نهاية الوصول إلى علم الأصول - ج ٣

الحسن بن يوسف بن علي المطّهر [ العلامة الحلّي ]

نهاية الوصول إلى علم الأصول - ج ٣

المؤلف:

الحسن بن يوسف بن علي المطّهر [ العلامة الحلّي ]


المحقق: الشيخ ابراهيم البهادري
الموضوع : أصول الفقه
الناشر: مؤسسة الإمام الصادق عليه السلام
المطبعة: مؤسسة الإمام الصادق عليه السلام
الطبعة: ١
ISBN: 964-357-238-2
ISBN الدورة:
978-964-357-238-0

الصفحات: ٦٥٦

فإن قيل : نمنع عمل بعض الصحابة على وفق الخبر. ودعوى الضرورة ممنوعة ؛ قال المرتضى (١) : الضرورة يجب اشتراكها مع الاشتراك في طريقها. والإمامية وكلّ مخالف في خبر الواحد من النظّام وجماعة من مشايخ المتكلّمين يخالفونهم فيما ادّعوا فيه الضرورة ، مع امتزاجهم بأهل الاخبار ، ويحلفون على انتفاء العلم ، بل والظن ، ولا يمكن تكذيبهم للمعارضة بالمثل.

والاستدلال ضعيف ، لأنّ الروايات الّتي ذكرتموها وإن بلغت المائة والمائتين فهي غير بالغة حدّ التواتر ، فلا تفيد العلم ، فيرجع الكلام إلى إثبات خبر الواحد بخبر الواحد.

سلّمنا صحّة الروايات ، لكن نمنع العمل بتلك الأخبار ، فجائز أن يعملوا بما يذكروه من الأدلّة ووجوب ذكر المستند وإن كان ظاهرا ، لكن القطع بوجوبه ممنوع ، والمسألة قطعية فلا تبنى على الظن.

سلّمنا ، لكن نمنع عدم الإنكار ، فإنّ النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم توقّف عن خبر ذي اليدين ، إلى أن شهد له أبو بكر وعمر ؛ وردّ أبو بكر خبر المغيرة في توريث الجدّة إلى أن أخبره محمد بن مسلمة ؛ وردّ أبو بكر وعمر خبر عثمان فيما رواه من إذن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في ردّ الحكم بن أبي العاص حين طالباه بمن يشهد معه به ؛ وردّ عمر خبر أبي موسى الأشعري حتى شهد له أبو سعيد الخدري ؛ وردّ عمر خبر فاطمة بنت قيس ؛ وردّ علي عليه‌السلام خبر أبي سنان

__________________

(١) نقله عنه الرازي في المحصول : ٢ / ١٨٥.

٤٠١

الأشجعي ، وظهر عنه تحليف الرواة ؛ وردّت عائشة خبر ابن عمر في تعذيب الميت ببكاء أهله ؛ ومنع عمر أبا هريرة من الرواية.

سلّمنا ، لكن السكوت إنّما يدلّ على الإجماع لو وقع عن الرضا ، وهو ممنوع.

سلّمنا لكن الإجماع ليس على قبول كلّ الأخبار ، بل على البعض ولا يلزم التعميم ، لاحتمال أن يأمر الله تعالى بقبول نوع منها دون الباقي ، ولمّا لم ينقل ذلك النوع المجمع على قبوله لم يعرف ، فلا نوع إلّا ويجهل حاله هل هو المجمع عليه أو لا؟ فيجب التوقّف في الكلّ.

سلّمنا ، لكن لا يلزم من جواز العمل به للصحابة جوازه لنا.

والفرق أنّ الصّحابة شاهدوا الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وعرفوا مجاري كلامه ومناهج أموره وإشاراته ، وعرفوا أحوال الرواة في العدالة وعدمها ، وما يوجب العدالة من الأفعال وينافيها. فيكون ظنّهم بصدق الراوي أقوى من ظن من لم يشاهد النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، ولا عرف أحوال الرواة إلّا بالروايات المتباعدة والوسائط الكثيرة. ولا يستلزم الإجماع على قبوله عند الظن القوي الإجماع على قبوله عند الظنّ الضعيف.

لا يقال : كلّ من قال بقبول نوع قال بقبول الجميع.

لأنّا نقول : هذه الحجّة تنفع في زمن التابعين ، وقد تقدّم في باب الإجماع تعذّر العلم به لكثرة المسلمين وتفرّقهم في الشرق والغرب.

والجواب : النقل المتواتر حصل بحضور أبي بكر مع الأنصار يوم

٤٠٢

السقيفة وتمسّكه بقوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «إنّ الأئمة من قريش» ولم ينكر عليه أحد.

وقول المرتضى (١) : إنّ النظّام والمعتزلة والقاساني والإمامية ينكرون العلم. والظن ممنوع.

والنظّام لم ينكر ذلك بل قال : إجماع الصحابة ليس حجّة ، وكذا سائر شيوخ المعتزلة.

وأمّا الإمامية فالأخباريّون منهم ، مع أنّ كثرتهم في قديم الزمان ما كانت إلّا منهم ، لم يعوّلوا في أصول الدين وفروعه إلّا على أخبار الآحاد المروية عن الأئمة عليهم‌السلام.

والأصوليون منهم كأبي جعفر الطوسي (٢) وغيره وافقوا على قبول خبر الواحد ، ولم ينكر سوى المرتضى (٣) وأتباعه ، لشبهة حصلت لهم منعتهم من اعتقاد الضرورة.

والعمل بتلك الأخبار ظاهر للضرورة القاضية بأنّ الجمع العظيم إذا اشتبه عليهم أمر من الأمور ، ثمّ إنّهم عند سماع شيء يوهم أنّه هو الدليل يذكرون شيئا آخر هو الدّليل حقيقة ، فإنّه يستحيل اتّفاقهم على السكوت عن ذلك الدّليل ، ورفع ذلك الوهم الباطل.

قوله : من الصحابة من رد خبر الواحد.

__________________

(١) نقله عنه الرازي في المحصول : ٢ / ١٨٨.

(٢) عدة الأصول : ١ / ١٠٠.

(٣) الذريعة في أصول الشريعة : ٢ / ٩٨.

٤٠٣

قلنا : الذين نقلتم عنهم الرد نقلنا عنهم القبول ، والتوفيق قبول الخبر مع شرائط مخصوصة وردّه لا معها.

ولأنّ الروايات الّتي ذكرتموها للرد تضمّنت قبول خبر الاثنين والثلاثة ، وهو المطلوب ، لأنّه لم يخرج بذلك عن الآحاد.

[الوجه] العاشر : الإجماع على قبول الخبر الّذي لا يعلم صحّته في الفتوى والشهادة ، فكذا في الرواية يجامع تحصيل المصلحة المظنونة ، أو دفع المفسدة المظنونة ؛ بل الرواية أولى بالقبول من الفتوى ، لأنّ الفتوى إنّما تجوز إذا سمع المفتي دليل ذلك الحكم وعرف كيفية الاستدلال به ، وهو دقيق يغلط فيه الأكثر. والرواية تحتاج الى السماع ، فهي أحد أجزاء الفتوى ، فهي أولى بالقبول.

لا يقال : إنّه قياس فلا يفيد اليقين ، ثمّ الفرق أنّ العمل بخبر الواحد يقتضي صيرورة ذلك الحكم شرعا عاما في حقّ الكلّ ، والشهادة والفتوى ليس كذلك ، ولا يلزم من تجويز العمل بالظنّ الذي قد يخطئ في حقّ الواحد تجويزه في حقّ الكلّ ؛ ولأنّ العمل بالفتوى ضروري ، إذ لا يمكن تكليف كلّ أحد في كلّ واقعة بالاجتهاد ، وكذا الشهادة ضرورية في الشرع ، ليتميّز الحق عن الباطل ؛ أمّا العمل بخبر الواحد فغير ضروري للرجوع إلى البراءة الأصلية فيما لم يوجد فيه دليل قاطع ، ولا يلزم من جواز العمل بالظن عند الضرورة جواز العمل به عند عدمها.

لأنّا نقول : نعم هو قياس ظنّي والفرق الأوّل ملغى بشرعية أصل الفتوى ، فإنّه أمر لكلّ الخلق باتّباع الظّن ، والثاني ضعيف ، إذ لا ضرورة في

٤٠٤

الرجوع إلى الشهادة والفتوى ، لإمكان الرجوع الى البراءة الأصلية.

الحادي عشر : العمل بخبر الواحد يقتضي دفع ضرر مظنون ، لأنّ العدل إذا أخبر بأنّ الرّسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أمر بفعل ، حصل ظنّ بالأمر ، ومخالفة الأمر سبب لاستحقاق العقاب. فيحصل ظن استحقاق العقاب مع المخالفة ، فالعمل به يقتضي دفع الضرر المظنون ، ودفع الضرر المظنون واجب بالضرورة ، فيجب العمل به ، لأنّه لا يمكن العمل بالمرجوح ، لاستحالة ترجيح المرجوح ، ولا بهما ولا تركهما.

الثاني عشر : احتجاج أبي الحسين (١) وجماعة من المعتزلة أنّ العقلاء يعلمون وجوب العمل بخبر الواحد في العقليات ، ولا يجوز أن يعلموا وجوب ذلك إلّا وقد علموا علّة وجوبه ، ولا علّة لذلك سوى أنّهم ظنّوا بخبر الواحد تفصيل جملة معلومة بالعقل.

وبيانه : أنّه قد علم بالعقل وجوب التحرز من المضار ، وحسن اجتلاب المنافع ، فإذا ظننّا صدق من أخبرنا بالمضرّة إن لم نشرب دواء معينا ، أو لا نقوم من تحت حائط مستهدم ، فقد ظننّا تفصيلا لما علمناه جملة من وجوب التحرّز من المضار وبيان أنّ العلّة للوجوب ما ذكرناه دورانه معها وجودا وعدما ، وهو بعينه موجود في خبر الواحد في الشرعيات ، فوجب العمل به. وذلك لأنّا علمنا في الجملة وجوب الانقياد للنبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فيما يخبرنا به من مصالحنا ودفع المضار عنّا ، فإذا ظننا بخبر الواحد أنّ

__________________

(١) المعتمد في أصول الفقه : ٢ / ١٠٦ ـ ١٠٧.

٤٠٥

النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قد دعانا إلى الانقياد له في فعل أخبر أنّه مصلحة ، وخلافه مضرة ، فقد ظننا تفصيل ما علمناه في الجملة ، فوجب العمل به.

واعترض أبو الحسين (١) نفسه بأنّه وجب قبول الخبر في العقليات ، لأنّه لا يغلب على الظن وصول المضرّة إليه إذا قبلناه ، بل يغلب على الظن وصولها إذا لم يقبله ؛ وليس كذلك الشرعيات ، لأنّه لا يغلب على ظنّنا وصول المضرّة إذا لم يقبل خبر الواحد ، بل لا نأمن أن يؤاخذنا المتعبّد لنا إذا قبلنا خبر الواحد.

وأجاب بأنّ كلامنا في خبر مظنون الصدق لدينه وأمانته ، وخبر من هذه سبيله في الشرعيات يساوي خبره في العقليات ، لأنّه وارد بتفصيل الانقياد للنبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وذلك يقتضي أن يغلب على ظنّنا وصول المضرّة إلينا إن لم يقبل خبره ويؤمننا من مؤاخذة المتعبّد إذا قبلناه.

واعترض قاضي القضاة (٢) على قياس خبر الواحد في الشرعيات على قبوله في العقليات والمعاملات ، بأنّ المعاملات مبنيّة على غالب الظنّ ، والشرعيات مبنيّة على المصالح ، فإذا لم يأمن كذب المخبر لم يأمن أن يكون فعلنا ما أخبرنا به مفسدة.

وأجاب أبو الحسين بأنّ قوله : «المعاملات مبنية على غالب الظن» هو الحكم الّذي ظننّا علّته ، وقسنا بها خبر الواحد في الشرعيات على المعاملات ، فلا ينبغي أن يفرق بينهما بذلك ، لأنّا نكون قد فرّقنا بين

__________________

(١) المعتمد في أصول الفقه : ٢ / ١٠٨.

(٢) ذكر الاعتراض وأجاب عنه أبو الحسين في المعتمد : ٢ / ١٠٩.

٤٠٦

المسألتين بنفس الحكم والمصالح ، وإن كانت معتبرة في الشرعيات ؛ فالمضار والمنافع هما المعتبران في العقليات والمعاملات ، لأنّا إنّما ننحو بما نفعله نحو المنافع والخلاص من المضار ، كما أنّا ننحو بالشرائع تحصيل المصالح ، ولأجلها وجبت ، فإذا قام غالب الظنّ في المنافع والمضار العقلية مقام العلم ، مع تجويز كذب المخبر ، فكذلك غالب الظن بصدق المخبر في الشرعيات. ولو جاز أن لا يقبل خبر الواحد في الشرعيات بجواز كذب المخبر ، فيكون ما أخبرنا به مفسدة ، جاز أن لا يقبل خبر الواحد في العقليات لجواز كذب المخبر ، فيلحقنا المضرّة في اتّباعه ، على أنّ قوله : «لا نأمن أن يكون المخبر كاذبا فنكون باتباعه فاعلين للمفسدة» يقتضي المنع من ورود التعبّد بقبول خبره ، لأنّ فعل ما لا نؤمن كونه مفسدة قبيح.

واعترض أيضا قاضي القضاة بأنّ العمل على غالب الظنّ في دفع المضار في الدنيا هو الأصل للعمل على العلم بدفع المضار ، لأنّ أمور الدنيا المستقبلة غير معلومة ، وإنّما هي مظنونة ، ولا يمكن أن يقال : أمور الدين المظنونة هي الأصل لأمور الدين المعلومة.

قال أبو الحسين : إنّه فرق لا يؤثّر في وجه الجمع الّذي ذكرناه ، لأنّه لا يجب إذا أشبه الظن لأمور الدين الظن لأمور الدنيا في وجوب العمل عليها أن يشتبها في كل وجه ، بل لا يمتنع أن يجب العمل عليهما ، ويكون العمل على الظن في الدنيا أصلا للعمل على العلم في أمور الدنيا ، وعلى العمل (١)

__________________

(١) في المصدر : وللعمل.

٤٠٧

على الظن في أمور الدين (ويكون العمل على العلم في أمور الدّين) (١) أصلا بنفسه. (٢)

الثالث عشر : صدق الواحد في خبره ممكن ، فلو لم يعمل به لكنّا تاركين لأمر الله تعالى وأمر رسوله ، وهو خلاف ما يقتضيه الاحتياط.

اعترض (٣) بأنّ صدق الراوي وإن كان ممكنا فلم قلتم بوجوب العمل به ، والاحتياط بالأخذ بقوله وإن كان مناسبا ولكن لا بدّ له من شاهد بالاعتبار ، ولا شاهد له سوى خبر التواتر وقول الواحد في الفتوى والشهادة ، ولا يمكن القياس على الأوّل ، لإفادته العلم ، ولا يلزم من إفادته للوجوب إفادة الظنّي له ، ولا على الثاني ، لأنّ براءة الذمّة معلومة ، وهي الأصل ، وغاية قول الشاهد والمفتي ، إذا غلب على الظنّ صدقه مخالفة البراءة الأصلية بالنظر إلى شخص واحد ، ولا يلزم من العمل بخبر الشاهد والمفتي مع مخالفة البراءة الأصلية بالنظر إلى شخص واحد من العمل بخبر الواحد المخالف لبراءة الذمة بالنظر إلى جميع الأشخاص.

الرابع عشر : إذا وقعت واقعة ولم يجد المفتي سوى خبر الواحد ، فلو لم يحكم به لتعطّلت الواقعة عن حكم الشرع ، وذلك ممتنع. (٤)

اعترض بإمكان الخلو مع عدم دليل الحكم ، ولهذا فإنّه لو لم يظفر

__________________

(١) ليس في المصدر.

(٢) ذكر الاعتراض والجواب عنه أبو الحسين في المعتمد في أصول الفقه : ٢ / ١١٠.

(٣) ذكره الآمدي في الإحكام : ٢ / ٦٧.

(٤) ذكره الآمدي في الإحكام : ٢ / ٦٧.

٤٠٨

المفتي في الواقعة بدليل ولا خبر الواحد ، فإنّه لا يمتنع خلو الواقعة عن الحكم الشرعي والرجوع إلى البراءة الأصلية ، وعلى هذا فامتناع خلو الواقعة عن الحكم الشرعي عند الظنّ بخبر الواحد يتوقّف على كون الخبر الواحد حجّة ودليلا ، وكونه حجّة يتوقّف على امتناع خلو الواقعة مع وجوده عن الحكم الشرعي ، وهو دور ممتنع. كيف وإنّا لا نسلّم خلوّ الواقعة عن الحكم الشرعي ، فإنّ حكم الله تعالى عند عدم أدلّة إثبات الحكم الشرعي نفى ذلك الحكم ومدركه شرعي فإنّ انتفاء مدرك الشرع بعد ورود الشرع مدرك شرعي لنفي الحكم.

وفيه نظر ، فإنّ المعتزلة منعوا من خلو واقعة ما عن الحكم الشرعي ، فلا يكون ثبوته متوقّفا على الدليل ، فلا دور ؛ وجعل حكم الله تعالى عند عدم أدلّة إثبات الحكم الشرعي نفي ذلك الحكم وإنّ مدركه شرعي يشتمل على التناقض ؛ بل الوجه أن يقال : إنّ كلّ واقعة فيها حكم شرعي من جملته الإباحة ، وله مدرك شرعي من جملته البراءة الأصلية.

الخامس عشر : لو لم يجب قبول خبر الواحد ، لتعذّر تحقيق بعثة الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إلى جميع أهل العصر ؛ والتالي باطل إجماعا ، ولقوله تعالى : (لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ)(١) ، فالمقدّم مثله.

بيان الشرطية : أنّه لا طريق إلى تعريف أهل العصر إلّا بالمشافهة أو الرسل ؛ والمشافهة متعذّرة في حقّ الجماعة والرسالة إمّا بالتواتر أو الآحاد.

__________________

(١) النحل : ٤٤.

٤٠٩

والأوّل متعذّر في حق الكلّ ، فتعيّن الثاني ، فلو لم يكن خبر الواحد مقبولا لما تحقّق معنى التبليغ والرسالة إلى جميع الخلائق.

اعترض (١) بأنّه إنّما يمتنع ذلك أن لو كان التبليغ إلى كلّ من في عصره واجبا ، وأن كلّ من في عصره مكلّف بما بعث به ، وليس كذلك ، بل إنّما هو مكلّف بالتبليغ إلى من يقدر على إبلاغه إمّا بالمشافهة أو بخبر التواتر. وكذا كلّ واحد من الأمّة إنّما كلّف بما أرسل به الرسول إذا علمه ، وأمّا مع عدم علمه به فلا ، ولهذا فإنّ الموجودين في البلاد البعيدة والجزائر المنقطعة ، ولا سبيل إلى إعلامهم ، لم يكن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم مكلفا بتبليغهم ، ولا كلّ واحد منهم كان مكلّفا بما أرسل به.

وليس بجيد ، لأنّ بعثته صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عامّة بالنسبة إلى كلّ المكلفين ؛ لقوله تعالى : (وَما أَرْسَلْناكَ إِلَّا كَافَّةً لِلنَّاسِ)(٢).

وقوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «بعثت إلى الأسود والأحمر». (٣)

ولثبوت المقتضي ، وهو وجوب اللطف المستند إلى البعثة في حقّهم.

وغير ذلك من الأدلّة فخبر الواحد طريق إلى إثبات الحكم في الفروع ، وإلى وجوب البحث والنظر والطلب في الأصول.

احتجّ المخالف بوجوه (٤) :

__________________

(١) ذكره الآمدي في الإحكام : ٢ / ٦٩.

(٢) سبأ : ٢٨.

(٣) تفسير ابن كثير : ٣ / ٥٤٧ ؛ فتح الباري : ١١ / ٦٢.

(٤) ذكر الرازي الوجوه الأربعة الأولى مع الأجوبة عنها في المحصول : ٢ / ١٩١ ؛ والآمدي ذكر الوجوه الثلاثة الأخيرة والأجوبة عنها في الإحكام : ٢ / ٧٩.

٤١٠

الأوّل : قوله تعالى : (وَلا تَقْفُ ما لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ)(١) ، (إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَ)(٢) ، (وَإِنَّ الظَّنَّ لا يُغْنِي مِنَ الْحَقِّ شَيْئاً)(٣) ، (وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللهِ ما لا تَعْلَمُونَ)(٤) ، وغير ذلك من الآيات الدالّة على منع اتّباع الظن والعمل به وذمّ الصائر إليه.

الثاني : لو جاز أن يقول تعالى : مهما غلب على ظنّكم صدق الراوي فاعملوا بخبره ، جاز أن يقول : مهما غلب على ظنّكم صدق المدّعي للرسالة فاقبلوا شرعه وأحكامه ، لأنّا في كلتا الصورتين نكون عاملين بدليل قطعي ، وهو إيجاب الله تعالى علينا العمل بالظنّ ، أو إيجاب العقل علينا ذلك ، لكن التالي باطل فكذا المقدّم.

الثالث : لو جاز التعبد بخبر الواحد في الفروع لجاز التعبد به في الأصول حتى يكتفي في معرفة الله تعالى بالظنّ.

الرابع : الشرعيات مصالح ، والخبر الّذي يجوز كذبه لا يجوز التعويل عليه في تحصيل المصالح.

لا يقال : يجوز أن تكون المصلحة هي إيقاع ذلك الفعل المظنون.

لأنّا نقول : كون الفعل مصلحة إمّا أن يكون سبب ذلك الظن ، أو لا بسببه.

__________________

(١) الإسراء : ٣٦.

(٢) الأنعام : ١١٦.

(٣) النجم : ٢٨.

(٤) البقرة : ١٦٩.

٤١١

والأوّل باطل ، لأنّه لو جاز أن يؤثّر ظنّنا في صيرورة ما ليس بمصلحة مصلحة لجاز أن يؤثّر ظنّنا بمجرد التشهّي في ذلك ، حتى يحسن من الله تعالى أن يقول : أطلقت لك أن تحكم بمجرّد التشهّي من غير دليل ولا أمارة ، وهو معلوم البطلان.

وأمّا الثاني فإذا لم يكن وصف المصلحة تابعا لظنّنا ، جاز أن يكذب الظنّ ، فيكون الإذن في العمل بالظنّ إذنا في فعل ما لا يجوز فعله ، وهو باطل.

الخامس : الأصل براءة الذمّة من الحقوق والعبادات وتحمّل المشاق ، وهو مقطوع به ، فلا يجوز مخالفته بالمظنون الّذي يجوز كذبه.

السادس : العلم بخبر الواحد يفضي إلى تركه ، (١) فإنّه ما من خبر إلّا ويجوز أن يكون معه خبر آخر مقابل له.

السابع : قبول خبر الواحد تقليد له ، فلا يجوز للمجتهد تقليد ذلك الواحد ، كما لا يجوز تقليده لمجتهد آخر.

والجواب عن الأوّل أنّ الذم إنّما هو على اتّباع الظنّ في مسائل الأصول ، لأنّه ذمّ للكفّار لا في مسائل الفروع ، وأيضا فإنّه مخصوص بالفتوى والشهادة والأمور الدّنيوية ، فإنّ من أخبر «هذا الطعام مسموم» وحصل ظنّ صدقه لم يجز له تناوله ، وبه تنتقض الوجوه الباقية.

ونمنع الملازمة في الثاني ، ولا جامع لهم فيه مع قيام الفرق ، أمّا أوّلا :

__________________

(١) أي ترك العمل بخبر الواحد.

٤١٢

فلأنّ الرسالة عامّة ، وأمّا ثانيا : فلأنّ دليل الصدق القطعي ممكن ، وهو ظهور المعجزة بخلاف خبر الواحد.

وينتقض الثالث بالفتوى والشهادة ، ويفرّق بأنّ المطلوب في الأصول العلم دون الفروع.

ونمنع الملازمة في الرابع لانتفاء التكليف على تقدير استناد الأحكام إلى التشهّي دون اتّباع الظنّ عند الخبر ، ولأنّ الإذن في المرجوح قبيح عقلا ، فتعيّن الراجح.

ونمنع الحكم في الخامس فإنّ أصالة البراءة بعد التكليف مظنون لا معلوم وينتقض بالفتوى والشهادة.

ونمنع الحكم في السادس فإنّ تجويز المعارض لا يمنع من التمسّك بالدليل ، وإلّا لما ساغ التمسّك بظواهر الكتاب العزيز والسنّة المتواترة ، إذ كلّ دليل يحتمل نسخ حكمه وتخصيصه.

وعن السابع : أنّ العمل بالرواية ليس تقليدا للراوي بل للمروي عنه.

سلّمنا لكن انّما لم يجز للعالم تقليد مثله لاستوائهما في درجة الاجتهاد ، وليس تقليد أحدهما أولى من الآخر ؛ ولا كذلك المجتهد مع الراوي ، فإنّهما لم يستويا في معرفة ما استند بمعرفة الراوي من الخبر ، ولذلك وجب عليه تقليده فيما رواه.

٤١٣

الفصل السادس

في شرائط الراوي

وفيه مباحث

الأوّل : البلوغ

لمّا بيّنا وجوب العمل بخبر الواحد ، فاعلم أنّه ليس كلّ خبر بمقبول ، بل ما جمع شرائط يرجع إلى الراوي وإلى غيره ، والراجع إلى الراوي خمسة ينظمها شيء واحد كونه بحيث يكون اعتقاد صدقه راجحا على اعتقاد كذبه.

١. العقل ، فلا عبرة برواية المجنون والصبي غير المميّز إجماعا.

٢. البلوغ.

٣. الإسلام.

٤. العدالة.

٥. الضبط.

ولا نعني بالقبول التصديق ، ولا بالرّد التكذيب ، بل يجب علينا

٤١٤

قبول قول العدل ، وربّما كان كاذبا أو غالطا ، وردّ قول الفاسق وقد يكون صادقا ؛ بل نعني بالمقبول ما يجب العمل به ، وبالمردود ما لا تكليف علينا في العمل به.

إذا عرفت هذا فنقول : الصبي المميّز لا تقبل روايته ، لأنّ الفاسق لا تقبل روايته ، فأولى أن لا تقبل رواية الصبي ، فإنّ الفاسق يخاف الله والصبي لا يخاف الله تعالى لانتفاء التكليف في حقّه.

ولأنّه لا يحصل الظنّ بقوله ، فلا يجوز العمل به ، كالخبر عن الأمور الدنيوية.

ولأنّ الصبي إن لم يكن مميّزا لم يتمكّن من الاحتراز عن الخلل ، ولم تحصل الثقة بإخباره ، وإن كان مميزا عرف أنّه غير مكلف وأنّه لا زاجر له عن الكذب ، فلا يحترز عنه.

لا يقال : يقبل قول الصبي في إخباره عن كونه متطهّرا حتى يجوز الاقتداء به في الصلاة.

لأنّا نقول : نمنع الاقتداء به أوّلا.

سلّمنا ، لكن صحّة صلاة المأموم ليست موقوفة على صحّة صلاة الإمام.

إذا ثبت هذا فنقول : إنّما يعتبر البلوغ عند الأداء لا التحمّل ، فلو كان صبيّا وقت التحمّل ، بالغا عند الرواية وضبط ما سمعه طفلا ، قبلت روايته بوجوه (١) :

__________________

(١) ذكر هذه الوجوه أيضا الرازي في المحصول : ٢ / ١٩٤ ؛ والآمدي في الإحكام : ٢ / ٨٤.

٤١٥

الأوّل : إجماع الصحابة على قبول رواية ابن عباس وابن الزبير والنعمان بن بشير ، ولم يفرّقوا بين ما يحملوه وقت البلوغ أو بعده.

وفيه نظر ، لأنّ ترك الاستفصال يحتمل أن يكون بناء على الظاهر من حال الراوي وعدالته المقتضية لجواز الرواية ، ويكون من مذهبه جواز الرواية مع الصغر حالة التحمّل لا باعتبار جواز القبول.

الثاني : إجماع الكلّ على إحضار الصبيان مجالس الرواية. ولو لا قبول الرواية لم يكن فيه فائدة.

وفيه نظر ، لجواز أن تكون الفائدة التمرين.

الثالث : إقدامه على الرواية حال البلوغ يدلّ على ضبطه للحديث الّذي سمعه حال الصغر.

الرابع : الإجماع على قبول شهادته الّتي تحملها حالة الصغر ، فكذا الرواية ، والجامع أنّه حال الأداء مسلم عاقل بالغ ، فيحترز عن الكذب.

وفيه نظر ، للفرق بأنّ شهادتهم تقبل حال الصغر في بعض الأحكام دون الرواية ، وبأنّ الشهادة تختصّ بأشخاص معدودين دون الرواية الّتي هي شرع عام في حق الجميع ؛ ولأنّ الشهادة حقّ لآدمي ، فيكون مضيّقا يسمع فيه شهادة الصبيان ، بخلاف حقّ الله تعالى ، ولهذا لم يقبل في الزنا إلّا أربع شهود.

الخامس : المقتضي موجود ، وهو حصول الظن برواية العدل ، والمانع لا يصلح للمانعية ، لأنّ ضابط القبول ظن صدق الراوي ولا اعتبار بوقت التحمّل.

٤١٦

البحث الثاني : في الإسلام

أجمع العلماء كافّة على عدم قبول رواية الكافر الّذي لا يكون من أهل القبلة ، سواء علم من دينه المبالغة في الاحتراز عن الكذب ، أو لا ، وإن كان بعضهم يرى قبول شهادة الذمّي على مثله.

أمّا المخالف من أهل القبلة كالمجسّم وغيره إذا كفّرناه هل تقبل روايته أم لا؟

الحقّ المنع. وبه قال القاضي عبد الجبار والقاضي أبو بكر. (١)

وقال أبو الحسين البصري : إن كان من مذهبه جواز الكذب لم تقبل روايته ، وإلّا قبلت. (٢)

لنا وجوه :

الأوّل : قوله تعالى : (إِنْ جاءَكُمْ فاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا)(٣) أمر بالتثبت عند إخبار الفاسق ، وهذا الكافر فاسق ، فوجب التثبّت عند خبره.

الثاني : قوله تعالى : (وَلا تَرْكَنُوا إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا)(٤) ، وهذا ظالم ، وقبول روايته ركون إليه.

الثالث : الرواية من المناصب الشريفة والمراتب الجليلة فلا تليق بالكافر.

__________________

(١) نقله عنهما الرازي في المحصول : ٢ / ١٩٥.

(٢) المعتمد في أصول الفقه : ٢ / ١٣٥.

(٣) الحجرات : ٦.

(٤) هود : ١١٣.

٤١٧

الرابع : الكافر الأصلي لا تقبل روايته ، فكذا هذا بجامع الاشتراك في الكفر الّذي هو مظنّة الكذب.

الخامس : كفره يقتضي الإهانة والإذلال ، وقبول روايته يقتضي التعظيم والإجلال ، وبينهما تناف ، وجهله بكفره ليس عذرا ، لأنّه ضمّ إلى كفره جهلا آخر.

اعترض (١) على الأوّل : بأنّ اسم الفاسق في عرف الشرع مختصّ بالمسلم المقدم على الكبيرة.

وعلى الرابع بأنّ كفر الخارج عن الملة أغلظ من كفر صاحب التأويل ، وقد فرّق الشرع بينهما في أمور كثيرة ، ومع ظهور الفرق لا يجوز الإلحاق.

وفيهما نظر ، فإنّ الفسق يصدق على هذا لاتّصافه بالإسلام وارتكابه أعظم الكبائر ، على أنّا نمنع اختصاص الفاسق بالمسلم ، لقوله تعالى : (وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِما أَنْزَلَ اللهُ فَأُولئِكَ هُمُ الْكافِرُونَ)(٢) ، ثمّ قال : (وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِما أَنْزَلَ اللهُ فَأُولئِكَ هُمُ الْفاسِقُونَ)(٣) ، وزيادة الكفر لا مدخل لها في العلية وإلّا لم ترد رواية المسلم الفاسق ، فيبقى الحكم مضافا إلى المشترك ويجوز الإلحاق حينئذ.

احتجّوا (٤) بأنّ المقتضى للعمل به قائم ولا معارض ، فوجب العمل به.

__________________

(١) المعترض هو الرازي في المحصول : ٢ / ١٩٦.

(٢) المائدة : ٤٤.

(٣) المائدة : ٤٧.

(٤) وهو قول الرازي في المحصول : ٢ / ١٩٥.

٤١٨

أمّا قيام المقتضى ، فلأنّ اعتقاده لحرمة الكذب يزجره عن الإقدام عليه ، فيحصل ظن صدقه ، فيجب العمل به. وأمّا عدم المعارض فلإجماعهم على أنّ الكافر الّذي ليس من أهل القبلة لا تقبل روايته ، وذلك الكفر منتف هنا.

وفيه نظر ، لأنّ المقتضى ليس اعتقاد حرمة الكذب ، وإلّا لكان ثابتا في حقّ الكافر الأصلي الّذي يعتقد حرمته ويتديّن في مذهبه والأصل عدمه ، وإلّا لوقع التعارض بين المقتضى والمانع وهو الكفر الأصلي والأصل عدم التعارض ، بل المقتضى هو الإسلام ، ونمنع اختصاص الكفر الأصلي بالمعارضة لوجودها في مطلق الكفر.

واحتجّ أبو الحسين (١) بأنّ كثيرا من أصحاب الحديث قبلوا أخبار السلف ، كالحسن وقتادة (٢) وعمرو بن عبيد (٣) ، مع علمهم بمذهبهم واعتقادهم كفر من يقول بقولهم.

__________________

(١) المعتمد في أصول الفقه : ٢ / ١٣٥.

(٢) هو قتادة بن دعامة بن قتادة بن عزيز بن عمرو بن ربيعة بن عمرو بن الحارث بن سدوس ، أبو الخطاب البصري ، وكان أكمه ، ذكره ابن سعد في الطبقة الثالثة من أهل البصرة ، ولد سنة ستين وقيل : واحد وستين ، وتوفّي بواسط في الطاعون وهو ابن ٥٦ أو ٥٧ بعد الحسن البصري بسبع سنين. تهذيب الكمال : ٢٣ / ٤٩٩ برقم ٤٨٤٨.

(٣) هو أبو عثمان وقيل : أبو مروان عمرو بن عبيد بن باب البصري التميمي ، أحد رجالات المعتزلة القدرية ، كان متكلما أديبا شاعرا ، عامّي المذهب ، والعامّة اتّهموه بالكذب وتركوا حديثه ، ولد سنة ٨٠ ه‍ ، وسكن البصرة ، وصحب بها الحسن البصري دهرا من الزمن ثم اختلف معه واعتزل مجلسه وتبعه جماعة سمّوا بالمعتزلة العمروية ، توفّي بمرّان (في طريق مكة) سنة ١٤٤ ه‍ ، وقيل غير ذلك. الفائق في رواة وأصحاب الصادق عليه‌السلام : ٤٩٨ برقم ٢٤٣٧ ، نقلا عن : الكنى والألقاب : ١ / ١٤٩ ؛ ومعجم رجال الحديث : ١٣ / ١١٢ ؛ والأعلام : ٥ / ٨١ ؛ وطبقات المعتزلة : ٣٥ ، وغيرها.

٤١٩

وليس بجيد ، لأنّه إن ادّعى الإجماع فهو باطل ، لأنّه محلّ الخلاف ، وإلّا لم يكن حجّة.

البحث الثالث : العدالة

وهي كيفية راسخة في النفس تبعث على ملازمة التقوى والمروءة.

وهي شرط في قبول الرواية. فالفاسق إذا أقدم على الفسق ، عالما بكونه فسقا لم تقبل روايته إجماعا ، وإن لم يعلم كونه فسقا فكونه فسقا إمّا أن يكون معلوما أو مظنونا.

فإن كان معلوما لم تقبل روايته. وبه قال القاضي أبو بكر ، وقال الشافعي : يقبل. (١)

لنا : إنّه فاسق فيكون مردود الرواية ، غاية ما في الباب انّه جهل فسقه ، وجهل فسقه فسق آخر ، فإذا منع أحد الفسقين من قبول الرواية كان منعهما معا أولى.

احتجّ الشافعي (٢) بأنّ ظنّ صدقه راجح ، والعمل بالظن واجب ، والمعارض المجمع عليه منتف ، فيجب العمل به.

وليس بجيّد ، لأنّ الظنّ غير كاف لحصوله لخبر الفاسق والصبي ، بل لا بدّ له من ضابط معتبر في نظر الشرع ، وهو مستند إلى قول العدل.

__________________

(١) نقله عنهما الرازي في المحصول : ٢ / ١٩٧.

(٢) المحصول : ٢ / ١٩٧. والظاهر أنّ المقصود بالشافعي هو نفس الرازي.

٤٢٠