تأويلات أهل السنّة - ج ٢

أبي منصور محمّد بن محمّد بن محمود الماتريدي

تأويلات أهل السنّة - ج ٢

المؤلف:

أبي منصور محمّد بن محمّد بن محمود الماتريدي


المحقق: الدكتور مجدي باسلّوم
الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: دار الكتب العلميّة
الطبعة: ١
ISBN الدورة:
2-7451-4716-1

الصفحات: ٥٧٣

بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ رُسُلِهِ) ، لقول قوم حيث قالوا : (نُؤْمِنُ بِبَعْضٍ وَنَكْفُرُ بِبَعْضٍ) [النساء : ١٥٠] ، وإلا لكان فى الإيمان بالله إيمان بجميع ذلك.

وقوله تعالى : (فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقى لَا انْفِصامَ لَها وَاللهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ).

يحتمل هذا وجهين :

يحتمل : فقد عقد لنفسه عقدا وثيقا لا انفصام لذلك العقد ولا انقطاع ، لا تقوم الحجة ببعضه (١).

ويحتمل : (فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقى) ، بنصره إياه بالحجج والبراهين النيرة التى من اعتصم بها لا انفصال بها عنه ولا زوال.

ثم فيه نقض على المعتزلة ؛ لأنه أخبر عزوجل أن من آمن بالله فقد استمسك بكذا. والمعتزلة يقولون : صاحب الكبيرة يخلد فى النار ، وهو مؤمن بالله ، فأية عروة أوهى من هذا على قولهم؟ وأن له زوالا وانقطاعا من ثوابه الذى وعد له عزوجل بإيمانه وتصديقه به. وبالله العصمة.

وقوله تعالى : (وَاللهُ سَمِيعٌ) لقولهم ، (عَلِيمٌ) بثوابهم.

أو (سَمِيعٌ) ، بإيمانهم ، (عَلِيمٌ) ، بجزاء إيمانهم. والله أعلم.

وقوله تعالى : (اللهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُوا).

قيل : الولى : الحافظ.

وقيل (٢) : الولى : الناصر ، وهو ناصر المؤمنين وحافظهم.

وقيل : سمى وليّا لأنه يلى أمور الخلق من النصر والحفظ والرزق وغيره. وعلى ذلك يسمى الولى وليّا لما يلى أمور الناس.

وقيل : قوله : (اللهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُوا) ، أى : الله أولى بهم إليه رجاؤهم أطعمهم ، وهو الذى يكرمهم ، وأن الطاغوت أولى بالكافرين ، كما قال : (وَالنَّارُ مَثْوىً لَهُمْ) [محمد : ١٢] ، أى أولى بهم. والله أعلم.

وقوله تعالى : (يُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُماتِ إِلَى النُّورِ وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَوْلِياؤُهُمُ الطَّاغُوتُ يُخْرِجُونَهُمْ مِنَ النُّورِ إِلَى الظُّلُماتِ).

وقوله : (يُخْرِجُهُمْ) ، بمعنى : أخرجهم. وجائز هذا فى اللغة (يفعل) بمعنى (فعل) ، و (فعل) بمعنى (يفعل) ، جاز فيها ، غير ممتنع عنه.

__________________

(١) فى ط : ببغضه.

(٢) قاله ابن جرير (٣ / ٢٣) ، والبغوى (١ / ٢٤١).

٢٤١

وقوله تعالى : (يُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُماتِ إِلَى النُّورِ) ، و (مِنَ النُّورِ إِلَى الظُّلُماتِ) هو ابتداء نشوئهم عليه ، ليس أن كانوا فيه ثم أخرجهم ، كقوله تعالى : (اللهُ الَّذِي رَفَعَ السَّماواتِ بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَها ثُمَّ اسْتَوى عَلَى الْعَرْشِ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ) [الرعد : ٢] ، رفعها ابتداء ، ليس أن كانت موضوعة ثم رفعها. فعلى ذلك الأول.

والآية تنقض على المعتزلة قولهم ؛ إذ من قولهم : إن جميع ما أعطى مؤمن من الإخراج من الكفر ، أعطى مثله الكافر ؛ فكأنهم يقولون : أخرجهم جميعا من الظلمة ، وعليه إخراج الكفار أيضا من الظلمات ، إذ ذلك هو الأصلح له ، وعليه أن يعطى ما هو الأصلح لهم فى الدين. فإذا كان هذا قولهم ، فهو ولى الكفرة والمؤمنين جميعا على قولهم ؛ إذ هو بالسبب الذى ذكر الولاية للمؤمنين فيعطى أيضا للكفرة.

فإن قالوا : إنه أضاف (الكفر) إلى الطاغوت ، وأنتم تضيفونه إلى الله عزوجل؟

قيل : هو ظاهر الكذب ؛ لأنا لا نضيف ذلك إليه (الكفر). إنما نقول : إنه خلق فعل الكفر من الكافر كفرا ، وخلق فعل النور من المؤمن نورا. على أنه إن كان هذا فى الكفرة فما القول فى [الأول](١) من قولكم : إنه منعم على المؤمن ، ثم لا نعمة فيه على المؤمن إلا بالأمر والأقدار ، والأقدار منه موجود للكافر فى كفره على قولكم ، ثم لا نعمة تقع فى الأمر والدعاء للمؤمن إلا ويقع مثله للكافر ، إذ هو فى الأمر والدعاء كالمؤمن سواء. ولا قوة إلا بالله.

وليس فى القول : إنه خالق ، بأنه خالق فعل كل أحد على ما عليه إضافة الكفر إليه ، بل إنما يضيف الخير إليه بما منه فيه من الإفضال على الشكر له. فدل أن له عزوجل فى المؤمن فضل صنع ، ليس ذلك له فى الكافر.

و (الكفر) فى اللغة الستر ، وكذلك (الظلمة) : هى الستر. يقال : (كفرت الشىء) أى سترته ، وكذلك يقال : (ليل مظلم) ؛ لأنه يستر ضوء النهار ونوره ، فيستر الأشياء عن أبصار الخلق (٢).

قال الشيخ ـ رحمه‌الله تعالى ـ فى قوله : (اللهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُوا يُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُماتِ إِلَى النُّورِ ..). الآية : دلت هذه الآية على أن كان من الله إلى الذين آمنوا معنى لم يكن منه إلى الذين كفروا به كان إيمانهم ، ولو لم يكن إلا الأمر والأقدار أو البيان ، على ما قالت المعتزلة ، لكان كل ذلك عندهم إلى الكفرة ، فلا وجه لتخصيص المؤمنين بما ذكر ،

__________________

(١) سقط فى ط.

(٢) زاد فى ط : وكذلك الكفر يستر به أدرار حقائق الإيمان عن أبصار القلوب.

٢٤٢

وجعل الطاغوت أولى بالكافرين ، وصنع الله إلى كل واحد ، ولم تكن من الله تلك الزيادة ، فإذا كان الذى ذكر لهم فى أنفسهم فلا وجه للامتنان بذلك. ومن البعيد ذكر الامتنان فيما به الإلزام والأمر. وما ذكرت المعتزلة إنما هى أسباب الإلزام ، ولو لا ذلك كان أيسر عليهم وأقل لائمة. فكيف بمن بها ثبت أن كان منه فضل ، ليس ذلك فى أعدائه فيه استوجب الحمد منهم ؛ ولهذا يضاف إليه الخيرات على الشكر له ، وتوجيه الحمد إليه ، ولا يضاف إليه الشر بما ليس فى ذلك تشكر ، إنما منه الخذلان بما علم من إيثار الكافر عداوته واختياره الكفر به ؛ فلذلك لم يجز الإضافة إليه ؛ والإضافة إلى الله جل ثناؤه لا باسم الخلق يخرج مخرج التعظيم له والخضوع من العبد بالحمد له والشكر. ولا يجوز مثله فيما ليس فيه ذلك على ما لا يضاف إليه الأنجاس والخبائث والجواهر القبيحة ، وإن كان من طريق الخلقة جرى عليها تدبيره وخرجت على تقديره. فعلى ذلك أفعال الخلق ، وعلى ذلك القول بأنه رب كل شىء ، وإله كل شىء. ثم على الإشارة لا يوصف بذلك فى الأشياء الخاملة المستخف بها. فمثله الأول. والله أعلم.

وقوله تعالى : (وَاللهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكافِرِينَ) [البقرة : ٢٦٤] ، (وَاللهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ) [البقرة : ٢٥٨] ، (وَاللهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفاسِقِينَ) [المائدة : ١٠٨] ، ونحو ذلك يخرج على وجوه :

أحدها : أنه لا يهديهم وقت اختيارهم ذلك ، ويكون على ألا يخلق منهم فعل الهداية ، وهم يختارون فعل الضلال.

ويحتمل : من فى علمه أنه لا يهتدى ، فيرجع المراد به إلى الخاص.

ويحتمل : لا يهدى طريق الجنة فى الآخرة من كفر بالله فى الدنيا.

ويحتمل : لا يجعلهم فى حكمهم ، كقوله تعالى : (أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ اجْتَرَحُوا السَّيِّئاتِ أَنْ نَجْعَلَهُمْ كَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ سَواءً مَحْياهُمْ وَمَماتُهُمْ ساءَ ما يَحْكُمُونَ) [الجاثية : ٤٥].

وقوله تعالى : (أُولئِكَ أَصْحابُ النَّارِ هُمْ فِيها خالِدُونَ).

ذكر أن الكفرة هم أصحاب النار ، وذكر فى آية أخرى أن الملائكة أصحاب النار بقوله تعالى : (وَما جَعَلْنا أَصْحابَ النَّارِ إِلَّا مَلائِكَةً) [المدثر : ٣١] ، لكنه ذكر الملائكة أصحاب النار ؛ لما يتولون تعذيب الكفرة فيها ، فسماهم بذلك ، وذكر الكفرة أصحاب النار ؛ لأنهم هم المعذبون فيها ، والملائكة هم معذبوهم بها. والله أعلم.

قوله تعالى : (أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِي حَاجَّ إِبْراهِيمَ فِي رَبِّهِ أَنْ آتاهُ اللهُ الْمُلْكَ إِذْ قالَ إِبْراهِيمُ رَبِّيَ الَّذِي يُحْيِي وَيُمِيتُ قالَ أَنَا أُحْيِي وَأُمِيتُ قالَ إِبْراهِيمُ فَإِنَّ اللهَ يَأْتِي بِالشَّمْسِ مِنَ الْمَشْرِقِ فَأْتِ بِها

٢٤٣

مِنَ الْمَغْرِبِ فَبُهِتَ الَّذِي كَفَرَ وَاللهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ (٢٥٨) أَوْ كَالَّذِي مَرَّ عَلى قَرْيَةٍ وَهِيَ خاوِيَةٌ عَلى عُرُوشِها قالَ أَنَّى يُحْيِي هذِهِ اللهُ بَعْدَ مَوْتِها فَأَماتَهُ اللهُ مِائَةَ عامٍ ثُمَّ بَعَثَهُ قالَ كَمْ لَبِثْتَ قالَ لَبِثْتُ يَوْماً أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ قالَ بَلْ لَبِثْتَ مِائَةَ عامٍ فَانْظُرْ إِلى طَعامِكَ وَشَرابِكَ لَمْ يَتَسَنَّهْ وَانْظُرْ إِلى حِمارِكَ وَلِنَجْعَلَكَ آيَةً لِلنَّاسِ وَانْظُرْ إِلَى الْعِظامِ كَيْفَ نُنْشِزُها ثُمَّ نَكْسُوها لَحْماً فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ قالَ أَعْلَمُ أَنَّ اللهَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (٢٥٩) وَإِذْ قالَ إِبْراهِيمُ رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِ الْمَوْتى قالَ أَوَلَمْ تُؤْمِنْ قالَ بَلى وَلكِنْ لِيَطْمَئِنَّ قَلْبِي قالَ فَخُذْ أَرْبَعَةً مِنَ الطَّيْرِ فَصُرْهُنَّ إِلَيْكَ ثُمَّ اجْعَلْ عَلى كُلِّ جَبَلٍ مِنْهُنَّ جُزْءاً ثُمَّ ادْعُهُنَّ يَأْتِينَكَ سَعْياً وَاعْلَمْ أَنَّ اللهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ)(٢٦٠)

وقوله : (أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِي حَاجَّ إِبْراهِيمَ فِي رَبِّهِ أَنْ آتاهُ اللهُ الْمُلْكَ).

فقد ذكرنا فيما تقدم أن قوله تعالى : (أَلَمْ تَرَ) ، إنما يفتتح به لأعجوبة ، كقوله : (أَلَمْ تَرَ إِلى رَبِّكَ كَيْفَ مَدَّ الظِّلَ) [الفرقان : ٤٥] ، وقوله : (أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِأَصْحابِ الْفِيلِ) [الفيل : ١].

وفيه إباحة التكلم فى الكلام والمناظرة فيه والحجاج بقوله : (حَاجَّ إِبْراهِيمَ فِي رَبِّهِ) ورد على من يمنع التكلم فيه وهو كذلك ؛ لأنا أمرنا بدعاء الكفرة جميعا إلى وحدانية الله تعالى ، والإقرار له بذلك ، والمعرفة له أنه كذلك ، وكذلك الأنبياء بأجمعهم أمروا وندبوا إلى دعاء الكفرة إلى شهادة أن «لا إله إلا الله وحده لا شريك له» ، فإن دعوناهم إلى ذلك لا بد من أن يطلبوا منا الدليل على ذلك ، والبيان عليه ، والوصف له كما هو له ، والتقرير عندهم أنه كذا ، فلا يكون ذلك إلا بعد المناظرة والحجاج فيه ؛ لذلك قلنا : أن لا بأس بالتكلم والمناظرة فيه. وفيه دلالة على إباحة المحاجة فى التوحيد.

وفيه الإذن بالنظر فى النظر ؛ لأنه حاجه لينظر. والله أعلم.

وقوله : (أَنْ آتاهُ اللهُ الْمُلْكَ).

قال أهل الاعتزال فى قوله تعالى : (أَنْ آتاهُ اللهُ الْمُلْكَ) : هو إبراهيم ، عليه‌السلام ، لا ذلك الكافر ؛ لقوله تعالى : (لا يَنالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ) [البقرة : ١٢٤] ، أخبر أن عهده لا يناله الظالم ، والملك عهد.

لكنه غلط عندنا لوجوه :

أحدها : أن إبراهيم ، صلوات الله عليه وسلامه ، ما عرف بالملك.

والثانى : أن الآية ذكرت فى محاجة ذلك الكافر إبراهيم ، ولو كان غير ملك ، وكان إبراهيم ، عليه‌السلام ، هو الملك ، لم يقدر المحاجة مع إبراهيم ، عليه‌السلام إذ لا

٢٤٤

محاجة إلا عن ملك ؛ دل أنه هو الذى كان الملك.

والثالث : قال : (أَنَا أُحْيِي وَأُمِيتُ) ثم قيل (١) : إنه جاء برجلين ، فقتل أحدهما ، وترك الآخر. فلو لم يكن ملكا لم يتأت له ذلك بين يدى إبراهيم ، إذا كان إبراهيم ، صلوات الله عليه وسلامه ، هو الذى (آتاهُ اللهُ الْمُلْكَ) ، فدل أن المراد به ذلك الكافر.

ثم (الملك) يكون فى الخلق بأحد أمرين : إما الفضل والشرف والعز والسلطان والدين ، وإما من جهة الأموال والطول عليها والقهر والغلبة. فإن لم يكن له (الملك) من جهة الأول لكان له ذلك بفضول الأموال ؛ لذلك كان ما ذكرنا. والله أعلم.

قال الشيخ ـ رحمه‌الله تعالى ـ : أعطى (الملك) ليمتحن به ، كما يعطى الغنى والصحة ليمتحن بهما.

وقوله تعالى : (إِذْ قالَ إِبْراهِيمُ رَبِّيَ الَّذِي يُحْيِي وَيُمِيتُ).

وكان هذا من إبراهيم ـ عليه‌السلام ـ والله أعلم ـ عن سؤال سبق منه أن قال له ذلك الكافر : من ربك الذى تدعونى إليه؟ فقال : (رَبِّيَ الَّذِي يُحْيِي وَيُمِيتُ) وإلا لا يحتمل ابتداء الكلام بهذا على غير سبق سؤال كان منه. وهو ما ذكر فى قصة فرعون حيث دعاه موسى إلى الإيمان بربه ، (قالَ فَمَنْ رَبُّكُما يا مُوسى (٤٩) قالَ رَبُّنَا الَّذِي أَعْطى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدى) (٥٠) [طه] ، فعلى ذلك الأول.

وقوله تعالى : (قالَ أَنَا أُحْيِي وَأُمِيتُ).

أنه دعا برجلين ، فقتل أحدهما ، وترك الآخر ، على ما قيل فى القصة.

(قالَ إِبْراهِيمُ فَإِنَّ اللهَ يَأْتِي بِالشَّمْسِ مِنَ الْمَشْرِقِ فَأْتِ بِها مِنَ الْمَغْرِبِ فَبُهِتَ الَّذِي كَفَرَ).

قال بعض الجدليين : هذا من إبراهيم ، عليه‌السلام ، صرف المحاجة إلى غير ما كان ابتداؤها ، ومثله فى الظاهر انقطاع وحيد عن الجواب [؛ لأن من حاج آخر شيئا ، وناظره فيه لعلة ضمن وفاء تلك العلة وإتمامها إلى آخره ، فإذا اشتغل بغيرها كان منه انقطاع عما ضمن وفاءها ؛ فإبراهيم اشتغل بغيرها وترك الأول وهو فى الظاهر انقطاع ؛](٢) لأن جوابه أن يقول : أنا أفعل كما فعلت ، أو أن يقول له : إن هذا الحى كان حيّا ، ولكن أحي هذا الميت.

لكنه ، صلوات الله عليه وسلامه ، فعل هذا ليظهر عجزه على الناس ؛ لأن ذلك كان منه تمويها وتلبيسا على قومه أخذ به قلوبهم ، فأراد إبراهيم ، صلوات الله عليه وسلامه ، أن

__________________

(١) قاله الربيع ومجاهد وابن إسحاق ، أخرجه ابن جرير عنهم (٥٨٧٨ ، ٥٨٨٠ ، ٥٨٨١).

(٢) ما بين المعقوفين سقط فى أ ، ط.

٢٤٥

يظهر عليه من الحجة ما هو أظهر وأعجز له ، وآخذ للقلوب.

والثانى : أراد أن يريه أن هذا مما قدر عليه بغيره ، إذ الذى لم يجعل له القدرة عليه لم يقدر عليه ، ثم لما ثبت عجزه فى أحدهما يظهر عجزه فى الآخر. والله أعلم.

وقيل : بأن هذا من إبراهيم انتقال من حجة إلى حجة ، ليس بانقطاع. وهو جائز.

وقوله : (فَبُهِتَ الَّذِي كَفَرَ) ، قيل : انقطع وتحير.

وقوله تعالى : (وَاللهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ).

ذكر الظالم ؛ لأن الظلم هو وضع الشىء فى غير محله ، حيث هذا اللعين المحاج فى غير موضعه.

وقوله تعالى : (أَوْ كَالَّذِي مَرَّ عَلى قَرْيَةٍ).

قيل : هو نسق قوله : (أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِي حَاجَّ إِبْراهِيمَ).

وقيل : هو نسق على قوله : (أَنَا أُحْيِي وَأُمِيتُ) لأنه بذلك أنكر البعث.

ثم اختلف فى المار على القرية :

قال بعضهم : كافر قال ذلك.

وقال آخرون : لا ، ولكن قال ذلك مسلم.

وقال أكثر أهل التأويل : هو عزير (١).

فإن كان قائل ذلك كافرا فهو على إنكار البعث والإحياء [بعد إماتة](٢). وإن كان مسلما فهو على معرفة كيفية الإحياء ، ليس على الإنكار ، وهو كقول إبراهيم ـ عليه الصلاة والسلام ـ : (رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِ الْمَوْتى قالَ أَوَلَمْ تُؤْمِنْ قالَ بَلى وَلكِنْ لِيَطْمَئِنَّ قَلْبِي) [البقرة : ٢٦٠]. وليس لنا إلى معرفة قائله حاجة ، إنما الحاجة إلى معرفة ما ذكر فى (٣) الآية. والله أعلم.

وقوله تعالى : (وَهِيَ خاوِيَةٌ عَلى عُرُوشِها).

قيل (٤) : خالية من سكانها.

وقيل (٥) : (خاوية) ، ساقطة سقوفها على حيطانها ، وحيطانها على سقوفها.

__________________

(١) قاله ابن عباس ، أخرجه ابن جرير عنه (٥٨٩١) ، وعن ناجية بن كعب (٥٨٨٣) ، وسليمان بن بريدة (٥٨٨٤) ، وقتادة (٥٨٨٥) ، وغيرهم ، وانظر الدر المنثور (١ / ٥٨٧).

(٢) سقط فى أ ، ب.

(٣) فى أ : من.

(٤) قاله ابن جرير (٣ / ٣٢).

(٥) قاله السدى ، أخرجه ابن جرير عنه (٥٩١٠) ، وانظر الدر المنثور (١ / ٥٨٩).

٢٤٦

وقوله تعالى : (قالَ أَنَّى يُحْيِي هذِهِ اللهُ بَعْدَ مَوْتِها).

هو على ما ذكرنا.

وقوله تعالى : (فَأَماتَهُ اللهُ مِائَةَ عامٍ ثُمَّ بَعَثَهُ).

أراد ـ والله أعلم ـ أن يرى الآية فى نفسه ، والآية هى آية البعث ، ويحتمل أن تكون آية فى المتأخرين.

وقوله تعالى : (قالَ كَمْ لَبِثْتَ).

سأل منه ـ جل وعلا ـ الاجتهاد بظاهر الحال الذى ظهر عنده ، ليظهر أنه اجتهد بدليل أو بغيره على ما يدركه وسعه ؛ فبان أن المجتهد يحل له الاجتهاد بما يدرك فى ظاهر الحال ، وإن كان حكم ما فيه الاجتهاد بالغيب.

قال الشيخ ـ رحمه‌الله ـ : أراد الله تعالى بقوله : (كَمْ لَبِثْتَ) ، التنبيه ؛ كقوله لموسى : (وَما تِلْكَ بِيَمِينِكَ يا مُوسى) ؛ [طه : ١٧] ، ليريه الآية من الوجه الذى هو أقرب إلى الفهم ثم جهة الأعجوبة فيه بوجهين :

مرة بإماتة الحمار ، إذ من طبعه الدوام ، ومرة بإبقاء طعامه ، ومن طبعه التغير والفساد عن سريع. جعل فى بقاء طعامه وحفظه من الفساد آية ومن طبعه الفساد ، وفى إحياء حماره بعد إماتته وطبعه البقاء ؛ ليعلم ما نازعته نفسه فى كيفية الإحياء درك ذلك ؛ وهو قوله : (قالَ أَعْلَمُ أَنَّ اللهَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ).

ثم قيل فى وجهة ما أراه بأوجه :

قيل (١) : إنه أحياء عينيه وقلبه ، فأدرك بهما كيفية الإحياء فى بقية نفسه.

وقيل : أحيا نفسه ، فأراه ذلك فى حماره.

وقيل (٢) : إنه أراه ذلك فى ولده ؛ لأنه أتى شابّا ، وولده وولد ولده شيوخ. وذلك آية.

قال الشيخ ـ رحمه‌الله تعالى ـ فى قوله : (ثُمَّ بَعَثَهُ قالَ كَمْ لَبِثْتَ ..). الآية : فإن قال قائل : كيف سأله عن لبثه ، وقد علم أنه لم يكن علم به؟ وأيد ذلك إخباره بقوله (لَبِثْتُ يَوْماً أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ قالَ بَلْ لَبِثْتَ مِائَةَ عامٍ).

قيل : القول (كَمْ لَبِثْتَ) ، يحتمل وجهين ؛ وكذلك القول بقوله : (بَلْ لَبِثْتَ مِائَةَ

__________________

(١) قاله على بن أبى طالب ، أخرجه عبد بن حميد وابن المنذر وابن أبى حاتم والحاكم وصححه والبيهقى فى الشعب كما فى الدر المنثور (١ / ٥٨٧) ، وعن مجاهد وابن جريج وقتادة وغيرهم عند ابن جرير.

(٢) قاله الأعمش ، أخرجه ابن جرير عنه (٥٩٤٦) ، وعن عكرمة أخرجه سفيان بن عيينة وابن أبى حاتم كما فى الدر المنثور (١ / ٥٩٠).

٢٤٧

عامٍ) :

أحدهما : على قول ألقى إليه ونطق أسمع هو.

والثانى : أن يكون على ما حدثته نفسه بمدة لبثه فى حال نومه ، فتأمل فى ذلك أحوال نومه ، وأخبر عما عاين من أحوال الوقت الذى كان فيه مما كان ابتداؤه وقت نومه ، فقال بالذى ذكرتم لمّا تأمل شأن الحمار ، واستخبر عن الأحوال ، قالت له نفسه : (بَلْ لَبِثْتَ مِائَةَ عامٍ) ثم أمعن نظره فى حماره ، وما رأى من تغير أحواله ، وأبقاه الله تعالى على ما ذكر. وكل ذلك خبر عما حدثته نفسه ، هى بعثه ، على التفكر فى أحواله ، والنظر فيما عاين من أمر الحمار ، أو كان علم أن ذلك موت فيه ، لكنه استقل ذلك بما شهد نفسه بما عاينها على ما كانت عليها. فلما تأمل شأن حماره [و] علم أنه رفع إلى آيات عجيبة ، فزع إلى الله تعالى ، فأنبأه الله تعالى بالذى وصف فى القرآن. والله أعلم.

ولو كان على القول فإن فى السؤال عما يعلم السائل جهل المسئول وجهين :

أحدهما : الامتحان على ما به ظهور أحوال الممتحن من الاجتهاد فى تعريف الحقائق بالاستدلال والخضوع له بالاعتراف بقصوره عن الإحاطة به ، كفعل الملائكة عند قوله تعالى : (أَنْبِئُونِي بِأَسْماءِ هؤُلاءِ) [البقرة : ٣١] ، بقولهم : (لا عِلْمَ لَنا إِلَّا ما عَلَّمْتَنا) [البقرة : ٣٢] ، والأول كما فعل صاحب هذا أنه قال : (لَبِثْتُ يَوْماً أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ) ، ومثله أمر أصحاب الكهف. والله أعلم.

والثانى : أن يراد بالسؤال التقرير عنده ؛ ليكون متيقظا لما يراد به من الاطلاع على الآية ، كما قال لموسى : (وَما تِلْكَ بِيَمِينِكَ يا مُوسى ..). الآية [طه : ١٧]. وهذا فيما كان السؤال فى الظاهر خارجا فى الحقيقة مخرج المحنة ، نحو ما ذكرنا فى أمر الملائكة ، وأمر موسى ، عليه‌السلام ، فأما السؤال الذى هو فى حق السؤال إنما هو فى حق الاستخبار ، ليعلم ما عليه حقيقة الحال بالسؤال. لكن الذى ذكرت فيما كان سبيله أن يكون من له الامتحان. ولا قوة إلا بالله.

وقوله تعالى : (فَانْظُرْ إِلى طَعامِكَ وَشَرابِكَ لَمْ يَتَسَنَّهْ).

قيل (١) : لم يأت عليه السنون ، أى : كأنه لم يأت عليه السنون.

وقيل (٢) : (لَمْ يَتَسَنَّهْ) ، لم يتغير ولم ينتن.

__________________

(١) قاله الكسائى كما فى تفسير البغوى (١ / ٢٤٥).

(٢) قاله ابن عباس ، أخرجه ابن جرير عنه (٥٩٢٧) ، وعن قتادة (٥٩٢٢ ، ٥٩٢٣) ، والسدى (٥٩٢٤) ، والضحاك (٥٩٢٥) ، وقاله مجاهد (٥٩٣١ ، ٥٩٣٢ ، ٥٩٣٣) ، وغيرهم ، وانظر الدر المنثور (١ / ٥٩٠).

٢٤٨

والأول أشبه ؛ لأنه يقال من التغير والتنتن : لم يتسنن.

وقوله تعالى : (وَانْظُرْ إِلى حِمارِكَ وَلِنَجْعَلَكَ آيَةً لِلنَّاسِ وَانْظُرْ إِلَى الْعِظامِ كَيْفَ نُنْشِزُها ثُمَّ نَكْسُوها لَحْماً).

وهو من الأحياء.

و (نُنْشِزُها) بالزاى ـ وهو من الارتفاع والنصب.

وفيه لغة أخرى : «ننشرها» بالراء ، وهو من الإحياء. و «ننشرها» من النشر.

وقوله تعالى : (فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ قالَ أَعْلَمُ أَنَّ اللهَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ).

(أَعْلَمُ) ، بالنصب [والخفض :

فمن قرأه بالنصب](١) ، صرف قوله : (أَنَّى يُحْيِي هذِهِ اللهُ) إلى المسلم.

ومن قرأ (أَعْلَمُ) بالخفض صرف إلى الكافر ، يقول الله له : اعلم أن الله على كل شىء قدير. ويحتمل أيضا صرفه إلى المسلم : «واعلم» ، على الإخبار ، كأنه قال : اعلم ما كنت تعلمه غيبا مشاهدة.

وفى هذه الآيات إثبات رسالة محمد صلى‌الله‌عليه‌وسلم ؛ وذلك أن هذه القصص كانت ظاهرة بينهم ، ولم يكن له اختلاف إليهم ، ولا النظر فى كتبهم ، ثم أخبر على ما كان ؛ ليعلم أنه إنما علم ذلك بالله عزوجل ثناؤه.

وقوله تعالى : (وَإِذْ قالَ إِبْراهِيمُ رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِ الْمَوْتى قالَ أَوَلَمْ تُؤْمِنْ قالَ بَلى وَلكِنْ لِيَطْمَئِنَّ قَلْبِي قالَ فَخُذْ أَرْبَعَةً مِنَ الطَّيْرِ فَصُرْهُنَّ إِلَيْكَ ثُمَّ اجْعَلْ عَلى كُلِّ جَبَلٍ مِنْهُنَّ جُزْءاً ثُمَّ ادْعُهُنَّ يَأْتِينَكَ سَعْياً وَاعْلَمْ أَنَّ اللهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ).

قال بعضهم : كان إبراهيم ، عليه‌السلام ، موقنا بأن الله يحيى الموتى ، ولكن أحب أن يعاين ذلك ؛ لأن الخبر لا يكون عند ابن آدم كالعيان ، على ما قيل : «ليس الخبر كالمعاينة».

وقيل : يحتمل سؤاله عما يسأل لما نازعته نفسه وحدثته فى كيفية الإحياء ، وقد تنازع النفس وتحدث بما لا حاجة لها إليه من حيث نفسه ؛ ليقع له فضل علم ومعرفة.

وقيل : (لِيَطْمَئِنَّ قَلْبِي) أى : ليسكن قلبى وأعلم أنك قد استجبت لى فيما دعوتك ، وأعطيتنى الذى سألتك.

وقيل (٢) : (أَوَلَمْ تُؤْمِنْ) ، أى : أو لم توقن بالخلة التى خاللتك؟ قال : بلى.

__________________

(١) سقط فى ط.

(٢) قاله السدى وسعيد بن جبير ، أخرجه ابن جرير عنهما (٥٩٦٨ ، ٥٩٦٩) ، وانظر الدر المنثور (١ / ٥٩٢).

٢٤٩

سأل ربه على الخلة.

وقيل : (أَوَلَمْ تُؤْمِنْ) ، قال : (بَلى ، وَلكِنْ لِيَطْمَئِنَّ قَلْبِي) بأنك أريتنى الذى أردت.

ويحتمل : أن يكون إبراهيم ، عليه الصلاة والسلام ، أراد بسؤاله ذلك أن تكون له آية حسية ؛ لأن آيات إبراهيم كلها كانت عقلية ، وآيات سائر الأنبياء كانت عقلية وحسية ، فأحب إبراهيم ، صلوات الله عليه وسلامه ، أن تكون له آية حسية ، على ما لهم ، كسؤال زكريا ربه حيث قال : (رَبِّ اجْعَلْ لِي آيَةً قالَ آيَتُكَ أَلَّا تُكَلِّمَ النَّاسَ ثَلاثَةَ أَيَّامٍ إِلَّا رَمْزاً) [آل عمران : ٤١] ، جعل له آية حسية ؛ فعلى ذلك سؤال إبراهيم ، عليه‌السلام.

وقوله تعالى : (فَخُذْ أَرْبَعَةً مِنَ الطَّيْرِ فَصُرْهُنَّ إِلَيْكَ).

معناه : وجههن إليك ، كقول الرجل : «صر وجهك إلىّ» ، أى : حول وجهك إلىّ.

وروى فى حرف ابن مسعود ـ رضى الله تعالى عنه ـ : (فَصُرْهُنَّ إِلَيْكَ) ، بالكسر ، بمعنى قطعهن ، قيل : هو التقطيع.

وقيل (١) : (فَصُرْهُنَّ إِلَيْكَ) ، اضممهن.

قوله تعالى : (مَثَلُ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنْبَتَتْ سَبْعَ سَنابِلَ فِي كُلِّ سُنْبُلَةٍ مِائَةُ حَبَّةٍ وَاللهُ يُضاعِفُ لِمَنْ يَشاءُ وَاللهُ واسِعٌ عَلِيمٌ (٢٦١) الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللهِ ثُمَّ لا يُتْبِعُونَ ما أَنْفَقُوا مَنًّا وَلا أَذىً لَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ (٢٦٢) قَوْلٌ مَعْرُوفٌ وَمَغْفِرَةٌ خَيْرٌ مِنْ صَدَقَةٍ يَتْبَعُها أَذىً وَاللهُ غَنِيٌّ حَلِيمٌ)(٢٦٣)

وقوله تعالى : (مَثَلُ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنْبَتَتْ سَبْعَ سَنابِلَ فِي كُلِّ سُنْبُلَةٍ مِائَةُ حَبَّةٍ وَاللهُ يُضاعِفُ لِمَنْ يَشاءُ وَاللهُ واسِعٌ عَلِيمٌ).

يحتمل ضرب مثل النفقة فى سبيل الله بالحبة التى ذكر وجهان :

أحدهما : أن يبارك فى تلك النفقة ، فيزداد وينمو ، على ما بارك فى حبة واحدة فصارت سبعمائة وأكثر.

والثانى : قال : (وَيُرْبِي الصَّدَقاتِ) [البقرة : ٢٧٦] ، ورأوا الصدقة تتلف وتتلاشى فى أيدى الفقراء فقالوا : كيف تربى ، وهى تالفة؟ فقال : تربى كما أربى الحبة فى الأرض بعد ما تلفت فيها وفسدت ، فصارت مائة وزيادة. فعلى ذلك الصدقة فى طاعة الله والنفقة فيما يربى وإن كانت تالفة.

__________________

(١) قاله عطاء ، أخرجه ابن جرير عنه (٦٠١١).

٢٥٠

وقيل : إنها منسوخة بالفرائض. لكن هذا لا يحتمل ؛ لأنه نسخ وعد فى الآخرة ، والوعد لا يحتمل النسخ ، إلا أن يعنون نسخ عين الصدقة بغيرها ، فأما الوعد فهو حالة.

والله أعلم.

وقوله تعالى : (وَاللهُ واسِعٌ عَلِيمٌ).

قيل (١) : (واسِعٌ) ، غنى.

وقيل : (واسِعٌ) ، جواد ، يوسع على من يشاء.

وقوله تعالى : (الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللهِ ثُمَّ لا يُتْبِعُونَ ما أَنْفَقُوا مَنًّا وَلا أَذىً).

قال المفسرون : للجهاد ، خصوا الجهاد بهذا. والله أعلم.

لأن العدو إذا خرجوا لقتال المسلمين خرجوا للشيطان ، ويسلكون سبيله وطريقه ، والمؤمنون إنما يخرجون ليسلكوا طريق الله تعالى ، وينصروا دينه وأولياءه ؛ لذلك كان التخصيص له لقولهم ، وإلا كان يجىء أن يسمى الطاعات كلها والخيرات (سبيل الله) ؛ لأنه سبيل الله وطاعته ، كقوله : (الَّذِينَ آمَنُوا يُقاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللهِ وَالَّذِينَ كَفَرُوا يُقاتِلُونَ فِي سَبِيلِ الطَّاغُوتِ فَقاتِلُوا أَوْلِياءَ الشَّيْطانِ إِنَّ كَيْدَ الشَّيْطانِ كانَ ضَعِيفاً) [النساء : ٧٦].

وقوله : (ثُمَّ لا يُتْبِعُونَ ما أَنْفَقُوا مَنًّا وَلا أَذىً). اختلف فيه :

قيل : (منا ،) على الله ، و (أذى ،) للفقير.

وقيل : (منا ،) على الفقير ، و (أذى ،) له.

ثم قيل : منه على الفقير عد ما أنفق عليه وتصدق ، وأذاه وتوبيخه عليه بذلك. وأما منّه على الله تعالى ؛ كقوله تعالى : (يَمُنُّونَ عَلَيْكَ أَنْ أَسْلَمُوا قُلْ لا تَمُنُّوا عَلَيَّ إِسْلامَكُمْ بَلِ اللهُ يَمُنُّ عَلَيْكُمْ أَنْ هَداكُمْ لِلْإِيمانِ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ) [الحجرات : ١٧].

وقوله تعالى : (لَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ)

قد ذكرنا تأويله فيما تقدم.

وقوله تعالى : (قَوْلٌ مَعْرُوفٌ وَمَغْفِرَةٌ خَيْرٌ مِنْ صَدَقَةٍ يَتْبَعُها أَذىً وَاللهُ غَنِيٌّ حَلِيمٌ).

قيل : (قَوْلٌ مَعْرُوفٌ)(٢) ، كلام حسن ، يدعو الرجل لأخيه بظهر الغيب.

وقيل : (قَوْلٌ مَعْرُوفٌ) ، يستغفر الله ذنوبه فى السر و (وَمَغْفِرَةٌ) له ، يغفر له ، ويتجاوز عن مظلمته.

وقيل : (قَوْلٌ مَعْرُوفٌ) ، الأمر بالمعروف خير ثوابا عند الله من صدقة فيها أذى ومن.

__________________

(١) قاله البغوى (١ / ٢٤٩).

(٢) ذكره البغوى (١ / ٢٥٠) ، ونسبه للكلبى.

٢٥١

فإن قيل : كيف جمع بين قول المعروف والمغفرة وبين الأذى والمن ، فقال : (خير من كذا ..) ، وأحدهما خير والآخر شر ، وإنما يفعل هذا إذا كانا جميعا خيرين ، فيقال : «أيهما أخير»؟

قيل : معناه ـ والله أعلم ـ هذا خير لكم من ذلك ، وهو كقوله : (قُلْ ما عِنْدَ اللهِ خَيْرٌ مِنَ اللهْوِ وَمِنَ التِّجارَةِ) [الجمعة : ١١] ، [أى : خير لكم فى الآخرة من اللهو والتجارة](١) فى دنياكم ، وإن لم يكن اللهو والتجارة من جنس ما عند الله ، فعلى ذلك الأول.

ويحتمل : أن تكون الآية على الابتداء ، لا على الجمع : هذا خير ، وهذا شر.

قال الشيخ ـ رحمه‌الله تعالى ـ : ووجه ذلك أن الصدقة قربة ، وهى خير ، فإذا أتبعها الأذى أبطلها ، فيكون (قَوْلٌ مَعْرُوفٌ) ، أى : رد جميل للسائل خير من إجابة فى البذل ، ثم الرد بالأذى ؛ لأن هذا يبقى ، وإن كان لا ينشفع (٢) به الآخر ، والصدقة [لا](٣) ، وإن كان ينتفع بها الفقير. والله أعلم.

وقال بعضهم : (المن) و (الأذى) ، أن يقول للسائل : خذه ، لا بارك الله فيه لك.

وقوله تعالى : (وَاللهُ غَنِيٌّ) ، عن صدقاتكم ، (حَلِيمٌ) ، لا يعجل بالعقوبة عليكم بالمن والأذى.

قوله تعالى : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُبْطِلُوا صَدَقاتِكُمْ بِالْمَنِّ وَالْأَذى كَالَّذِي يُنْفِقُ مالَهُ رِئاءَ النَّاسِ وَلا يُؤْمِنُ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ صَفْوانٍ عَلَيْهِ تُرابٌ فَأَصابَهُ وابِلٌ فَتَرَكَهُ صَلْداً لا يَقْدِرُونَ عَلى شَيْءٍ مِمَّا كَسَبُوا وَاللهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكافِرِينَ (٢٦٤) وَمَثَلُ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوالَهُمُ ابْتِغاءَ مَرْضاتِ اللهِ وَتَثْبِيتاً مِنْ أَنْفُسِهِمْ كَمَثَلِ جَنَّةٍ بِرَبْوَةٍ أَصابَها وابِلٌ فَآتَتْ أُكُلَها ضِعْفَيْنِ فَإِنْ لَمْ يُصِبْها وابِلٌ فَطَلٌّ وَاللهُ بِما تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ (٢٦٥) أَيَوَدُّ أَحَدُكُمْ أَنْ تَكُونَ لَهُ جَنَّةٌ مِنْ نَخِيلٍ وَأَعْنابٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ لَهُ فِيها مِنْ كُلِّ الثَّمَراتِ وَأَصابَهُ الْكِبَرُ وَلَهُ ذُرِّيَّةٌ ضُعَفاءُ فَأَصابَها إِعْصارٌ فِيهِ نارٌ فَاحْتَرَقَتْ كَذلِكَ يُبَيِّنُ اللهُ لَكُمُ الْآياتِ لَعَلَّكُمْ تَتَفَكَّرُونَ) (٢٦٦)

وقوله تعالى : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُبْطِلُوا صَدَقاتِكُمْ بِالْمَنِّ وَالْأَذى كَالَّذِي يُنْفِقُ مالَهُ رِئاءَ النَّاسِ وَلا يُؤْمِنُ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ).

المن والأذى : ما ذكرنا.

__________________

(١) سقط فى أ ، ط.

(٢) فى أ : ينقطع ، وفى ط : يشفع.

(٣) سقط فى ب.

٢٥٢

ثم جهة البطلان ـ والله أعلم ـ أن الله عزوجل وعد لمن تصدق الثواب عليها ، بقوله : (مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللهَ قَرْضاً حَسَناً فَيُضاعِفَهُ لَهُ أَضْعافاً كَثِيرَةً) [البقرة : ٢٤٥] ، وقال : (وَأَقْرِضُوا اللهَ قَرْضاً حَسَناً وَما تُقَدِّمُوا لِأَنْفُسِكُمْ مِنْ خَيْرٍ تَجِدُوهُ عِنْدَ اللهِ هُوَ خَيْراً وَأَعْظَمَ أَجْراً) [المزمل : ٢٠] ، وقال فى آية أخرى : (إِنَّ اللهَ اشْتَرى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ ..). الآية [التوبة : ١١١]. وإن كانت تلك الأموال فى الحقيقة له أعطاهم الثواب على ذلك ، فأخبر أن من أعطى آخر شيئا ببدل لا يمن عليه ، كالمبادلات التى تجرى بين الناس ، ألا يكون لبعض على بعض جهة المنّ ، إذا أخذ بدل ما أعطاه ، وأن يقال : إن الأموال كلها لله تعالى ، فإنما أعطى ماله ، وكل من أعطى ماله آخر لا يستوجب ذلك حمدا ولا منّا.

ثم اختلف فى قوله تعالى : (كَالَّذِي يُنْفِقُ مالَهُ رِئاءَ النَّاسِ) :

قال بعضهم (١) : هم المنافقون ، كانوا ينفقون أموالهم رياء. دليله قوله تعالى : (وَلا يُؤْمِنُ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ) ، شبه الصدقة التى فيها (منّ) و (أذى) بالصدقة التى فيها رياء. وذلك ـ والله أعلم ـ أن الصدقة التى فيها (من) و (أذى) لم يبتغ بها وجه الله ، فكان كالصدقة التى ينفقها للزيادة لا يبتغى بها وجه الله تعالى [وقال آخرون : كل صدقة فيها رياء فذلك ، كافرا كان منفقها أو مسلما ؛ لأنها لم يبتغ فيها وجه الله تعالى](٢) والدار الآخرة.

ثم ضرب المثل للصدقة المبتغى بها الرياء ، والصدقة التى فيها المن والأذى بالصفوان الذى عليه التراب : وهو الحجر الأملس ، فقال :

(كَمَثَلِ صَفْوانٍ عَلَيْهِ تُرابٌ فَأَصابَهُ وابِلٌ فَتَرَكَهُ صَلْداً لا يَقْدِرُونَ عَلى شَيْءٍ مِمَّا كَسَبُوا).

قيل (٣) : (الوابل) هو المطر الشديد عظيم القدر.

وفى ضرب الأمثال تعريف ما غاب عن الأبصار بما هو محسوس ؛ وذلك أن الصفوان الذى به ضرب المثل ، والتراب محسوس ، ومن التراب جعل الأغذية للخلق والدواب. ثم الثواب الذى وعد للصدقة ليس بمحسوس ، بل هو غائب ، فعرف الغائب بالمحسوس. فقال : لما كان التراب الذى به تكون الأغذية يذهب بالمطر الشديد حتى لا يبقى له أثر ،

__________________

(١) قاله ابن عباس أخرجه ابن جرير عنه (٦٠٤٤) ، وانظر الدر المنثور (١ / ٦٠٠).

(٢) ما بين المعقوفين سقط فى ط.

(٣) قاله السدى والضحاك وقتادة والربيع ، أخرجه ابن جرير عنهم (٦٠٥٣ ، ٦٠٥٤ ، ٦٠٥٥ ، ٦٠٥٦) ، وانظر الدر المنثور (١ / ٦٠٠).

٢٥٣

فكذلك الثواب الذى يكون للصدقة يذهب ويتلاشى حتى لا يظفر بها بالمن والأذى والرياء ، كما أذهب المطر التراب الذى على الصفوان ، فصار صلدا ، لا شىء عليه من التراب.

وقوله تعالى : (وَاللهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكافِرِينَ).

قالت المعتزلة : لا يهدى القوم الكافرين بكفرهم الذى اختاروا.

وقلنا نحن : لا يهديهم وقت اختيارهم الكفر ، ويهديهم وقت اختيارهم الإيمان.

وفى قوله : (قَوْلٌ مَعْرُوفٌ وَمَغْفِرَةٌ خَيْرٌ مِنْ صَدَقَةٍ يَتْبَعُها أَذىً) ، وجه آخر ، هو أن يحتمل قوله : (مَعْرُوفٌ) ، هذه التسبيحات والثناء والحمد ، و (وَمَغْفِرَةٌ) ، ستر ما ارتكب من المأثم. وقوله : (خَيْرٌ) ، أى أحب على البذل من صدقة يتبعها أذى. والله أعلم.

وقوله : (وَمَثَلُ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوالَهُمُ ابْتِغاءَ مَرْضاتِ اللهِ وَتَثْبِيتاً مِنْ أَنْفُسِهِمْ كَمَثَلِ جَنَّةٍ بِرَبْوَةٍ أَصابَها وابِلٌ فَآتَتْ أُكُلَها ضِعْفَيْنِ فَإِنْ لَمْ يُصِبْها وابِلٌ فَطَلٌّ وَاللهُ بِما تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ).

فى الأمثال التى ضربها الله تعالى وذكرها فى القرآن وجوه :

أحدها : جواز قياس ما غاب من الحكم عن المنصوص بالمنصوص إذا جمعهما معنى واحد.

والثانى : أن علوم المحسوسات والمشاهدات هى علوم الحقائق ، وهى الأصول التى بها يستدل ويوصل إلى معرفة الغائب.

والثالث : فيها إثبات رسالة محمد ، عليه أفضل الصلوات وأكمل التحيات ، وذلك أن العرب كانت لا تضرب الأمثال ، ولا كانت تعرفها فى أمر التوحيد وتعريف ما غاب عن حواسهم من أمر القيامة ونحو ذلك. ثم بعث الله تعالى محمدا صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، وأنزل عليه القرآن (١) ، وذكر فيه الأمثال ؛ ليذكرهم تلك الأمثال ليعلموا أنه إنما عرفها بالله عزوجل ، لا أنه أنشأ هذا القرآن من تلقاء نفسه. وذلك من آيات نبوته ورسالته. وعلى ذلك جعل عدم الكتابة وإنشاء الشعر من آيات نبوته ورسالته ؛ لأن من عادة العرب إنشاء الشعر والكتابة ، ويفضلون أربابها على غيرهم ؛ لئلا يعرف هو بها ، ويقولون : إنه أخذ من الكتب ، أو اختلق من نفسه ، كقوله تعالى : (وَما كُنْتَ تَتْلُوا مِنْ قَبْلِهِ مِنْ كِتابٍ وَلا تَخُطُّهُ

__________________

(١) فى أ : الفرقان.

٢٥٤

بِيَمِينِكَ إِذاً لَارْتابَ الْمُبْطِلُونَ) [العنكبوت : ٤٨].

والرابع : فيها دلالة أن الله ـ جل وعلا ـ خالق الدنيا وما فيها من المحاسن والخبائث ، والأعالى والخسائس ، حيث ضرب مثل الرفيع بالرفيع والخسيس بالخسيس ؛ فدل أن خالق هذه الأشياء كلها هو الله تعالى ، لا شريك له ولا شبيه.

ثم شبه الصدقة التى هى لله ـ عزوجل ـ مرة بالربوة من الأرض : وهى المرتفعة منها ، ومرة بالحبة التى تنبت كذا كذا سنبلة ، وفى كل سنبلة كذا كذا حبة ، ومرة بالأضعاف المضاعفة ؛ كقوله : (فَيُضاعِفَهُ لَهُ أَضْعافاً كَثِيرَةً) [البقرة : ٢٤٥]. فهو ـ والله أعلم ـ لما علم عزوجل رغبة الناس مرة فى العدد فى الدنيا ، ومرة فى البساتين المرتفعة أرضها وتربتها ليشرفوا على غيرهم من الخلائق والبقاع ، ومرة فى الكثير من الأشياء والعظيم منها رغبهم عزوجل فى الصدقة بما ذكرنا من الأشياء لعلمه برغبتهم فيها ، ليرغبوا فى ذلك. والله أعلم.

وعلى ذلك حرم الله تعالى الصدقات على رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ؛ لأنه كان يرغب الناس فى الصدقة ؛ لئلا يظنوا فيه ظن السوء ويقولون : إنه إنما يرغبهم فيها لينتفع هو بها.

وقوله تعالى : (وَتَثْبِيتاً مِنْ أَنْفُسِهِمْ) اختلف فيه :

قيل (١) : (وَتَثْبِيتاً) : تصديقا ، كقوله تعالى : (فَأَمَّا مَنْ أَعْطى وَاتَّقى (٥) وَصَدَّقَ بِالْحُسْنى (٦) فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرى) [الليل].

وقيل (٢) : (وَتَثْبِيتاً) ، أى : تيقينا بالإسلام.

وقيل (٣) : يثبتون فى مواضع الصدقة.

وقيل (٤) : (وَتَثْبِيتاً) فى الصدقة ، إذا كانت لله أمضى وتصدق بها ، وإن خالطه شىء أمسك. والله أعلم.

وقوله تعالى : (كَمَثَلِ جَنَّةٍ بِرَبْوَةٍ).

قيل (٥) : الربوة : المرتفع من الأرض.

وقيل (٦) : الربوة : الظاهر المستوى من المكان.

__________________

(١) قاله الشعبى ، أخرجه ابن جرير عنه (٦٠٦٣ ، ٦٠٦٤) ، وانظر الدر المنثور (١ / ٦٠١).

(٢) قاله قتادة وأبو صالح أخرجه ابن جرير عنهما (٦٠٦٥ ، ٦٠٦٦) ، وانظر الدر المنثور (١ / ٦٠١).

(٣) قاله مجاهد ، أخرجه ابن جرير عنه (٦٠٦٧ ـ ٦٠٦٩) ، وانظر الدر المنثور (١ / ٦٠١).

(٤) قاله الحسن ، أخرجه ابن جرير عنه (٦٠٧٠ ، ٦٠٧١) ، وانظر الدر المنثور (١ / ٦٠١).

(٥) قاله ابن عباس والضحاك ، أخرجه ابن جرير عنهما (٦٠٧٦ ، ٦٠٧٩) ، وانظر الدر المنثور (١ / ٦٠١).

(٦) قاله مجاهد ، أخرجه ابن جرير عنه (٦٠٧٣ ، ٦٠٧٤) ، وانظر الدر المنثور (١ / ٦٠١).

٢٥٥

وقوله تعالى : (أَصابَها وابِلٌ).

والوابل : قد ذكرنا أنه المطر الشديد العظيم القطر.

وقوله تعالى : (فَآتَتْ أُكُلَها ضِعْفَيْنِ) يعنى الحبة أضعفت فى ثمرها فى الحمل ضعفين حين أصابها وابل. كذلك الذى ينفق ماله لله فى غير منة يمن بها يضاعف نفقتها ، كثرت النفقة أو قلت.

وقيل (١) : يضاعف الله للمنفق الأجر مرتين.

وقوله تعالى : (فَإِنْ لَمْ يُصِبْها وابِلٌ فَطَلٌّ).

والطل ، هو المطر الضعيف.

وقيل (٢) : هو الطش من المطر.

وقيل (٣) : هو الرذاذ من المطر مثل الندى ، لا تزال الحبة خضراء دائما ثمرها ، قل أو كثر.

وقوله : (أَيَوَدُّ أَحَدُكُمْ أَنْ تَكُونَ لَهُ جَنَّةٌ مِنْ نَخِيلٍ وَأَعْنابٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ لَهُ فِيها مِنْ كُلِّ الثَّمَراتِ وَأَصابَهُ الْكِبَرُ وَلَهُ ذُرِّيَّةٌ ضُعَفاءُ فَأَصابَها إِعْصارٌ فِيهِ نارٌ فَاحْتَرَقَتْ كَذلِكَ يُبَيِّنُ اللهُ لَكُمُ الْآياتِ لَعَلَّكُمْ تَتَفَكَّرُونَ).

ليس لهذا الخطاب جواب ؛ لأن جوابه أن يقول : يود ، أو لا يود. لكن الخطاب من الله تعالى يخرج على وجوه ثلاثة :

خطاب يفهم مراده وقت قرعه السمع.

وخطاب لا يفهم مراده إلا بعد النظر فيه والتفكر والتدبر ، وهو كقوله : (أَفَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ وَلَوْ كانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلافاً كَثِيراً) [النساء : ٨٢] ، وكقوله عزوجل : (وَتِلْكَ الْأَمْثالُ نَضْرِبُها لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ) [الحشر : ٢١] ، و (يَعْقِلُونَ) [الحشر : ١٤].

وخطاب لا يفهم مراده إلا بالسؤال عنه رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، أو من له علم فى ذلك ؛ كقوله تعالى : (فَسْئَلْ بِهِ خَبِيراً) [الفرقان : ٥٩] ، وكقوله تعالى : (فَسْئَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ) [النحل : ٤٣].

فإذا كان ما ذكرنا ، فيحتمل أن ما ترك من الجواب للخطاب إنما ترك للطلب والبحث

__________________

(١) قاله السدى ، أخرجه ابن جرير عنه (٦٠٨٦).

(٢) قاله قتادة ، أخرجه ابن جرير عنه (٦٠٨٣) ، وعن الربيع (٦٠٨٥).

(٣) قاله الضحاك ، أخرجه ابن جرير عنه (٦٠٨٤).

٢٥٦

عنه والتفحص.

ثم إن هذا الخطاب يحتمل أن يكون فى أهل النفاق ؛ وذلك أن المنافق يرى من نفسه الموافقة لأهل الإسلام فى الظاهر ، وهو مخالف لهم فى السر ، وعنده أنه يستحق الثواب بذلك وقت الثواب ، كان كصاحب الضيعة التى ذكرت فى الآية : أن صاحبها يغرس فيها الغرس ، وينبت فيها النبات فى حال شبابه وقوته ؛ رجاء أن يصل إلى الانتفاع بها فى وقت الحاجة والضعف ، فإذا بلغ ذلك واحتاج ـ حيل بينه وبين الانتفاع فيها. فكذلك المنافق الذى كان دينه لمنافع فى الدنيا وسعة لها ، إذا بلغ إلى وقت الحاجة حرم ذلك. وكذلك هذا فى الكافر ؛ لأنه رأى لنفسه النفع بعمله لوقت تأمله كصاحب الضيعة ، ثم عند بلوغه الحاجة حرم عنه ذلك لاعتراض ما اعترض من الآفة ، وهو كقوله تعالى : (وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَعْمالُهُمْ كَسَرابٍ بِقِيعَةٍ يَحْسَبُهُ الظَّمْآنُ ماءً حَتَّى إِذا جاءَهُ لَمْ يَجِدْهُ شَيْئاً) [النور : ٣٩] ؛ لأن الكافر بما يدين من الدين إنما يدين لنفع يتأمله فى الدنيا ، والمؤمن إنما يدين بما يدين لنفع يتأمله ويطمع فى الآخرة. فرجاء الكافر فى غير موضعه ؛ لذلك كان ما ذكر. والله أعلم.

ثم الأمثال التى ضربت ينتفع بها المؤمنون ؛ لأن نظرهم ما فى الأمثال من المعنى المدرج والمودع فيها ، لم ينظروا إلى أعينها. وأما الكفار إنما ينظرون إلى أعين الأمثال ، لا إلى ما فيها ، فاستحقروها واستبعدت عقولهم ذلك ؛ لذلك قال الله ـ عزوجل ـ : (الْآياتِ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ) [يونس : ٢٤] ، و (يَعْقِلُونَ) [البقرة : ١٦٤].

ووجه ضرب هذا المثل : هو أن الكافر يحرم أجره عند أفقر وأحوج ما كان إليه ، كما حرم هذا نفع بستانه عند أفقر وأحوج ما كان إليه حين كبرت سنه وضعفت قوته ، ولا حيلة له يومئذ.

وقوله تعالى : (إِعْصارٌ).

قال ابن عباس (١) : الإعصار : ريح فيها سموم.

وقيل : الإعصار : ريح فيها نار تحرق الأشجار.

وقيل (٢) : هى الريح تسطع إلى السماء ، وهى أشد.

قال الشيخ (٣) ـ رحمه‌الله تعالى ـ فى قوله : (أَيَوَدُّ أَحَدُكُمْ أَنْ تَكُونَ لَهُ جَنَّةٌ ..).

__________________

(١) أخرجه ابن جرير من (٦١٠٤ ـ ٦١١٠) ، وانظر الدر المنثور (١ / ٦٠٣).

(٢) قاله البغوى (١ / ٢٥٢ ـ ٢٥٣).

(٣) ثبت فى حاشية أ : قال الشيخ أبو منصور ـ رحمه‌الله ـ فى قوله : (أَيَوَدُّ أَحَدُكُمْ) : ليس على طريق الاستفهام ليقتضى جوابا ، بل معناه : لا يود أحدكم أن تكون له جنة.

٢٥٧

الآية : فمعناه ـ والله أعلم ـ أن يكون ألا يود أحد أن تكون له جنة ينال منافعها فى وقت قوته وغناه بقوته عنها وبغيرها من وجوه المعاش ، ثم يحرم نفعها لوقت الحاجة إليها بضعف بدنه وارتكاب مؤن الذرية ، فكذلك لا ترضوا من أنفسكم فى وقت قوتها وغناها الغفلة عنها لوقت حاجتها إلى الأعمال والاضطرار إلى ثوابها. والله أعلم.

وأن يكون المعنى من ذلك أى : لا تغتروا بظاهر أحوالكم فى الدنيا ، وبما تنالون من النافع بالذى أظهرتم من موافقة المؤمنين ، كاغترار من ذكرت بجنسه فى خاص ما عليه حاله إلى أن صار إلى ما أراه الله من عاقبته أنه يود عنه نهاية ذلك ، أن لم يكن منه الاغترار فى ذلك ، ولكن كان قيامه على ما لا يضيع عنه ذلك بتلك الحال ؛ فيخرج ذا على ضرب المثل للمنافق.

ويحتمل : أن يكون ذلك مثلا لمن كفر بمحمد صلى‌الله‌عليه‌وسلم ممن يؤمن بالبعث ، أن الذى ينال بالكفر به من الرئاسة والعز ، كالذى ذكر من صاحب الجنة أنه لا يود ذلك الابتداء بما يعلم تلك العاقبة ؛ فكذا (١) ما ينبغى لهم إذ بين لهم عواقب الكفر بمحمد صلى‌الله‌عليه‌وسلم أن يؤثروا الذى نالوا بعد علمهم بشدة تلك العاقبة. والله أعلم.

والمثل خرج على غير ذكر الجواب فيه ؛ لما قد جرى له البيان لعلمه بالمبعوث مبينا أو بما فى الحال التى لها نزول الآية دليل التعريف ، أو بما أراد الله امتحان السامعين بالتأمل فى الآية لينال كل ذى عقل فضله ، وليكرم به أهل التدبر فى آياته فى صرف وجوه من دونهم إليهم فى الصدور عن آرائهم والاعتماد على إشارتهم. والله أعلم.

وجملة ذلك : أن أفعال ذوى الاختيار تكون للعواقب ، وما إليه مرجع الفاعل مقصود فى الابتداء ، فبين لمن أغفل عنه بالذى عرف من حيرة المسرور بجنته لما انكشفت له عاقبتها حتى لعله يود أن لم يكن له تلك ، ليكون سروره بما يحمد عاقبته. فعلى هذا الأمر : الأفعال التى يغفل عن عواقبها إذا صار إليها صاحبها. والله الموفق.

قوله تعالى : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَنْفِقُوا مِنْ طَيِّباتِ ما كَسَبْتُمْ وَمِمَّا أَخْرَجْنا لَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ وَلا تَيَمَّمُوا الْخَبِيثَ مِنْهُ تُنْفِقُونَ وَلَسْتُمْ بِآخِذِيهِ إِلاَّ أَنْ تُغْمِضُوا فِيهِ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللهَ غَنِيٌّ حَمِيدٌ (٢٦٧) الشَّيْطانُ يَعِدُكُمُ الْفَقْرَ وَيَأْمُرُكُمْ بِالْفَحْشاءِ وَاللهُ يَعِدُكُمْ مَغْفِرَةً مِنْهُ وَفَضْلاً وَاللهُ واسِعٌ عَلِيمٌ (٢٦٨) يُؤْتِي الْحِكْمَةَ مَنْ يَشاءُ وَمَنْ يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْراً كَثِيراً وَما يَذَّكَّرُ إِلاَّ أُولُوا الْأَلْبابِ (٢٦٩) وَما أَنْفَقْتُمْ مِنْ نَفَقَةٍ أَوْ نَذَرْتُمْ مِنْ نَذْرٍ فَإِنَّ اللهَ يَعْلَمُهُ وَما لِلظَّالِمِينَ مِنْ

__________________

(١) فى ب : فعلى.

٢٥٨

أَنْصارٍ (٢٧٠) إِنْ تُبْدُوا الصَّدَقاتِ فَنِعِمَّا هِيَ وَإِنْ تُخْفُوها وَتُؤْتُوهَا الْفُقَراءَ فَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَيُكَفِّرُ عَنْكُمْ مِنْ سَيِّئاتِكُمْ وَاللهُ بِما تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ)(٢٧١)

وقوله : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَنْفِقُوا مِنْ طَيِّباتِ ما كَسَبْتُمْ وَمِمَّا أَخْرَجْنا لَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ وَلا تَيَمَّمُوا الْخَبِيثَ مِنْهُ تُنْفِقُونَ وَلَسْتُمْ بِآخِذِيهِ إِلَّا أَنْ تُغْمِضُوا فِيهِ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللهَ غَنِيٌّ حَمِيدٌ).

فيه دليل وجوب الزكاة فى أموال التجارة بقوله : (ما كَسَبْتُمْ) ؛ لأن أموال التجارة هى التى تكتسب ، وليس فى كتاب الله تعالى بيان وجوب الزكاة فى أموال التجارة فى غير هذا الموضع ، وليس فيه سنة عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، ولكن ذكر عن بعض الصحابة ـ رضى الله تعالى عنهم ـ القول به ؛ فيحتمل أن يكون ما قالوا قالوا بهذه الآية. وأما زكاة الفضة ، والذهب ، والمواشى فيما لها ذكر فى الكتاب والسنة ، فالزكاة تجب فيها لعينها ، اكتسب فيها أو لم يكتسب. وأما أموال التجارة فإن الزكاة تجب فيها بالاكتساب. وفيه دليل أن النفقة المذكورة فيه لازمة واجبة ؛ لأنه قال : (إِلَّا أَنْ تُغْمِضُوا فِيهِ) ، ذكر الإغماض ، والإغماض لا يذكر فى المعروف ، إنما يذكر فى اللازم والواجب الذى لا مخرج له عنه إلا بالأداء ، إلا عن عفو وصفح والرضاء بدون الحق ـ ثبت أنه على اللزوم.

وفيه دليل وجوب الحق فى الرطاب والخضراوات ؛ لأنه ذكر فى الآية المخرج ، والرطاب هى التى تخرج من الأرض. وأما الحبوب إنما تخرج من الأصل الذى يخرج من الأرض ؛ لذلك كان الرطاب والخضراوات أولى بوجوب الحق من غيره بظاهر الآية.

قال الشيخ ـ رحمه‌الله تعالى ـ : والوجوب فى الحبوب بما كانت تخرج من الحقوق ، والحقوق بظاهر هذه الوجوه فى التى تخرج من الأرض. وأما أبو يوسف ومحمد ـ رحمهما‌الله تعالى ـ فإنهما قالا : يحتمل قوله : (أَخْرَجْنا لَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ) ، يعنى من الأصل الذى يخرج لكم من الأرض ، كقوله تعالى : (يا بَنِي آدَمَ قَدْ أَنْزَلْنا عَلَيْكُمْ لِباساً يُوارِي سَوْآتِكُمْ وَرِيشاً) [الأعراف : ٢٦] ، ولا ينزل من السماء اللباس كما هو ، ولكن أراد الأصل الذى به يكون اللباس ، وكذلك قوله : (خَلَقَكُمْ مِنْ تُرابٍ) [فاطر : ١١] ، وهو لم يخلقنا من التراب ، وإنما خلق الأصل من التراب ، وهو آدم ـ عليه‌السلام ـ فعلى ذلك الأول. والله أعلم.

والوجه فيه : أنه منّ الله تعالى علينا بما أخرج لنا من الأرض من أنواع ما أخرج بحبة تلقى فى الأرض فتفسد فيها ، فيخرج منها النبات بلطفه ، لا صنع لأحد فيها. وتلك المنة لا تكون على أربابها خاصة دون الفقراء أو بل هى على الفقراء كهى على أربابها ؛ لأنه أخرجه رزقا للكل ، ففيه حق الفقراء والأغنياء جميعا. ومن ثم جاز وجوب العشر على

٢٥٩

الفقير (١) ؛ ألا ترى إلى قوله تعالى : (أَفَرَأَيْتُمْ ما تَحْرُثُونَ أَأَنْتُمْ تَزْرَعُونَهُ أَمْ نَحْنُ الزَّارِعُونَ) [الواقعة ٦٣ ، ٦٤] وقوله : (فَأَنْبَتْنا بِهِ حَدائِقَ ذاتَ بَهْجَةٍ ما كانَ لَكُمْ أَنْ تُنْبِتُوا شَجَرَها) [النمل : ٦٠] ، قيل : أأنتم تنبتونه أم نحن المنبتون؟ وأما ما بعد النبات فيشترك العباد فيه بالسقى والحفظ وغيره ؛ لذلك كان ما ذكرنا. والله أعلم.

وفى قوله تعالى : (وَلا تَيَمَّمُوا الْخَبِيثَ مِنْهُ تُنْفِقُونَ وَلَسْتُمْ بِآخِذِيهِ إِلَّا أَنْ تُغْمِضُوا فِيهِ) ، دلالة على ألا يتصدق بالردىء عن الجيد. فإذا تصدق به يلزمه فضل ما بين الردىء إلى الجيد ، على قول محمد ـ رحمه‌الله تعالى ـ بظاهر قوله : (وَلَسْتُمْ بِآخِذِيهِ إِلَّا أَنْ تُغْمِضُوا فِيهِ). وعند أبى حنيفة وأبى يوسف ـ رضى الله تعالى عنهما ـ : يجوز ولا يختار له ذلك ؛ وذلك أن الله ـ تعالى ـ أطمع الناس قبول ذلك إذا تغامضوا ، فهو أحق أن يطمع فيه القبول لكرمه ولطفه ؛ ولأنه ليس لصفة ما يكال ويوزن من نوعه قيمة ، فإذا لم تكن له قيمة لا يلزمه فضل الصفة.

وقوله تعالى : (الشَّيْطانُ يَعِدُكُمُ الْفَقْرَ وَيَأْمُرُكُمْ بِالْفَحْشاءِ وَاللهُ يَعِدُكُمْ مَغْفِرَةً مِنْهُ وَفَضْلاً وَاللهُ واسِعٌ عَلِيمٌ).

قوله : (يَعِدُكُمُ الْفَقْرَ) فى الدنيا بالتصدق والإنفاق ، (وَيَأْمُرُكُمْ بِالْفَحْشاءِ) بترك الصدقة.

ويحتمل : (يَعِدُكُمُ الْفَقْرَ) ، فى الدنيا بطول الأمل وفناء المال ، (وَيَأْمُرُكُمْ بِالْفَحْشاءِ) بسوء الظن بربه.

(وَاللهُ يَعِدُكُمْ مَغْفِرَةً مِنْهُ) بالصدقة ، و (وَفَضْلاً) ذكرا فى الدنيا.

ويحتمل قوله : (وَاللهُ يَعِدُكُمْ مَغْفِرَةً مِنْهُ) فى الآخرة ، و (وَفَضْلاً) فى الدنيا ، يعنى خلفا.

وقيل (٢) : (مَغْفِرَةً) لفحشائكم ، و (وَفَضْلاً) لفقركم.

وقوله : (وَاللهُ واسِعٌ عَلِيمٌ) أى : غنى يقدر إخلاف ما أنفقتم ، (عَلِيمٌ) بجزاء صدقاتكم.

ويحتمل : (عَلِيمٌ) ما تنفقون من الصدقة والحسنة.

وفى قوله : (وَاللهُ واسِعٌ عَلِيمٌ) و (اللهَ غَنِيٌّ حَمِيدٌ) ، ونحوه [دلالة أن الله ـ تعالى ـ](٣) إنما رغب الناس على الصدقات والنفقات ابتلاء ومحنة منه ، لا حاجة وفقرا.

__________________

(١) فى أ ، ط : الصغير.

(٢) قاله قتادة ، أخرجه ابن جرير عنه (٦١٦٨).

(٣) فى ب : ليعلموا أنه.

٢٦٠