ـ قال زكريا : (أَنَّى لَكِ هذا).

قيل فيه بوجهين :

قيل : استخبار عن موضعه (٨) ، أو كيف لك هذا ، على الاستيصاف (٩) ؛ إنكارا عليها واتهاما ؛ لما لا يدخل عليها غيره ، ولا يقوم بكفايتها سواه ، فوقع في قلبه أن أحدا من

__________________

(١) ينظر : اللباب في علوم الكتاب (٥ / ١٧٩).

(٢) روي مختصرا عن ابن جريج ، أخرجه الطبري (٦ / ٣٤٥) (٦٩٠١) ، وقيل : بجعل ذريتها من كبار الأنبياء. ينظر : محاسن التأويل للقاسمي (٤ / ٩٢).

(٣) قرأ بالتخفيف ابن عامر وابن كثير وأبو عمرو ونافع من السبعة.

ينظر : السبعة لابن مجاهد (٢٠٤) ، الحجة لابن خالويه (ص : ١٦١) ، شرح الطيبة للنويرى (١ / ١٥٢ ـ ١٥٤) ، إتحاف فضلاء البشر للبنا (١ / ٤٧٥ ـ ٤٧٦).

(٤) أخرجه الطبري (٦ / ٣٤٩) (٦٩٠٣) عن الربيع ، وذكره السيوطي في «الدر المنثور» (٢ / ٣٥) وعزاه للطبري.

(٥) قرأ بالتشديد الكوفيون : عاصم وحمزة والكسائي. ينظر : المصادر السابقة.

(٦) ينظر : معاني القراءات لأبي منصور الأزهري (١ / ٢٥٢).

(٧) أخرجه الطبري (٦ / ٣٥٦) (٦٩٣٣) عن ابن عباس ، وأخرجه برقم (٦٩٢٠ ـ ٦٩٢٣) عن الضحاك ، وأخرجه برقم (٦٩٢٧) عن مجاهد ، وكذا ابن أبي حاتم (٢ / ٢٢٧) (٤٣٥) ، وأخرجه برقم (٦٩٢٨) عن قتادة ، وبرقم (٦٩٣٠) عن الربيع ، وبرقم (٦٩٣١) عن السدي. وينظر : الدر المنثور (٢ / ٣٦).

(٨) أخرجه ابن أبي حاتم (٢ / ٢٣٠) (٤٤٦ ، ٤٤٧) عن أبي مالك والضحاك وذكرهما السيوطي في «الدر المنثور» (٢ / ٣٦) وعزاهما إلى ابن أبي حاتم.

(٩) الاستيصاف : أي : طلب الإخبار عن الصفة. ينظر : تاج العروس (٢٤ / ٤٥٩) (وصف).

٣٥٩

البشر يأتيها بذلك.

وقيل : إنه قال ذلك ؛ تعجبا منه لذلك لما رأى من الفاكهة والطعام في غير حينه غير متغير (١) ؛ فقال : (أَنَّى لَكِ هذا) ؛ تعجبا منه لذلك.

ثم قالت : (هُوَ مِنْ عِنْدِ اللهِ إِنَّ اللهَ يَرْزُقُ مَنْ يَشاءُ بِغَيْرِ حِسابٍ).

أي : يرزق من حيث لا يحتسب.

قوله تعالى : (هُنالِكَ دَعا زَكَرِيَّا رَبَّهُ قالَ رَبِّ هَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ ذُرِّيَّةً طَيِّبَةً إِنَّكَ سَمِيعُ الدُّعاءِ (٣٨) فَنادَتْهُ الْمَلائِكَةُ وَهُوَ قائِمٌ يُصَلِّي فِي الْمِحْرابِ أَنَّ اللهَ يُبَشِّرُكَ بِيَحْيى مُصَدِّقاً بِكَلِمَةٍ مِنَ اللهِ وَسَيِّداً وَحَصُوراً وَنَبِيًّا مِنَ الصَّالِحِينَ (٣٩) قالَ رَبِّ أَنَّى يَكُونُ لِي غُلامٌ وَقَدْ بَلَغَنِيَ الْكِبَرُ وَامْرَأَتِي عاقِرٌ قالَ كَذلِكَ اللهُ يَفْعَلُ ما يَشاءُ (٤٠) قالَ رَبِّ اجْعَلْ لِي آيَةً قالَ آيَتُكَ أَلاَّ تُكَلِّمَ النَّاسَ ثَلاثَةَ أَيَّامٍ إِلاَّ رَمْزاً وَاذْكُرْ رَبَّكَ كَثِيراً وَسَبِّحْ بِالْعَشِيِّ وَالْإِبْكارِ)(٤١)

وقوله : (هُنالِكَ دَعا زَكَرِيَّا رَبَّهُ قالَ رَبِّ هَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ ذُرِّيَّةً طَيِّبَةً).

قيل : فعند ذلك دعا زكريا ربه لما كانت نفسه الخاشية تحدث بالولدان تهب له ، لكنه لم يدعو لما رأى نفسه متغيرة عن الحال التي يطمع منها الولد ، فرأى أن السؤال في مثل ذلك لا يصلح ؛ فلما رأى عندها فاكهة الصيف في الشتاء ، وفاكهة الشتاء في الصيف غير متغيرة عن حالها ـ علم عند ذلك أن السؤال يصلح ، وأنه يجاب للدعاء في غير حينه ، فذلك معنى قوله : (هُنالِكَ دَعا زَكَرِيَّا رَبَّهُ)(٢) ، والله أعلم.

ويحتمل أنه لما رأى ما أكرمت امرأة عمران في قبول دعوتها وتبليغ ابنتها في الكرامة المبلغ الذي رأى فيها مما لعل أطماع الأنفس لا تبلغ ذلك ـ دعا الله ـ جل جلاله ـ أن يكرمه ممن يبقى له الأثر فيه والذكر ، وإن كانت تلك الحال حال لا تطمع الأنفس فيما رغب ـ عليه‌السلام ـ مع ما كان يعلم قدرة الله ـ تعالى ـ على ما يشاء (٣) من غير أن كان يحس على طلب الإكرام بكل ما يبلغه قدره ، حتى رأى ما هو في الأعجوبة قريب مما كانت (٤) نفسه تتمنى ، والله أعلم بالمعنى الذي سأل.

وقوله : (رَبِّ هَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ ذُرِّيَّةً طَيِّبَةً إِنَّكَ سَمِيعُ الدُّعاءِ).

__________________

(١) أخرجه الطبري (٦ / ٣٥٨) (٦٩٣٧ ، ٦٩٣٨) عن الربيع وعن بعض أهل العلم.

(٢) أخرجه الطبري (٦ / ٣٦٠) (٦٩٤١) عن ابن عباس بنحوه وذكره السيوطي في «الدر المنثور» (٢ / ٣٦) ، وأخرجه الطبري برقم (٦٩٤٠) عن السدي أيضا ، وذكره السيوطي بنحوه في «الدر المنثور» (٢ / ٣٦ ـ ٣٧) عن الحسن. وعزاه إلى إسحاق بن بشر وابن عساكر.

(٣) في ب : شاء.

(٤) في ب : كان.

٣٦٠